41

فاقداً لتلك الفعلية وناقصاً بلحاظها فكيف يوجدها؟!

 

البرهان الرابع ـ برهان الإمكان الوجودي

وهذا البرهان مبتن على أصالة الوجود، ويمكن تأليفه من أربع مقدمات ـ بعد التسليم بأصل الإيمان بالواقع الخارجي ورفض السوفسطائية، وهو مقدمة مفروضة في كلّ البراهين؛ ولذلك حذفناها منها ـ:

المقدّمة الاُولى: إنّ الارتباط بين كلّ شيئين في المألوف عبارة عن نوع علاقة بين أمرين مستقلين، أي أنّ أحدهما مستقل عن الآخر، فالرسّام مثلاً مستقلّ عن اللوحة وبينهما نوع علاقة وارتباط، وكذلك الكاتب بالقياس للقلم والمطالع بالنسبة للكتاب، والأسد بالنسبة لما طوّق به من سلسلة الحديد، وما إلى ذلك.

ولكنّه يستثنى من هذا القانون العام ارتباط واحد وهو الارتباط بين العلّة والمعلول الحقيقيين، أعني حينما يكون أصل وجود أحد الطرفين مديناً للطرف الآخر ـ كالوجودات الذهنية التي تخلقها نفوسنا ـ ففي هذا القسم يستحيل افتراض وجود مستقلّ للمعلول في مقابل العلّة كي تعرض عليهما علقة الربط كما في العلاقات الاُخرى؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما كان أصل وجود المعلول منبثقاً من العلّة وهذا خلف، وبكلمة اُخرى: إن لم يفرض وجود المعلول في المرتبة السابقة على علقة العلّية والمعلولية فعلى ماذا عرضت هذه العلقة المفروض كونها ذات طرفين؟ وان فرض وجوده في المرتبة السابقة على هذه العلقة إذن كان مستقلاً عن العلّة وموجوداً بلا علّيّة، فانحصر الأمر في أن يفترض أنّ هذه العلقة ليست ذات طرفين بل لها طرف واحد وهو العلة، فالمعلول هو عين العلقة والربط ويكون وجوداً متقوّماً بوجود العلّة.

 

42

وهنا ينبغي الالتفات إلى مغزى ما نقصده بالإمكان والوجوب، فلقد كان المقصود بهما في ما مضى من البرهان الأوّل بيان نسبة الوجود إلى الماهيّة بمعنى أنّ الوجود هل هو ذاتيّ للماهيّة وهذا هو الوجود الواجب، أو منبثق من شيء آخر لا من نفس الماهيّة ولهذا يحتاج إلى العلّة وهذا هو الوجود الممكن؟ أمّا هنا فلا نقيس الوجود بالماهيّة بل نلحظ ذات الوجود كي نقسّمه إلى الوجود الربطي ـ وهو الربط المحض والتعلق المحض ـ والوجود الاستقلالي، فالأوّل هو الممكن وليس إلّا مظهراً من مظاهر الثاني ووجوداً إشراقياً له أو قل: تجلّياً من تجلّياته، والثاني هو الواجب ولا يحتاج إلى علّة لفرض استقلاله لذاته، في حين أنّ الأوّل ليس له تحقق بذاته لأنّه عين التعلق والربط.

المقدّمة الثانية: إنّ وجود المادّة متى ما كان فهو دائماً من القسم الأوّل، أعني ممكن الوجود أو الوجود الربطي أو التعلّقي دون واجب الوجود أو الوجود القائم بذاته؛ وذلك لما مضى شرحه من أنّ المادّة متحرّكة ومتغيرة، وليس التحرّك والتغيّر إلّا الحدوث المستمر، ومن الواضح أنّ ذلك لا ينسجم مع الوجود الذاتي والمستقل.

المقدّمة الثالثة: إنّ الوجود الربطي أو التعلقي بحاجة لا محالة إلى ما يرتبط به أو يتعلّق به، أو قل: إنّ الوجود الإشراقي بحاجة إلى ما يشرق به، أو قل: إنّ الوجود الانبثاقي بحاجة إلى ما ينبثق منه.

المقدّمة الرابعة: إنّ هذا الانبثاق أو الربط أو الإشراق لا يمكن أن يتسلسل أو يدور فلابدّ من الانتهاء إلى واجب الوجود.

والمقدّمة الثانية من هذه المقدّمات إنّما احتجنا إليها لأننا كنّا بصدد أنّ المادّة ليست هي الواجبة الوجود، أمّا لو لم نكن بهذا الصدد وكنّا فقط بصدد إثبات واجب الوجود لم نحتج إلى المقدّمة الثانية وكفتنا المقدّمات الثلاث الاُخرى.

43

وربّما تسمّى تلك المقدّمات الثلاث الاُخرى ببرهان الصديقين، لكنّني اُفضّل بقاء هذا الاسم وقفاً للبرهان الخامس.

 

البرهان الخامس ـ برهان الصديقين

وقد سمّي بذلك لأنّه خال من الاستدلال بغير واجب الوجود عليه بسبب بطلان الدور والتسلسل، بل هو استدلال بنفسه عليه، وهذا مبتن على أصالة الوجود وتحليل الوجود بالذي مضى في البرهان الرابع من وجود ذاتيّ مستقل، ووجود ربطيّ وتعلّقي وأنّ الأوّل هو الواجب والثاني هو الممكن.

وعندئذ نقول: إنّنا تارةً لا نؤمن بوجود أصلاً ونرى رأي السوفسطائيين ومعه لا معنى للوصول إلى واجب الوجود، واُخرى نبني على ما هو واضح لدينا من تحقق أصل الوجود خلافاً لأهل السفسطة؛ وذلك إمّا ببداهة أو ببرهان أو بحساب الاحتمالات أو بأيّ سبب من الأسباب التي رفضنا بها السوفسطائيّة، وعندئذ نقول: إنّ هذا الوجود إمّا هو واقع وعينيّ بذاته وبالاستقلال أو هو عين الربط والتعلق الذي لا يستغني عن الوجود المستقل لا لاستحالة الدور والتسلسل؛ بل لأنّ الفقير لا يغني الفقير وما ليس له وجود ذاتي لا يعطي وجوداً ربطياً وتعلقياً، فعلى كلا الحالين يثبت الوجود الذاتي الذي يكون بذاته طارداً لنقيضه وهو العدم فهو واجب الوجود.

