المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

638

ونحن نقتصر هنا على ذكر أهمِّ الإشكالات التي أُوردت أو يمكن أن تورد على الشفاعة، وهي ما يلي:

الأوَّل: ما هو مسلك الوهَّابيين: من أنَّ الإيمان بالشفاعة نوع شرك بالله تعالى.

ولعلَّ هذا أتعس وجوه الإشكال في المقام؛ وذلك لأنَّ شائبة الشرك إنَّما هي فيما لو فرض أنَّ الشفاعة تكون بمعنى أنّ الشفيع هو الذي يغفر ذنب العبد في مقابل إرادة الله تعالى، في حين أنَّ المدَّعى هو: أنَّ الشفاعة تكون أساساً بإذن الله، ثُمَّ يكون الغفران من الله كاستجابة لدعاء الشفيع. وهذا أبعد ما يكون من الشرك، ومنسجم تماماً مع فكرة التوحيد. وليس انسجام الشفاعة مع فكرة التوحيد متوقِّفاً على تفسيرها بكون الله ـ تبارك وتعالى ـ هو الذي أراد العفو، فأمر وليَّه الشفيع بشفاعة المشفوع له، بل يكفي في ذلك افتراض كون الشفيع داعياً لله بإذنه في طلب العفو للمذنب، واستجابة الله ـ تعالى ـ لدعوة وليِّه سنخ استجابته لكلِّ دعاء آخر، ولو كان الإيمان بهذا شركاً لكان الإيمان بالدعاء ـ أيضاً ـ شركاً، في حين أنَّ القرآن يقول: ﴿... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ...﴾(1).

والثاني: أنَّ الشفاعة تستلزم كون الشفيع أكثر رحمة من الله تعالى؛ لأنَّه لولا شفاعته لما غفر الله لهذا العاصي، ولكنّ شفاعة الشفيع اقتضت شمول العفو والمغفرة له.

والجواب: أنَّ صفة الرحمة والشفقة بمعناهما العاطفي الراجع إلى نوع من التأثُّر الإنساني، موجودةٌ في الشافعين بما فيهم الأنبياء والصدِّيقون وجميع المعصومين(عليهم السلام)، ولكنَّ الله تعالى منزَّه عن ذلك، وإنَّما الرحمة الثابتة للربِّ تكون بمعنى مجرَّد عن شوائب التأثُّر والانكسار العاطفي، فإذا كان العاصي واصلاً في مستوى عصيانه إلى حدّ لا يستحقُّ رحمة الربِّ تعالى، ولكنَّه لم يكن واصلاً إلى


(1) السورة 40، غافر، الآية: 60.