المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

561

ولعلّ هذا هو أحد الأسباب لما روي ـ على ما قاله المرحوم الشيخ عباس القمّي(رحمه الله) في سفينة البحار(1) ـ: «إذا بلغ الرجل أربعين سنة ولم يتب، مسح إبليس وجهه وقال: بأبي وجه لا يفلح».

فإنّ هذا الشخص قد استحكمت عاداته، ومن الصعب بعد هذا أن يغيّر عادةً أو يحسن صفة من الصفات.

وأيضاً لعلّ السبب الآخر لذلك هو: أنّ الإنسان يتحدد ـ عادة ـ طريقه في الحياة كاملا خلال أربعين سنة، ومن الواضح أنّ طريقة الحياة وظروفها ومكتنفاتها لها الأثر الكبير في سنخ التربية.

هذا، إضافة إلى سبب آخر محتمل لذلك، وهو: أنّ الإنسان يبلغ ذروة كماله المزاجي والفكري من خلال أربعين سنة، ثُمّ يتجه نحو التوقف، ثُمّ النقصان عادةً، فلو لم يفلح في زمان ذروة القدرة وقوّة الإرادة، ضعف احتمال الفلاح بعد ذلك، وفي الحديث عن أبي بصير قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): «إذا بلغ العبد ثلاثاً وثلاثين سنة فقد بلغ أشدّه، وإذا بلغ أربعين سنة فقد بلغ منتهاه، فإذا طعن في إحدى وأربعين فهو في النقصان. وينبغي لصاحب الخمسين أن يكون كمن كان في النزع»(2).

وعليه فالاهتمام بتربية النفس قبل بلوغ الأربعين من أشدّ الضرورات، خاصةً وأنّ سني الأربعين فما فوق هي سنوات اشتداد الحساب والكتاب عليه من قبل الله تعالى على ما في بعض الروايات، فعن أبي بصير قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام):

«إنّ العبد لفي فسحة من أمره ما بينه وبين أربعين سنة، فإذا بلغ أربعين سنة أوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى ملائكته أ نّي قد عمّرت عبدي عمراً (وقد طال)، فغلّظا وشدّدا وتحفظا واكتبا عليه قليل عمله وكثيره وصغيره وكبيره. قال: وقال


(1) سفينة البحار 3/284.

(2) الخصال 23/545، أبواب الأربعين.