515

خيار الفسخ لعدم معرفة وصف المبيع لا خيار إمضاء الشراء وعدمه لأجل كون البيع قبل القبض ولا يبعد كون الحديث مجملاً بين المعنيين.

3 ـ ما ورد عن ميسّر بسند تام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له: رجل اشترى زقّ زيت فوجد فيه دردياً قال فقال: إن كان يعلم انّ ذلك يكون في الزيت لم يرده وإن لم يكن يعلم انّ ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه(1) بناء على انّ قوله: (إن كان يعلم انّ ذلك يكون في الزيت... الخ) قرينة على انّ درديّ الزيت لم يكن أكثر من المقدار المتعارف كي يكون عيباً، أو تبعّض صفقة فيدخل في خيار العيب أو تبعّض الصفقة فالخيار إذن انّما يكون لأجل عدم معرفته بوصف المتاع وعدم فحصه عنه.

هذا. والتعدي العرفي من موارد هذه الروايات لا يقتضي أكثر من التعدي إلى سائر أوصاف المتاع وإلى سائر أقسام الفحص المتعارف فلا يستفاد من هذه الروايات بالتعدّي العرفي قاعدة عامّة مشابهة لمبدأ الفقه الغربي وهي كون تورّط العاقد في الخطأ يقتضي بشكل مطلق حقّ إبطال العقد كي نحتاج لإخراج موارد ما يسمّى بتخلّف الدّاعي إلى التبرير بضرورة حفظ استقرار التعامل كما فعله الفقه الغربي في الغلط غير المتصل به المتعاقد الآخر، وكذلك ليس خيار الرؤية مشروطاً عندنا بكون الغلط مشتركاً أو كون المتعاقد الآخر عالماً بالغلط أو من سهل ان يعلمه.

حكم أقسام الغلط الواردة في كتاب (الوسيط):

الأمر الثالث قد ظهر بكل ما ذكرناه حال غالب أقسام الغلط التي جاء في


(1) الوسائل 12: 419، الباب 7 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 1.

516

الوسيط(1) فرض إيجابها لحق إبطال العقد وهي:

1 ـ الغلط في وصف المتاع.

وقد عرفت انّ هذا هو مورد خيار تخلّف الوصف أو الشرط أو خيار الرؤية أو العيب بالتفاصيل التي عرفت فرقها عن التفاصيل الواردة في الفقه الغربي.

2 ـ الغلط في شخص المتعاقد.

ولا يبعد في موارد ركنيّة المتعاقد كما في عقد الشركة أو القرض أو التبرّع ونحو ذلك التعدّي من مورد روايات خيار الرؤية إلى الغلط في شخص المتعاقد سواء كان الغلط في شخصية المتعاقد كالاعتقاد خطأ بكونه فلاناً أو في وصفه الذي يهمّه كالاعتقاد خطأ برابطة قرابة بينه وبين المتبرّع له حينما يكون هذا الاعتقاد هو الدافع إلى التبرّع مثلاً فيوجب ذلك الخيار (بقطع النظر عن فرض تزلزل أصل عقد التبرّع) هذا فيما إذا لم يكن الخطأ في شخص العاقد بمعنى اختلاف الإيجاب والقبول في تعيين شخص العاقد وإلّا فقد عرفت انّ هذا يؤدّي إلى بطلان العقد.

3 ـ الغلط في القيمة.

وهذا هو مورد ما مضى من خيار الغبن.

4 ـ الغلط في الباعث.

وهذا هو مورد تخلّف الدّاعي الذي عرفت انّه لا خيار فيه.

5 ـ الغلط في القانون.

وهو ان يشترط خطأ شرطاً غير قانوني وهذا ما يسمّى عندنا بالشرط الفاسد.


(1) الوسيط 1: 320 ـ 331، الفقرة 169 ـ 174.

517

حكم الشرط الفاسد:

وقد اتّضحت ممّا مضى صفوة القول في مفسديّة الشرط الفاسد للعقد وعدمها وانّ الصحيح عدم الإفساد لانّ الشرط التزام في مقابل الالتزام بالعقد، والتقابل يساوق الاستقلال فلا موجب لسريان فساده إلى العقد(1)، وقد يشهد لعدم سريان فساد الشرط إلى العقد بعض الروايات من قبيل:

ما عن الحلبي بسند تام عن أبي عبد الله (عليه السلام): انّ بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة وأعتقتها فخيّرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال إن شاءت ان تقرّ عند زوجها وإن شاءت فارقته وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة ان لهم ولاءها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الولاء لمَن أعتق»(2) ففي هذا الحديث قد أبطل رسول الله الشرط من دون ان يبطل البيع.

