المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

559

وقال ـ أيضاً ـ أحمد أمين: «حكى (ألفونس سكيروس) في كتابه (التربية الاستقلاليّة): أنّ امرأة عليها سمة الاحتشام والحياء دخلت أحد الحوانيت، وانتقت ما أرادت، وأخرجت من جيبها ورقة (بنك) قيمتها خمسة جنيهات، ولكنّ صرّاف الحانوت وجد أنّها مزوّرة، فبهتت المرأة، وأخرجت له أُخرى، ولكنّها لم تكن خيراً من الاُولى، فارتاب الرجل في أمرها وسلّمها إلى الشرطَة، وبعد التحقيق تبيّن أنّ هذه المرأة خادمة أمينة، كانت عند مخدومها ورقتان مزيّفتان وقعتا في يده اتّفاقاً، فتركهما في بيته من غير أن يمزّقهما، وكانت الخادمة تدخل الحجرة التي فيها الورقتان كلّ يوم؛ لتنظّفها، فتقع عينها عليهما ولا تعبأ بهما، ولكنّ تكرّر حضورهما في ذهنها من يوم إلى يوم ومن شهر إلى شهر حسّن لها أخذهما، فرفضت ذلك في أوّل الأمر بتاتاً، وبعد مدّة لمستهما بيدها وقلّبتهما، ثُمّ ردّتهما فوراً وكأنّ فيهما ناراً تحرق أصابعها، وما زال بها هذا الإغراء حتّى غلبها وأوقعها في السرقة»(1).

وقال ـ أيضاً ـ في كتابه: « ممّا يستوجب الأسف أ نّا في السنين الاُولى ـ سني تكوّن العادات ـ لا نكون قد بلغنا حدّ التفكير الصحيح، ولا تكون لنا قوّة على التمييز بين الأشياء تمييزاً صحيحاً واختيار خيارها لنعتاده؛ فإذا بلغنا هذه السنّ، وأدركنا عيوبنا، وشاهدنا ما نعتاده من عادات سيّئة، صعُب علينا العدول عنها؛ لتصلّبها ورسوخها وإن كان ذلك ممكناً...»(2).

أقول: نعم.

إذا عاش الفتى ستّين عاماً
فنصف العمر تمحقه الليالي
ونصف النصف يذهب ليس يدري
بغفلته يميناً عن شمال


(1) الأخلاق لأحمد أمين: 40.

(2) المصدر السابق: ص 41.