المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

644

للشفاعة عن غير الله تنفي ثبوتها بالاستقلال لغيره تعالى، والحاصرة للشفاعة بالله تثبت الشفاعة بالاستقلال له سبحانه وتعالى، والمثبتة لها لغير الله بإذن الله تعني ثبوت الشفاعة لغير الله بإعطاء الله إيَّاها لغيره، وهذا يعني: أنَّ الشفاعة أوَّلاً وبالذات كانت لله، ولم تكن بالاستقلال لغير الله سبحانه، تماماً كما هو الحال في آيات نفي علم الغيب عن غيره، وإثباته له تعالى بالاختصاص، ولغيره بارتضائه قال الله تعالى: ﴿لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ...﴾(1).

وقال تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ ...﴾(2).

وقال عزَّ وجلَّ: ﴿... عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُول ...﴾(3).

وكذلك الآيات الناطقة في التوفِّي والخلق والرزق والتأثير والحكم والملك وغير ذلك، فإنَّها شائعة في أُسلوب القرآن؛ إذ ينفي كلَّ كمال عن غيره تعالى، ثُمَّ يثبته لنفسه، ثُمَّ يثبته لغيره بإذنه ومشيئته، فتفيد أنَّ الموجودات غيره تعالى لا تملك ما تملك من هذه الكمالات بنفسها واستقلالها، وإنَّما تملكها بتمليك الله لها إيَّاها ... إلى أن قال: ومنه يظهر: أنَّ الآيات النافية للشفاعة إن كانت ناظرة إلى يوم القيامة فإنَّما تنفيها عن غيره تعالى بمعنى الاستقلال في الملك، والآيات المثبتة تثبتها لله سبحانه بنحو الأصالة، ولغيره تعالى بإذنه وتمليكه ...(4).

أقول: إنَّ قوله: إن كانت ناظرة إلى يوم القيامة ظاهر في أنَّه(رحمه الله) يحتمل كون آيات نفي الشفاعة راجعة إلى البرزخ، إلاَّ أنَّه بعيد.


(1) السورة 27، النمل، الآية: 65.

(2) السورة 6، الأنعام، الآية: 59.

(3) السورة 72، الجنّ، الآيتان: 26 ـ 27.

(4) راجع تفسير الميزان 1 / 156 ـ 157.