217

حقّ الطلاق أو الفسخ في غير العيوب المعروفة

219

بسم الله الرحمن الرحيم*

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الزوجة قد تشكو عيباً في زوجها من غير العيوب المنصوصة مؤثّراً في الحياة الزوجيّة، ثابتاً قبل العقد، ولم تكن تعلم به، كما لو كان الزوج مبتلى بالإيدز، ولم تعلم بذلك إلّا بعد العقد.

وقد تشكو عيباً من هذا القبيل طارئاً بعد العقد، وقد تشكو ظلمه وهضمه لحقوقها كترك النفقة، أو ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر، أو الضرب بلا حقّ، أو ما إلى ذلك.

وقد تشكو حرجاً عليها في عيشها معه برغم عدم ظلمه إيّاها لمثل حالة نفسيّة من دون قصور أو تقصير منه.

والفسخ أو الطلاق لصالح الزوجة يكون إمّا بالتمسّك بقاعدة نفي العسر والحرج، أو بقاعدة نفي الضرر، وإمّا بآيات تخيير الزوج بين الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان، وإمّا بروايات الطلاق في موارد الظهار، أو الإيلاء، أو ترك الوطء، أو ترك النفقة.

 

*. كتب بتاريخ 20 ذي القعدة، سنة 1419هـ.

220

أما الآيات فهي ما يلي:

۱_ ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا ݣݣأَلݧݧݧݧّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّٰهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلݧݧݧݧّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّٰهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللّٰهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ يُبَيّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرَّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللّٰهِ هُزُوَاً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللّٰهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ بِكُلَّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(1).

2_ ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾(2).

وشبهة اختصاص هذا الحكم بما بعد الطلاق الثاني لو تمّت في الآية الأُولى لا تأتي في الآية الثانية والثالثة، على أنّ معتبرة عمر بن حنظلة(3)عن الصادق(علیه السلام)طبّقت الآية على ما قبل الطلاق.

وأعتقد أنّه لولا الآيتان الأخيرتان والرواية التي أشرنا إليها، كان باب التعدّي العرفيّ من مورد الآية الأُولى أيضاً مفتوحاً.

وأمّا الروايات الواردة في الموارد الخاصّة، فهي على طوائف:

الأُولى: ما ورد في النفقة، من قبيل صحيحة ربعي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)في قوله

 


(1) البقرة: ۲۲۹ _ ۲۳۱.

(2) الطلاق: ۲.

(3) وسائل الشيعة، ج۱۹، ص165، الباب4 من أبواب الوكالة، الحديث الوحيد في الباب.

221

تعالى: «﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتݧݧݧَاهُ اللّٰهُ﴾(1)قال(علیه السلام): إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، وإلّا فُرّق بينهما»(2).

والثانية: روايات الإيلاء، وقبل الروايات نشير إلى آية الإيلاء، وهي قوله تعالى:﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوُا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(3)، فلعلّ الآية واضحة في وجوب أحد الأمرين بعد أربعة أشهر: إمّا الفيء، وإمّا الطلاق.

وأمّا الروايات فكثيرة من قبيل صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام): «أيّما رجل آلى من امرأته _ والإيلاء أن يقول: والله لا أُجامعك كذا وكذا، والله لأغيظنّك، ثم يغاضبها _ فإنّه يُتربّص به أربعة أشهر، ثم يؤخذ بعد الأربعة أشهر فيوقف، فإذا فاء _ وهو أن يصالح أهله _ فإنّ الله غفور رحيم، وإن لم يفئ أُجبر على الطلاق، ولا يقع بينهما طلاق حتّى يوقف وإن كان أيضاً بعد الأربعة أشهر، ثم يجبر على أن يفيء أو يطلّق»(4).

