المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

72

درجات مرقاة الكمال في سُلَّم الفضائل. والدليل على ذلك مؤتلف من مقدّمتين:

الأُولى: أنَّ التقدير المعنوي لمقدار تلك اللذّة المعنوية يقول لنا بفهم الوجدان: إنَّ درجة تلك اللذّة توازي درجة الحبِّ لذلك المبدأ النبيل، وكُلَّما اشتدَّ حبُّه اشتد بقدره الالتذاذ به، وكُلَّما ضعف حبُّه ضعف بقدره الالتذاذ به.

والثانية: أنَّ هذا الالتذاذ قد يفوق في بعض الحالات لذَّة الراحة التي كانت تثبت في ترك التحرك نحو ذاك المحبوب، وآية ذلك: أنَّ الإنسان ـ عندئذ ـ لا يحسُّ بالراحة النفسيَّة في الترك، بل يحسُّ بأنَّ راحته النفسيّة في الفعل فحسب، في حين أنَّ من لم يصل حبُّه إلى هذا المستوى يحسُّ بالتعب النفسيِّ في عمله، ولكنّه يتحمَّل هذا التعب في سبيل محبوبه.

والنتيجة: أنّه ـ إذن ـ سيكون حبُّه لذاك المحبوب غالباً على حبِّه للدَّعة والراحة؛ لأنّه يوازي لذَّته الغالبة على لذَّة الدَّعة والراحة، ويكون وحده كافياً للغلبة على المزاحم(1)، نعم، لاشك أنّه يحصل ـ إضافة إلى ما حصل عليه من


(1) قد تقول: إنّه يوجد في طرف الدَّعة والراحة شيئان: حبُّه للدَّعة والراحة، والتذاذه بهما. وفي طرف المبدأ النبيل ـ أيضاً ـ يوجد شيئان: حبُّه للمبدأ النبيل، والتذاذه بتحقيقه، فصحيح: أنّ التذاذه بالمبدأ النبيل غالبٌ على التذاذه النفسيِّ بالدِّعة والراحة، ومن ثُمّ يكون حبّه لذاك المبدأ غالباً على حبِّه للدِّعة والراحة، لكنّ هذا لا يعني غلبة حبِّه للمبدأ أو لله أو لرضوان الله أو ما إلى ذلك على مجموع حبّه للدَّعة والراحة والتذاذه بهما، فقد يُدّعى أنَّ الغلبة على المجموع لا تكون إلاّ بعد انضمام الالتذاذ بذلك المحبوب الشريف إلى حبّه.

والجواب: أنَّ هذا غفلة عن الفرق بين حبِّ الدَّعة والراحة وحبِّ الله أو حبِّ رضوان الله أو حبِّ الفضائل ونحو ذلك، أو قُلْ: هذا غفلة عموماً عن اللذائذ الماديّة واللّذائذ المعنويّة؛ وذلك لأنّه في اللذائذ الماديّة لا يُتصوَّر محرِّكان ينضمُّ أحدهما إلى الآخر؛ لأنّ الحبَّ في الماديات ليس إلاّ حبّاً للذَّة أو للفرار من الألم، ولولا التذاذه بالدَّعة والراحة لما أَحبَّهما، فليس حبُّهما شيئاً جديداً يضاف إلى اللذّة في الداعويّة، في حين أنّه في الحبِّ المعنويِّ تكون اللذّة في طول الحبِّ، وليس العكس، فلأنَّ الشخص يحبُّ ابنه مثلاً وراحة ابنه يلتذُّ براحته، لا العكس.