وهذا المقدار من البيان يكفي لإثبات المقصود إن كان المقصود مجرّد إثبات واجب الوجود.

وأمّا لو قصد زائداً على ذلك نفي كون المادّة واجبة الوجود فيضاف إلى ما مضى أنّ الوجود الذاتي الذي يطرد العدم يطرد لا محالة كلّ حدّ من الحدود؛ لأنّ الحدود إنّما تكون بلحاظ ما يقابل الوجود من العدم، فإحساسنا في كلّ

44

مادّة بمحدوديتها يبطل عندنا كونها واجبة الوجود.

ومن المحتمل أن يكون هذا الوجه الخامس هو المقصود بما عن إمامنا زين العابدين(عليه السلام): «بِكَ عَرَفْتُكَ وَأنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ وَدَعَوْتَنِي إلَيْكَ وَلَوْلاَ أنْتَ لَمْ أَدْرِ مَا أَنْت»(1).

ومن المحتمل أيضاً كون هذا مقصوداً بما عن إمامنا الحسين(عليه السلام) مما مضى احتمال تطبيقه على العلم الحضوري بالله سبحانه وتعالى وهو قوله(عليه السلام): «كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْكَ، أيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتَاجَ إلى دَلِيل يَدُلُّ عَلَيْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْثارُ هِيَ الَّتِي تُوْصِلُ إلَيْك»(2)؟

وأيضاً يحتمل أن يكون مشيراً إلى هذا البرهان ما ورد عن الفضل بن سكن عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(عليه السلام): اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، واُولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان»(3).

وكذلك ماورد عن ابن حازم قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّي ناظرت قوماً فقلت لهم: إنّ الله جلّ جلاله أجلّ وأعزّ وأكرم من أن يعرف بخلقه بل العباد يعرفون بالله، فقال: رحمك الله»(4).

 

* * *

 


(1) دعاء أبي حمزة الثمالي.

(2) دعاء الإمام الحسين(عليه السلام) في يوم عرفة.

(3) الكافي 1: 85، باب أنّه لا يعرف إلّا به من كتاب التوحيد، الحديث 1.

(4) الكافي 1: 86، باب أنّه لا يعرف إلّا به من كتاب التوحيد، الحديث 3.

45

 

المنهج العلمي لإثبات اللّه تعالى ( برهان النظم )

 

المنهج العلمي لإثبات الصانع هو منهج حساب الاحتمالات وتجميع قرائن الحكمة ودلائل القصد أو قل: برهان النظم، ولعلّه أكثر الأدلّة بروزاً في القرآن الكريم وفي الروايات، وتوحيد المفضّل المعروف رواية واسعة وشاملة لكثير من دلائل القصد وآيات الحكمة وقرائن الشعور.

 

مميّزات المنهج العلمي

 

يمتاز هذا البرهان عن البراهين الفلسفية بعدّة مميّزات:

الاُولى: إنّ البراهين الفلسفية تملأ العقل، وهذا البرهان يملأ الوجدان والعقل.

الثانية: إنّ البراهين الفلسفية قد تبتعد عن فهم الناس الاعتياديين وتختصّ بأصحاب التفكير الدقيق، في حين أنّ هذا البرهان لايختلف فيه الساذج البسيط عن المفكّر العبقريّ.

الثالثة: إنّ البراهين الفلسفية ربّما لا تخلو من جفاف الابتعاد عن مخاطبة العواطف، في حين أنّ هذا البرهان يمتلك الطرواة والنداوة والتجاوب مع العواطف والأحاسيس.

الرابعة: إنّ هذا البرهان في نموّ مستمرّ؛ لأنّ دلائل القصد تكتشف في كلّ يوم بأكثر ممّا كانت مكتشفة من ذي قبل؛ وذلك ببركة تقدّم العلم والتجارب: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا

46

بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾(1)، ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَة أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(2).

وعلى هذا الأساس نعتقد أنّ العلم ـ بمعنى علم الطبيعة ـ يدعو إلى الإيمان، ولعله يشير إلى ذلك قوله سبحانه تعالى:﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَات مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالاَْنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾(3)، فإنّ الإشارة في صدر الآية إلى الآيات الطبيعية: من إنزال المطر وإخراج الثمرات واختلاف ألوانها واختلاف ألوان الطُرق الجبلية الحاكية عن المعادن الأرضية المختلفة تناسب أن يكون المقصود بالعلماء في قوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾هم علماء الطبيعة الذين يكتشفون أسرارها باستمرار.

الخامسة: إنّ البراهين الفلسفية بالقدر الذي شرحناها اقتصرت على إثبات الله، وأمّا صفاته تعالى فقد أجّلنا البحث عنها لما بعد الفراغ من بحث التوحيد، في حين أنّ هذا البرهان يمرّ في طريقه لإثبات الله على إثبات الحكمة والعلم والإدراك؛ لأنّه إنّما يثبت الله عن طريق آثار حكمته وعلمه: قال الله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الاْفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيد﴾(4)، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ الليْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّة وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ


(1) س 18 الكهف، الآية: 109.

(2) س 31 لقمان، الآية: 27.

(3) س 35 فاطر، الآية: 27، 28.

(4) س 41 فصّلت، الآية: 53.

47

الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَات لِّقَوْم يَعْقِلُون﴾(1)، ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُور * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِير﴾(2).

 

تحليل برهان النظم

 

وبرهان النظم يمكن تحليله إلى مقدّمتين:

المقدّمة الاُولى: أنّه لا إشكال في أنّ آثار العقل والشعور ونتائج النظم والحكمة تدلّ على عقل الفاعل وحكمته، ولا يحمل كلّ ما صدر عنه من الحركات المعقولة الحكيمة على مجرّد الصدفة.

المقدّمة الثانية: إنّ النظم الحاكم في العالم وقرائن الحكمة والقصد فيه تفوق كلّ علامات العلم والعبقريّة في تصرّفات أيّ عبقريّ في العالم بشكل لو قسنا علامات نبوغ هذا العبقريّ أو ذاك في أفعاله إلى نظم العالم وإتقانه وحكمته لكانت النسبة أصغر من نسبة القطرة إلى البحر، فلا يبقى شكّ في أنّ العالم مصنوع لعليم حكيم خبير.