وموثّقة سماعة قال: «سألته عن رجل آلى من امرأته، فقال: الإيلاء أن يقول الرجل: والله لا أُجامعك كذا وكذا، فإنّه يُتربّص أربعة أشهر، فإن فاء _ والايفاء أن يصالح أهله _ فإنّ الله غفور رحيم، وإن لم يفئ بعد أربعة أشهر حتّى يصالح أهله أو يطلّق، جُبر على ذلك، ولا يقع الطلاق في ما بينهما حتّى يوقف وإن كان بعد الأربعة أشهر، فإن أبى فَرّق بينهما الإمام »(5)، ونحوهما غيرهما(6).

 


(1) الطلاق: ۷.

(2) وسائل الشيعة، ج۲۱، ص509، الباب الأول من أبواب النفقات، ح۱. ونحوها روايات أُخرى في نفس الباب.

(3) البقرة: ۲۲٦ _ ۲۲۷.

(4) وسائل الشيعة، ج۲۲، ص347، الباب8 من كتاب الإيلاء والكفارات، ح۱.

(5) المصدر السابق، ص351، الباب9 من كتاب الإيلاء والكفارات، ح4.

(6) راجع المصدر السابق، الباب 8 _ ۱۲ من كتاب الإيلاء والكفارات ، وكذلك الباب۲.

222

والثالثة: رواية الظهار، وهي ما عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن رجل ظاهر من امرأته، قال: إن أتاها فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً، وإلّا ترك ثلاثة أشهر، فإن فاء وإلّا أوقف حتّى يسأل: لك في امرأتك حاجة أو تطلّقها؟ فإن فاء فليس عليه شيء، وهي امرأته، وإن طلّق واحدة فهو أملك برجعتها»(1)على كلام وبحث في سند الحديث من ناحية وهيب بن حفص.

والرابعة: ما ورد في ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر عن مغاضبة دون يمين، من قبيل صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «إذا غاضب الرجل امرأته، فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر، فاستعدت عليه، فإمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق، فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين، فليس بمؤل»(2).

وبعد هذا العرض نعود إلى الفروع التي طرحناها في مستهلّ البحث، وهي:

الفرع الأوّل: لو شكت الزوجة عيباً من غير العيوب المنصوصة مؤثّراً في الحياة الزوجيّة، ثابتاً قبل العقد، ولم تكن تعلم به كالإيدز، فالظاهر أنّ لزوم العقد يرتفع في هذا الفرع بقاعدة «لا ضرر ولا ضرار»؛ لأنّ الإضرار مستند إلى الزوج، فتمسّكه بلزوم العقد يعتبر ضراراً. ودليل حصر الفسخ في العيوب المنصوصة إنّما تمّ _ بناءً على بحث لنا في العيوب الفاسخة للنكاح _ بلحاظ عيوب الزوجة لا بلحاظ عيوب الزوج.

الفرع الثاني: لو شكت الزوجة عيباً مؤثّراً في الحياة الزوجيّة كالإيدز طارئاً بعد العقد فثبوت الخيار هنا مشكل؛ لأنّ الضرر لم يكن من طرف الزوج كي يصدق عليه عنوان المضارّ ويشمله نفي الضرار، وأمّا نفي الضرر فجريانه لصالح الزوجة دون صالح الزوج ترجيح بلا مرجّح، فلئن كان بقاء العقد ضرراً على الزوجة كذلك فسخه ضرر على الزوج.

 


(1) وسائل الشيعة، ج22، ص337، الباب۱۸ من كتاب الظهار، ح1.

(2) المصدر السابق، ج22، ص341، الباب الأول من كتاب الإيلاء والكفارات، ح۲.

223

وأمّا لو سبّب هو بسوء اختياره إيجاد مرض الإيدز مثلاً في نفسه، فهذا ظلم منه للزوجة من بعد العقد، فيدخل في الفرع الثالث.

