المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

67

بروح الفداء والتضحية والنُبل والشهامة عن درجة كُنَّا نفترضها ونتصوَّرها إذ تبيَّن أنّها ـ على أيَّة حال ـ تنشأ من دافع حبِّ الذات والأنا والالتذاذ.

فأجاب ـ رضوان الله تعالى عليه ـ عن ذلك بأنَّ ما قلناه: ـ من أنَّ اللذّة والألم هما اللذان يدفعان الإنسان النبيل إلى النُبل والفضيلة، كما يدفعان الإنسان اللئيم إِلى اللؤم والرذيلة ـ لم نقصد به كون تلك اللذّة أو اندفاع الألم هما العلَّتان الغائيَّتان للفعل، وإنّما قصدنا كونهما العلَّتين الفاعليَّتين، فالذي يضحِّي في سبيل مَثَل أو مبدأ، أو في سبيل محبوب له، كولد له أو صديق أو الله سبحانه وتعالى، فهو لا يفعل ما يفعل لغاية التذاذه هو أو ارتياحه من الألم النفسيِّ، بل يفعل ذلك لأجل ذاك المَثَل أو المبدأ أو المحبوب؛ لأنّه يعشق ذلك، ولكن هذا العشق أو الحبّ قد جعل في الفعل لذَّة أو في الترك ألماً، والإنسان خُلِق بنحو لولا هذه اللذّة أو ذاك الألم لما اندفع نحو ما يندفع، فهذه اللذّة أو ذاك الألم هو الذي يُؤثِّر فاعليَّاً في اندفاعه نحو محبوبه أو في فراره من مبغوضه. إذن، ففرقٌ بين الغاية التي يندفع باتجاهها، وهي: ما يحبُّه ويريده والدافع الذي يدفعه بذاك الاتجاه دفعاً فاعلياً، وهو: اللذّة الكامنة في الفعل، والقيمةُ الخُلُقيّة تنشأ من شرافة الغاية وسموِّ الهدف.

أقول: إنَّ حصر العلَّة في اللذّة والألم غير صحيح، سواءٌ كان الملحوظ هي العلَّة الغائيَّة أو العلَّة الفاعليِّة.

أمّا لو كان الملحوظ هي العلَّة الغائيَّة، فإنَّنا نستطيع توضيح بطلان ذلك بإلفات النظر إلى مقدّمتين:

الاُولى: أنَّ اللذّة والألم غير الحبِّ والبغض كما هو واضح، فإنَّ الحبَّ والبغض يتحقَّقان قبل تحقُّق المحبوب والمبغوض، واللذّة والألم يتحقَّقان بتحقُّقهما ولو في علم الشخص، أيْ: بالوجود العلميِّ والذهنيِّ لتحققهما، سواءٌ طابق الواقع أو لا، فهما وليدا الحبِّ والبغض، بل هما وليدا العواطف المرافقة للحبِّ والبغض، لا وليدا