أمّا المقدّمة الاُولى: فلها أحد جذرين:

الأوّل: ما يذكر في المنطق الصوري من أنّ الصدفة يستحيل بالبداهة أن تكون أكثرية، فلئن كان الفاعل إنساناً مجنوناً لا يعي ما يفعل ولا يقصد هدفاً معقولاً من وراء فعله، ومع ذلك لم تر في آلاف من تصرّفاته إلّا ما يناسب القصد والشعور لكان معنى ذلك أنّ الصدفة أصبحت أكثرية أو دائمية، وقد قلنا: إنّ هذا محال.

 


(1) س 2 البقرة، الآية: 164.

(2) س 67 الملك، الآية: 3 ـ 4.

48

الثاني: ما هو مختار اُستاذنا الشهيد(قدس سره) وقد حقّقه ونقّحه بما لا مزيد عليه في كتابه (الاُسس المنطقية) من إرجاع ذلك إلى حساب الاحتمالات على أساس أنّ احتمال الصدفة في كلّ جزئيّ من جزئيات تصرّف هذا الشخص يساوي النصف مثلاً، فلو ضرب في قيمة احتمال ما يماثله في جزئي آخر تنزّل احتمال مجموع الصدفتين إلى الربع، وهكذا يزداد ضرب الاحتمال بعدد الجزئيات التي تفوق ملايين المرّات، وبالنتيجة يضعف احتمال الصدفة إلى ما يصعب حسابه ويكاد أن يسمّى بما لا نهاية له، وبالتالي يضمحلّ هذا الاحتمال من النفس وفق نُظم وقوانين مشروحة في كتاب الاُسس المنطقية، ولا مجال لنا هنا لشرحها وإنّما نكتفي بوجدانيّة ذلك في نفس كلّ إنسان في مجموعة حياته ومواقفه باتجاه اُمور تكتشف ليل نهار عن طريق حساب الاحتمالات.

وعلى كلّ واحد من هذين الفرضين ـ أعني فرض استحالة أكثرية الصدف بداهةً، أو فرض حساب الاحتمالات ـ فالمهم أنّه لا شك لدى كلّ عاقل سويّ متعارف في صحّة هذه المقدّمة.

وأمّا المقدّمة الثانية: وهي نظم العالم وإتقانه ودلائل القصد والحكمة والحنكة فيه، فهذا الأثر أمر واضح ومحسوس بالعيان في الآفاق والأنفس جميعاً، وحمل ذلك على الصدفة الحاصلة من الطبيعة العمياء يفوق في سخفه وغرابته آلاف المرّات على حدّ تعبير اُستاذنا الشهيد(قدس سره)(1) من سخف من يجد ديواناً ضخماً من أروع الشعر وأرقاه أو كتاباً علميّاً زاخراً بالأسرار والاكتشافات، فيزعم أنّ طفلاً كان يلعب بالقلم على الورق فاتّفق أن ترتّبت


(1) فلسفتنا: 351.

49

الحروف فتكوّن منها ديوان شعر، أو كتاب علم.

 

نزر يسير من آثار الحكمة والقصد:

إليك نزر يسير من آثار الحكمة والقصد في العالم ضمن عدّة أمثلة:

 

الأوّل ـ ظاهرة الحياة فوق الأرض:

تكوّنت الحياة فوق الأرض نتيجة لاجتماع شروط كثيرة كلّ واحد منها بمنزلة جزء علّة للحياة وتستحيل الحياة بفقدانه، وهذه الشروط منها ما يرتبط بالفلك، ومنها ما يرتبط بالهواء والغازات، ومنها ما يرتبط بالأرض وما فيها من نبات وحيوان وجماد، وهذه الشروط من الكثرة بدرجة يكون احتمال اجتماعها بالترتيب والتنسيق الذي يؤدّي إلى استقرار الحياة عن طريق الصدفة احتمالاً واحداً في مقابل ما لا يحصى من الاحتمالات، وبالغاً في الضئالة ما لا يقبل الانحفاظ في الوجدان البشري. وهنا نشير إلى أقلّ القليل منها:

1 ـ تبتعد الأرض عن الشمس 93 مليون ميل فتكون الحرارة التي تصلها من الشمس بمقدار يلائم الحياة ومتطلّباتها، فقد لوحظ علمياً أنّ المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس لو كانت ضِعف ما عليها الآن لما وجدت الحرارة بالمقدار الذي يتيح الحياة، ولو كانت نصف ما عليها الآن لتضاعفت الحرارة إلى درجة لا تطيقها الحياة(1).

2 ـ «يحيط بالأرض التي نعيش على متنها غلاف سميك من الغازات يسمّى بالغلاف الجوّي يبلغ سمكه ثمان مئة كيلومتر، وهو بمنزلة مظلّة واقية تصون


(1) الإلهيّات 1: 52، والفتاوى الواضحة: 36.

50

الكرة الأرضية من التعرّض لخطر النيازك التي تنفصل يومياً من الكواكب وتتناثر في الفضاء منذ ما يقرب من عشرين مليوناً من السنين، ولولا هذا الغلاف لسقطت على كلّ بقعة من الأرض ملايين النيازك المحرقة». هذا هو التعبير الوارد في الإلهيات(1) للشيخ السبحاني حفظه الله، وجاء ما يقرب منه في الفتاوى الواضحة لاُستاذنا الشهيد(قدس سره) وهو مايلي:

«نلاحظ أنّ الهواء كمّيّة محدودة في الأرض قد لا يزيد على جزء من مليون من كتلة الكرة الأرضية، وهذه الكميّة بالضبط تتوافق مع تيسير الحياة للإنسان على الأرض، فلو زادت نسبة الهواء على ذلك أو قلّت لتعذّرت الحياة أو تعسّرت؛ فإنّ زيادتها تعني ازدياد ضغط الهواء على الإنسان الذي قد يصل إلى ما لا يطاق، وقلّتها تعني فسح المجال للشهب التي تتراءى في كلّ يوم لإهلاك من على الأرض واختراقها بسهولة»(2).