وقد يقال: إنّ آيات التخيير بين الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان أو المعروف تثبت وجوب الطلاق على هذا الزوج، فإن لم يفعل أُجبر عليه، وإن لم يمكن الإجبار طلّق الوالي عنه؛ وذلك لأنّه عاجز عن الإمساك بالمعروف، أي: الإمساك بما هو متعارف ممّا يُسعد الزوجة؛ لأنّ التعايش معها بمرض الإيدز مثلاً الذي يغيّر الحياة الزوجية إلى جحيم ليس حالة معروفة، ولئن كان هذا الرجل عاجزاً عن توفير الإمساك بالمعروف والسعادة المترقّبة للحياة الزوجية لزوجته، وجب عليه الأخذ بالعِدْل الآخر من عِدْلي التخيير، وهو التسريح بالإحسان.

والجواب: أنّ المعروف من كلّ أحد إنّما هو داخل في حدود ما يقدر عليه، وليس من المعروف بين الناس توفير حياة خالية من مضاعفات مرض الزوج من قبل زوج مريض.

نعم، في خصوص مورد ترك الإنفاق ثبت بإطلاق روايات الطلاق لدى عدم الإنفاق أنّه يثبت الطلاق حتّى لو كان الزوج عاجزاً عن الإنفاق وغير متعمّد في ترك الإنفاق، وهذا يعني: أنّ الإنفاق حقّ للزوجة ثابت حتّى لدى العجز؛ فإنّ ثبوت حقّ حتّى لدى العجز عن أدائه أمر معقول، وقد سُلِبَ الزوجُ في مقابل ترك هذا الحقّ _ ولو عجزاً _ حقّ الإمساك، وأُوجب عليه الطلاق. والتعدّي من ذلك إلى مطلق ما يعكّر جوّ الحياة الزوجيّة ولو من دون إرادة الزوج لا مبرّر له، والحقّ الثابت للزوجة على الزوج إنّما هو الإمساك بالمعروف، والمعروف _ كما أشرنا إليه _ أمر نسبيّ، وليس المعروف من المريض أو العاجز عبارة عن المعروف بين متعارف الناس الأصحّاء والقادرين.

الفرع الثالث: لو شكت ظلمه وهضمه لحقوقها كترك النفقة، أو الضرب من غير حقّ، أو ما إلى ذلك ممّا جعل بقاء الزوجية ضرريّاً أو حرجيّاً عليها، فقد يخطر بالبال ثبوت خيار الفسخ لها بقاعدة «لا ضرر ولا ضرار» أو بقاعدة «نفي الحرج».

224

ولكن يقف أمام ذلك أنّ إرشاد الشريعة في عدد من مصاديق هذا الفرع _ كترك النفقة، أو الجماع، أو الظهار، أو الإيلاء، أو عدم الإمساك بالمعروف _ كان إلى الطلاق لا الفسخ، فإمّا أن يقال: إنّ العرف يتعدّى من موارد النصّ إلى كبرى هذا الفرع على العموم، أو يقال: إنّ عدم الإمساك بالمعروف ليس مصداقاً من مصاديق هذا الفرع حتّى نحتاج إلى التعدّي، بل هو مطلق يشمل كلّ المصاديق، فالآيات ومعتبرة عمر بن حنظلة تعطينا في هذا الفرع قاعدة عامّة، ولا نحتاج إلى دعوى التعدّي العرفي. وعليه فالحكم في هذا الفرع ليس هو الفسخ، بل إجبار الزوج على الطلاق، ومع عدم إمكانه فوليّ الأمر هو الذي يطلّق عن الزوج، والأحوط الالتزام حتّى في غير موارد النصوص بتربّص أربعة أشهر إلحاقاً لها بموارد النصّ بذلك.

وبالإمكان أن يقال: إنّ هذا الاحتياط ليس بواجب؛ لأنّ موارد النصوص تجتمع جميعاً في قاسم مشترك، وهو: أنّ المشكلة الأصليّة هي ترك الوطء واحتمال الخصوصيّة في ذلك _ ولو بنكتة أنّ الوطء لا يجب إلّا في أربعة أشهر مرّة _ وارد.

