المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

69

الألم، وإن كانا هما ـ أيضاً ـ قد يتعلق بهما الحبّ والبغض فيدخلان في الغاية بهذا الاعتبار.

وأمّا لو كان الملحوظ هي العلَّة الفاعليَّة قلنا: إنَّ كون اللذّة والألم هما العلَّة الفاعليّة للتحرك نحو الفعل أو نحو الفرار لا يُتصوَّر إلاَّ بأحد معاني ثلاثة:

إمَّا بمعنى كونهما دافعين للإنسان من دون اختياره، فَمَنْ يلتذُّ بشيء يتحرّك نحوه بلا اختيار، ومن يتأ لَّم من شيء يندفع نحو الفرار منه من دون اختيار.

وإمّا بمعنى دخلهما في القدرة مع فرض حفظ الاختيار بعد تحقُّق القدرة، فاللذّة الموجودة في الشيء تخلق في الإنسان القدرة على الاندفاع إليه، فيندفع إليه باختياره، والألم الموجود في الشيء يخلق في الإنسان القدرة على التحرك نحو الهرب منه، فيهرب منه اختياراً، ولولا اللذّة والألم لما كان الإنسان قادراً على التحرك نحو المحبوب أو باتجاه الفرار من المبغوض.

وسواءٌ قلنا: إنَّ اللذّة والألم دافعان قهريان أو قلنا: إنَّهما يؤثّران في القدرة على الاندفاع لا ينافي ذلك أن تكون الغاية هي ما يندفع إليه من المحبوب أو نفي المبغوض لا نفس اللذّة أو نفي الألم وحده.

وإمّا بمعنى كون اللذّة والألم دخيلين في تحقُّق الإرادة برغم فرض انحفاظ القدرة والاختيار بغضّ النظر عنهما.

وكلّ هذه الفروض باطل:

أَمّا الفرض الأوّل ـ وهو: فرض الاندفاع وراء اللذائذ والفرار من الآلام قهراً، فهذا يساوق الجبر وإنكار الاختيار، وهذا خلف موضوع علم الأخلاق بعد فرض كون الحسن والقبح أمرين واقعيَّين مُدرَكَيْن بالعقل، لا أمرين اعتباريِّين مجعلوين من قبل العقلاء أو الشريعة، وقد كان هذا هو فرض بحثنا في المقام، فنحن وإن كنَّا لا نمانع عن كون بعض القضايا الأخلاقيّة اجتماعيّة أو شرعيّة، لكن لو لم نؤمن