المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

70

بقضايا أخلاقيّة واقعيّة وبالحسن والقبح الذاتيَّين والعقليَّين، لم يبقَ موضوع لبحثنا هذا.

وأمَّا الفرض الثاني ـ وهو: دخل اللذّة والألم في القدرة، فهذا يعني: أن لا يقدر الإنسان إلاَّ على الفعل الذي يلتذُّ به، وترك ذلك الفعل يكون مبغوضاً له، فبغضه إنّما أولد له القدرة على الفرار منه، ومن المعلوم: أنَّ فرض تعلّق القدرة بأحد النقيضين دون الآخر هو عين الجبر تماماً، فإنّ القدرة لابدَّ أن تتعلَّق بطرفي النقيض سواءً بسواء.

وأمّا الفرض الثالث ـ وهو: عدم تحقُّق الإرادة نحو الشيء، إلاَّ بفرض الالتذاذ به أو التألُّم من فقده على رغم انحفاظ اختياره وقدرته لولا اللذّة والألم، وعلى رغم فرض حبِّه أو بغضه للمتعلق في المرتبة السابقة على اللذّة والألم، فهذا ـ أيضاً ـ أمر غير معقول سواء، فسَّرنا الإرادة بمعنى الشوق الأكيد كما هو المعروف، أو فسَّرناها بما يشابه أن يقال بأمر وسط بين الشوق الأكيد والفعل، وهو: حملة النفس بدعوى أنّها هي مركز القدرة والسلطنة.

أمّا على الأوّل فلوضوح أنَّ الشوق الأكيد هو الحبّ الأكيد الذي هو في الرتبة السابقة على اللذّة.

وأمّا على الثاني فلوضوح أنَّ توقُّف حملة النفس على اللذّة والألم مع انحفاظ كامل القدرة والاختيار في المرتبة السابقة عليهما وتماميّة الحبِّ والشوق، أمر غير معقول، إلاَّ بمعنى: أنَّ الغاية المحبوبة كانت عبارة عن نفس اللذّة والألم، وهذا رجوع إلى الشقِّ الأوّل الذي أبطلناه.

وبهذا تمَّ برهان كامل على أنّ العلَّة الغائيّة والعلَّة الفاعليّة متَّحدتان، غاية الأمر أنّ العلَّة الغائيّة تكون بوجودها العلميِّ ـ ولو الخاطئ ـ مُحرِّكة.

نعم، لا إشكال ـ كما أشرنا إليه ـ في أنَّ اللذّة والألم قد يدخلان بنفسهما في العلَّة الغائيّة، ويكون الأوّل محبوباً والثاني مبغوضاً.