الفرع الرابع: لو شكت الزوجة حرجاً عليها أو ضرراً في عيشها معه برغم عدم ظلمه إيّاها لمثل حالة نفسيّة فيها من دون قصور أو تقصير منه بشأنها، فدليل نفي الحرج أو الضرر لا يجري في المقام؛ لأنّ الحرج أو الضرر لم يتوجّه منه إليها، ودليل نفيهما ينصرف _ بمناسبات الحكم والموضوع _ عن تجويز هضم حقّ الغير، أو يسقط بالتعارض، فلا تُباح مثلاً السرقة لمجرّد حرج أو ضرر، ومن دون وصول الحالة إلى ما يشبه حفظ النفس، فيشملها دليل آخر؛ لأنّ في السرقة هضماً لحقّ المسروق منه وإضراراً به، وقد يكون حرجاً عليه، فكما أنّ حرمة السرقة حرجيّة أو ضرريّة على الجائع الذي لم يصل حاله إلى مستوى الخطورة، كذلك جوازها حرجيّ أو ضرريّ على صاحب المال.

والأدلّة الخاصّة التي سردناها كلّها واردة في فرض سلب الزوج حقّاً من حقوق الزوجة: من قطع النفقة، أو ترك الجماع، أو فعل الظهار، أو الإيلاء، أو الإمساك بغير

225

معروف، والتعدّي من كلّ هذه الموارد إلى مثل فرض حرج نفسي على الزوجة لا مبرّر له، بل ورد في الروايات ما يظهر منه المنع عن حقّ مطالبة الزوجة بالطلاق في أُمور حرجيّة غير ناشئة من ظلم الزوج، أو من عيب ثابت قبل العقد ما دامت النفقة جارية عليها، من قبيل صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام): إنّه سئل عن المفقود فقال: «المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي، أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها، فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها، فما أنفق عليها فهي امرأته، قال: قلت: فإنّها تقول: فإنّي أُريد ما تريد النساء، قال: ليس ذاك لها، ولا كرامة، فإن لم ينفق عليها وليّه أو وكليه أمره أن يطلّقها، فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً»(1).

بل المستفاد من هذه الرواية أنّه بالنسبة إلى المفقود لا يطلّق الوالي قبل مضيّ أربع سنين حتّى لأجل عدم الإنفاق الناتج عن كونه مفقوداً، بل في رواية تامّة السند: «إن علمت أنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتّى يأتي موته، أو يأتيها طلاق»(2).

 


(1) وسائل الشيعة، ج۲۲، ص158، الباب۲۳ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح٤. وراجع أيضاً باقي روايات الباب.

(2) المصدر السابق، ج۲٠، ص506، الباب٤٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح۲.

227

لو فسخت المرأة بالعيب قبل الدخول فهل لها نصف المهر أو لا؟

229

لو فسخت المرأة بالعيب قبل الدخول فهل لها نصف المهر أو لا؟

بسم الله الرحمن الرحيم

قد يقال: إنّ مقتضى القاعدة بعد الإجماع سقوط المهر؛ لأنّها إنّما ملكت نصف المهر بالعقد فمن الطبيعي أن يسقط ذلك بسقوط العقد.

إلّا أنّ هذا المقدار من البيان لا يكفي؛ لأنّ المهر لو كان عوضاً حقيقياً في مقابل نفس الزوجة أو بضعها في العقد من قبيل مقابلة الثمن بالمثمن في البيع صحّ أن يقال: إنّ معنى الفسخ رجوع كلّ من العوضين إلى محلّه الأوّل، ولكن الأمر ليس كذلك وإنّما التقابل في عقد النكاح بين الزوج والزوجة في تحقّق العلقة الزوجية، وقد ثبت أنّ المهر أو نصفه يملك بسبب العقد، أمّا أنّه هل رجع بالفسخ بعد أن تمّ امتلاك نصف المهر على الأقلّ بالعقد أو لم يرجع، فلم يتّضح بهذا البيان.