وما عن إسحاق بن عمّار بسند تام عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): إنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول: من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به فانّ المسلمين عند شروطهم إلّا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً»(3) حيث فرض كونه امرأته أمراً مفروغاً عنه فظاهره صحّة النكاح ولو كان فيه شرط حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً إلّا ان تحتمل الخصوصية في النكاح فلا يتعدّى إلى عقود الأموال.


(1) طبعاً هذا في غير ما إذا كان سبب الفساد كون الشرط مخالفاً لمقتضى العقد كما في بعتك بلا ثمن، أمّا في هذا الفرض فلا إشكال في فساد العقد لانّ الضمير لم ينعقد على مقتضى العقد كما هو واضح.

(2) الوسائل 14: 559، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.

(3) الوسائل 14: 487، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 9. و 12: 354، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 5.

518

وما عن زرارة بسند تام عن أبي عبد الله (عليه السلام): قلت له: رجل كانت له مأتادرهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فراراً بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر فقال: إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه فيها الزكاة قلت له: فان أحدث فيها قبل الحول؟ قال: جائز ذلك له قلت: انّه فرّ بها من الزكاة قال: ما أدخل على نفسه أعظم ممّا منع من زكاتها فقلت له: إنّه يقدر عليها قال فقال: وما علمه انّه يقدر عليها وقد خرجت من ملكه؟ قلت فانّه دفعها إليه على شرط فقال: إنّه إذا سمّاها هبة جازت الهبة وسقط الشرط وضمن الزكاة قلت له: وكيف يسقط الشرط وتمضي الهبة ويضمن الزكاة؟ فقال: هذا شرط فاسد والهبة المضمونة ماضية والزكاة له لازمة عقوبة له ثم قال: إنّما ذلك له إذا اشترى بها داراً أو أرضاً أو متاعاً...(1).

وقد يقال: إنّ هذا الحديث لم يدل فقط على عدم فساد العقد بفساد الشرط بل دلّ أيضاً على عدم ثبوت الخيار بسبب فساد الشرط لانّ الإمام (عليه السلام)نفى ضمان قدرته على إرجاع ما وهب وهذا لا يكون إلّا مع عدم الخيار، ومع فرض كون الهبة لازمة إمّا لكونها هبة لذي رحم أو لدعوى لزوم الهبة في ذاتها ولو بعد القبض كما في بعض الأحاديث، أو لفرض تصرّف الموهوب له فكأنّ الإمام (عليه السلام)يقول: (وما علمه انّه يقدر عليها مع انّ الموهوب له من الممكن ان يتصرّف في المال فتلزم الهبة) وعلى أيّة حال فقد دلّ الحديث على عدم الخيار.

إلّا انّه لا يمكن التعدّي في مسألة عدم الخيار من مورد الحديث إلى سائر الشروط لانّ الشرط الفاسد في مورد الحديث انّما هو شرط الخيار ومن الواضح انّه لو كان فساد شرط الخيار موجباً للخيار كان هذا مساوقاً لعدم فساد الشرط


(1) الوسائل 6: 111 ـ 112، الباب 12 من أبواب زكاة الذهب والفضّة، الحديث 2.

519

لتحقّق ما هو المقصود من الشرط فلعلّه لأجل هذا لم يثبت الخيار في المقامبخلاف سائر الشروط.

وعلى أيّة حال فيقع الكلام في المقام في انّ فساد الشرط ـ بعد ان عرفنا عدم مفسّديته للعقد ـ هل يوجب الخيار للمشروط له أو لا؟ والكلام في ذلك تارة يكون في ما فرضناه من تورّط المشروط له في الشرط الفاسد خطأً، واُخرى في فرض العمد والعلم بفساد الشرط:

أمّا في فرض الخطأ فتارة نفترض ان المشروط عليه يخلف الشرط لفساده واُخرى نفترض انّ المشروط عليه يعمل بالشرط ظاهراً لكن الشرط لا يتنفّذ واقعاً لفساده، كما لو شرط عليه بيع اُمّ ولد له وهو يعمل بالشرط ولكنّه لا يتنفّذ الشرط واقعاً، لفساد بيع اُمّ الولد وثالثة نفترض أنّ المشروط عليه يعمل بالشرط وهو أمر تكوينيّ يتنفّذ تكويناً رغم فساد الشرط كما لو شرط عليه شرب الخمر فشرب.

