المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

625

الذنوب، بأمل أنَّه سوف يتوب عنها فتضمحلُّ. وهذا في الحقيقة ـ كما قلنا ـ ليس مشكلة التوبة أو الشفاعة، بل هي مشكلة كيفيَّة استعمال هذه الفكرة في غير محلِّها، فكما نقول في التوبة بأنَّ الاعتماد عليها في ارتكاب الذنوب من أعظم الأخطاء؛ لأنَّه:

أوّلاً: إنَّ التوبة أصعب من ترك الذنب؛ لأنَّ القلب إذا قسى بالذنب كان رجوعه إلى الهُدى أصعب من استمراره على الهدى قبل القسوة.

وثانياً: إنَّ إمهال الموت للوصول إلى التوبة غير مضمون.

وثالثاً: إنَّ الذنب قد يجرُّ الإنسان إلى ذنب آخر، ثُمَّ ينجرُّ إلى ذنب ثالث، وهكذا إلى أن يغطِّي السواد قلبه، وعندئذ لا يرجع إلى الخير أبداً، كذلك نقول في الشفاعة:

أوَّلاً: إنَّ الشفاعة لم تكن مضمونة لأحد؛ لأنَّها مقيَّدة ـ كما سوف يأتي إن شاء الله ـ في الآيات بإذن الله سبحانه وتعالى.

وثانياً: إنَّ الذنب بأمل الشفاعة قد يجرُّ الإنسان نحو ذنب آخر، وهكذا إلى أن يخرج صاحبَه من قابلية نيل الشفاعة.

وثالثاً: إنَّ الشفاعة قد تقع بعد دخول النار أو قبله، وبعد تحمُّل شدائد القيامة التي تذهل لها كلُّ مرضعة عمَّا أرضعت، وتضع كلُّ ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، فحتّى لو فُرِضت قطعيَّة الشفاعة لأحد فالمفروض به أن تحجزه شدائد عرصات يوم القيامة ومسألة البرزخ عن المعاصي، ولو لم يكن إلاّ الموت لكفى، فكيف وما بعد الموت أمرُّ وأدهى.

أمَّا الدليل على الشفاعة فهو:

أوّلاً: التصريح بذلك في آيات كثيرة كقوله تعالى:

1 ـ ﴿... مَا مِن شَفِيع إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ...﴾(1).


(1) السورة 10، يونس، الآية: 3.