وبالإمكان أن يستدل على نفي المهر لدى الفسخ قبل الدخول بأنّه لا إشكال بحسب النصوص في عدم المهر لدى الفسخ من قبل الزوج قبل الدخول، من قبيل:

صحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر(علیه السلام)في العَفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة: «...تردّ على أهلها من غير طلاق... وإن لم يكن دخل بها فلا عدّة عليها ولا مهر»(1).

 


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص211، الباب2 من أبواب العيوب والتدليس، ح1.

230

وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)في امرأة دلّست عيباً هو بها: قال: «...يؤخذ المهر منها، ولا يكون على الذي زوّجها شيء»(1).

ورواية علي بن جعفر عن أخيه(علیه السلام)قال: «سألته عن امرأة دلّست نفسها لرجل هي رتقاء قال: يفرّق بينهما ولا مهر لها»(2).

وحديث أبي الصباح في القرناء عن أبي عبدالله(علیه السلام): «تردّ على أهلها صاغرة ولا مهر لها»(3).

وحديث غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي(علیه السلام)«في رجل تزوّج امرأة فوجدها برصاء أو جذماء قال: إن کان لم يدخل بها ولم يتبيّن له فإن شاء طلّق وإن شاء أمسك، ولا صداق لها، وإذا دخل بها فهي امرأته»(4).

ووجه الاستدلال بهذه الروايات: أنّه لئن كان الفسخ من قبل الزوج يسقط المهر ففي فسخ الزوجة يكون الأمر بطريق أولى.

وهذا أيضاً يقبل المناقشة بمنع ثبوت الأولوية؛ وذلك بإبداء احتمال أنّ سقوط المهر في مورد تلك الروايات لعلّه كان بنكتة أنّ التدليس كان من قبلها أو أنّ العيب كان فيها، فلا يعلم بذلك أنّه لو كان العيب في الرجل واضطرّت المرأة إلى الفسخ لذلك لم يكن لها نصف المهر.

وقد يستدل على سقوط المهر بخبر السكوني عن جعفر عن أبيه قال: «قال علي(علیه السلام)في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها زوجها قال: يفرّق بينهما ولا صداق لها؛ لأنّ الحدث كان من قبلها»(5).

 


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص212، الباب2 من أبواب العيوب والتدليس، ح4.

(2) المصدر السابق، ص214، ح8.

(3) المصدر السابق، ص208، الباب الأول من أبواب العیوب والتدلیس، ح4.

(4) المصدر السابق، ص210، ح14.

(5) المصدر السابق، ص218، الباب 6 من أبواب العيوب والتدليس، ح3.

231

ووجه الاستدلال بهذا الحديث هو التمسّك بعموم التعليل في قوله: «لأنّ الحدث كان من قبلها»، فهذا يدل على أنّه متى ما كان الحدث من قبلها سقط المهر، وفي المقام حدث الفسخ كان من قبلها.

إلّا أنّ ضعف هذا الوجه واضح، فإنّ المقصود بالحدث في الرواية عيب الزنا، وفي ما نحن فيه يكون العيب من قبل الرجل لا من قبل المرأة. هذا إضافة إلى ضعف سند الحديث.

ويبدو بهذا العرض أنّ العمدة في سقوط المهر هو التسالم والإجماع.

نعم، يستثنى من ذلك الفسخ لأجل العنن؛ لثبوت النص في ذلك بثبوت نصف المهر لها، وهو ذيل صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر(علیه السلام): «وأُعطيت نصف الصداق ولا عدّة عليها»(1).

وأمّا ما دل على ثبوت تمام المهر _ وهو: خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام)في عنّين دلّس نفسه لامرأة ما حاله؟ قال: «عليه المهر ويفرّق بينهما إذا علم أنّه لا يأتي النساء»(2)_ فهو ضعيف سنداً بعبدالله بن الحسن.