ففي الفرض الأوّل تكفي في ثبوت الخيار نفس النكتة التي ثبّتناها لدى التخلّف عن الشرط الصحيح وهي انّ الشرط التزام في مقابل التزام وتقابلهما لدى العقد يوجب عقلائياً تقابلهما لدى الوفاء، بمعنى انّ وجوب الوفاء بأحدهما يناط بالوفاء بالآخر بحيث لو لم يف الآخر بذاك الالتزام ولو لأجل عدم مشروعيته كان للأوّل عدم الوفاء بمخالفة آثاره بترك التسليم مثلاً وبالفسخ.

وكذلك الحال في الفرض الثاني لانّ المشروط عليه وان أراد الوفاء بالشرط لكنه عاجز عن الوفاء حسب الفرض لعدم نفوذ ما أراد الشارط نفوذه، ونكتة خيار تخلّف الشرط وهي التقابل بين الالتزامين تعمّ التخلّف العمدي والتخلّف القهري.

520

وأمّا الفرض الثالث فهذه النكتة للخيار غير ثابتة فيه لانّ المفروض وفاء المشروط عليه بالشرط وإن كان فاسداً، فالتقابل بين الالتزامين في الوفاء لا يؤدّي إلى الخيار فهذا الفرض نلحقه في الحكم بفرض عدم الخطأ مع وفاء المشروط له بالشرط الفاسد الذي سنبحثه إن شاء الله.

وأمّا في فرض عدم الخطأ والعلم بفساد الشرط منذ البدء فإن كان فساده يساوق عدم القدرة على نفوذه كما في بيع اُمّ الولد حينما يقصد بشرطه شرط البيع الصحيح وكان الشارط يعلم بعدم القدرة فالشرط لا يعدو ان يكون لقلقة لسان ويكون لغواً من قبيل ان يشترط عليه الطيران في السماء مثلاً، وإن لم يكن كذلك فهل يثبت له الخيار بفساد الشرط خصوصاً إذا لم يف المشروط عليه بالشرط؟ أو لا يثبت له الخيار خصوصاً في فرض وفاء المشروط عليه بالشرط رغم فساده؟ التحقيق ان نكتة الخيار الماضية لا توجد في فرض وفاء المشروط عليه وهي التقابل بين الوفاءين لانّ المفروض وفاؤه في المقام.

أمّا في فرض عدم وفاء المشروط عليه بالشرط الفاسد فهنا وجهان:

الأوّل ـ دعوى ثبوت الخيار لنفس النكتة الماضية وهي انّ التقابل بين الالتزامين أوجب عقلائياً تقيد وجوب الوفاء بوفاء الآخر.

والثاني ـ دعوى عدم ثبوت الخيار بدعوى انّ البناء العقلائي على التقابل بين الوفاءين يختص بفرض عدم علم الشارط بفساد الشرط وإمضاء الشارع لهذا البناء بعدم الردع أو بلا ضرر أيضاً مقيّد بنفس القيد وهو عدم علم الشارط بفساد الشرط، على فرق في بعض الموارد بين العقلاء والشرع في تشخيص مصداق الشرط الفاسد حسب اختلافهما في الرؤية والاعتبار هذا.

وقد يدّعى انّ هنا نكتة اُخرى للخيار ثابتة في جميع موارد فساد الشرط،

521

سواء في الموارد التي تمّت النكتة الاُولى فيها، أو التي لم تتم فيها النكتة الاُولىوهي انّ الارتكاز العقلائي الحاكم بوجوب الوفاء في الالتزامين المتقابلين يرى الوجوبين مترابطين، أي انّه لا يجعل على كل واحد من الالتزامين الحكم بوجوب الوفاء بشكل مستقل عن حكم الآخر بل يحكم بالوجوبين بشكل مترابط ومتلازم، ففي مورد عجز الارتكاز عن إيجاب الوفاء بأحد الالتزامين لكونه مخالفاً لقوانين عقلائية اُخرى يسقط الارتكاز في الجانب الآخر أيضاً فلا يبقى أي حكم عقلائي بوجوب الوفاء من طرف واحد، أمّا الإمضاء الشرعي لما عليه العقلاء الثابت بعدم الردع أو بلا ضرر فهو أيضاً غير ثابت طبعاً بأكثر ممّا عليه العقلاء من الوجوب المترابط لكلا الوفاءين بحيث لو ثبت الردع عن أحدهما لكونه خلاف القوانين الشرعية لم يثبت إمضاء الآخر لانّ العقلاء يرون انّ شريعة كان الشرط فيها غير قانوني لا نكتة عقلائية لصحّة العقد بلحاظ تلك الشريعة.

