المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

571

العمل الفلاني لله، وأنّ هدفها الله جلّ وعلا فحسب، فتراه يغتاب أو يكذب أو يفتري انتقاماً أو سخطاً أو تماهلا في الدين، ولكنّه يبرّر ذلك بينه وبين نفسه ـ لتخفيف تأنيب الضمير أو رفعه ـ بأنّ ذلك كان لأجل دفع الشرّ، أو الحيلولة دون طغيان ذاك الشخص، أو ما إلى ذلك. فلو دقّق حقّاً في عمله ودوافعه النفسيّة لاتّضح له تدخّل غير الله في تحريكه.

وقد يتخيّل الإنسان أنّه وصل إلى درجة معتد بها من الكمال، في حين أنّه ليس الأمر كذلك، فمثلا ربما لا يستطيع أن يصدّق الإنسان بأنّه لم يترقّ في نفسيّاته وتطلّعاته إلى المراتب المعنويّة، وكماله الروحي منه حينما كان طفلا رضيعاً، وإذا به يتأثّر من أنّ فلاناً تقدّم عليه في المجلس مثلا، في حين أنّ هذا هو عين حالة طفولته في الوقت الذي كان يتأثّر لو قدّمت أُمّه عليه طفلا آخر، أو أرضعت طفلا آخر غيره، أو أجلسته في حجرها. فبامتحان من هذا القبيل يستطيع أن يعرف أنّه في أمثال هذه الاُمور لا يزال يعيش نفسيّات أيّام طفولته، وإنّما الفرق في المصداق المبرز لهذه النفسيّات لا أكثر من ذلك.

وربّما لا يستطيع الغنيّ المتموّل أن يصدّق أنّه في خسّة نفسه كذاك الفقير السائل، الذي يمتلئ غيظاً وحسداً لو رأى أنّه أُعطي للفقير الآخر، فلس واحد دونه، في حين أنّه هو ـ أيضاً ـ يمتلئ غيظاً وحسداً لو رأى أنّ ربحاً هائلا قد حصل عليه صديق له دونه، وكانت نسبة الربح إلى ماله وحاله كنسبة الفلس الواحد إلى حال ذاك الفقير السائل. فالنفسيّة هي عين تلك النفسيّة، وإنّما الفرق في المصداق.

والخلاصة: أنّ الغفلة عن الدوافع الحقيقيّة، وعن معرفة حقيقة نفسه، والدرجة التي وصل إليها من رفعة ومقام، أو خسّة وانحطاط، هي أحد الموانع عن تربية النفس. ولا بدّ من رفعها بالدقّة والالتفات، والتجربة ومحاسبة النفس.