أمّا التعدّي من العنن إلى سائر العيوب فيدفعه احتمال الخصوصية بنكتة أنّ العنّين يعاشرها سنة ويستفيد منها بسائر الاستمتاعات غير الدخول.

 


(1) المصدر السابق،ص233، الباب15 من أبواب العيوب والتدليس، ح1.

(2) المصدر السابق، ص232، الباب14، ح13.

233

الاستنساخ البشري

235

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

إنّ هذا البحث رغم أنّه كان بحثاً جمعيّاً في ما بيننا نحن أعضاء المجمع العلمي الفقهي لأهل البيت(علیه السلام)، ولكن الأصل والأساس فيه كان لأبحاث سماحة آية الله الشيخ محمد المؤمن.

وقد صمّمت على أخذ خلاصة منه مع تغييرات عديدة:

فأوّلاً: قد حذفت من ذلك الأبحاث الكثيرة الكثيرة.

وثانياً: قد غيّرت من العبارات الكثير ممّا صغته بتعبيري ما عدا النصوص؛ إذ لا سبيل لتغييرها.

وثالثاً: في موارد الخلاف كتبت البحث وفق رأيي، وليس وفق رأي الجمع، ولا وفق رأي سماحة الشيخ.

أسأل الله تعالى القبول، إنّه سميع مجيب.

4 صفر 1426 ھ

كاظم الحسيني الحائري

237

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

إنّ الثورة العلمية التي تُحدِث في كلّ زمان حديثاً جديداً بعد آخر قد وُفّقت _ حسب ما يقوله علماء الفنّ الجيني وغيرهم _ لاستنساخ عضو أو نبات أو حيوان بطرق مختلفة مُبيَّنة، وقد ينتهي الأمر إلى استنساخ الإنسان، ولذلك فعلى العالِم الديني المسلم أن يُبيَّن حكم ذلك بالنسبة للإنسان بعد أن يأخذ بعين الاعتبار ما يقوله أُولئك العلماء في بيان ماهيّة الاستنساخ _ حسب ما أبرزوه في كتبهم _ فلابدّ لتبيين المطلب من ذكر مقدّمات:

المقدّمة الأُولى

إنّ جسم كلّ شيء مادّي من الإنسان والحيوان يتألّف من أجزاء صغيرة متّصلة، وكلّ جزء لا يكون أصغر منه يسمّى بالخليّة، والخليّة ذات غشاء خاص، ولهذه الخليّة نواة هي بمنزلة لبّ الخليّة، ومادّة سائلة أحاطت بالنواة يعبّر عنها بالسائل الخلوي، أو السيتوبلازم، وفي داخل النواة شبكة مكوّنة من ستّة وأربعين شريطاً تُسمّى مجموعها: «الكروموزومات».

238

والخلايا الجسدية كلّها على هذا العدد من الأشرطة باستثناء الخلايا الجنسية، أعني: خلايا المنيّ الذي تفرزه الخُصْية في الرجال وخلايا بُيَيْضَة النساء التي يفرزها المِبْيَض؛ فإنّ هذه الخلايا الجنسية وإن شاركت خلايا الجسم في اشتمالها على غشاء خاص، وعلى السائل الخلوي (السيتوبلازم)، والنواة، ولكن نواتها تحتوي على ثلاثة وعشرين (كروموزوماً) لا على ستّة وأربعين.

