المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

639

مرتبة لا تشمله العطوفة التأثُّريَّة الإنسانيّة النزيهة الموجودة في الصلحاء، أو كان واصلاً إلى تلك المرتبة ولكنّه لاقى من العذاب ما هيّأه لشمول العطوفة الإنسانيّة له، ولم يكن بعدُ مشمولاً للرحمة الإلهيَّة المجرّدة عن شوائب التأثّر، اتَّجهت إليه رحمة الشفيع الإنسانيّة التي تكون ساحة الربِّ منزَّهة عنها، ولم تتَّجه إليه الرحمة الإلهيّة التجريديَّة. أ مَّا لو كان العاصي غير واصل إلى مستوى حرمانه من تلك الرحمة التجريديَّة، فهو مشمول لرحمة الربِّ، وقد تشمله شفاعة الشفيع أيضاً. فهذا الاعتراض قد ينتج من الخلط بين رحمة الربِّ المجرَّدة عن شوائب التأثُّرات العاطفيَّة، ورحمة الشفيع الناتجة من صفة الرقّة المخصوصة بالإنسان ومنهم الشفعاء، والمنزَّهة عنه ساحة الربِّ.

وأيضاً قد يكون للعاصي حقٌّ أخلاقيٌّ على الشفيع، وهذا الحقُّ اقتضى مكافأته من قبل الشفيع بطلب العفو من الله تعالى، فأصبح العفو عنه متوقِّفاً على الشفاعة.

الثالث: أنَّ الشفاعة نوع استثناء وتبعيض بين المذنبين، وهو خلاف العدل أو الحكمة.

والجواب:

أوَّلاً: يمكن افتراض عدم التبعيض، وذلك بشمول شفاعة الشافعين لكلِّ مذنب بقيت له أرضيَّة الشفاعة، إمَّا ابتداءً أو بعد فترة من العذاب، ولا يحرم منها إلاَّ الذي أفنت ذنوبُه أيَّ أرضيَّة وقابليَّة له للشفاعة.

وثانياً: لو فُرِض التبعيض كما لو لم تشمل شفاعة الشافعين بعض من كان بالإمكان شمولها له، لم يكن هذا خلاف العدل أو الحكمة؛ لأنَّ قبول الشفاعة من قبل الله تعالى إنَّما هو مكافأة للشفيع على أعماله الصالحة، وليس مكافأة للمشفوع له كي يرجع ذلك إلى التبعيض بين المذنبين، كما أنَّ فرض تبعيض الشفيع للمذنبين المؤهَّلين لقبول الشفاعة ـ أيضاً ـ ليس قبيحاً أو خلاف الحكمة؛ فإنَّ الشفاعة