المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

78

الانزلاق إلى حدٍّ إِنَّ الله ـ سبحانه ـ قال بشأنه: ﴿فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إلى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(1).

ويندر أن يصل أحدنا في المقامات السامية إلى ما وصل إِليه إِبليس الذي قيل عنه: إنَّه أصبح معلِّماً للملائكة، والذي ورد بشأنه في نهج البلاغة قوله(عليه السلام)(2): « فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أَحبط عمله الطويل وجهده الجهيد ـ وكان قد عبد الله ستَّة آلاف سنة لا يُدرى أَمن سِني الدنيا أم من سِني الآخرة ـ عن كبر ساعة واحدة، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته؟! كلاَّ ما كان الله سبحانه ليُدخِل الجنَّة بشراً بأمر أَخرج به منها ملكاً، إِنَّ حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة(3) في إِباحة حمىً حرَّمه على العالمين...».

أَلم تسمع قِصَّة محمّد بن عليّ بن بلال الذي كان من ثقات الإِمام العسكري(عليه السلام)، وبلغ من الشأن أَنَّ أبا القاسم حسين بن روح(رحمه الله) الذي صار بعد ذلك أَحد النوَّاب الخاصِّين للإِمام(عليه السلام) كان يراجعه في الاسترشاد به فيما اختلف فيه الشيعة من التفويض وغيره، ولكنَّه بعد ذلك أَخلد إلى الأرض واتَّبع هواه، وادَّعى البابيَّة، وورد التبرِّي منه من قبل الإِمام صاحب الزمان ـ عجَّل الله تعالى فرجه ـ على يد


(1) السورة 7، الأعراف، الآيتان: 175 ـ 176.

(2) نهج البلاغة: 386، رقم الخطبة: 192.

(3) الهَوادة: بمعنى المحاباة، أي: ليس بين الله وبين أحد اختصاص به وميل خاص إِليه في أَن يُبيح له حمىً محرَّماً على باقي الناس.