3 ـ إنّ الهواء الذي نستنشقه مزيج من غازات شتّى منها: النيتروجين 78%، والاُوكسجين 21%، فلو تغيّر المقدار وصارت نسبة الاُوكسجين في الهواء 50% لتبدّلت جميع الموادّ القابلة للاشتعال إلى موادّ محرقة، ولبلغ الأمر إلى درجة لو أصابت شرارةٌ غابةً لاحترقت جميع ما فيها دون أن تترك غصناً يابساً، ولو تضاءلت نسبة الاُوكسجين في الهواء لتعذّرت الحياة أو صعبت ولما توفّرت النار بالدرجة الكافية لتيسير مهمّاتها، ولولا أنّ الأرض تحتجز قسماً كبيراً من الاُوكسجين على شكل مركبات لكانت نسبة الاُوكسجين في الهواء أكثر بكثير مما هو الآن، ولكن قشرة الأرض والمحيطات تحتجز ـ على شكل مركبات ـ الجزء الأعظم من الاُوكسجين حتّى إنّه يكوّن ثمانية من عشرة من جميع المياه


(1) الإلهيّات 1: 52.

(2) الفتاوى الواضحة: 37 ـ 38.

51

في العالم، ويبقى جزء محدود من الاُوكسجين طليقاً يساهم في تكوين الهواء، وهذا الجزء يحقّق شرطاً ضرورياً من شروط الحياة عن طريق التنفّس(1).

4 ـ هناك تبادل طريف بين الحيوانات بما فيها الإنسان من ناحية، والنباتات من ناحية اُخرى في مساعدة كلّ منهما على حياة الآخر، فلولا الأوّل لانعدم الثاني ولولا الثاني لانعدم الأوّل. وتوضيح ذلك: أنّ النباتات بحاجة إلى التنفّس بثاني اُوكسيد الكربون، والحيوانات بحاجة إلى التنفّس بالاُوكسجين، والحيوان عموماً حينما يتنفّس الهواء ويستنشق الاُوكسجين يتلقّاه الدم ويوزّع في جميع أرجاء الجسم، ويباشر هذا الاُوكسجين في حرق الطعام، وبهذا يتولّد ثاني اُوكسيد الكربون الذي يتسلّل إلى الرئتين ثُمّ يلفظه الإنسان أو الحيوان، وبهذا ينتج الإنسان وغيره من الحيوانات هذا الغاز باستمرار والذي يكون شرطاً ضرورياً لحياة كلّ نبات. والنبات بدوره حين يستمدّ ثاني اُوكسيد كربون يحلّله إلى كربون واُوكسجين، ويحتفظ النبات بالكربون ليصنع منه ومن غيره من الموادّ الفواكه والأثمار والأزهار، ويلفظ الاُوكسجين ليعود نقيّاً صالحاً لاستنشاق الإنسان والحيوان من جديد، ولولا الحيوان بمعناه العامّ لنفدت المواد الكربونية باستنشاق النباتات، ولولا النبات لنفد الاُوكسجين باستنشاق الحيوانات، ومعنى ذلك انقراض كلا النسلين في وقت سريع. فسبحان من راعى هذه الموازنة واحتفظ بها(2).

5 ـ لو كانت الأرض أكثر سمكاً ممّا هي الآن لامتصّت الاُوكسجين وثاني


(1) الإلهيّات: 52، والفتاوى الواضحة: 36.

(2) الفتاوى الواضحة: 36 ـ 37، والإلهيّات: 44، ومنشور جاويد 2: 119.

52

اُوكسيد الكربون أكثر ممّا عليه، ولهلك النبات والحيوان والإنسان(1)، ولو كانت الأرض أقلّ سمكاً ممّا هي الآن لفاض الاُوكسجين أو ثاني اُوكسيد الكربون وأدّى ذلك إلى أضرار زيادتهما.

6 ـ ظاهرة الزوجية على العموم والتطابق الكامل بين التركيب الفسلجي للذكر والتركيب الفسلجي لاُنثاه في الإنسان، وأقسام الحيوان والنبات هي الاُخرى مظهر كونيّ للتوافق بين الطبيعة ومهمّة تيسير الحياة(2).

وقبل أن يكشف العلم النقاب عن شمول ظاهرة الزوجية لغير الحيوانات كشف القرآن النقاب عن ذلك فقال: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون﴾(3)، وقال: ﴿وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْن﴾(4).

والتلقيح بين الزوجين قد يتمّ بصورة إرادية أو غريزية كما في الإنسان والحيوان، وكان هذا أمراً محسوساً منذ اليوم الأوّل، وقد يتمّ عن طريق الرياح، وهذا ما كشف عنه القرآن قبل أن يصل العلم إليه على ما يظهر لنا من قوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِح﴾(5)، وقد يتمّ عن طريق الحشرات، وقد لوحظ أنّ الأزهار التي ترك تلقيحها للحشرات قد زوّدت بعناصر الجمال والجذب من اللون الزاهي والعطر المغري بنحو يتفق مع جذب الحشرة إلى الزهرة وتيسير عملية التلقيح، بينما لا تتميز الأزهار التي يحمل الهواء لقاحها عادة بعناصر الإغراء(6).

ولو قصرنا النظر على ظاهرة الزوجية التي يفهمها كلّ أحد في الإنسان


(1) الفتاوى الواضحة: 38.

(2) الفتاوى الواضحة: 39.

(3) س 51 الذاريات، الآية: 49.

(4) س 13 الرعد، الآية: 3.

(5) س 15 الحجر، الآية: 22.

(6) الفتاوى الواضحة: 39.

53

والحيوان، وافترضنا عدم كشف العلم عن هذه الظاهرة في النباتات أو في أيّ شيء آخر لكفت نفس تلك الظاهرة بمقدارها الذي يدركه كلّ أحد آيةً لحكمة الله تعالى، كما ورد في الحديث المعروف بتوحيد المفضّل قوله(عليه السلام): «انظر الآن يا مفضّل، كيف جعلت آلات الجماع في الذكر والاُنثى جميعاً على ما يشاكل ذلك، فجعل للذكر آلة ناشزة تمتدّ حتّى تصل النطفة إلى الرحم إذ كان محتاجاً إلى أن يقذف ماءه في غيره، وخلق للاُنثى وعاءٌ قعر ليشتمل على المائين جميعاً، ويحتمل الولد ويتّسع له ويصونه حتّى يستحكم، أليس ذلك من تدبير حكيم لطيف سبحانه وتعالى عمّا يشركون؟

فكّر يا مفضّل في أعضاء البدن أجمع وتدبير كلّ منها للإرب؛ فاليدان للعلاج والرجلان للسعي، والعينان للاهتداء، والفم للاغتذاء، والمعدة للهضم، والكبد للتخليص، والمنافذ لتنفيذ الفضول، والأوعية لحملها، والفرج لإقامة النسل، وكذلك جميع الأعضاء إذا تأمّلتها وأعملت فكرك فيها ونظرك وجدت كلّ شيء منها قد قدّر لشيء على صواب وحكمة.

