484

الموجودة لدى تاجر آخر نعم لو سقط عن المالية نهائياً كما لو برد الجوّ إلى حدّ لم تبق أيّ قيمة للثلج كان ضامناً ولا يكفيه إرجاع الثلج لانّ الواجب عليه ردّ المال إلى أهله والثلج قد سقط عن كونه مالاً والواجب عليه انّما هو ردّ قيمة آخر ساعة من ساعات مالية الثلج لانّه إلى تلك الساعة لم يكن قد وقع شيء عدا تنزّل القيمة السوقية وقد قلنا بعدم ضمانه فالمالية التي تلفت وهي مضمونة انّما هي مالية الساعة الأخيرة(1).

وقد مضى عن استاذنا الشهيد (رحمه الله) التفصيل بين انكسار القيمة السوقية فحسب كما هو الحال في مثال استيراد البضاعة وانكسار القيمة الاستهلاكية كما في مثال الثلج فالأوّل لا يُضمن ولكن الثاني يُضمن.

وكأن الوجه في هذا التفصيل لو كان مصدر الضمان تطبيق قاعدة لا ضرر على الضرر المالي في المقام هو ما ذكره (رحمه الله) في بحث لا ضرر من أنّ ذلك نفي للضرر المطلق دون الضرر المقيد أو الضرر المضاف سنخ انصراف أحكام الماء إلى الماء المطلق دون المضاف وانكسار القيمة الاستهلاكية هو الضرر بقول مطلق، امّا انكسار القيمة السوقية فحسب فانّما يكون ضرراً من وجهة نظر التجارة ولذا لا يحس غير التاجر بالضرر مهما كثر في السوق ما يماثل البضاعة التي يمتلكها للاستهلاك.

ولو كان مصدر الضمان الارتكاز العقلائي للضمان بعد إثبات إمضائه بعدم الردع أو بتطبيق قاعدة لا ضرر على الضرر الحقيّ بمعنى انّ سلب الحق العقلائي يعتبر ضرراً منفياً بلا ضرر فكأن الوجه في التفصيل هو دعوى اشتمال نفس الارتكاز العقلائي على هذا التفصيل.

 


(1) راجع المحاضرات 2: 190 و 194 و 195.

485

(يبقى في المقام شيء) وهو انّ انكسار القيمة الشرائية للنقد هل يضمن أو لا؟ قد وردت في الدرهم الذي أسقطه السلطان روايات متعارضة(1) وذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) والشيخ الصدوق بعض الوجوه للجمع في ما بينها(2) ولكنها وجوه تبرعية.

ولعل مقتضى القاعدة الضمان لانّ القيمة الاستهلاكية للنقد المتمحّض في النقدية أو الغالب نقديته على كونه بضاعة في ذاته هي نفس قيمته السوقية فيكون انكسارها ضرراً مطلقاً ويكون الارتكاز مساعداً للضمان.

وبهذه المناسبة نذكر انّه قد يقال في الأوراق النقدية المألوفة اليوم بان أخذ الزيادة في القرض بمقدار التضخّم وانكسار القوّة الشرائية ليس ربا لأنّ رأس المال يتمثّل في القوّة الشرائية فلو أخذ ما يساوي القوّة الشرائية سابقاً فقد عمل بقوله تعالى: ﴿فلكم رؤوس أموالكم﴾(3).

نعم لو قلنا: إنّ الرصيد حيثية تعليلية لمالية هذه الأوراق وانّ المال العرفي قد أصبح عبارة عن نفس هذه الأوراق لا القوة الشرائية التي هي أمر معنوي تقوّى في الذهن إشكال الربا.

الرابع ـ في بدل الحيلولة. لا إشكال في أنّ ما كان تالفاً أو يعتبر بحكم التلف كالواقع في مكان ييأس رجوعه عنه إلى المالك من قبيل ما وقع في البحر يكون مضموناً بالمثل أو القيمة، امّا ما لا يكون كذلك لكن تعذّر وصوله إلى المالك في برهة من الزمن على الأقل فهل يضمن بدل الحيلولة أو لا؟

 


(1) راجع الوسائل 12: 488، الباب 20 من أبواب الصرف.

(2) راجع الفقيه 3: 118، ذيل الحديث 504، والاستبصار 3: 100، ذيل الحديث 345.

(3) البقرة: 279.

486

أفضل دليل ذكره السيد الخوئي على ضمان بدل الحيلولة وناقشه هو قاعدة نفي الضرر وأورد عليه بوجوه(1):

1 ـ انّ القاعدة تنفي حكم الموضوع الضرري كالوضوء الضرري لا الحكم الضرري كما في المقام وهذا الإشكال ذكره في المحاضرات(2) وانكره في المصباح(3).