وأمّا النصوص التعبّدية الدالة على وجوب الوفاء من قبيل ﴿اوفوا بالعقود﴾و «المؤمنون عند شروطهم» فهي أيضاً منصرفة إلى نفس النسق المألوف من قبل العقلاء من فرض وجوبين مترابطين بحيث لو سقط أحدهما قصر الدليل عن إثبات الوجوب الآخر.

والخلاصة انّنا في ما سبق قلنا: إنّ الالتزامين المتقابلين لدى العقد متقابلان أيضاً لدى الوفاء والآن نقول: إنّ الالتزامين المتقابلين لدى العقد متقابلان أيضاً في وجوب الوفاء فإذا سقط أحدهما عن الوجوب سقط الآخر أيضاً عن الوجوب.

إلّا انّ هذه النكتة الجديدة للخيار لو تمّت للزم ثبوت الخيار بمجرّد عدم وجوب الوفاء بالشرط حتى إذا لم يحرم الوفاء به وفعلاً وفى به المشروط عليه وهذه نتيجة غريبة عن الذهن العرفي ومثاله ما لو باع شيئاً من غلام لم يبلغ الحلم

522

بإذن وليّه وبشرط مشروع وقد وفى الغلام بالشرط ولكنه لم يكن يجب عليهالوفاء به لانّه غير مكلّف بشيء من التكاليف، ومنها وجوب الوفاء بالشرط والأغرب من ذلك انّنا لو حملنا دليل وجوب الوفاء بالشرط ضمن العقد على الوجوبين المترابطين أي وجوب الوفاء بالعقد من طرف وبالشرط من طرف آخر فحمل دليل اصل وجوب الوفاء بالعقد على وجوبين مترابطين بلحاظ وفاء الموجب بإيجابه ووفاء القابل بقبوله أولى، فإذا كان القابل مثلاً غير بالغ فلم يجب عليه الوفاء بالقبول ولكنه وفى فهل بالإمكان ان يقال: إنّ من حق الموجب الفسخ لانّه لم يكن يجب على القابل القبول؟ !

فهذا شاهد على عدم تمامية هذه النكتة.

وقد يقال: إنّ دليل فساد الشرط إذا كان لفظيّاً يدل بإطلاقه على انتفاء تمام أحكام الشرط، ومنها ثبوت الخيار لدى التخلّف إذن ففساد الشرط لا يوجب الخيار.

ويرد عليه انّ دليل فساد الشرط اللفظي لا يدل على أكثر من عدم نفوذ الشرط، خاصّة وان ذاك الدليل ورد بلسان نفي النفوذ أو نفي الجواز من قبيل ما مضى من قوله: «من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به فانّ المسلمين عند شروطهم إلّا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً»(1) ومن قبيل «من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترط عليه»(2).


(1) الوسائل 14: 487، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 9 و 12: 354، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 5.

(2) الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1.

523

نعم ذكر السيد الإمام (رحمه الله)(1): انّ الشرط تارة يكون شرط فعل واُخرى شرط نتيجة وثالثة شرط وصف كشرط كتابة العبد مثلاً فشرط الفعل نفوذه عبارة عن وجوب العمل به وفساده وعدم نفوذه عبارة عن عدم وجوب العمل به، وشرط النتيجة نفوذه عبارة عن تحقّقها، وفساده وعدم نفوذه عبارة عن عدم تحقّقها، أمّا شرط الوصف فلا معنى لنفوذه بمعنى وجوب العمل به أو تحقّقه ولا معنى لفساده وعدم نفوذه بمعنى نفي ذلك فالحديث الذي دلّ على نفوذ الشرط بناء على شموله لشرط الوصف ليس له معنى عدا ثبوت الخيار على تقدير التخلّف وبطلان هذا الشرط وفساده لا معنى له عدا نفي هذا الخيار فلو شرط كون العنب على صفة صالحة للتخمير أو كون العبد كافراً أو كون الجارية مغنيّة فبناء على بطلان ذلك وممنوعيّته ينتفي الخيار عند تخلّف الوصف، إذن فالاستثناء الوارد في الحديث ينفي الخيار في شرط الوصف بناء على فساده في مثل هذه الأمثلة ولا ينفيه في شرط الفعل أو النتيجة إذا كان فاسداً.

أقول: إنّ ثبوت الخيار لدى تخلّف الشرط إن كان مصداقاً حقيقياً لنفوذ الشرط أو عنوان العندية مثلاً الوارد في قوله: «المؤمنون عند شروطهم» إذن فاستثناء الشرط المخالف للكتاب يدلّ على عدم الخيار في تمام أقسام الشرط لا في خصوص شرط الوصف، لانّ مقتضى الإطلاق هو نفي نفوذ الشرط المخالف للكتاب بجميع أنحاء النفوذ وإن لم يكن مصداقاً حقيقياً لذلك كما هو الصحيح، فالإطلاق لا يدلّ عليه ويبقى شرط الوصف خارجاً عن إطلاق دليل «المؤمنون عند شروطهم».


