المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

61

تعالى؟! والبرهان إنّما اقتضى الوجود المستقل لواجب الوجود لا شيئاً آخر، بل البرهان ناف للوجود التعلُّقيِّ عنه، فالذي ينافي البرهان إنّما هو فرض وجود مستقل آخر، فهو الذي ينفي صرافة الوجود المستقل لله تعالى.

نعم، لا شكَّ أنَّ الآيات المشار إليها، والأحاديث التي نقلناها عن عليٍّ(عليه السلام) وما أشبهها تنفي الفهم الساذج لبعض عوام الناس، الذي يعني: كون نسبة الله إلى العالم كنسبة العلل المادية إلى معلولاتها المادية التي تنفصل عن عللها أو كبنّاء بنى بيتاً ثُمَّ انفصل عنه؛ ولكن لا ظهور لها في التصوير الثالث في مقابل التصوير الثاني، ولو فُرِضَ لها ظهور أوّليّ في ذلك لكان ظهوراً منعدماً بحكم العقل. انتهى ما أردنا نقله عن كتابنا في الأُصول.

أقول: وعلى هذا التصوير لوجود المخلوقين ـ وهو الوجود التعلُّقيُّ الذي أشرنا إليه في التصوير الثانيـ يترتَّب تصوير الأمر بين الأمرين في أفعال العباد، فهي في عين انتسابها إلى العباد حقيقة تكون مسبَّبة لله تعالى؛ لأنّ إضافة المولى ـ سبحانه ـ إلى مخلوقيه إضافة إشراقيّة، فمخلوقوه وأفعالهم مخلوقة لله برغم أنّها صادرة منهم وباختيارهم من دون أن يكونوا محالّاً لتلك الأفعال، وتكون تلك الأفعال منتسبة إلى الله فحسب فهي أفعالهم مختارين فيها، ولكن في نفس الوقت يصحّ قوله تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاؤون إلاَّ أن يَشاءَ الله... ﴾(1).


(1) السورة 76، الإنسان، الآية: 30، والسورة 81، التكوير، الآية: 29.