قال المفضّل: فقلت: يا مولاي، إنّ قوماً يزعمون أنّ هذا من فعل الطبيعة. فقال: سلهم عن هذه الطبيعة أهي شيء له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال أم ليست كذلك؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق؟ فإنّ هذه صنعته، وإن زعموا أنّها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة علم أنّ هذا الفعل للخالق الحكيم، وأنّ الذي سمّوه طبيعة هو سنّة في خلقه الجارية على ما أجراها عليه»(1).

7 ـ الحياة. قال الله تعالى:﴿إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ


(1) البحار 3: 66 ـ 67، الباب 4 من كتاب التوحيد.

54

وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُون)(1).

صدر الآية المباركة خارج عن مقطعنا الحالي من البحث، وهو البحث عن الحياة الإنسانية والحيوانية، ولكن لا بأس بالإشارة بالاستطراد إلى أنّه يلفت النظر أيضاً إلى آية عظيمة من آيات الله، وهي انفلاق الحبّة الصلدة عن زهرة لطيفة وظريفة تنتهي في سيرها إلى شجرة يانعة مثمرة، فسبحان خالقها وبارئها.

وحديثنا الآن في ذيل الآية الذي يشير ـ كعديد آخر من الآيات ـ إلى أنّ أصل الحياة من الآيات الباهرات لوجود الله جلّت عظمته، فنحن في الأمثلة السابقة كنّا نعدّ شرائط الحياة من آياته عزّ وجلّ، في حين أنّ هذه الآية تناولت أصل الحياة وجعلتها آية عظمة الله جّل جلاله، فالحياة من أعجب عجائب الخلق، وقد عجز أكابر المفكّرين ونوابغهم العظماء عن دركها أو تفسير نشوئها فضلاً عن خَلقها وإيجادها، ويحتمل أن يكون قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا﴾(2) إشارةً إلى أنّ سرّ الحياة سيبقى مجهولاً للبشريّة إلى الأبد.

وأيضاً يشير إلى الفاصل الحدّي بين خلق المادّة وخلق الحياة أو الروح قوله سبحانه وتعالى ـ بعد ذكر المراحل الماديّة للجنين ـ: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين﴾(3).

والشيء الملفت للنظر في الحياة اُمور:

 


(1) س 6 الأنعام، الآية: 95.

(2) س 17 الإسراء، الآية: 85.

(3) س 23 المؤمنون، الآية: 14، وتمام الآية ما يلي:﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِن سُلاَلَة مِّن طِين (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَار مَّكِين (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين(14)﴾.

55

منها: ما أشرنا إليه من أنّ سرّ الحياة بقي غامضاً لدى البشرية وسيبقى غامضاً، ولئن اجتمعت الجنّ والإنس على خلق ذباب ما فعلوه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب﴾(1).

وقد ورد في نهج البلاغة قوله(عليه السلام): «ولو اجتمع جميع حَيَوانها من طيرها وبهائمها وما كان من مُراحها وسائمها وأصناف أسناخها وأجناسها ومتبلّدة اُممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها، ولتحيّرت عقولها في علم ذلك، وتاهت وعجزت قواها وتناهت ورجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنّها مقهورة مقرّة بالعجز عن إنشائها مذعنة بالضعف عن إفنائها»(2).

ومنها: أنّ الحياة وعلى الخصوص الحياة الإنسانية أصبحت مظهراً قويّاً من مظاهر الله تعالى، حيث تحمل معها بنسبة القطرة من البحر أو أقل بعض صفات الله تعالى من علم وإرادة واختيار وما إلى ذلك.

ومنها: الهوّة السحيقة الموجودة بين الحياة والمادّة، فواضح أنّ الحياة مرتبة أعلى وأشرف وألطف وأدقّ من الوجود بالقياس إلى المادّة، فيستحيل أن يكون خالقها وبارئها هو المادّة؛ لأنّ الناقص لا يخلق الكامل، فخالق الحياة وبارئها هو الله جلّ جلاله سواءٌ فرض ذلك مباشرة، أو فرض جعل الله سبحانه لمادّة من الموادّ مقدّمة إعدادية لنفخ الروح وإعطاء الحياة.

أمّا الذي دلّ عليه العلم الحديث فهو أمر أصبح اليوم من المسلّمات، وهو: أنّ الكائن العضوي أو الحيّ ـ حتّى في الحياة النباتية فضلاً عن الإنسانية


(1) س 22 الحج، الآية: 73.

(2) نهج البلاغة، الخطبة 186.

56

والحيوانية ـ لا يولَد إلّا من كائن عضوي أو حيّ، ففي داخل الحبّة أو النوى توجد خلية حيّة غير الموادّ الغذائية، وهي التي تنفلق وتتغذّى من ذاك الغذاء وتنمو، وكذلك توجد في نطفة الإنسان أو الحيوان خلايا حيّة هي التي تكون مبدأً لإنسان آخر أو حيوان آخر.

ومن الطريف ما يقوله العالم السوفياتي اوبارين من أنّ بعث الحياة عن طريق التفاعل المادّي لا يزال ممكناً في كواكب اُخرى غير كوكبنا، وإنّما تركت المادّة تبديل الكائن غير العضوي إلى العضوي اليوم في كوكبنا لأنّه لم تعد حاجة إلى ذلك، ولم يبق له لزوم ما دامت النتيجة المطلوبة تتحقّق عن طريق أسرع وأقرب وهو توالد الكائنات الحيّة(1).

وهذا كما ترى كلام غريب حقّاً، فلاحظه كيف يفترض استغناء الطبيعة عن عملية التكاثر الذاتي بسبب أنّها عملية لا لزوم لها بعد أن وجدت الطريق الأسرع والأقرب إلى إنتاج الحياة، وكأنّه يتكلّم عن قوّة عاقلة واعية تترك عملية شاقّة بعد أن تجد الطريق الأيسر!(2)، فسبحان الذي أودع سرّ الحياة في الخلية أو الخلايا الاُولى.

