المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

633

وقد فسِّرت هذه الشفاعة بعدّة تفاسير:

التفسير الأوَّل: افتراض هذه الشفاعة أمراً شكليَّاً بحتاً، فإنَّ هناك من سَلَب التأثير عن الشفاعة على الإطلاق، وجعله مجرّد عمل شكلي وإكرام من الله للشفيع في الوساطة الشكليَّة فقال: إنَّ الشفاعة إنَّما هي بالشكل فقط، وليست حالة وساطة بالمعنى الذي يفهمه الناس في علاقاتهم بالعظماء؛ حيث يلجؤون إلى الأشخاص الذين تربطهم بهم علاقة مودَّة، أو مصلحة معيَّنة، أو موقع معيَّن ليكونوا الواسطة في إيصال مطالبهم وقضاء حوائجهم عنده. إنَّ الشفاعة هي: كرامة من الله لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة، فيشفِّعهم فيمن يريد المغفرة له ورفع درجته عنده؛ لتكون المسألة في الشكل وساطة في النتائج التي يتمثَّل فيها العفو الإلهي الربَّاني تماماً كما لو كان النبيُّ السبب، أو الوليُّ هو الواسطة(1).


(1) من وحي القرآن 25 / 66 ـ 69.

ونصّ عبارته ما يلي:

أمّا الشفاعة التي جاء الحديث عنها في الروايات المتعدّدة عن السنّة والشيعة فإنّها ليست حالة وساطة بالمعنى الذي يفهمه الناس في علاقاتهم بالعظماء لديهم الذين قد لا يستطيع الناس مخاطبتهم بشكل مباشر للحواجز المادّيّة الفاصلة بينهم وبين الناس ولذلك يلجأ الناس إلى الأشخاص الذين تربطهم بهم علاقة مودّة أو مصلحة أو موقع معيّن ليكونوا الواسطة في إيصال مطالبهم إليهم وقضاء حوائجهم عنده.

إنّ الشفاعة هي كرامة من اللّه لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة فيشفعهم فيمن يريد المغفرة له ورفع درجته عنده لتكون المسألة ـ في الشكل ـ واسطة في النتائج التي يتمثّل فيها العفو الإلهي والنعيم الربّاني تماماً كما لو كان النبي هو السبب أو كان الوليّ هو الواسطة ولكنها ـ في العمق ـ إرادة اللّه لذلك ممّا لا يمكن لنبيّ مرسل أو ملك مقرّب أو وليّ امتحن اللّه قلبه للإيمان أمر تغييرها في الاتجاه الذي تتحرك فيه، وبذلك فهم يدرسون مواقع رضا اللّه في عباده ليقوموا بالشفاعة أو ليأذن اللّه لهم بالشفاعة. وفي ضوء ذلك لا معنى للتقرب للأنبياء والأولياء ليحصل الناس على شفاعتهم؛ لأنّهم لا يملكون من أمرها شيئاً بالمعنى الذاتي المستقلّ، بل اللّه هو المالك لذلك كلّه على جميع المستويات، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع محدّدة ليس لهم أن يتجاوزوها. الأمر الذي يفرض التقرب إلى اللّه في أن يجعلنا ممّن يأذن لهم بالشفاعة له. وهذا هو الذي نفهمه من آيات الشفاعة في القرآن التي تؤكّد على أنّها قضية تتصل باللّه فليس لأحد أن يمارسها إلاّ بإذنه فيمن ارتضاهم اللّه لينالوا عفوه. قال اللّه تعالى: ﴿لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمنِ عَهْداً﴾(19 / 87)، ﴿يَوْمَئِذ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ﴾(20 / 109)، ﴿وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾(34 / 23)، ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى﴾، وليس معنى إذن اللّه للشفعاء أنّه أعطاهم الحرّيّة في ذلك أو أنّه يتقبّل منهم ذلك على أساس خصوصيات علاقاتهم ليتقرب الناس منهم بالوسائل الخاصّة التي تثير مشاعرهم وتؤكّد علاقاتهم بهم بشكل شخصي، كما هي الأشياء الشخصيّة، بل إنّ معنى ذلك أنّ اللّه جعل لهم هذه الكرامة ليستعملوها فيما يوافق رضاه؛ لأنّ المفروض أنّ رضاهم لا ينفصل عن خطّ رضاه، كما أنّ رضاه يتحرّك في آفاق حكمته لا في آفاق رغبات القريبين إليه بالمعنى الذاتي للمسألة. وفي ضوء ذلك فإنّ الاستشفاع بالأنبياء والأولياء لا يمثّل خروجاً عن توحيد الاستعانة باللّه؛ لأنّه يرجع في الحقيقة إلى طلب المغفرة من اللّه والنجاة من النار من خلال ما اقتضته إرادة اللّه وحكمته في ارتباط عفوه بشفاعة هذا النبيّ أو الوليّ على أساس ما أراده اللّه من حكمته في ذلك.

انتهى نصّ عبارته.