50

(27) ثالثاً: أن لا يتجاوز عشرة أيّام، فإذا تجاوز عشرة أيّام فلا يعتبركلّه حيضاً، بل قد يعتبر بعضه حيضاً؛ لأنّ الحيض الشرعي لا يكون أكثر من عشرة أيّام، وهنا أيضاً لا يبعد أن يكون المقياس عشرة أيّام مع مقدار عشر ليال كاملة، فلا يترك الاحتياط في مورد اختلاف المسلكين.

(28) رابعاً: أن تكون المرأة قد مرّت بها قبل ذلك فترة طهر وسلامة من دم الحيض لا تقلّ عن عشرة أيّام، فإذا كانت قد حاضت ونقت من حيضها ثمّ رأت دماً بعد تسعة أيّام ـ مثلاً ـ لم يعتبر الدم الجديد حيضاً، لأنّ فترة الطهر بين حيضتين لا يمكن أن تكون أقصر من عشرة أيّام شرعاً. وهنا أيضاً لا يبعد أن يكون المقياس عشر نهارات مع عشر ليال كاملة، فلا يترك الاحتياط في موارد اختلاف المسلكين. ونقصد بالطهر: السلامة من دم الحيض، سواء كانت نقيّةً من الدم بصورة كاملة أو مبتلاةً بدم استحاضة.

(29) ولكي يثبت للمرأة حكم الحائض حين يعرضها الدم ضمن الشروط السابقة لابدّ أن يخرج الدم في بدايته، فلو تحرّك الدم من الرحم ولم يتجاوز فضاء الفرج إلى الخارج فلا يجري عليه حكم من أحكام الحيض وإن طال به أمد المكث، وإذا خرج الدم في البداية كفى ذلك في تحقّق حكم الحيض ولو ظلّ بعد ذلك في فضاء الفرج.

وليس من الضروري ـ لكي يثبت حكم الحيض ـ أن يخرج الدم من الموضع المخصوص، فلو خرج دم الحيض من غيره اعتبرت المرأة حائضاً أيضاً.

كيف تُميّز المرأة دم الحيض؟

(30) إذا توفّرت الاُمور السابقة وشكّت المرأة مع ذلك في أنّ الدم الذي نزل منها من دم الحيض أم لا فإذا علمت بأنّ الدم الذي نزل منها ليس من جرح وقرح ولا

51

من البكارة(1) ولكن لا تدري هل هو حيض أو استحاضة؟ فيمكن ـ أو يجب علىالأحوط(2)ـ أن تلجأ إلى تطبيق إحدى قاعدتين شرعيّتين لإثبات الحيض:

1 ـ إثباته على أساس الصفات.

2 ـ إثباته على أساس العادة.

إثباته على أساس الصفات:

(31) دم الحيض له صفات تميّزه في العادة، فهو غالباً يكون أسود أو أحمر حارّاً يخرج بدفق وحرقة، وخلافاً لذلك دم الاستحاضة فإنّه ـ على الأكثر ـ لا تتوفّر فيه هذه الصفات، ويكون لونه أصفر، وقد جعل الشارع تلك الصفات الغالبة في دم الحيض دليلاً على أنّه حيض، فمتى رأت المرأة الدم وكان بلون الحيض حمرةً أو سواداً اعتبرته حيضاً، سواء كان ذلك في الأيّام التي اعتادت أن ترى الدم فيها من كلّ شهر أو في غيرها.

ولكن على المرأة أن تظلّ مراقبةً لحالها إلى ثلاثة أيّام من حين رؤيتها للدم، فإن استمرّ بصفة الحيض طيلة هذه المدّة تأكّدت أنّها حيض، واستمرّت على عمل الحائض، سواء ظلّ الدم بعد الأيّام الثلاثة محتفظاً بصفة الحيض أو خفّ لونه وأصبح أصفر.

وإذا انقطع الدم أو زالت عنه صفة الحيض ولونه قبل اكتمال ثلاثة أيّام انكشف أنّه



(1) لمعرفة حكم ما لو كان شكّها ناشئاً من احتمال أنّ الدم من قرحة أو جرح، أو من احتمال أنّ الدم دم بكارة راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 249 ـ 250 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (61) و(62).

(2) راجع المصدر السابق: 250، الفقرة (63) مع مراعاة الهامش.

52

ليس من دم الحيض شرعاً، بل دم استحاضة، ووجب على المرأة أن تعمل عملالمستحاضة، وتقضي ما تركته من عبادة وصلاة خلال تواجد الدم.

هذا في ما لو لم تعلم بكونه بحسب عالَم الطبيعة حيضاً، وأمّا لو علمت بكونه بحسب عالَم الطبيعة حيضاً ـ حيث إنّ هنا فوارق طبيعيّة بين دم الحيض ودم الاستحاضة، وليس الفرق مجرّد اعتبار شرعيّ بحت ـ فعليها أن تحتاط إذا كان الدم في اليوم الثالث ـ مثلاً ـ موجوداً من دون اللون.

إثباته على أساس العادة:

(32) وإذا لم يكن الدم بصفة الحيض بأن كان أصفر اللون رجعت المرأة إلى القاعدة الشرعيّة الثانية، ومؤدّاها: أنّ الدم الأصفر إذا رأته المرأة في أيّام عادتها ـ وهي الأيّام التي تجيئها عادتها فيها عادةً ـ فهو دم الحيض، وكذلك إذا رأته قبل موعدها المعتاد بيوم أو يومين، وإذا رأته في غير تلك الأيّام فهو دم استحاضة.

ولابدّ للمرأة من المراقبة أيضاً على النحو الذي تقدّم في التمييز على أساس الصفات بأن ترصد الدم، فإن استمرّ ثلاثة أيّام استقرّت على حكم الحيض، وإلّا انكشف لديها أنّها مستحاضة، وقضت ما تركته من عبادة في فترة تواجد الدم.

ولكي تستفيد المرأة من عادتها السابقة في تمييز الدم لابدّ أن تكون ذاكرةً لها، وأمّا إذا كانت لها عادةً منتظمة في وقت محدّد ولكنّها نسيت موعدها ورأت الدم فماذا تصنع؟

والجواب: أنّ الدم إذا كان بصفات الحيض اعتبرت نفسها حائضاً على أساس القاعدة الاُولى (التمييز بالصفات)، وأمّا إذا لم يكن بصفات الحيض اعتبرت نفسها مستحاضةً مادامت لا تعلم بمجيء موعد عادتها.

