المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

57

تصويرات ثلاثة لا رابع لها بعد التسليم بوجود العالَم حقيقةً:

التصوير الأوّل: افتراض أنَّ واجب الوجود أو الوجود المطلق لا يحدُّه إلاَّ واجب مثلُه أو وجود مطلق مثلُه، وأمّا الوجودات المخلوقة فليست حَدّاً لوجود الواجب؛ ولهذا اجتمع بالفعل وجود واجب الوجود من ناحية ووجود عالم مخلوق له من ناحية أُخرى.

إلاَّ أنَّ هذا التصوير ما لم يرجع إلى التصوير الثاني يبدو بظاهره باطلاً؛ لما قد يقال: من أنَّ الوجود المطلق إن كان مطلقاً حَقّاً لم يبقَ مجالاً لأيِّ وجود آخر، وأيُّ وجود آخر يُفترض في مقابل هذا الوجود يعني ذلك: انتهاء ذاك الوجود المطلق من حين ابتداء هذا الوجود. ومجرّد افتراض رابطة التعلُّق بين الوجودين على شكل كون الوجود المطلق علَّة أو خالقاً، والوجود الآخر المحدود معلولاً أو مخلوقاً، لا يحلُّ مشكلة استحالة وجود آخر إلى صف الوجود المطلق.

التصوير الثاني: افتراض أنَّ إطلاق الوجود يعني إطلاق الوجود المستقل، ولا تعارضه الوجودات التعلُّقيّة، فإنّنا لا نفترض وجودات مستقلَّة مُتَّصفة فيما بينها بصفة العلّيّة والمعلوليّة كي تحدَّ تلك الوجودات المستقلَّة المعلولة وجودَ العلَّة.

وبكلمة أُخرى: إنَّنا لا نفترض أنَّ نسبة الواجب ـ تعالى ـ إلى مخلوقاته كنسبة العلل والمعلولات المادّيّة التي أَلِفْناها، والتي يُفترَض فيها وجودان مستقلان بينهما رابطة التعلّق أو نسبة العليَّة والمعلوليّة، بل نقول: إنَّ وجودات المخلوقات هي كلُّها وجودات تعلّقيَّة، في حين أنَّ وجود الله ـ تعالى ـ هو الوجود المستقل المطلق، فليس هذا التعلُّق خيطاً رابطاً بين شيئين مستقلَّين، بل المخلوق هو عين التعلُّق والارتباط. وهذا هو الفهم السائد بين الفلاسفة الإسلاميين. وعلى هذا الأساس قالوا: إنَّ علم الله ـ سبحانه ـ بمخلوقاته علم حضوريٌّ لا حصوليٌّ.