المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

560

وربع النصف آمال وحرص
وشغل بالمكاسب والعيال
وباقي العمر أسقامٌ وشيبٌ
وهمٌّ بانتقال وارتحال
فحبّ المرء طول العمر جهلٌ
وقسمته على هذا المثال

ولا يخفى أنّ العادة كما تؤثّر في نفس الإنسان بتوجيهه نحو الخير أو الشرّ، كذلك قد تؤثّر في تقوية وتنمية مؤثّر آخر، بحيث يصبح على الإنسان مؤثّران في توجيهه نحو الخير أو الشرّ، وذلك في الخيرات أو الشرور التي يكون لها في نفس البشر ـ عادة ـ دافع خلقي نفسي من الفضائل النفسيّة أو الرذائل النفسيّة، فمثلا صفة الوفاء تتأصّل وتنمو في الإنسان بالتكرر في الالتزام بالوفاء، وصفة الجفاء ـ أيضاً ـ كذلك، وكذلك صفة البخل أو الكرم أو ما إلى ذلك، فمن عوّد نفسه على حالة الانتقام أو التشفّي، تغلو في نفسه هذه الحالة، ولايكون الدافع الجديد له بعد ذلك إلى الانتقام والتشفي، العادة مباشرة فحسب، بل قوّة الغضب وضراوته للانتقام أيضاً، وكذلك من عوّد في نفسه حالة الوفاء ذكى في نفسه نور الوفاء، فحينما يلتزم بالوفاء بعد ذلك ليس دافعه الجديد العادة وحسب، بل وكذلك قوّة نور الوفاء في قلبه. وكذا الحال في باقي الفضائل والرذائل، بل لعلّ التعود على المصاديق الفعلية لهذه الصفات النفسية، تخلق أحياناً تلك الصفة فيمن لم تكن لديه، أو كانت عكسها لديه.

 

وبالالتفات إلى مدى تأثير العادة في نفوسنا الذي كاد أن يكون كتأثير الغرائز الأصليّة، ومدى تأثير مبادئ العادة، تتّضح لدينا أُمور هامّة لها قيمتها في مجال التربية:

الأوّل: ضرورة إسراعنا إلى تربية نفوسنا مبكرين في ذلك بقدر الإمكان؛ فإنّ كلّ تأخير لذلك يعني استحكام العادات وتحددها وصعوبة التربية بعد ذلك، وضرورة تحصيل العادات الحسنة في الصغر، ثُمّ في عنفوان الشباب، ثمّ قبل سن الكهولة ... وهكذا.