53

وإذا رأت دماً بدون صفات الحيض وأيقنت بحدسها أنّه يستمرّ بها أيّاماً كاُسبوع أو أكثر وكانت تعلم بأنّ عادتها الشهريّة: إمّا في النصف الأوّل من الاُسبوع أو في النصف الثاني منه ـ مثلاً ـ وجب عليها أن تحتاط طيلة المدّة، فتجتنب ما تتركه الحائض، وتؤدّي ما تؤدّيه المستحاضة.

(33) وقد تسأل: كيف تحصل العادة الشهريّة للمرأة؟

والجواب: أنّها تحصل برؤية المرأة لدم الحيض في وقت معيّن من شهر ورؤيتها له في نفس الوقت من الشهر اللاحق مباشرة، وكذلك تحصل بانتظام فاصل زمنيّ معيّن بأن تعتاد المرأة بأن يكون الفاصل بين الحيضتين نصف شهر باستمرار.

وقد تقول: إذا اعتادت المرأة أن ترى الدم في بداية كلّ شهر قمريٍّ إلى خمسة أيّام ـ مثلاً ـ فهل إثبات أنّ الدم المشكوك دم الحيض على أساس العادة يتوقّف على أن يكون هذا الدم مبتدئاً في بداية الشهر ومستمرّاً إلى خمسة أيّام؟

والجواب: لا، بل يكفي أن يكون واقعاً ضمن تلك الفترة، فلو رأت دماً أصفر من اليوم الثاني إلى الخامس كان حيضاً.

وقد تقول: إذا اعتادت المرأة أن ترى الدم في بداية كلّ شهر ولكنّه يستمرّ بها أحياناً ثلاثة أيّام وأحياناً أكثر، فما هي الأيّام التي حتّى إذا رأت فيها دماً أصفر فهو حيض؟

الجواب: هي الثلاثة الاُولى من الشهر.

إثبات الحيض على أساس الصفات والعادة معاً:

(34) وإذا رأت المرأة الدم الأصفر في أيّام العادة واستمرّ بها بعد انتهاء أيّام العادة، وكان ما استمرّ بعد أيّامها بصفات الحيض فالدم كلّه دم حيض إذا توفّرت الشروط العامّة لدم الحيض المتقدّمة، بعضه على أساس العادة وبعضه على أساس الصفات.

54

وإذا رأت المرأة دماً أحمر قبل الموعد الشهريّ بأيّام واستمرّ إلى أيّام العادة كان الكلّ حيضاً أيضاً ضمن الشروط العامّة المتقدّمة.

ويتلخّص ممّا سبق: أنّ كلّ امرأة رأت الدم ولم تعلم بأنّه حيض أو استحاضة تعتبره حيضاً إذا انطبقت عليها إحدى القاعدتين، فكان الدم بصفة الحيض، أو كان في أيّام العادة أو قبلها بيوم أو يومين، وإلّا فهي مستحاضة.

الحامل والعادة الشهريّة:

(35) ما ذكرناه ينطبق على غير الحامل، وأمّا الحامل فهي قد تحيض أيضاً، فإذا رأت الدم وكانت واثقةً بأنّه من دم حيض عملت ما تعمله الحائض، وإذا لم تدرِ بأنّه دم حيض أو دم استحاضة فلها حالات(1).

متى تغتسل الحائض؟

(36) إذا احتملت الحائض خلال عشرة أيّام من حين ابتداء الدم أنّ الدم قد انقطع فلا يجوز لها أن تهمل هذا الاحتمال وتظلّ على حيضها، بل يجب عليها أن تفحص وتتأكّد، وذلك بأن تدخل قطنةً وتتركها في موضع الدم ثمّ تخرجها، فإن كانت نقيّةً فقد انقطع حيضها ووجب عليها الغسل، وإلّا فهنا ثلاث حالات:

الاُولى: أن تكون المرأة ذات عادة شهريّة مستقرّة ولم يتجاوز الدم فعلاً أيّام عادتها، فهي حائض مادامت تجد القطنة غير نقيّة.



(1) تركنا التعرّض لهذه الحالات وأحكامها للاختصار، وللوقوف عليها وعلى أحكامها راجع المصدر السابق: 255، الفقرة: (69) مع مراعاة الهامش.

55

الثانية: أن لا تكون المرأة ذات عادة شهريّة مستقرّة، كالمرأة التي تحيض تارةً سبعة أيّام، واُخرى ثمانيةً، وهكذا، وهذه تعتبر نفسها حائضاً إذا خرجت القطنة غير نقيّة ـ ولو بصفرة ـ مادام لم يتجاوز عشرة أيّام من حين ابتدائه.

الثالثة: أن تكون المرأة ذات عادة شهريّة مستقرّة أقلّ من عشرة أيّام ـ كاُسبوع مثلاً ـ ورأت القطنة ملوّثةً بعد انتهاء أيّام العادة وقبل تجاوز عشرة أيّام، وهذه إن كانت مستحاضةً قبل مجيء عادتها واتّصل دم العادة بدم الاستحاضة أنهت حيضها بانتهاء أيّام عادتها، واعتبرت ما يبقى من الدم استحاضة.

وإن لم تكن مستحاضةً على هذا النحو، بل كانت طاهرةً قبل مجيء العادة فالحكم يتبع تقديرها الشخصي، فإذا كانت تقدّر بصورة جازمة أنّ الدم سيستمرّ في المستقبل ويتجاوز عشرة أيّام أنهت حيضها بانتهاء أيّام عادتها، واعتبرت الباقي استحاضة، وإذا كانت تأمل انقطاع الدم قبل تجاوز عشرة أيّام وجب عليها أن تضيف يوماً واحداً على الأقلّ إلى عادتها، فتعتبر نفسها حائضاً فيه، ثمّ تعمل كمستحاضة، ويجوز لها أن تضيف يومين أو كلّ ما يتبقّى من الأيّام العشرة إلى أيّام عادتها، فتواصل حكم الحائض طيلة المدّة.

وإذا قامت المرأة قبل مضي عشرة أيّام من حين رؤيتها للدم بالفحص والاختبار وظهرت القطنة نقيّةً؛ ولكنّها غير واثقة من انقطاع الدم نهائيّاً، بمعنى أنّها ترى أنّ بالإمكان عودته في أثناء العشرة فماذا تعمل؟

والجواب: إذا كانت واثقةً من عودة الدم من جديد فلا تبالِ بهذا النقاء المؤقّت، وتعتبر حالها كما لو لم يكن الدم قد انقطع، وإذا لم تكن واثقةً من عودة الدم وجب عليها أن تغتسل وتصلّي، فإذا لم يعد الدم خلال الأيّام العشرة صحّ ما عملته، وإن

56

عاد قبل مضي عشرة أيّام من حين ابتدائه عادت إلى حكم الحيض، وكانت كمن استمرّ بها الدم طيلة هذه المدّة.