المقدّمة الثانية

إنّ تكوّن الإنسان أو الحيوان الذي تلده أُمّه بطريق الحمل والتوالد الطبيعي يكون باختلاط واندماج خليّة المنيّ من الأب وخليّة البُيَيْضَة من الأُمّ في داخل رحم الأُمّ لدى الإنزال، وتتحقّق بالاندماج خليّة جديدة واجدة لستّة وأربعين (كروموزوماً)، هي مجموع كروموزومات خليّة المنيّ والبُيَيْضَة، وتتغذّى هذه الخليّة داخل الرحم، وتتكثّر، فتنقسم إلى خليّتين، ثم أربع خلايا، ثم ست عشرة، ثم اثنتين وثلاثين. وكلّ هذه الخلايا أمثال سواء من جميع الجهات والخصوصيات، إلّا أنّها إذا بلغت الاثنتين والثلاثين، لا تتكاثر مثل السابق بهذه الخصوصيات، بل تصبح كلّ خليّة منها موظّفة بأعمال خاصّة بحسب ما قدّره الله تعالى في الإنسان والحيوان من الأعضاء المختلفة التي يتكوّن الإنسان أو ذاك الحيوان منها: فمنها ما يحقّق الجلد، ومنها ما يحقّق اللحم، ومنها ما يحقّق العظم، أو المخّ، أو القلب... وما إلى ذلك، فكأنّه ليس في كلّ واحدة منها إلّا مبدأ ذاك العضو الذي جُعل باختيارها حتّى يصبح الجنين طفلاً كاملاً تلده الأُمّ خلقاً سويّاً.

المقدّمة الثالثة

الحمل إذا أصبح تامّ الخلقة، فكلّ عضو من أعضائه المتعدّدة يكون متكوّناً من خلايا متماثلة، فالجلد مهما نما وامتدّ وكبر، فهو متكوّن من خلايا جلديّة متماثلة

239

مختصّة بصنع الجلد، والكبد مهما امتدّ ونما، فهو متكوّن من خلايا متماثلة مختصّة بصنع الكبد، وكذلك القلب والعظم... وما إلى ذلك، وكما أشرنا: إنّ الكروموزومات الستّة والأربعين واجدة لجميع ما بعهدة كلّ كروموزوم، إلّا أنّها في مقام الفاعليّة والتأثير لا تفعل ولا تؤثّر إلّا ما يحتاج إليه الجلد مثلاً أو أيُّ عضو آخر.

المقدّمة الرابعة

إنّ التقدّم العلمي وصل إلى الكشف عن أنّ تلك الكروموزومات هي الدخيلة في كامل الصفات الوراثيّة والخصوصيات المختصّة بكلّ نوع أو فرد، فهي بمنزلة المخّ للخليّة، وهي الحاملة لجميع خصوصيّات الفرد الكامل للإنسان أو الحيوان، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التكاثر والتوالد بشكل طبيعي أو بشكل صناعي.

المقدّمة الخامسة

إنّ الاستنساخ _ معناه المطابقي الذي أُريد منه هنا _ هو: طلب نسخة ثانية، فكأنّ ما كان أوّلاً تكوّن من جديد كصورة أُخرى متّحدة الخصوصيّات له، ويعبّر عنه باللغة اللاتينيّة بـ (كلونينك)، ولفظة (كلونينك) مأخوذة من (كلون)، وهي كلمة يونانيّة بمعنى ما يُغْرَس من جذع الشجر مثلاً؛ لينمو ويصبح شجراً كاملاً، فكلونينك عبارة أُخرى عن العمل بصدد الحصول على أمر جديد هو نماء ونسخة كاملة لما غرسنا جذعه؛ ولذلك كلّه يعبّر عن الاستنساخ بأنّه خَلْق المشابه وخَلْق المشابهات؛ لأنّ الحاصل الجديد شبيه للأصل الذي كان، إلّا أنّ هذه المشابهة ربّما تكون بلحاظ العضو الذي تكثّرت خليّته حتّى صارت نسخة ثانية لذلك العضو، وأُخرى تكون بلحاظ الفرد من الإنسان أو الحيوان الذي أُخذت خليّته وتكثّرت.

