المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

636

بل به يدفع ـ أيضاً ـ الإشكال الإثباتي على الشفاعة بلحاظ آيات نفي الشفاعة ببيان: أنَّ آيات نفي الشفاعة تقصد نفي الشفاعة المألوفة في الدنيا، والتي تبدأ بالعاصي وتنتهي بالمشفوع إليه، وآيات الشفاعة تقصد الشفاعة الصحيحة التي تبدأ بالله وتنتهي بالعصاة(1).

إلاَّ أنَّ هذه الشفاعة ليس فيها أمل جديد للعاصي غير نفس أمل سعة رحمة الله عزَّ وجلَّ.

وعلى أيِّ حال، فهذه الشفاعة خلاف ظاهر أكثر أدلَّة الشفاعة؛ فإنَّها تنصرف ـ بقطع النظر عن الإشكالات ـ إلى الشفاعة المألوفة في هذه الدنيا، وهي: العفو عن المذنب لأجل الشفيع، لا العفو الذي كان المفروض أن ينزل على المذنب ولكنَّه لم يرَ طريقاً للنزول إلاَّ بتوسُّط الشفيع، وذلك من قبيل توسط الشمس والتراب في وصول الأرزاق إلينا.

وهنا أيضاً لا أرى مبرِّراً لمصير من صار إلى تفسير الشفاعة بذلك عدا عجزه عن حلِّ الإشكالات التي توجَّه إلى الشفاعة بالمعنى المألوف.

التفسير الثالث: ما أشرنا إليه آنفاً من الشفاعة المألوفة في الدنيا التي هي لأجل الشفيع، أي: إنَّ الله ـ تعالى ـ إنَّما يعفو عن المذنب لا لأنَّه أراد العفو والرحمة في ذاتها، ولم يكن طريق لنزول العفو أو الرحمة إلاَّ الشفعاء، فالشفعاء كانوا وسطاء في خطِّ النزول، بل كان العفو والرحمة لأجل طلب الشفيع ذلك من الله، فالشفيع وسيط في خطِّ الصعود بين العبد والله سبحانه وتعالى. وهذا هو ظاهر أدلة الشفاعة التي تحمل ـ لولا محذور ـ على نفس ما هو المفهوم والمألوف في هذه الدنيا: من أنَّ كرامة الشفيع لدى المشفوع إليه أوجبت قبول طلبه وشمول رحمة المشفوع إليه للمشفوع له. وهذا المعنى هو في غاية الظهور من مثل قوله تعالى: ﴿... وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ


(1) المصدر السابق: 259.