ومثال ذلك: امرأة رأت الحيض أربعة أيّام، ثمّ نقت فاغتسلت وصلّت يومين، ثمّ رأت الدم ثلاثة أيّام فتعتبر أيّامها التسعة كلّها حيضاً، وينكشف لديها في النهاية أنّ ما أتت به من غسل وعبادة خلال اليومين ـ الخامس والسادس ـ ليس صحيحاً شرعاً.

وهذا معنى قول الفقهاء: إنّ النقاء المتخلِّل بين دمين يعتبر مع الدمين حيضاً واحداً مستمرّاً إذا لم يتجاوز المجموع عشرة أيّام.

والفحص والاختبار بالطريقة التي ذكرناها، أو بأيّ طريقة اُخرى تؤدّي نفس الغرض واجب في كلّ وقت تحتمل فيه المرأة النقاء، فإذا لم تفحص المرأة واغتسلت غسل الحيض بأملِ أن تكون قد نقت من الدم وهي لا تدري شيئاً عنه فلا يعتبر هذا الغسل صحيحاً ومطهّراً لها، إلّا إذا ثبت لديها بعد ذلك أنّها كانت نقيّةً من الدم حين اغتسلت، وإذا أيقنت المرأة بالنقاء بدون فحص لم يجب عليها الاختبار، وكان لها أن تغتسل وتصلّي.

إذا تجاوز الدم العشرة:

إذا تجاوز الدم عشرة أيّام ـ وهو الحدّ الأعلى لدم الحيض ـ ينكشف أنّ بعضه ليس بدم الحيض بمعنى أنّ هذا الدم قد يكون بدأ ـ مثلاً ـ دم حيض ثمّ تحوّل إلى استحاضة؛ لأنّ الحيض لا يتجاوز عشرة أيّام. ولكنّ السؤال هو: أنّ المرأة كيف تعرف من أين بدأ تحوّل الدم إلى الاستحاضة؟ فهل هو من حين تجاوز الدم للعشرة، أو من موعد زمنيّ سابق، وأثر ذلك أنّها كانت قدتركت الصلاة والعبادة إلى نهاية العشرة، فإذا انكشف لديها الآن أنّ الدم تحوّل إلى استحاضة وأنّ التحوّل هذا تمّ في

57

موعد زمنيّ سابق وجب عليها أن تقضي ما تركته من صلاة وعبادة منذ ذلك الموعد، فكيف يمكن تحديد ذلك الموعد شرعاً؟

والجواب على ذلك يختلف باختلاف نوع المرأة، فإنّ المرأة قد تكون لها عادة شهريّة، وقد لا تكون، وعلى هذا الأساس تنقسم إلى خمسة أقسام كما يلي:

1 ـ ذات العادة الوقتيّة والعدديّة:

(37) وهي التي ترى الدم مرّتين متماثلتين وقتاً وعدداً، ومتتابعتين بحيث لا تتخلّل بينهما حيضة تختلف عنهما في العدد ولا في الوقت.

ومثالها: أن ترى الدم في أوّل الشهر خمسة أيّام، وأيضاً تراه في أوّل الشهر الذي يليه خمسة أيّام. وهذه تثبت أنّ الدم حيض حين تراه إذا كان بصفات الحيض، أو كان في أيّام عادتها على ما تقدّم، فإذا تجاوز دمها العشرة تجعل أيّام عادتها فقط حيضاً، حتّى ولو كان الدم في هذه الأيّام على غير صفات الحيض، وما زاد عن المعتاد فهو استحاضة بالغاً ما بلغ، حتّى ولو كان على شاكلة الحيض في كلّ وصف، وتصنع نفس الشيء إذا بدأ معها الدم قبل موعدها الشهري، أو بعد ذلك وكانت مدّته أزيد من عشرة أيّام، فإنّها تجعل أيّام العادة حيضاً وما قبلها استحاضة، فتقضي ما تركته وقتئذ من صلاة وعبادة.

وإذا اتّفق لها أن جاءتها في غير الوقت المعتاد شهريّاً وتجاوز العشرة جعلت أيّام الحيض بعدد أيّام عادتها والباقي استحاضة.

إذا لم تستكمل العدد في وقتها:

(38) عرفنا أنّ ذات العادة الوقتيّة والعدديّة إذا رأت الدم في كلّ أيّام العادة وفي

58

أيّام اُخرى قبل العادة أو بعد العادة أو قبلها وبعدها معاً، وكان مجموع أيّام الدم أكثر من عشرة أيّام جعلت الحيض أيّام عادتها خاصّة.

والسؤال الآن يتعلّق بالمرأة إذا رأت الدم في بعض أيّام العادة وفي غير أيّامها وتجاوز المجموع العشرة.

ومثال ذلك: امرأة موعدها أوّل الشهر وعادتها سبعة أيّام، فرأت الدم في اليوم الرابع واستمرّ بها اُسبوعين، فهل تجعل حيضها ما وقع من الدم في أيّام عادتها فيكون أربعة أيّام ـ وهي الرابع والخامس والسادس والسابع من الشهر ـ أو تجعل حيضها من الرابع إلى نهاية العاشر لكي يتطابق مع العدد الذي اعتادته في حيضها وهو اُسبوع؟ الصحيح هو الثاني، وهو تكميل العدد بالأيّام التالية(1).

2 ـ ذات العادة العدديّة فقط:

(39) وهي التي تستقيم عادتها عدداً لا وقتاً، أي ترى حيضتين متماثلتين في العدد دون الوقت، كالتي ترى الدم كلّ مرّة خمسة أيّام ولكن مرّةً تراها في أوّل الشهر، وتارةً في آخره، وآناً في وسطه وتسمّى هذه مستقيمة العدد مضطربة الوقت. وهذه تثبت أنّ الدم الذي تراه حيض إذا كان بصفات الحيض، فإذا حاضت وتجاوز دمها عشرة أيّام جعلت الحيض بعدد أيّام عادتها من بداية رؤيتها للدم والباقي استحاضة(2).



(1) لمعرفة حكم نسيان ذات العادة هذه موعد عادتها راجع المصدر السابق: 260 ـ 261، الفقرة: (73) مع مراعاة الهامش.

(2) لمعرفة حكم نسيان هذه المرأة عدد أيّام عادتها راجع المصدر السابق: 261، الفقرة (74) مع مراعاة الهامش.

