المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

642

والشفاعة في الحقيقة ثواب من قبل الله ـ تعالى ـ للشفيع على أعماله الحسنة باستجابة طِلبته من دون إيقاع ظلم على أَحد.

بقيت في المقام إشكالات إثباتيَّة على الشفاعة، نذكرها هنا مع جوابها إن شاء الله:

الأوَّل: أنَّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قال في كتابه: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلاِْنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾(1)، والإيمان بالشفاعة بالمعنى الذي يكون بدؤه من الشفيع أو بطلب العاصي نفسه، ينافي قانون نفي كلِّ شيء للإنسان ما عدا سعيه.

والجواب: أنَّه يكفي في صدق هذا القانون أنَّ أهليَّة الشفاعة وقابليّتها إنَّما تكون بسعي الإنسان. وهذا أمر وسط بين القول بأنَّ الشفاعة لا تعني إلاَّ كون الشفيع مجرّد واسطة في نزول الرحمة وأنَّ إرادة العفو والرحمة من الله تبدأ من الله، ومن دون دخل إرادة الشفيع في ذلك، والقول بأنَّ الشفاعة ثابتة بلا أيِّ علاقة لعمل العبد بذلك، فتصحُّ الشفاعة بشأن كلِّ أحد، فالحقُّ المستفاد من الآيات والروايات هو: أنَّ الشفيع يعطى كجزاء راجع إلى حسناته إذناً في الشفاعة، وله ـ عندئذ ـ حقُّ الشفاعة لكلِّ من فيه أهليَّة قبول الشفاعة. وهذه الأهليَّة مرتبطة تمام الارتباط بعمل المشفوع له وحفظه هو هذه الأهليَّة لنفسه، فصحَّ أنّ ليس للإنسان إلاَّ ما سعى. ولولا هذا الجواب لأشكل عفو الله أيضاً؛ لأنَّ عفوه ومغفرته أمر زائد على عمل العبد، في حين أنَّ مَن يعترض على الشفاعة لا يعترض على أصل عفو الله ومغفرته الثابتين بصريح القرآن والروايات الكثيرة.

والثاني: أنَّ بعض الآيات تنفي تدخل أيِّ شيء، أو أيِّ نفس على العموم في شأن العبد يوم القيامة سوى الله تعالى، فهو بيده الأمر وحده كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْس شَيْئاً وَالاَْمْرُ يَوْمَئِذ لِلَّهِ﴾(2).


(1) السورة 53، النجم، الآية: 39.

(2) السورة 82، الانفطار، الآية: 19.