المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

569

ـ أيضاً ـ تربيةً للنفس وتهذيباً لها، فهو بالفعل يكون في نموٍّ وتسام روحي وأخلاقي ومعنوي. وقد ورد عن الصادق(عليه السلام): «مَن استوى يوماه فهو مغبون. ومن كان آخر يومه شرّهما فهو ملعون. ومَن لم يعرف الزيادة في نفسه كان إلى النقصان أقرب. ومَنْ كان إلى النقصان أقرب فالموت خير له من الحياة»(1).

وهذه الرواية من الروايات التي أحسُّ عليها بآثار الصدق ونور الإمامة، وكلُّ بنودها واضحة بالمنطق القطعي. فمن استوى يوماه فهو مغبون؛ لأنّ العمر هو رأس مال الإنسان، فمن استوى فقد خسر رأس ماله، فيكون لا محالة مغبوناً. ومن كان آخر يوميه شرّهما فهو مبعد عن رحمة الله؛ لأنّ المفروض بالإنسان أن يكون في تقدّم، فإن لم يكن في تقدّم فالمفروض عدم التقهقر في أقلّ تقدير؛ إذ هذا يعني خسارة رأس المال زائداً خسارة ما كسبه سابقاً. ومن لم يعرف الزيادة كان إلى النقصان أقرب؛ لأنّ الإنسان بطبيعته متحرّك، ونادرٌ وقوفه، فلو لم يتحرّك إلى الأمام ففي الأكثر يتحرّك إلى القهقرى. ومن كان إلى النقصان أقرب فالموت خير له؛ لأنّه بالحياة يخسر ولا يربح. وقد مضى في أواخر الحلقة الثالثة من هذا الكتاب دعاء إمامنا زين العابدين(عليه السلام): «... عمّرني ما كان عمري بذلة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إليّ، أو يستحكم غضبك عليّ...»(2).

وختاماً أقول: إنّ العادة الحسنة حينما تتكوّن فهي على رغم ما تترتّب عليها من فوائد هامّة جداً: كسهولة العمل المعتاد، وتوفير الزمن، والانتباه، وخلق ميل نفسي نحو ذاك الشيء الحسن، وهذا الميل يجرّ الإنسان نحو الخير، على رغم كلّ هذا يوجد لها ضرر جانبي،وهو: أنّه حينما صارت العبادة أو أيّ عمل خيري عادةً


(1) بحار الأنوار 71/173.

(2) الدعاء العشرون من الصحيفة السجاديّة.