59

3 ـ ذات العادة الوقتيّة فقط:

(40) وهي التي تستقيم عادتها وقتاً لا عدداً، أي ترى حيضتين متماثلتين في الوقت دون العدد، كالتي لا يأتيها الحيض إلا في أوّل الشهر ـ مثلاً ـ ولكن مرّةً تراه ثلاثة أيّام، وفي شهر آخر تراه خمسةً، وحيناً تراه ستّةً، وتسمّى هذه مستقيمة الوقت مضطربة العدد. وهذه تثبت أنّ الدم الذي تراه حيض إذا كان بصفات الحيض، أو كان في موعدها الشهري المعتاد، فإذا حاضت وتجاوز دمها عشرة أيّام أمكنها أن تجعل الحيض ستّة أو سبعة أيّام، والباقي استحاضة، والاختيار بين الستّة والسبعة موكول إليها(1).

4 ـ المضطربة:

(41) وهي التي لا تستقيم لها عادة، لا وقتاً ولا عدداً، كالتي ترى الدم مرّةً أربعة أيّام في أوّل الشهر، ومرّةً خمسةً في آخره، وحيناً ثلاثةً في وسطه. وهذه تثبت أنّ الدم الذي تراه حيض إذا كان بصفات الحيض، فإذا حاضت وتجاوز دمها عشرة أيّام فهنا حالتان:

الاُولى: أن يكون الدم طيلة المدّة بصفات الحيض وبلون واحد، وفي هذه الحالة يمكنها أن تجعل حيضها منذ بداية رؤيتها للدم إلى ستّة أو سبعةِ أيّام حسب اختيارها، والباقي استحاضة.



(1) لمعرفة حكم نسيان هذه المرأة وقت عادتها راجع المصدر السابق: 262، الفقرة: (75) مع مراعاة الهامش.

60

الثانية: أن يكون الدم مختلفاً في لونه، فهو في فترة من الزمن بصفة الحيض، وفي فترة اُخرى بدون هذه الصفة، أو في فترة من الزمن بصفة الحيض بدرجة شديدة، وفي فترة اُخرى بصفة الحيض أيضاً ولكن بدرجة أخفّ، كما إذا كان حيناً شديد الحمرة إلى درجة تبلغ السواد، وحيناً أحمر بدرجة دون ذلك، وفي هذه الحالة تجعل الأقرب إلى الحيض حيضاً، أي تجعل ما هو بالصفة حيضاً في مقابل ما ليس بصفة الحيض، أو تجعل ما هو بالصفة بدرجة شديدة حيضاً في مقابل ما كان بصفة الحيض ولكنّه أخفّ منه. وتستثنى من ذلك بعض الحالات(1).

5 ـ المبتدئة:

(42) وهي التي ترى الدم لأوّل مرّة، وهذه تثبت أنّ الدم حيض إذا كان بصفات الحيض على ما تقدّم.

وإذا حاضت المبتدئة وتجاوز الدم العشرة فهناك تفاصيل(2).

تجاوز الدم للعشرة على قسمين:

(43) وتجاوز الدم للعشرة الذي تنطبق عليه الأحكام السابقة على نحوين:

الأوّل: أن يظلّ الدم مستمرّاً بدون انقطاع حتّى تمضي عشرة أيّام ويدخل اليوم الحادي عشر.



(1) تركنا التعرّض لتلك الحالات اختصاراً، فراجع لمعرفتها وللوقوف على الحكم فيها المصدر السابق: 263، مع مراعاة الهامش.

(2) راجع لمعرفتها المصدر السابق: 264، الفقرة: (77) مع مراعاة الهامش.

61

الثاني: أن يتواجد الدم فترةً وينقطع، وقبل أن يستمرّ الانقطاع عشرة أيّام يعود الدم من جديد.

وأمّا إذا كانت فترة الانقطاع عشرة أيّام فكلا الدمين حيض، وفقاً للقواعد السابقة، ولا ينطبق عليه حكم تجاوز الدم للعشرة(1).

في الحاجة إلى غسل الحيض:

(44) دم الحيض لا صلاة معه ولا صيام، فلا تجب الصلاة اليوميّة ولا صلاة الآيات، ولا صيام شهر رمضان على الحائض إلى أن تنقى من دم الحيض، فيجب عليها حينئذ ما يجب على غيرها من صلاة وصيام، ولكن لا تصحّ منها الصلاة إلّا إذا اغتسلت غسل الحيض؛ لأنّ دم الحيض يسبّب حدثاً شرعيّاً، ويعتبر هذا الحدث مستمرّاً حتّى بعد النقاء إلى أن تغتسل المرأة، ولا يصحّ الغسل منها ولا يرفع هذا الحدث إلّا إذا وقع بعد النقاء من دم الحيض.

(45) وكلّ ما يعتبر غسل الجنابة شرطاً لصحّته من العبادات فغسل الحيض شرط لصحّته أيضاً، باستثناء صيام شهر رمضان، فإنّ المرأة إذا نقت من الدم قبل طلوع الفجر من شهر رمضان ولم تغتسل حتّى طلع عليها الفجر فصامت واغتسلت بعد الطلوع صحّ صومها، خلافاً لما تقدّم عن الجنب في ليل شهر رمضان من أنّه يجب عليه أن يغتسل قبل طلوع الفجر.



(1) ذكرت هنا في كتاب الفتاوى الواضحة عشر حالات لتكميل وتطبيق القواعد المتقدّمة، وللوقوف على ذلك راجع: 265 ـ 268 من الكتاب ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ الفقرة: (79).

62

ما يحرم بالحيض:

(46) يحرم على الحائض كلّ ما يحرم على الجنب، ممّا تقدّم في (غسل الجنابة)، وأيضاً يحرم عليها وعلى زوجها الاتّصال بالجماع، فلا يحلّ للزوج أن يجامع زوجته إلّا بعد نظافتها ونقائها من دم الحيض، فإذا نقت من الدم واغتسلت منه الغسل الشرعي، أو غسلت مخرج الدم ـ على الأقلّ ـ كان الاتّصال الجنسي بها سائغاً، وإذا عصى الزوج وغلبته شهوته فوطأ أثم، ولا كفّارة عليه ولا عليها، وله أن يستمتع بغير الجماع كيف يشاء، ويكره له أن يستمتع بأيّ شيء بين ركبتها وسرّتها (وهي التجويف الصغير المعهود في وسط البطن).

(47) وإذا قارب الزوج زوجته قبل الحيض أو في أثناء الحيض اجتمع عليها أثر الحيض وأثر الجنابة، فإذا اغتسلت من الجنابة حال الحيض صحّ غسلها وارتفع أثر الجنابة، وبقي أثر الحيض.