(1) في كتاب البيع 5: 252.

524

ثم المقصود من مخالفة الشرط للكتاب هل هو حرمة الاشتراط أو عدم نفوذه أو مخالفة المشروط للكتاب؟ والجمع بين الكل أو بين اثنين منها كاستعمال اللفظ في معنيين فان فرض الثاني وهو عدم النفوذ أصبحت القضية ضرورية بشرط المحمول إذ معنى الكلام عندئذ: (الشروط نافذة إلّا الشروط التي لا تنفذ) والأوّل حمل للكلام على فرض نادر فانّ الشروط المتعارفة ليس فيها ما تكون الحرمة في نفس الاشتراط أو يندر ذلك، والمتبادر إلى الذهن هو المعنى الثالث أي كون المشروط مخالفاً للكتاب وهذا انّما يتصوّر في شرط الفعل وشرط النتيجة ولا معنى لشموله لشرط الوصف.

خيار التدليس:

الأمر الرابع ـ جاء في الفقه الوضعي: انّ أحد عيوب الإرادة هو التدليس والتدليس وارد في فقهنا الإسلامي أيضاً ولكن في فقهنا انّما يوجب الخيار لكونه تدليساً وتغريراً لا لمجرّد صيرورة الإرادة معيبة بالمعنى المنحفظ حتى في تخلّف الدواعي كما اتضح بيانه ممّا تقدّم فالتدليس هو التغرير المتعمّد، وقد مضى منّا الكلام عن التغرير، والتغرير اعمّ من التدليس إذ قد لا يكون المغرّر متعمّداً كما لو كان هو متورّطاً في الخطأ فأوجب خطأ الآخرين وكان ذكر التدليس في الفقه الغربي كمادّة مستقلة عن الخطأ في محلّه بناء على مذهب الغلط المشترك لانّ الغلط في مورد التدليس ليس مشتركاً، وكذلك بناء على تخصيص الغلط بمثل الغلط في أوصاف المبيع وفرض التدليس شاملاً لما هو أوسع من ذلك كالتدليس على الشخص بالإيحاء إليه بكون ابنه مريضاً كي يقدم على شراء الدواء في حين ان ابنه ليس مريضاً، أو الإيحاء إليه بانّ السعر سعر عادل بينما هو سعر مجحف، أمّا بناء على توسيع دائرة الغلط لمثل الغلط في الباعث والقيمة والتعدّي من الغلط

525

المشترك إلى كل غلط يتصل به المتعاقد الآخر فلا يبقى مورد مستقل عن الغلط يدرج في التدليس، ولا تظهر نكتة مستقلة في التدليس حسب مبانيهم توجب ذكره كسبب مستقل عن الخطأ لصيرورة الإرادة معيبة.

وقد جاء في الوسيط(1) نقلاً عن المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المصري: انّ النكتة في إفراد التدليس بالذكر ثبوت أثرين عمليين للتدليس لم يكونا في سائر موارد الغلط، أحدهما سهولة الإثبات فان دعوى الغلط في غير موارد وجود العلائم المادّيّة للتدليس ليس إثباتها سهلاً وهذا بخِلاف موارد التدليس، وثانيهما ثبوت حقّ التدارك للأضرار الناجمة عن التدليس.

وعلى أيّة حال فنحن عندنا ثلاثة أسباب عقلائية للخيار كما مضى، التغرير، وتخلّف الشرط، وتخلّف الأغراض العامّة أو التي يكون تخلّفها خلاف الأصل كالسلامة وعدم الغبن، ولا يوجد أي تداخل بين هذه النكات كالتداخل الموجود بين النكات المتعرّض لها في الفقه الغربي وقد فرضوا من طرق التدليس مجرّد السكوت إذا كان عارفاً بتأثيره على إرادة المتعاقد الأوّل ولم يكن المتعاقد الأوّل قادراً على كشف الحقيقة عن طريق آخر.

وهذا ممّا لا دليل عليه في فقهنا عدا الاستحسان، نعم بالقياس إلى وصف المبيع الذي بقي مستوراً على أثر السكوت وعدم فحص المشتري يدخل الأمر في ما مضى من بحث خيار الرؤية ويثبت الخيار، رغم كون المشتري مثلاً قادراً على كشف الحقيقة عن غير طريق إخبار البائع وهو طريق الفحص، ثم انّ خيار


(1) راجع الوسيط 1: 359، المادّة 186، التعليق الثاني تحت الخط.

