المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

592

المشاعر دفعةً هزّةً عظيمة، ومن ثُمّ ينتهي إمّا إلى السعادة العظمى، أو إلى الدرك الأسفل، ترتّبت على ذلك عدّة نصائح، لابدّ من الأخذ بها:

الاُولى: لا ينبغي للإنسان أن يبقى غافلا عن هذا النمط من الامتحان إلى أن يقع فيه؛ لأنّ اتخاذ التصميم لسلوك أحد الطريقين لدى التزاحم العنيف الهازّ للمشاعر من الأعماق، يكون فورياً، كما اتّفق لحرّ بن يزيد من ناحية، ولعمر بن سعد من ناحية أُخرى في القصّتين اللتين أشرنا إليهما. وهنا يكمن خطر الانزلاق إلى درك لا يُرى عمقه، ولا يدرك غوره، انزلاقاً أبديّاً لا يعود صاحبه إلى خير. فعلى الإنسان أن يكون ـ دائماً ـ على أُهبة الاستعداد لامتحان من هذا القبيل، وأن يطالع ـ دائماً ـ ما حوله من المكتنفات؛ كي يستطيع أن يتنبّأ الواقعة قبل الوقوع، ولا يفاجأ بالأمر، وعندئذ يكون أقدر على اختيار الطريق الصحيح، وإنجاء نفسه من الهلكة.

والثانية: لا ينبغي للإنسان أن ينتظر وقوع حالة من هذا القبيل على وفق الصُدف والمفاجأة الخارجة عن اختياره، وهو لا يعلم ماذا ستتمّ له من سعادة أو شقاء، بل ينبغي له أن يخلق هو ظروفاً مؤدّية إلى أمر من هذا القبيل، على أن يدبّر الظروف بالحدود التي يرى في نفسه القدرة على تحمل المشهد الناجم منها، وعلى ترجيح جانب الخير، فمثلا من يصعب عليه إنفاق المال بإمكانه أن يتعمّد الفحص عن مواضع الإنفاق التي تهزّ المشاعر: من أيتام معوزين، أو مشروع خير يدعو ضمير الإنسان نحو التفاعل معه، ـ زائداً على الواجبات الفقهيّة التي لابدّ له من الالتزام بها ـ ويقرن ذلك بزمان حاجة ماسّة شخصيّة له بما لديه من المال، كي يقع بين نداء النفس الأمّارة التي يدعوها إلى تلبية مآربه الشخصيّة، ونداء الوجدان الذي يدعوه إلى مساعدة المحتاجين المعدمين، أو المشروع الإسلامي النافع، مع ترتيب المقارنات والمكتنفات الخارجيّة والنفسيّة من قبل الطرفين بنحو يساعده