أحكام اُخرى بشأن الحائض:

(48) على الحائض أن تقضي بعد الطهر كلّ ما فاتها من الصيام الواجب، سواء وجب وفاءً لشهر رمضان المبارك أم لنذر، كما لو نذرت صيام الجمعة من أوّل الشهر القادم فحاضت فيه فعليها أن تفطر وتقضيه، ولا يجب عليها أن تقضي الصلوات الخمس والصلاة المنذورة وصلاة الآيات.

ويبطل طلاق الحائض، إلّا أن تكون حاملاً أو غير مدخول بها، أو كان زوجها غائباً عنها، على تفصيل مذكور في محلّه.

وتصحّ من الحائض في حال الحيض الأغسال المندوبة، وكذلك الوضوء.

63

في المستحاضة وأحكامها

دم الاستحاضة:

(49) الاستحاضة لغة من الحيض، أمّا فقهيّاً فهي على عكس الحيض، وقد عرفنا سابقاً أنّ كلّ دم تراه المرأة في غير حالة الولادة ولم يكن حيضاً ولا دم جرح أو قرح أو بكارة فهو دم استحاضة.

ودم الاستحاضة يخالف دم الحيض في الصفات غالباً؛ لأنّه في الأكثر أصفربارد رقيق يخرج بفتور بلا قوّة ولذع ولكنّه قد يكون أحياناً بصفات الحيضتماماً.

ولا يشترط في دم الاستحاضة شيء من الشروط العامّة الأربعة لدم الحيض المتقدّمة، فهو قد يعرض للاُنثى قبل سن التاسعة، وبعد سن الخمسين ـ على كلام لنا قد تقدّم في هذا الشرط بالنسبة إلى دم الحيض ـ وعقيب تمام الحيض بلا فاصل، أو قبل أن يتخلّل بين الحيضتين عشرة أيّام من طهر.

ولا حدّ لقليل دم الاستحاضة، فقد يمكث يوماً أو بعض يوم، ولا لأكثره، فقد يستمرّ شهوراً أو سنين.

(50) ويعتبر دم الاستحاضة حدثاً شرعاً، فإذا كانت المرأة على وضوء ـ مثلاً ـ وخرج منها دم الاستحاضة ولو بواسطة القطنة بطل وضوؤها وعليها أن تتطهّر على التفصيل الذي سيأتي، وإذا لم يظهر دم الاستحاضة ويبرز إلى الخارج فلا أثر له حتّى لو تحرّك من مكانه إلى فضاء ذلك المكان الخاصّ.

64

أقسام المستحاضة وبعض أحكامها:

(51) تنقسم المستحاضة بالنظر إلى قلّة ما تراه من الدم وكثرته إلى ثلاثة أقسام: صغرى، ووسطى، وكبرى، ويقوم هذا التقسيم على أساس ما يجب عليها من اختبار نفسها بقطنة تضعها في ذلك المكان وتتركها بعض الوقت:

1 ـ المستحاضة الصغرى: وهي أن تتلوّث القطنة بدم لا يسيل منها ولا يستوعبها، وحكمها أن تُطهّر المكان، أي ظاهر الفرج، لو تلوّث الظاهر بأكثر من الدرهم، وأن تتوضّأ لكلّ صلاة، واجبة كانت أو مستحبّةً، ولا يجب عليها أن تجدّد الوضوء لركعات الاحتياط والأجزاء المنسيّة من الصلاة، ولا لسجود السهو، ولا يسوغ لها أن تصلّي صلاتين بوضوء واحد.

2 ـ المستحاضة الوسطى: وهي أن يغمر الدم القطنة كلّها أو جلّها دون أن يسيل منها، وحكمها أن تبدّل القطنة، أو تطهّرها مع المكان والخرقة التي تشدّها عادةً في هذه الحالة وأمثالها من المناديل النسائيّة، وأيضاً يجب عليها غسل واحد كلّ يوم قبل صلاة الفجر، والوضوء لصلاة الفجر، قبل الغسل أو بعده. والوضوء لكلّ صلاة، ولا تصلّي صلاتين بوضوء واحد، كما تقدّم في الصغرى.

3 ـ المستحاضة الكبرى: وهي أن ينفذ الدم من القطنة ويسيل إلى الخرقة أو الفخذين أو أيّ طرف من بدنها أو ثوبها، وحكمها أن تبدّل الخرقة والقطنة، أو تطهّرهما وتطهّر المكان، وأن تغتسل ثلاثة أغسال: واحد لصلاة الفجر، وآخر تجمع به بين الظهرين (الظهر والعصر)، وثالث تجمع به بين العشائين (المغرب والعشاء)، وغسل الاستحاضة الكبرى يغنيها عن الوضوء.

(52) وفي سائر الأحوال يجب أن تعجّل وتبادر إلى الصلاة بعد قيامها وتأديتها لما وجب عليها من غسل ووضوء ـ ويستثنى من ذلك غسل المستحاضة المتوسّطة،فيجوز الفصل بينه وبين الصلاة، ولو فصلت بينهما يجب تأخير الوضوء عن الغسل؛

65

لأنّه لا يجوز لها الفصل بين الوضوء والصلاة ـ ومع ذلك يسوغ لها أن تأتي بالمستحبّات قبل الصلاة كالأذان والإقامة، وفي أثنائها أيضاً كالقنوت.

فإذا تسامحت فلم تبادر إلى الصلاة على الوجه الذي قرّرناه وجب عليها أن تعيد عمليّة الطهارة من جديد، وتبادر إلى الصلاة عقيبها.

(53) وإذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها أن تفعله من أجل الصلوات اليوميّة جاز لها أن تصلّي أيّ صلاة اُخرى على أن تتوضّأ لكلّ صلاة، ولا حاجة بها إلى إعادة الغسل حتّى ولو كانت ذات استحاضة كبرى.

(54) إذا تحوّلت الاستحاضة من قسم إلى قسم أشدّ منه ـ لتزايد الدم ـ وجب عليها أن تؤدّي منذ ذلك الحين عمليّة الطهارة وفقاً لاستحاضتها الحاليّة.

ومثال ذلك: امرأة استحاضتها وسطى وقد اغتسلت قبل صلاة الصبح، ثمّ عند الغروب وجدت استحاضتها كبرى فيجب عليها أن تغتسل لصلاتي المغرب والعشاء.

(55) وإذا تحوّلت الاستحاضة من قسم إلى قسم أدنى منه وجب عليها أن تؤدّي لأوّل مرّة عمليّة الطهارة وفقاً لحالتها السابقة، ثمّ تعمل على أساس استحاضتها الحاليّة.

ومثال ذلك: مستحاضة باستحاضة كبرى وأثبت الاختبار أنّ استحاضتها صارت صغرى عند الظهر ـ مثلاً ـ فيجب عليها أن تغتسل وتصلّي الظهر والعصر، ولا حاجة بها بعد ذلك للغسل لصلاتي المغرب والعشاء، بل تكتفي بالوضوء لكلّ صلاة.

