المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

617

وتوضيح ذلك باختصار: أنَّ أوَّل هذه العناوين هو التوبة، وهي وحدها التي حتَّم الله ـ تعالى ـ على نفسه قبولها، وتوبته عزَّ وجلَّ على العاصي بقوله: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ ...﴾ أمَّا الاعتماد عليها للانهماك في المعاصي فهو منهج مغلوط لاستعمال الوصفة؛ وذلك لوجهين:

الأوَّل: أنَّ العاصي لا يعلم هل سوف يمهله الموت للتوبة أو لا، فكيف يصحُّ التورُّط في المعصية بالاعتماد على التوبة؟!

والثاني: أنَّه ما يدريه أنَّ ما يصدر عنه من الذنب لن يجرَّه مستقبلاً ـ لما يؤثِّر في النفس تأثيراً غير مرضيّ: من إفسادها، وتنزيلها إلى المراتب السافلة، وتقوية جوانب الشرِّ فيها، وتضعيف دوافع الخير فيها ـ إلى معصية أُخرى، وهكذا إلى أن يصل في الشقاء إلى مرتبة لن يُوفَّق للتوبة. وفي الحديث عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: « ما من عبد إلاَّ وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطِّي البياض، فإذا غطَّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله عزَّوجلَّ: ﴿... بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾ »(1).

وقد ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنَّه قال: «ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة ...»(2) وهذا أمر طبيعي؛ لأنَّ القلب قبل الخطيئة نيِّر وضَّاء، فيسهل معه ترك الذنب، وبعد الوقوع في الخطيئة يبتلي بالسواد والظلمة.

وعن طلحة بن زيد، عن الصادق(عليه السلام) قال: «كان أبي(عليه السلام) يقول: ما من شيء أفسد


(1) مضت الرواية في بحث التوبة، وهي واردة في وسائل الشيعة 15 / 303، الباب 40 من جهاد النفس، الحديث 16، والآية: 14 في السورة 83، المطففين.

(2) مضى في بحث التوبة، وهو وارد في اُصول الكافي 2 / 451.