ومن هنا يتوجّه سؤال وهو: أنّ توالد الكائنات العضوية الحيّة إن لم يكن إلّا من مثيلاتها فما معنى قوله سبحانه وتعالى:﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَي﴾(3)؟

ويمكن الجواب عن ذلك بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ الحياة الإنسانيّة أو الحيوانيّة تختلف عن حياة الخلايا


(1) فلسفتنا: 345.

(2) المصدر السابق.

(3) س 6 الأنعام، الآية: 95.

57

والحياة النباتيّة، فالمادّة التي يتكوّن منها الإنسان مثلاً بالرغم من اشتمالها على خليّة حيّة وبالرغم من اشتمال الجنين قبل ولوج الروح على الروح النباتية، تعتبر بالقياس إلى الروح الإنسانية أو الحيوانية ميّتة إلى أن ينشئه الله تعالى خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.

الوجه الثاني: أن يقال: إنّ أوّل ما انفصلت الكرة الأرضية عن الشمس لم تكن تشتمل على كائن حيّ يقيناً؛ لأنّ درجة الحرارة التي كانت فيها لم تكن تسمح بذلك، فالله سبحانه وعلا هو الذي نفخ الروح أوّل مرّة في مادّة غير حيّة، وافتراض أنّ الحياة انتقلت من كرة اُخرى إلى هذه الكرة لا يحلّ من المشكل شيئاً؛ لأنّنا ننقل الكلام إلى تلك الكرة بلحاظ زمان انفصالها عن الشمس(1).

الوجه الثالث: إنّ الخليّة الاُولى لأيّ إنسان أو حيوان وإن كانت ذات حياة منذ أوّل وجودها، ولكن هذه الخليّة تنمو عن طريق التغذية من الموادّ، وهذه العملية تؤدّي إلى تحوّل الموادّ التي اتّحدت مع تلك الخليّة إلى كائن حىّ مشتمل على ملايين خلايا حيّة(2).

 

الثاني ـ جهاز الإبصار:

يشبّه جهاز الإبصار في الإنسان عادة بجهاز التصوير المادّي الصناعي، في حين أنّ جهاز التصوير في العالم لو قيس بجهاز الإبصار كان بمنزلة أداة لعب من ألعاب الأطفال في مقابل جهاز حقيقي. وجهاز التصوير يشتمل على عدسة ثابتة لابدّ لتصوير الظواهر المختلفة من تحريكها من قبل المصوّر بدقّة كاملة في إتقان هذا التحريك وتطبيقه على حالة تلك الظواهر، ولكن عدسة العين الواقعة


(1) پيام قرآن 2: 100 ـ 101.

(2) المصدر السابق.

58

خلف إنسان العين تتحرّك بذاتها وتتغيّر تبعاً لما يناسب وضع الظاهرة التي اُريد إبصارها؛ لأنّها عضو حيّ ويصغر قطرها لحدّ واحد ونصف ميليمتر ويتّسع لحدّ ثمانية ميليمترات لقرب أو بعد الظاهرة التي اُريد إبصارها، وهذه العدسة تعكس النور على شبكة مؤلّفة من سبع طبقات منفصلة عن بعضها، ولا يبلغ سمك مجموعها ما يزيد على ورقة رقيقة، وتلك الطبقات هي المعروفة بالصلبية ـ وهي بياض العين ـ والعنبيّة والمشيميّة والجلديّة والزلاليّة والزجاجيّة والشبكيّة، ولكلّ واحدة منها بناؤها المتقن الدقيق، وأقل إخلال في أيّ واحدة منها يفسد الإبصار. وآخر طبقات هذه الشبكة تتكوّن من ثلاثين مليوناً من الأعواد وثلاثة ملايين من المخروطات، وقد نظّمت هذه الأعواد والمخروطات تنظيماً محكماً رائعاً إلّا أنّ الأشعّة الضوئية ترتسم عليها بصورة معكوسة، فزوّد جهاز الإبصار وراء تلك الشبكة بملايين من خويطات الأعصاب، وعندها تحدث بعض التغييرات التي يتدارك بها ما أشرنا إليه من انعكاس الصورة بشكل مقلوب، وأخيراً يتمّ إدراك الصورة بوضعها الصحيح. وهذا جزءٌ من كلّ في مقام توضيح عمليّة الإبصار، فهل يكون هذا الجهاز الجبّار الذي يضمن عملية الإبصار بأفضل وجه من فعل المادّة على غير هدى وقصد مع أنّ مجرد كشفه يحتاج إلى جهود فكريّة جبّارة(1) ؟!

 

الثالث ـ جهاز الهضم:

قال اُستاذنا الشهيد الصدر(قدس سره): «جهاز الهضم أعظم معمل كيميائي في العالم بما يتفنّن به من أساليب تحليل الأغذية المختلفة تحليلاً كيميائياً مدهشاً،


(1) پيام قرآن 2: 437، وفلسفتنا: 342 ـ 343، والفتاوى الواضحة: 38 ـ 39.

59

وتوزيع الموادّ الغذائية الصالحة توزيعاً عادلاً على بلايين الخلايا الحيّة التي يأتلف منها جسم الإنسان، إذ تتلقّى كلّ خليّة مقدار حاجتها، فيتحول إلى عظام وشعر وأسنان وأظافر وأعصاب طبق خطّة مرسومة للوظائف المفروضة عليها في نظام لم تعرف الإنسانية أدقّ منه وأروع»(1).

 

الرابع ـ الخليّة:

قد كشف العلم الحديث النقاب عن الخليّة، وعن تكوّن جسم الإنسان في المعدّل المتوسّط من عشرة ملايين مليار خليّة حيّة.

وأوّل من كشف الخليّة هو عالم يسمّى هوك في القرن السابع عشر الميلادي، ولم يكن يعرف وقتئذ أنّ الخليّة التي اكتشفها تحتوي الواحدة منها على نظام ملتو معقّد محيّر للعقول، والعلماء الذين جاءوا بعده وحذوا حذوه في كشف أسرار الجسم عرفوا أنّ كلّ خليّة لا ترى بغير المجهر ممكن تشبيهها ببلد يحتوي على آلاف المعامل والتأسيسات لتبديل الموادّ الغذائية إلى الموادّ التي يحتاجها الجسم، ولا يمكن أن يقاس أعظم وأحدث المصانع البشرية بهذا المصنع.