وكذلك المستحاضة الوسطى لو انتقلت بعد صلاة الصبح ـ مثلاً ـ إلى الصغرى وجب عليها الغسل لليوم الآتي بلا إشكال، والأحوط تقديم الغسل على صلاة الظهر لنفس اليوم الحاضر، بل لإعادة صلاة الصبح لو كان الوقت يسمح بذلك.

(56) يسوغ للمرأة المستحاضة بشتّى أقسامها أن تدخل المساجد وتمكث فيها، وتقرأ سور العزائم وآيات السجدة منها، سواء أدّت ما يجب عليها من عمليّة الطهارة لصلواتها اليوميّة، أم لا.

66

وطلاق المستحاضة حتّى الكبرى جائز وصحيح، على العكس من الحائض. ولا يسوغ للمرأة المستحاضة بشتّى أقسامها أن تمسّ كتابة المصحف الشريف بدون أن تؤدّي عمليّة الطهارة المناسبة لها، بل الأحوط وجوباً تركه وإن أدّت عمليّة الطهارة المناسبة لها على وجه يسوغ لها فعلاً أن تصلّي بتلك الطهارة(1).

(57) إذا أصبحت المرأة مستحاضةً بالاستحاضة الوسطى قبل الفجر أو بعد الفجر ولم تغتسل لصلاة الصبح ـ بأن كانت نائمةً مثلاً ـ وجب عليها أن تغتسل لصلاة الظهرين، وهكذا.

وإذا أصبحت المرأة مستحاضةً بالاستحاضة الوسطى بعد صلاة الصبح وجب عليها أن تغتسل عندما تريد أن تصلّي الظهر والعصر، ولا تعيد الغسل لصلاتي المغرب والعشاء. وإذا أصبحت المرأة مستحاضةً كذلك بعد صلاتي الظهر والعصر وجب عليها أن تغتسل عندما تريد أن تصلّي المغرب والعشاء.

(58) إذا فعلت المستحاضة الكبرى أو الوسطى ما يجب عليها من غسل جاز لزوجها أن يقاربها، ولا يقاربها بدون ذلك على الأحوط وجوباً.

وأمّا المستحاضة الصغرى فيجوز لزوجها مقاربتها على كلّ حال.

(59) يصحّ الصوم من المستحاضة الصغرى والوسطى والكبرى سواء تطهّرت بوضوء أو بغسل أم لا(2).



(1) هناك أحكام عامّة اُخرى لدم الاستحاضة مذكورة في كتاب الفتاوى الواضحة تركناها مراعاةً للاختصار، راجع للوقوف عليها الكتاب: 273 ـ 275 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (92) ـ (95).

(2) هناك تفاصيل وأحكام اُخرى للوسطى والكبرى مذكورة في المصدر السابق: 276 ـ 277، الفقرة: (99) ـ (101) تركناها مراعاةً للاختصار، فراجع لها المصدر مراعياً الهامش.

67

في النفاس وأحكامه

(60) النفاس بكسر النون، وهو لغةً ولادة المرأة، فمتى ولدت قيل: هي نفساء، ووليدها منفوس. ودم النفاس في عرف الفقهاء: هو الدم الذي يقذفه الرحم بسبب الولادة، فإن ولدت ولم ترَ الدم إطلاقاً، أو رأته بسبب مرض أو بسبب غير الولادة فلا نفاس حتّى ولو خرج من الرحم بالذات.

(61) النفساء لها أحكام تشابه أحكام الحائض، وتترك العبادات، وعليها غسل عند نقائها يسمّى بغسل النفاس.

(62) يتحقّق النفاس بالسقط تماماً كما يتحقّق بالولادة، فإذا أسقطت المرأة حملها ورأت الدم بسببه أجرت عليه أحكام دم النفاس.

(63) لا حدّ لأقلّ النفاس، فيتحقّق بالقطرة، وإذا قضت عشرة أيّام من تاريخ الولادة ولم ترَ فيهنّ دماً فلا نفاس حتّى ولو رأت بعد العشرة دماً كثيراً وغزيراً.

أمّا أكثر النفاس فعشرة أيّام ابتداءً من رؤية الدم، لا من تاريخ الولادة، وعلى هذا فإذا لم ترَ الدم ـ مثلاً ـ إلّا في اليوم السابع من ولادتها كان هذا اليوم السابع هو اليوم الأوّل من الأيّام العشرة التي هي الحدّ الأقصى للنفاس مع فرض الاحتفاظ باستناده إلى الولادة، وتكون نهايتها بنهاية اليوم السابع عشر من تاريخ الولادة.

(64) الدم الذي تراه المرأة حين الطلق وقبل الولادة ليس بنفاس، سواء اتّصل بدم الولادة أم انفصل عنه، وأيضاً ما هو بحيض، إلّا مع العلم بأنّه حيض، وإنّما هو استحاضة. وأمّا ما تراه الحامل من دم قبل الطلق فيطبّق عليه حكم دم الحامل.

(65) لا يشترط أن يفصل بين دم الحيض الذي تراه المرأة قبل الولادة ودم النفاس عشرة أيّام؛ لأنّ هذه العشرة شرط للطهر بين حيضتين؛ لا بين حيض ونفاس.

(66) متى انقطع الدم عن النفساء ونقت اغتسلت وانتهى بذلك نفاسها؛ حتّى ولو

68

كان انقطاعه بعد فترة قصيرة من وقت الولادة، كيوم أو أقلّ من ذلك؛ لما تقدّم من أنّه لا حدّ لأقلّ النفاس.

(67) النفساء إذا كانت ذات عادة عدديّة أقلّ من عشرة أيّام واستمرّ بها دم النفاس وتجاوز عن عدد أيّام عادتها: فإن كانت على يقين بأنّه سيستمرّ حتّى يتجاوز عشرة أيّام من ابتداء رؤية الدم أنهت نفاسها واغتسلت، وجعلت نفسها مستحاضة، وإذا كانت تأمل انقطاع الدم قبل تجاوز العشرة أضافت إلى نفاسها يومين أو أكثر ـ حسب اختيارها ـ على أن لا يزيد المجموع على عشرة، واعتبرت نفسها بعد ذلك مستحاضة.

(68) النفساء إذا لم تكن ذات عادة عدديّة واستمرّ بها الدم واصلت نفاسها، واستمرّت في ترك العبادة ما لم يتجاوز عشرة أيّام، فإذا انقطع دون أن يتجاوز العشرة كان ذلك نفاسها، ومثلها أيضاً ذات العادة العدديّة إذا كان عدد عادتها عشرة أيّام.

