۱۲٤ ـ والآن ننتقل ـ بحول الله وقوّته ـ إلى مثال ثان لما يكون ملكاً للدولة، وهو الفيء والأنفال.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(۱).
(۱) سورة الحشر، الآية: ٦ ـ ۷.
وقال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾(۱).
والأنفال الواردة في مصطلح أئمّتنا(عليهم السلام) أو تعابير فقهائنا ـ رضوان الله عليهم ـ اُمور عديدة، وما نعدُّ منها هنا ما يلي:
۱۲٥ ـ الأوّل: كلّ ما يغنمه المسلمون من الكفّار بغير قتال.
والحكم يشمل الغنائم المنقولة أيضاً، ولا يختصّ بالأراضي، كما أنّ الحكم يشمل حتّى الأرض المحياة إحياءً بشريّاً.
۱۲٦ ـ والثاني: الأرضون الموات بالأصالة، أو التي باد أهلها وانجلوا، فلم يكن لها مالك معلوم.
۱۲۷ ـ والثالث: كلّ أرض لا ربّ لها.
(۱) سورة الأنفال، الآية: ۱.
۱۲۸ ـ والرابع: رقبة الأرض. ومن أحياها من الشيعة بل ومن المسلمين في زمن الغيبة، فله حقّ الاختصاص، فلو خربت وأهملها خرجت عن اختصاصه حتّى ولو كان إهماله بسبب فقره الماليّ، أمّا لو كان إهماله بعجز تكوينيٍّ منه كغياب لا يستطيع قطعه حتّى يحضر لإعمار الأرض، أو غصبِ حاكم ظالم، أو رجل جائر، أو سجن، أو نحو ذلك، لم يسقط حقّه.
۱۲۹ ـ ولو كانت الأرض وقفاً فاُهملت بعد الخراب بإهمال المتولّي الشرعيّ، فقد رجعت الأرض إلى حالتها الاُولى، أمّا لو اُهملت بمثل تحطيم الحكومة الغاصبة، فهي باقية على وقفيّتها.
۱۳٠ ـ ولو كانت الأرض خراجيّة لم تخرج بالخراب عن كونها أرض خراج. نعم، هي محلّلة للشيعة في عصر الغيبة في ظلّ الحكومات الجائرة خاصّة بعد عصر الخلافة الإسلاميّة.
۱۳۱ ـ والخامس: قطائع الملوك وصفاياهم.
۱۳۲ ـ والسادس: صفو الغنيمة، أي: ما يصطفيه الإمام منها قبل القسمة.
۱۳۳ ـ والسابع: الغنائم المنقولة في حرب الكفّار ابتداءً بغير إذن الإمام أو نائبه.
۱۳٤ ـ والثامن: المعادن. والاكتفاء بتخميسها الذي مضى سابقاً إنّما هو حكم إرفاقيّ من قِبَل الإمام.
ونلحق بها الغوص والكنز الذي تقادم عليه الدهر.
۱۳٥ ـ والتاسع: ميراث من لا وارث له.
۱۳٦ ـ والعاشر: المياه العامّة.
اللقطة ومجهولة المالك
۱۳۷ ـ ويلحق بالأنفال اللقطة التي لم يمكن معرفة مالكها ومجهولة المالك وإن لم يجر الاصطلاح الفقهيّ على ذلك.
ونحن نلخّص هنا أحكام اللقطة ومجهولة المالك في بنود:
أوّلاً: اللقطة القابلة للتعريف يجب على المكلّف تعريفها سنة، وبعد ذلك خيّر الأئمّة(عليهم السلام) المكلّف بين التصدّق بها وتملّكها، وعلى كلا التقديرين يضمن المال لصاحبه لو وجِدَ مصادفة بعد ذلك، فيخيّره بين قبول ثواب المال وبين المطالبة بالمبلغ.
ثانياً: اللقطة غير القابلة للتعريف على أساس سعة دائرة الجهالة قد جوّزوا(عليهم السلام)تملّكها من دون تعريف وإن كان الأحوط استحباباً التصدّق بها مع الضمان كما بعد التعريف في القسم الأوّل.
ثالثاً: اللقطة غير القابلة للتعريف على أساس عدم العلامة الأحوط وجوباً التصدّق بها بإذن حاكم الشرع، أو إيكالُ أمرها إلى حاكم الشرع.
رابعاً: مجهولة المالك غير اللقطة، وهذه ليس
حكمها الفحص بمقدار سنة، بل قد سمح الإمام(عليه السلام)لمن يستطيع الفحص عنها بالفحص بقدر حصول اليأس من مالكها، ثُمّ التملّك أو التصدّق بها مع الضمان الذي ذكرناه.
أمّا مع عدم القدرة على الفحص فهي للإمام.
۱۳۸ ـ وهذه مثال للقسم الثالث من الأموال العامّة: وهو ما يكون مملوكاً لعموم المسلمين.
وأرض الخراج: هي التي فتحت بالقتال من قِبَل المسلمين في حرب مشروعة، وكانت عامرة حين الفتح. وخراجها للمسلمين(۱).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
۱۹ / ربيع الآخر / ۱٤۲٦ هـ
(۱) وللتشابك الموجود بين هذا البحث وبحث الأنفال اضطررنا فيما سبق أن نورد شيئاً من هذا البحث، ونحيل التفاصيل بأكثر ممّا مضى إلى بحث الجهاد إن وفّقنا الله لذلك إن شاء الله.