وهذا البلد الصغير حجماً، العظيم نظماً ـ الخليّة ـ مؤلّف من ثلاثة أقسام:

الأوّل: القشر وهو بمنزلة جدار البلد.

الثاني: مادّة بيضاء داخل الخليّة.

الثالث: نواتها التي تنظّم كلّ أوضاع الخليّة.

وقشر الخليّة يبلغ من الدقّة والرقّة ما لو ضوعف حجمه خمس مئة ألف مرّة


(1) فلسفتنا: 342.

60

لا يزيد حجمه عن ورقة اعتيادية، وهذه القشرة الرقيقة الدقيقة تقاوم هجوم العوامل الخارجية المزاحمة وكأنّها أحكم من جدار برلين.

وهذا السدّ الخفيف مؤلّف من ثلاثة جدران، أو قل: من قشور ثلاثة، ففي كلّ من طرفيه شبكة من البروتين، وما تحتها مملوء بمادّة دهنية تمنع عن ورود أيّ وارد إلى هذا البلد إلّا الذي يحمل كلمة السّر، وهي أن يقدر ذاك الوارد على تذويب تلك المادّة فذلك آية أنّه صديق وليس عدوّا فيسمح له بالدخول.

وفي داخل هذا البلد قنوات تبدأ من الجدار وتنتهي إلى أطراف النواة، تجري فيها الموادّ الغذائية وتتحوّل إلى بروتينات، ويدخل في هذه القنوات ثلاثة وعشرون نوعاً من الأسيد ويتحصّل البروتين من تركيب عدد من تلك الأنواع.

أمّا النواة المركزية لهذه الخليّة فهي مؤلّفة من طبقات لو قيست إليها ناطحات السحاب في العالم المكوّنة من آلاف الطبقات لعدّت تلك القصور بيوتاً محقّرة.

وتلك النواة مؤلّفة من غشاء وماء وخيوط دقيقة لكلّ واحد منها تكليف معيّن يقوم به.

وهذه النواة مشتملة على جينات تصل في عددها إلى خمسة وعشرين ألفاً، وهي المسيطرة على أعمال الخليّة وعلى أعمال البدن أجمع، ومنها تنقل الصفات الوراثية إلى النسل.

وكلّ واحد من هذه الجينات مؤلّف من ثلاثين ألفاً إلى خمسين ألف طبقة، والعظمة لله الواحد القهّار(1).

أتزعم أنّك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر
 


(1) پيام قرآن 2: 69 ـ 71.

61

دواؤك فيك وما تشعر
وداؤك منك وما تُبصر
وأنت الكتاب المبين الذي
بأحرفه يظهر المضمر

وأختم الحديث عن الخلايا بكلمة اُستاذنا الشهيد(قدس سره) إذ قال: «ونظرة واحدة إلى تلك الخلايا الحيّة التي تنطوي على سرّ الحياة تملأ النفس دهشةً وإعجاباً بالخليّة حين تتكيّف بمقتضيات موضعها وظروفها، فكأنّ كلّ خليّة تعرف هندسة العضو الذي تتوفّر على إيجاده مع سائر الخلايا المشتركة معها في ذلك العضو، وتدرك وظيفته وكيف يجب أن يكون»(1).

 

الخامس ـ اللسان:

من الوظائف المحيّرة للسان ما يلي:

1 ـ إرسال الغذاء تحت الأسنان؛ ولولا ذلك لكان بعض أجزاء اللقمة منفلتاً عن مضغ الأسنان، ولكنّا بحاجة إلى تحريك أجزاء اللقمة في الفم بواسطة الإصبع كي تصل تحت الأسنان، ولكن اللسان يتكفّل هذه المهمّة بمهارة كاملة من دون أن يقع هو تحت ضربات الأسنان، وقد يتفق نادراً بسبب غفلة الإنسان أن يقع اللسان تحت الأسنان وينجرح بضغط الأسنان، ولعل الله يريد بذلك أن تتضح لنا عظمة مهارة اللسان التي لولاها لاستفحلت مصيبة اللسان تحت ضغط الأسنان.

2 ـ خلط اللقمة ببزاق الفم المؤثّر في سهولة بلع الغذاء من ناحية، والمولّد لفعل كيماويّ مساعد على الهضم من ناحية اُخرى.

3 ـ الاستعانة به في بلع الغذاء بل والماء، ولولا اللسان لتعسّر أو تعذّر بلع


(1) فلسفتنا: 342.

62

لقمة واحدة.

4 ـ تذوّق الطعام لتشخيص كثير من الأغذية الفاسدة أو المضرّة كي يمتنع الإنسان عن أكلها.

5 ـ تنظيف الفم بعد الانتهاء من الأكل.

6 ـ التكلّم، وهو يتمّ بالتعاون بين المخّ والشفة واللسان والحنجرة.

وقد اعتبره الله تعالى آية من آياته الباهرة في قوله:﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الاِْنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَان﴾(1).

فالفكر يختار أوّلاً من بين مئات الآلاف أو الأكثر من الكلمات أوّل كلمة يريد الشخص أن يلفظها، فيأمر اللسان أن يتحرّك بكلّ سرعة ودقّة على مخارج حروف تلك الكلمة، ثُمّ يختار بالسرعة نفسها الكلمة الثانية ويعيد العملية بواسطة اللسان، وهكذا إلى أن تنتهي الجملة المقصودة وبمعونة الشفة والحنجرة وأوتار الصوت، وحينما يقع صدفة أقلّ خطأ للفكر في اختيار الكلمات أو اللسان في طريقة التحرك تخرج الجملة ملحونة.

 

السادس ـ المخّ:

لا أستطيع أن أتحدّث عن عظمة المخّ وعن أقسامه المرتبطة بالفكر والإدراك والذاكرة والإرادة والعواطف، ثُمّ تأشيره اللازم على أعصاب البدن كافّة بوظائفها الخاصة حتّى إنّ الخلل في بعض أجزائه يوجب الشلل في قسم من الأعصاب، والعظمة لله الواحد القهّار.