526

التدليس في فقهنا الإسلامي مضافاً إلى ما عرفت من عقلائيته وإمضاء هذا الارتكاز العقلائي شرعاً بالسكوت وعدم الردع، أو بقاعدة نفي الضرر يمكن الاستدلال عليه ببعض الروايات وهي الروايات الواردة في الحيوان المصرّاة(1)ولكنّها غير تامّة سنداً، والروايات الواردة في خيار التدليس في النكاح وهي وإن كانت في الغالب واردة في تدليس العيب(2) ولا يمكن التعدّي منها إلى مطلق التدليس لاحتمال دخل العيب في الخيار، سواء فرض العيب سبباً مستقلاً للخيار كما في العيوب الخاصّة في النكاح، أو فرض هو مع التدليس بمجموعهما سبباً للخيار فمع هذا الاحتمال لا يمكن التعدّي إلى التدليس المنفصل عن العيب لكن فيها ما لا يكون كذلك(3) من قبيل ما ورد بسند تام عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام)في رجل يتزوّج المرأة فيقول لها: أنا من بني فلان فلا يكون كذلك فقال: تفسخ النكاح أو قال: تردّ(4) فبناء على التعدّي من النكاح إلى العقود الماليّة يثبت خيار التدليس في العقود المالية. وقد يدغدغ في هذا التعدّي باحتمال الخصوصية في النكاح لخطورته وكونه بداية اتخاذِ حياة مشتركة طويلة الأمد.


(1) راجع الوسائل 12: 360، الباب 13 من أبواب الخيار، الحديث 2 و 3.

(2) من قبيل ما في الوسائل الجزء 14، الباب 2 من العيوب والتدليس، الحديث 1 و 2 و 7 وقد يكون من هذا القبيل الحديث 1 و 4 الباب 6 من تلك الأبواب بناء على انّ الزنا عيب اجتماعي بل هو عيب كبير لا يمكن التعدّي منه إلى العيوب المتعارفة فضلاً عن التدليس المنفصل عن العيب وقد يكون من هذا القبيل أيضاً الحديث 1 و 2 من الباب 11 من تلك الأبواب بناء على انّ عدم الحريّة عيب اجتماعي

(3) راجع الوسائل 14: 614 ـ 615، روايات الباب 16 من أبواب العيوب والتدليس.

(4) الوسائل 14: 614 ـ 615، الباب 16 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 1.

527

وقد يدعم هذا التعدّي بكون خيار التدليس أمراً ارتكازياً لدى العقلاء، ولا أقصد بذلك الرجوع إلى دليل سابق وانّما أقصد بذلك انّنا لو تنزّلنا عن إثبات إمضاء هذا الارتكاز بعدم الردع أو بقاعدة نفي الضرر (وهذه هي الأدلّة السابقة) فسيكون دليلنا الجديد هو النص الدال على خيار التدليس في النكاح الذي يفهم منه العرف بسبب ما يمتلك من ذاك الارتكاز قاعدة عامّة تشمل سائر العقود فهذا الارتكاز وإن كان في حدّ ذاته غير حجّة لكنّه يساعد على استظهار العرف للإطلاق من ذاك الدليل اللفظي.

حكم الاستغلال وخيار الغبن:

الأمر الخامس ـ جاء في الفقه الغربي: انّ أحد عيوب الإرادة هو الاستغلال.

وكما مضى في التدليس ان نظرية الغلط تغني عنه، فانّ التدليس يوقع المدلّس عليه في الغلط لا محالة، كذلك كان بالإمكان الاستغناء عن ذكر عيب الاستغلال لو قصد به استغلال جهل المتعاقد الآخر المؤدّي إلى إخلال الموازنة بين العوضين في القيمة فانّ هذا يرجع إلى التدليس أو الغلط ولكنهم توسّعوا في مسألة الاستغلال لاستغلالات اُخرى تؤدّي إلى الغبن غير استغلال الجهل فمثلاً ورد في القانون المدني الألماني في المادّة [138] بطلان التصرّف القانوني الذي يستغل الشخص حاجة الغير أو خفّته أو عدم تجربته ليحصل لنفسه أو لغيره في نظير شيء يؤدّيه على منافع ماليّة تزيد على قيمة هذا الشيء بحيث يتبين من الظروف انّ هناك اختلالاً فادحاً في ا لتعادل ما بين قيمة تلك المنافع وقيمة هذا الشيء(1).