2 ـ انّ القاعدة تنفي الحكم في موارد الضرر ولا تثبت الحكم لنفي ضرر كان يثبت لولاه.

وهذان الإشكالان مبنائيان وقد أثبتنا في بحث لا ضرر خلافهما.

3 ـ النسبة بين الضرر وموارد بدل الحيلولة عموم من وجه فقد يكون زمان الحيلولة قصيراً فلا يلتزم فيه بضمان البدل مع أنّ الضرر متحقّق ولو في زمان قصير وقد يكون زمان الحيلولة طويلاً ويلتزم فيه ببدل الحيلولة ولو فرض المالك ثريّاً بحيث لا يهتمّ أبداً بماله المحجوز.

أقول: بالنسبة للشقّ الأوّل نلتزم في مورده بالضمان متى ما صدق الضرر وبالنسبة للشقّ الثاني لو قلنا: إنّ عدم اهتمامه بالمال المحجوز لا يمنع عن صدق الضرر فلا إشكال في المقام ولو قلنا: إنّه يمنع عن صدق الضرر أصبح الدليل أخص من المدّعى ولكن لا يبطل الدليل من أساسه.

4 ـ لم نجد أحداً استدلّ بالقاعدة على بدل الحيلولة فيما إذا حال أحد بين


(1) راجع المحاضرات 2: 207 ـ 210، ومصباح الفقاهة 3: 204 ـ 209.

(2) المحاضرات 2: 207.

(3) مصباح الفقاهة 3: 204.

487

المالك وماله بمنعه من التصرّف بالحبس مثلاً، مع أنّه لا فرق في ذلك بين حبس المالك عن المال أو حبس المال عن المالك.

أقول: إنّ الحكم في كلا الموردين سواء، فعلى الحابس بالدرجة الاُولى فكّ ما حبسه فإن كان قد حبس المال عن مالكه وجب فكّ الحبس عن المال وإرجاع المال إلى مالكه، وإن كان قد حبس المالك عن ماله وجب فكّ المالك وإيصاله إلى ماله لو كان قد أبعده عنه وإذا عجز عن رفع الحاجز بين المال والمالك في كلا الموردين وكان يريد المالك الاستفادة من بدل المال كانت عليه تهيئة البدل، ولا أظنّ انّ المسألة بهذا الشكل مبحوثة في كلمات الأصحاب حتى يستظهر الاتفاق على عدم ضمان بدل الحيلولة في فرض حبس المالك وعجزه عن إرجاعه إلى ماله.

ولا نقصد بضمان بدل الحيلولة الضمان بالمعنى المصطلح الذي هو من الأحكام الوضعية بل نقصد به ما يعمّ مجرّد الوجوب التكليفي لدفع البدل إذا أراد المالك وقاعدة لا ضرر هنا لا تثبت أكثر من ذلك.

5 ـ ان إثبات ضمان بدل الحيلولة بلا ضرر يوجب الضرر على الضامن فيقع التعارض بين الضررين والتساقط.

أقول: إنّ هذا الكلام لا يأتي بشأن الغاصب لانّ لا ضرر منصرف عن الغاصب وعن أي شخص يكون إجراؤه بشأنه تشجيعاً له في ارتكاب الحرام.

وعلى أيّة حال فهنا وجه آخر لإثبات ضمان الحيلولة غير الوجوه التي ذكرها السيد الخوئي وناقشها وهو الارتكاز العقلائي الممضى بعدم الردع.

والظاهر في الارتكاز انّ دافع البدل يملك الأصل أي انّ دفع البدل يكون بملاك المبادلة فقد يقال: لا يجب عليه إرجاع العين إذا رجعت بعد ذلك إلى

488

حوزته ولكن قد يقال: يجب عليه ذلك إذا كان البدل غير واجد لأوصاف العين كما لو كان عبارة عن القيمة لا المثل وذلك لانّ تنازل المالك عن تلك الأوصاف انّما كان عن اضطرار أوجده له الضامن فيكون له بعد زوال العذر حق خيار فسخ المبادلة التي وقعت في زمن العذر.

الخامس ـ لو لم يوجد المثل إلّا بأكثر من قيمة المثل (لا لارتفاع القيمة السوقية للندرة وإلّا لكانت هي قيمة المثل) لم يجب شراؤه لعدم حكم الارتكاز بذلك ولا ضرر يمنع عن ذلك ولا يعارض بلا ضرر بشأن المالك لانّه ليس ضرراً مالياً بل هو ضرر حقيّ متوقّف على اعتراف العقلاء بهذا الحق ولا يعترفون به.

إلى هنا ننتهي من كتاب فقه العقود، وأسأل الله تعالى ان يتقبّله خالصاً مخلصاً لوجهه ويجعله ذخراً لي ليوم فاقتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.