المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

640

كانت فضلاً من الشفيع لا حقَّاً واجباً عليه، وقد يختصُّ ملاك الفضل ـ كحقِّ المشفوع له الأخلاقي على الشفيع ـ ببعض دون بعض.

الرابع: أنَّ القول بالشفاعة يستلزم الاعتقاد بأنَّ الله يقع تحت تأثير الشفيع، ويتبدّل غضبه بالرحمة، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

والجواب: أنَّ الغضب والرضا بمعناهما العاطفيين البشريين الراجعين إلى نوع من التأثُّر، غير موجودين في الله سبحانه وتعالى؛ فإنَّه منزَّه عن الحالات الإنسانيّة الراجعة إلى التبدُّلات في الحالات النفسيَّة سواءٌ الرفيعة أو الدنيئة. وأمَّا بالمعنى الممكن في الله سبحانه وتعالى فهو الذي قد يُعبَّر عنه بعلمه تعالى باستحقاق العبد للرضوان أو للعذاب، أو يُعبَّر عنه بالرضا وعدم الرضا المجرَّدين من شوائب التأثُّر، فلو كان العبد العاصي غير مستحقٍّ لرحمة الربِّ التجريديَّة، ولكنَّه استحقَّ عطوفة الشفيع التأثُّريَّة، لحقّ له على الشفيع أو غير ذلك، فدعا الشفيع عند الله له بالمغفرة، وشملته مغفرة الربِّ نتيجة لهذه الشفاعة ولم تكن شاملة له لولا الشفاعة، فهذه المغفرة في الحقيقة استجابة للشفيع، ومكافأة له على أعماله الصالحة، وليس تبدُّلاً للغضب بالرضا بشأن هذا المذنب، فقد أصبح المذنب في حدود ما شملته شفاعة الشفيع فحسب دون الرحمة التجريديَّة الإلهيَّة منعَّماً بجنَّة عرضها السماوات والأرض، لا برضوان من الله الذي هو أكبر.

والخامس: أنَّ العفو عن هذا المذنب إن كان عدلاً فلماذا يفترض عدمه لولا شفاعة الشفيع؟! وإن كان ظلماً فطلب الشفيع إيَّاه طلبٌ للظلم، ولا معنى لاستجابة الله سبحانه وتعالى لطلب الظلم؟!

والجواب: أنَّ هذا غفلة عن شيء ثالث غير العدل والظلم، ألا وهو الفضل، فعفوه سبحانه وتعالى عن هذا المذنب فضل، وليس ظلماً ولا عدلاً «اللَّهمَّ عاملنا بفضلك، ولا تعاملنا بعدلك » والعبد قد توجد فيه أرضيَّة المعاملة بالفضل لولا