(69) إذا استمرّ الدم بالنفساء وتجاوز عشرة أيّام: فإن كانت ذات عادة عدديّة جعلت أيّام عادتها نفاساً والباقي استحاضة، وهذا يعني أن تقضي ما تركته بعد أيّام عادتها من عبادة. وإذا لم تكن ذات عادة عدديّة جعلت الأيّام العشرة كلّها نفاساً وما بعدها استحاضة.

(70) النفساء كالحائض يجب عليها كلّما احتملت انقطاع دم النفاس أن تختبر حالها وتفحص بقطنة، كما تقدّم في أحكام الحيض.

(71) إذا استمرّ الدم بالنفساء وتجاوز العشرة وبقي مستمرّاً مدّةً طويلة وأخذت تعمل عمل المستحاضة فكيف تستطيع أن تعرف أنّ عادتها الشهريّة قد جاءتها بعد نفاسها؟ ومتى تجعل الدم حيضاً؟

والجواب: أنّ هذه المرأة إذا كانت ذات عادة وقتيّة تظلّ على الاستحاضة إلّا في حالتين:

الاُولى: أن ترى الدم في أيّام عادتها، فتعتبره حيضاً ولو لم يكن بصفة الحيض.

69

الثانية: أن تراه بصفة الحيض في غير أيّام العادة متميّزاً بلونه وشدّته عمّا سبقه من دم، فقبل ثبوت طروء الحيض عليها نفتي بكون هذا الدم دم الحيض. وأمّا بعد ذلك فحالها حال الحائض الاعتياديّة التي استمرّ بها الدم بعد انتهاء أيّام العادة والتي يكون حكمها هو الرجوع إلى وقت العادة لا التمييز.

وإذا لم تكن ذات عادة وقتيّة: فإن تميّز بعض الدم بصفة الحيض وكان واجداً لشروطه العامّة اعتبرته حيضاً، وإن كان كلّه فاقداً لصفة الحيض ظلّت على استحاضتها. وإن كان كلّه واجداً لصفة الحيض أصبح حكمها حكم المضطربة، وقد تقدّم في أحكام الحيض، وهو: أن تجعل حيضها في كلّ شهر ستّة أو سبعة أيّام حسب اختيارها، وتعتبر نفسها في غير تلك المدّة من أيّام الشهر مستحاضة.

(72) حكم النفساء والحائض واحد ـ في بعض المحرّمات بالفتوى وفي بعضها بالاحتياط الوجوبي ـ من تحريم مسّ كتابة المصحف، وقراءة آية السجدة من العزائم، والمكوث في المسجد، والوطء، وعدم صحّة الطلاق، ومن المحرّمات وضع شيء في المسجد.

وكما لا تكلّف الحائض بالصلاة والصيام ولا يصحّان منها كذلك النفساء تماماً تترك الصلاة والصيام مادامت في نفاسها، وتقضي بعد ذلك الصيام دون الصلاة، ويباح للنفساء ما يباح للحائض(1).

وصورة الغسل من النفاس تماماً كصورة الغسل من الحيض والاستحاضة والجنابة. وقد تقدّمت كيفيّة الغسل على العموم في الأحكام العامّة للغسل.



(1) تركنا بعض التفاصيل والأحكام في النفاس اختصاراً، وللوقوف عليها راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 279 ـ 280 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (107) ـ (108) مع مراعاة الهامش، وأيضاً: 281، الفقرة: (115).

70

في أحكام الأموات

إذا مات المسلم توجّهت على الأحياء واجبات على سبيل الكفاية، متى قام بها البعض سقطت عن الكلّ، وإذا تركوا جميعاً كانوا مسؤولين ومحاسبين.

الاحتضار:

(73) الاحتضار يكون عند حصول الأجل وزهق الأرواح (أعاننا الله عليه)، والأحوط أن يُلقى المحتضر على ظهره حين النزع، وباطن قدميه إلى القبلة، بحيث لو جلس لاستقبل القبلة بوجهه والجانب الأمامي منه.

وجوب الغسل:

(74) يجب تغسيل الميّت قبل أن يدفن، وإذا دفن بلا غسل لأيّ سبب كان ـ عمداً أو خطأً ـ ولا مضرّة على بدنه من نبش قبره ولا هتك لستره وكرامته ولا شقاق وقتال بين أهله وجب نبشه وإخراجه من القبر وتغسيله إن أمكن، وإلّا يُمّمَ بكيفيّة خاصّة.

مَن يجب تغسيله؟

(75) يجب تغسيل الميّت المسلم إلّا أن يكون شهيداً ـ لاشتراكه في معركة سائغة مشروعة من أجل الإسلام، ولم يدركه المسلمون وبه رمق من الحياة ـ أو يكون قد قتل بحقّ قصاصاً أو رجماً، فإنّ الشهيد ـ بالمعنى المذكور ـ يدفن بعد الصلاة عليه في دمائه وثيابه بلا تغسيل ولا تحنيط، ولا تكفين، وأمّا مَن يُقتل بحقّ قصاصاً أو رجماً

71

فإنّه يؤمر بأن يَغتسِل تماماً كغسل الأموات بالكامل، ثمّ يحنّط ويكفّن كأنّه ميّت،وبعد ذلك كلّه يقدّم للقتل أو للرجم.

وبحكم المسلمين في وجوب التغسيل أطفالهم ومجانينهم، حتّى السقط إذا تمّت له ستّة أشهر يجب تغسيله كالكبير، بل يجب ـ ولو احتياطاً ـ تغسيله قبل ذلك أيضاً إذا صدق عنوان استواء الخلقة.

ولا فرق في الميّت المسلم بين الشيعي والسنّي، فالشرط هو إسلام الميّت مهما كان نوع مذهبه، وأمّا الكافر فلا يجب تغسيله.

على مَن يجب التغسيل؟

(76) يجب تغسيل الميّت على كلّ بالغ عاقل قادر على أداء هذا الواجب. والوجوب هنا كفائي، بمعنى أنّ الواجب يؤدّى ويحصل بقيام بعض الأفراد به، ويسقط عندئذ عن الآخرين، وإذا لم يؤدّ الواجب من قبل أحد كانوا جميعاً آثمين.

كيفيّة الغسل:

(77) يغسّل الميّت ثلاث مرّات:

الاُولى: بالماء مع قليل من السدر. (والسدر: شجر النبق).

والثانية: بالماء مع قليل من الكافور. (والكافور: مادّة عطريّة تُستخرج من شجرة الكافور).

والثالثة: بالماء الخالص دون أن يضاف إليه شيء.