(1) راجع الوسيط 1: 389 ـ 390، الفقرة 203.

528

وورد في القانون المصري الجديد في المادّة [129]: إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر وتبيّن انّ المتعاقد المغبون لم يُبرم العقد إلّا لانّ المتعاقد الآخر قد استغلّ فيه طيشاً بيناً أو هوىً جامحاً جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون ان يبطل العقد أو ان ينقص التزامات هذا المتعاقد(1).

ومن حكم منهم بكون الاستغلال مبطلاً كما عرفته عن القانون الآلماني فهو لا ينظر إلى الاستغلال بما هو معيب للإرادة بل ينظر إليه بما هو عمل غير مشروع(2) وذلك لانّ جزاء معيبية الإرادة في نظرهم انّما هو الخيار لا البطلان.

وعلى أيّة حال فالخيار في نظر الفقه الإسلامي انّما يترتّب في موارد الغبن لدى جهل المغبون وهذا رجوع إلى الغلط أمّا سائر الاستغلالات فلا يوجب الخيار فالطيش مثلاً إذا كان بمستوى السفه يوجب بطلان البيع ولو لم يستغله المتعاقد الآخر لانّ السفيه محجور عليه في نظر الفقه الإسلامي، وإن لم يكن بهذا المستوى لم يوجب الخيار إلّا بلحاظ الجهل بالقيمة وهذا رجوع إلى الغلط. والهوى الجامح لو جعل المعاملةَ سفهيّة محاباتيّة وقلنا ببطلان مثل هذه المعاملة لم نصل أيضاً إلى الخيار وإلّا فالعقد لازم ولا موجب للخيار أيضاً لانّه باختياره التام فعل ما فعل، وكذلك استغلال حاجة الغير لا يوجب الخيار ولا يحرم ما لم يحرّمه وليّ الأمر.

وهذا والغبن بما هو شيء مادّي كان قديماً لدى الفقه الغربي هو الموجب


(1) راجع الوسيط 1: 391، الفقرة 204.

(2) راجع الوسيط 1: 401، الفقرة 208.

529

للخيار أو البطلان بوصفه عيباً في العقد لا بوصفه عيباً في الإرادة ولكنّهم أخيراًاهتدوا إلى اشتراط العنصر النفسي، وهو عنصر الاستغلال ومن هنا أمكن درجه ضمن عيوب الإرادة، فالمُقدِم بكامل وعيه واختياره على تقبّل الغبن ومن دون استغلال لخطئه أو جهله أو نحو ذلك من قبل المتعاقد الآخر لا خيار له ولا يكون العقد معه باطلاً، وبهذا اقتربوا من الفقه الإسلامي الذي لا يرى خياراً للمغبون الذي تقبّل الغبن بكامل الوعي والاختيار، وخيار الغبن في الفقه الشيعي وبعض مدارس الفقه السنّي يكفي فيه جهل المغبون ولا يشترط فيه عنصر التغرير لما عرفته في ما مضى من انّ نفس أصالة التساوي في القيمة أو كون التساوي في القيمة هو الغرض العام للعقلاء نكتة مستقلة للخيار غير التغرير، ولكن بعض مدارس الفقه السنّي اشترط في خيار الغبن التغرير(1).

وقد جاء في الفقه الغربي(2): انّ حقّ الإبطال الذي يتحقّق بسبب الاستغلال له عدل آخر وهو حقّ تقليل التزامات المغبون الباهظة إلى الحدّ الذي لا يجعلها باهظة فان اختار المغبون تقليل الالتزامات نفذّه له القاضي بقدر ما يقدّره القاضي كافياً لرفع الغبن، وان اختار الإبطال جاز للقاضي الإبطال إذا رآى انّ الاستغلال عاب رضا المغبون إلى حدّ ان أفسده نهائياً أي لا يعالج ذلك بتنقيص الالتزامات، فلولا الاستغلال لم يكن يقبل بهذا العقد حتى مع تنقيص التزاماته، أمّا لو لم يكن الأمر كذلك بان رأى القاضي انّ الاستغلال لم يفسد الرضا إلى هذا الحدّ وانّ المغبون كان يقبل الدخول في العقد بلا استغلال لو لم تكن التزاماته باهظة فهنا ليس للقاضي إبطال العقد واقتصر على انقاص الالتزامات الباهظة.


(1) راجع مصادر الحق 2: 134 ـ 137.

(2) راجع الوسيط 1: 406، الفقرة 211.