ولكنّي أكتفي بالقول بأنّ مِن أبدع ما صنعه البشر، وكان صنعه هذا بواسطة


(1) س 55 الرحمن، الآية: 1 ـ 4.

63

مخّه الجبّار الذي آتاه الله إياه، هو ما يسمّى بالعقل الالكتروني والذي يفترض عملاً جبّاراً وهو يفقد الإرادة والعواطف وإدارة الأعصاب، كما أنّه ليس له الإدراك ولا الذاكرة إلّا ما يكون شبيهاً بهذا أو بذاك ممّا يكون مؤشِّراً إعدادياً لإدراك الناس أو تذكّرهم للاُمور بمخّهم الذي أكرمهم الله تعالى به.

وقد روي عن مصمّم العقل الالكتروني كلودم هزاوي قوله: «طُلب منّي قبل عدّة سنوات القيام بتصميم آلة حاسبة كهربائيّة تستطيع أن تحلّ الفرضيات والمعادلات المعقّدة ذات البعدين، واستفدت لهذا الغرض من مئات الأدوات واللوازم الالكتروميكانيكيّة، وكان نتاج عملي وسعيي هذا هو العقل الالكتروني، وبعد سنوات متمادية صرفتها لإنجاز هذا العمل وتحمّل شتّى المصاعب، وأنا أسعى لصنع جهاز صغير، يصعب عليّ أن أتقبّل هذه الفكرة وهي: أنّ الجهاز هذا يمكن أن يوجد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى مصمّم ...»(1).

فلئن كان العقل الالكتروني الذي ليس في مقابل المخّ إلّا كجهاز من أجهزة لعب الأطفال لا يمكن أن يوجد من تلقاء نفسه فما رأيك في المخّ الذي أبدعه الله تعالى بهذا الإبداع الرائع؟! ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَل مُّبِين﴾(2).

 

السابع ـ الجنين:

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِن سُلاَلَة مِّن طِين * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَار مَّكِين * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً


(1) الإلهيّات 1: 41.

(2) س 31 لقمان، الآية: 11.

64

ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين)(1).

ورد في توحيد المفضّل: «قال المفضّل: فقلت: صف نشوء الأبدان ونموّها حالاً بعد حال حتّى تبلغ التمام والكمال. فقال(عليه السلام): أوّل ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لا تراه عين ولا تناله يد، ويدبّره حتّى يخرج سويّاً مستوفياً جميع ما فيه قوامه وصلاحه من الأحشاء والجوارح والعوامل إلى ما في تركيب أعضائه: من العظام واللحم والشحم والمخّ والعصب والعروق والغضاريف...»(2).

سبحان الذي كشف الغطاء قبل أربعة عشر قرناً عن المراحل الهامّة للجنين حينما لم يكن يمكن للعلم امتلاك الوسائل التي تكشف عن وضع الجنين الذي يعيش في ظلمات ثلاث(3): البطن والرحم والمشيمة، ثُمّ اكتشف العلم ذلك بوسائله بعد حين، فكانت نفس المراحل وهي: النطفة ـ وهذه كانت معلومة بالحسّ منذ البدء ـ ثُمّ العلقة بمعنى تبدّل النطفة إلى دم منجمد، ثُمّ المضغة بمعنى قطعة لحم بمقدار تمضغ، ثُمّ العظام بمعنى تبدّل تلك القطعة بالعظام، ثُمّ إلباس العظام اللحم، فسبحان الذي أخبر قبل ولادة العلم عن أنّ خلق العظام في الجنين يكون قبل اللحم ثُمّ يكسوه اللحم، ومن كان يعلم أنّه هل يخلق اللحم أوّلاً ثُمّ يخلق في وسطه العظام، أو هل يتحوّل لحم المضغة إلى العظام ثُمّ تكسى العظام لحماً؟!

وأمّا المرحلة الأخيرة للجنين ـ وهي مرحلة نفخ الروح ـ فقد عبّر عنها


(1) س 23 المؤمنون، الآية: 12 ـ 14.

(2) البحار 3: 68، الباب 4 من كتاب التوحيد.

(3) إشارة إلى الآية 6 من سورة 39 الزمر.

65

القرآن بتعبير متميّز عن باقي المراحل فقال: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَر﴾. وقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر(عليه السلام) تفسير إنشائه خلقاً آخر بنفخ الروح فيه(1). وطبعاً المقصود بذلك نفخ الروح الإنسانية، فلا ينافي ذلك ما لا يشكّ فيه العلم من حياة الجنين من أوّل يومه حياة أشبه بالحياة النباتية، فترى الجنين يمتلك في مرحلة معيّنة من الحسّ والحركة ما لم يكن يمتلكهما من قبل. ويحكم الفقه على من قتله بالدية الكاملة بينما لم يكن يحكم بذلك من قبل. ثُمّ عبّر القرآن لتبجيل هذا الخلق في هذه المرحلة الجديدة وتبريكه بتعبير لم يعبّر عنه في أيّ خلق آخر وهو قوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين﴾ وحتّى خلق السماوات والأرض الذي وصفه الله تعالى بأنّه أكبر من خلق الناس(2) لم يبارك له الله بتعبير كهذا.

نزرٌ يسير من آيات الحكمة في الجنين:

1 ـ مقرّ الجنين:

﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَار مَّكِين﴾(3).

أيّ قرار أمكن له وأحفظ من الصدمات ممّا وقع بين سلسلة الفقرات والأضلاع والخاصرتين وعظام الظهر وعضلات البطن من ناحية وجعل في مشيمة مليئة بماء لزج من ناحية اُخرى، فيعلّق في هذا الماء الذي يأخذ عنه ثقله فيأمن من الضغوط التي قد تتجه إلى بدن الاُم أو بطنها، فلا تؤثّر فيه على رغم من نعومته ودقّته، وأيضاً يحفظ له هذا الماء وهذه المشيمة ضمن درجة حرارة في مستوى معتدل أمام الحرارة أو البرودة التي قد يتعرّض لها جسم الاُم


(1) راجع پيام قرآن 2: 77 نقلاً عن تفسير نور الثقلين 3: 541، الحديث 56 و57.

(2) إشارة إلى الآية: 57 من سورة (40) غافر.

(3) س 23 المؤمنون الآية: 13.