ويجب أن لا يكثر السدر والكافور في الماء خشية أن يصير الماء مضافاً، وأن لا يقلّل خشية أن لا يصدق الوضع والخلط.

72

ومن مات وهو محرِم ولم يكن قد حلّ له الطيب فلا يسوغ أن يوضع شيء من الكافور بماء غسله ولا يحنّط به. وأيضاً يحرم تطييبه أو تطييب كفنه بكلّ ذي رائحة عطرة.

(78) وكما يجب الترتيب بين هذه الأغسال الثلاثة كذلك يجب بين الأعضاء الثلاثة، فيبدأ الغاسل بالرأس مع الرقبة، ثمّ بالجانب الأيمن، ثمّ بالجانب الأيسر. ولابدّ من نيّة القربة في كلّ غسل من الأغسال الثلاثة(1).

شروط الغسل:

(79) لابدّ في غسل الميّت من أن يكون الماء مطلقاً وطاهراً، كما لابدّ أيضاً من طهارة السدر والكافور، وإباحة الجميع، مع عدم الحاجب على بدن الميّت.

(80) ويجب عند تغسيل أيّ موضع من بدن الميّت أن تُزال عنه النجاسة. وإذا أصابت النجاسة موضعاً من جسد الميّت قد غسل أو بعد الفراغ من الغسل فلا تجب إعادة الغسل، وإنّما يجب تطهير ذلك الموضع مادام لم يدفن الميّت تحت الثرى، وإذا خرج من الميّت بول أو مني فلا يعاد غسله؛ حتّى ولو حدث ذلك قبل أن يحمل إلى حفرته، ويكتفى بتطهير المحلّ.

شروط المغَسّل:

(81) وهي اُمور:

الأوّل: البلوغ، فلا يجزي غسل الميّت من الصبي، حتّى ولو غسّله على أكمل وجه، بمعنى أنّ البالغين لا يمكنهم الاكتفاء بذلك.



(1) لمعرفة تفاصيل اُخرى وحكم ما لو تعذّر السدر والكافور أو الغسل راجع الفتاوى الواضحة: 287 ـ 289 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (127) ـ (131) مع مراعاة الهامش.

73

الثاني: العقل، فلا يجزي الغسل من المجنون.

الثالث: الإسلام، فلا يجزي الغسل من الكافر.

الرابع: المماثلة بين الميّت والغاسل، فالذكر يغسّله ذكر، والاُنثى تغسّلها مثلها(1)؛ ما عدا الزوج والزوجة فإنّ لكلٍّ منهما أن يغسّل الآخر.

وأيضاً يسوغ لكلٍّ من الذكر والاُنثى أن يغسّل الطفل غير المميّز، حتّى ولو تجاوز عمره ثلاث سنين، صبيّاً كان أم صبيّة، ونريد بغير المميّز هنا: مَن لم يبلغ السنّ التي يحتشم فيها.

الخامس: أن يكون الغاسل وليّاً للميّت، أو مأذوناً من قبل الولي، وهذا يعني أنّه إذا كان الغاسل وليّاً للميّت صحّ الغسل منه، ولا يحتاج إلى إذن وترخيص من غيره؛ لأنّه الولي، وإن كان الغاسل غير وليّ للميّت وجب عندئذ الاستئذان منه كشرط لصحّة الغسل.

والولي هنا الزوج ـ في ما يعود إلى موت الزوجة ـ فإنّه يُقدّم حتّى على الآباء والأبناء، ومن بعده الفئة الاُولى رتبةً في الميراث، ومن بعدها الثانية، ثمّ الثالثة على التفصيل الموجود في أحكام الإرث. والبالغون في كلّ فئة مقدّمون على غيرهم. وكذلك الأكبر سنّاً إذا كان الفاصل السنّيّ بنحو يجعله أولى عرفاً فالأحوط وجوباً أن يفترض أولى شرعاً أيضاً.

وإذا كانت الفئة تشتمل على ذكور وإناث فالذكورة توجب الأولويّة في العرف المتشرّعي، والأحوط وجوباً أن تعطى له الأولويّة الشرعيّة أيضاً. وإذا كانت الاُنثى هي الأكبر فالأحوط الجمع بين استجازة الاُنثى الأكبر وأكبر الذكور.



(1) لمعرفة حكم ما إذا لم يوجد مماثل مسلم مؤمن مع وجود مَحرم مؤمن غير مماثل وبعض التفاصيل الاُخرى راجع المصدر السابق: 290، الفقرة: (137) مع مراعاة الهامش.

74

وإذا امتنع الولي أن يباشر بنفسه وأن يأذن به إلى غيره سقط اعتبار إذنه، وصحّ تغسيل الميّت من غير إذن، وكذلك أيضاً إذا تعذّر الاستئذان منه، كما إذا كان غائباً ولا يتاح الاتّصال به فلا ينتظر عندئذ إذنه(1).

الحنوط:

(82) التحنيط عند الفقهاء: مسح الكافور براحة الكفّ على الأعضاء السبعة من الميّت التي يسجد عليها المصلّي، وهي: الجبهة، والكفّان، والركبتان، وإبهاما الرجلين. ويكره أن يوضع شيء منه في عين الميّت أو أنفه أو اُذنه أو على وجهه.

وتجب عمليّة التحنيط لكلّ ميّت يجب تغسيله، باستثناء المحرِم لحجٍّ أو عمرة إذا مات، فإنّه لا يحنّط على ما تقدّم. وموضع التحنيط بعد الغسل (وإذا كان الميّت ممّن يُيَمّم بدلاً عن الغسل فالتحنيط بعد التيمّم) وقبل التكفين أو في أثنائه.

ولابدّ أن يكون الكافور طاهراً، ومباحاً، ودقيقاً لا خشناً، وذا رائحة.

ولا تجب النيّة في التحنيط، ويجزي صدوره من كلّ بالغ عاقل مهما كان نوع دينه أو مذهبه، بل يجزي صدوره من غير البالغ العاقل أيضاً إذا أحسن العمل وأتقنه.

الكفن:

(83) بعد أن يغسَّل الميّت المسلم ويحنَّط على الوجه المتقدّم يجب تكفينه بثلاث قطع، ذكراً كان أم اُنثى أم خُنثى، عاقلاً أم غير عاقل، كبيراً أم صغيراً، حتّى السقط إذا استوت خلقته عرفاً، وإلّا يُلَفّ كيف اتّفق ويدفن على الأحوط استحباباً.



(1) تركنا بعض التفاصيل والاستثناءات في المقام اختصاراً، ولمعرفتها راجع المصدر السابق: 291 ـ 292، الفقرة: (139).