530

أقول: إنّ الاقتصار على حقّ الخيار بمعنى حقّ الردّ كما فعله الفقهالإسلامي أوفق بالاعتبارات العقلائية ذلك لانّ الغابن انّما التزم بهذا العقد المشتمل على كذا مقدار من التزامات صاحبه تجاهه، وقد لا يكون مستعداً للالتزام بعقد آخر لا يشتمل على تلك الالتزامات ولا مبرّر لفرض ذلك عليه، فغاية ما يكون للمغبون على الغابن هي فسخ العقد فان اتفقا بعد ذلك على عقد جديد تقل فيه التزامات المغبون عقدا العقد الجديد وإلّا فلا. والشاهد على ذلك من نفس الفقه الغربي أنّهم لم يقبلوا في المقام بتدارك الغبن عن طريق إضافة التزامات الغابن.

وذكر السنهوري في وجه الفرق بين انقاص التزامات المغبون وزيادة التزامات الغابن بقبول الأوّل دون الثاني ان انقاص مقدار المبيع لا يؤذي البائع المغبون بل يرفع عنه الغبن، ولكنّ الزيادة في ا لثمن قد تؤذي المشتري إلى حد ان يؤثر العدول عن الصفقة، نعم تجوز الزيادة في الثمن إذا رغب المشتري نفسه في ذلك بان ترفع دعوى الإبطال فيتوقّاها بعرض زيادة في الثمن يراها القاضي كافية لرفع الغبن.

أقول: إنّ هذا الوجه للتفريق بين انقاص التزامات المغبون وزيادة التزامات الغابن غريب فكما انّ الزيادة في الثمن قد تؤذي المشتري إلى حد ان يؤثر العدول عن الصفقة كذلك النقيصة في المثمن قد تؤذي المشتري إلى حدّ ان يؤثر العدول عن الصفقة.

بل حتى ما ذكروه من انّ الغابن بإمكانه رفع دعوى الإبطال بتدارك الغبن بزيادة في الثمن غير مقبول في فقهنا الإسلامي فان البيع بثمن أكبر من الثمن الأوّل عقد جديد وهو بحاجة إلى توافق جديد، نعم لو انحصر دليل الخيار في تطبيق

531

قاعدة نفي الضرر في المقام على الضرر المالي فقد يقال: إنّ الغابن إذا كان مستعدّاً لرفع الضرر المالي بدفع زيادة توجب تدارك الضرر فلا موجب للخيار، أمّا إذا صحَّ الاستدلال على الخيار بالارتكاز العقلائي بعد ضمِّ عدم الردع إليه الكاشف عن الإمضاء، أو إثبات إمضائه بتطبيق قاعدة نفي الضرر على الضرر الحقّي لكون نفي حقّ الخيار الثابت عقلائياً ضرراً فهنا لا تصل النوبة إلى إسقاط الخيار بتقديم الزيادة الرافعة للغبن نعم لو تراضيا معاً على ذلك فهذا مطلب آخر.

والخلاصة انّ خيار الغبن حسب ما هو المعروف في فقهنا الإسلامي له عِدل واحد وهو الفسخ.

نعم في خيار العيب قد ورد في فقهنا الإسلامي الارش وذلك بنصّ خاص ولعلّ نكتتهُ العقلائيّة انّ العيب بمنزلة فقدان جزء من المبيع.

الإكراه مبطل للعقد أو موجب للخيار؟

الأمر السادس ـ جاء في الفقه الغربي: انّ أحد عيوب الإرادة الموجبة لحقّ الإبطال هو الإكراه(1) ولكنّ الفقه الإسلامي يرى الإكراه مبطلاً للعقد لا موجباً لحقّ الإبطال كما سيأتي إن شاء الله في البحث الثالث. وقد تلخّص من كل ما ذكرناه: انّه لو صحَّ أن نقول الفقه الإسلامي يرى تدخّل العيب في الإرادة موجباً للخيار فانّما يكون هذا منحصراً في عيب واحد وهو «الغلط» وليس عيوباً أربعة وهي الغلط، والتدليس، والاستغلال، والإكراه، فالتدليس والاستغلال يرجعان إلى الغلط، والإكراه مبطل للعقد لا موجب للخيار.

ولو صحّ انّ الغلط عيب في الإرادة يوجب الخيار فانّما هو في مورد تخلّف


(1) راجع الوسيط 1: 360 ـ 363، الفقرة 187 ـ 190.

532

الأغراض العامّة، وهي موارد العيب والغبن وكذلك في موارد التغرير وتخلّف الشرط. أمّا ذات الغلط المنحفظ في جميع موارد تخلّف الدّاعي فلا يقتضي الخيار أبداً.