المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

624

مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾(1) فالذي يبدو لي من هذه الآية المباركة ـ والله أعلم بمقصوده ـ أنَّه ليس المقصود كون الحسنة موجبة للعفو عن السيِّئة من دون تبدل الحال كي يثمر ذلك الجرأة وعدم المبالاة بالذنب؛ فإنَّ الآية فرضت الحسنة مُذهِبة لنفس السيِّئة لا موجبة للعفو عن العقاب فحسب.

والمقصود بإذهابها للسيِّئة ـ والله العالم ـ هو: محو أثر السيِّئة على النفس، فكما أنَّ السيِّئة تحدث السواد على القلب أو تؤثِّر في القلب أسرع من تأثير السكّين في اللحم كما مضى، كذلك الحسنة تُصقل القلب وتبدِّل الحال، وبقدر تبدّل الحال يرتفع العقاب، فهذه درجة من التوبة والرجوع إلى الله تعالى.

فإذا فسِّرت قاعدة: أنَّ الحسنات يذهبن السيِّئات بهذا التفسير، فأثرها كأثر قبول التوبة: إنَّما هو إعطاء الأمل للمؤمن المذنب لا الجرأة. أمَّا الذي يستغلّها في سبيل الجرأة على المعاصي، فهذا يعني سوء الاستفادة من وصفة الطبيب، كمن يسيء الاستفادة من فكرة التوبة. وليس هذا عيباً في وسائل المغفرة.

وأمَّا العفو المعلَّق على مشيئة الله في الآيتين الماضيتين، فمن الواضح أنَّه نتيجة تعليقه على مشيئة الله وعدم تنجيزه لاتثمر الجرأة، إلاّ لمن يريد أن يسيء الاستفادة من هذه الوصفات.

وأمَّا الشفاعة فلا إشكال في أنَّ الاعتقاد بها من أعظم المحفِّزات نحو الخير وكسب السعادة والكمال؛ لما قلنا من: أنَّ المنهمك في المعاصي وبالذات في الكبائر لو أصابه اليأس انسدَّ عليه باب النجاة، ولكن الاعتقاد بالشفاعة يدفع عنه اليأس، ويفتح له باب الأمل الذي لولاه لما تحرَّك نحو الخير.

وأمَّا كون الاعتقاد بالشفاعة موجباً للهلاك؛ لأنَّه يجرِّئ العبد على المعصية، فليس إلاّ كتأثير الاعتقاد بالتوبة في بعض النفوس في إيجاد الجرأة له على


(1) السورة 11، هود، الآية: 114.