المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

58

التصوير الثالث: ما نُسِبَ إلى جمع من العرفاء: من أنَّ أيَّ وجود يُفتَرض غير وجود الله ـ سبحانه وتعالى ـ يكون ذلك حَدّاً لوجوده تعالى، سواءٌ فرضناه وجوداً استقلاليّاً أو فرضناه وجوداً تعلُّقيّاً، فهو ما دام شريكاً مع الله في الوجود ولو بمرتبة افترضناها نازلة فقد شكَّل هذا الوجود حَدّاً لوجوده سبحانه وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً، ولا فرق في لزوم التحديد بين أن يُفترَض وجودٌ في مقابل وجود الله صغيرٌ كجناح بعوضة، أو ذرَّة لا تُرى بالعين، أو هو أصغر من ذلك، أو يفترض وجود من أعظم الخلائق وأكبرها، وكذلك لا فرق بين أن يُفتَرض وجود من أعلى مراتب الوجود شدّةً وقوّةً وكثرةً، أو من أدناها مرتبةً وضعفاً وقلّةً.

وعليه، فالواقع: انَّ الممكنات أو الماهيّات في الحقيقة هي: شبكات لذلك الوجود المستقل المطلق، وهو وجود الله تعالى، ويُرَى من خلالها ذاك الوجود(1).

إذن، فصاحب هذا الرأي لا يقول: بأنَّ العالم وهم وخيال، أو اعتبار محض لا وجود له، أو أنَّ إطلاق عنوان الموجود فيه يكون على أساس مجرّد نسبته إلى وجود الله، من قبيل: التامر، واللابن، نسبةً إلى التمر واللبن. ولا يَرى أنَّ وجود الله حلَّ في الوجودات الممكنة، أو اتَّحد معها، أو ما إلى ذلك من عناوين تقتضي نوعاً من الاثنينيّة أوّلاً، ثُمَّ الحلول أو الاتحاد، بل يرى صريحاً أنَّ العالم ـ بكلِّ ما يزخر به ظاهراً من الممكنات ـ شبكة يُرى بها وجود الله الذي هو الوجود الحقيقيّ، والمستقل، والمطلق والبسيط، وغير المشكِّك، وإن كان المرئيُّ كأنَّه يتقدَّر بتقديرات اعتبارية باختلاف الشبكات التي يرى بها الرائي.

ويعتقد ـ عادةً ـ أصحاب هذا المسلك: أنَّ هذا سرٌّ لا يصحُّ إفشاؤه أمام عامّة


(1) راجع كتاب توحيد علمي وعيني، تذييل السيّد محمّد حسين الطهراني على الرسالة الرابعة للشيخ الإصفهاني(رحمه الله): 195 ـ 220، وصاحب التذييل يدَّعي: أنَّ هذا هو رأي جميع العرفاء بالله.