240

المقدّمة السادسة

يقسّم الاستنساخ إلى أقسام ثلاثة:

القسم الأوّل: استنساخ العضو:

فثورة العلوم الطبيعية الجينيّة انتهت إلى نتيجة إمكان أخذ خليّة واحدة من بعض الأعضاء بوسائل صناعيّة، فتجعل في جهاز خاص أبدعته العلوم الحديثة، وتغذّى بالوسائل الصناعية، فتتكثّر إلى خلايا متماثلة متّصلة إلى أن نحصل على قطعة من الجلد أو العضو الآخر الذي أخذنا خليّته، فنفوز بجلد جديد مثلاً يكون نسخة ثانية للجلد الأصلي.

وربّما يستفاد من هذا العضو الجديد في معالجة ذاك العضو أو ذاك الشخص الذي أخذنا خليّته، فيبدّل المعيوب أو المقطوع بذلك، وتقبّله هذه القطعة الفاقدة لمشابهته تماماً إيّاه.

ونتجاوز ما فعله بعض من إخراج هذا عن اسم الاستنساخ بسبب أنّ حصيلته ليست إنساناً أو حيواناً.

القسم الثاني: الاستتئام:

قد عرفنا أنّ البُيَيْضَة بعد ما لقّحت في رحم المرأة بمنيّ الرجل فالخليّة الملقّحة تتكاثر فتصبح اثنتين، ثم أربعاً، ثم ثمانياً وستّ عشرة... وهذه الخلايا بجميعها داخلة تحت غشاء واحد يكسوها، ولكلّ منها ما عرفت: من غلاف، ومادّة سائلة، والنواة المشتملة على الكروموزومات.

وتقدّم العلم أوجب إمكان خرق ذاك الغشاء الذي كسى جميعها، وتفريقَ الخلايا التي تكاثرت وتعدّدت؛ لتغشى كلّ خليّة بغشاء جديد قالوا: إنّه يؤخذ من بعض الموادّ في البحار، فتكون كلّ خليّة نسخة ثانية للخليّة الأُولى، وتشرع في المحيط المناسب _ أعني الرحم _ بالتكاثر إلى أن تصل إلى اثنتين وثلاثين، وتنمو وتصبح ولداً

241

كاملاً، وهؤلاء الأولادُ أمثال في جميع الصفات والخصوصيّات، وتكون توائم مشابهة.

فيمكن أن توضع كلّ منها في رحم امرأة؛ كي تصبح ولداً كاملاً، كما يمكن جعل بعض منها في رحم المرأة، ويُحْفَظ بعض آخر بصورة جامدة، وبعد عامين مثلاً يجعل في رحم المرأة، فيكون الولدان أو الأولاد متشابهة وتوائمَ كلّ منها عين الآخر، لا فرق بينها، إلّا بأنّ المتقدّم أكبر سنّاً من المتأخّر.

قالوا: إنّه قد عمل بعض علماء الفنّ هذا العمل، إلّا أنّه لم تصل جميع الموارد إلى المطلوب الأقصى، بل نجح من كلّ ثلاثة موارد واحدٌ منها، ولعلّه لعدم كمال الأدوات اللازمة، ولعلّه سيتمّ الأمر فيها بلا استثناء في المستقبل.

ونسبة النواة بما لها من الكروموزومات إلى المادّة السائلة (السيتوبلازم) نسبة النواة إلى الماء الذي تغوص فيه وتتغذّى منه، فالسيتوبلازم ليس إلّا غذاءً كما صرّح بذلك الدكتور «إحسان حتحوت» في رسالته (الاستنساخ البشري) حيث قال:

«يتكوّن الجسم كلّه من خلايا كما يتكوّن البناء من قطع الحجارة أو قوالب الطوب، وبداخل كلّ خليّة نواة هي سرّ النشاط الحياتي للخليّة، ويحيط بالنواة غشاء نوويّ، وتحتوي بداخلها على شبكة مكوّنة من ستّة وأربعين شريطاً تلتقط الصبغة القاتمة؛ ولهذا تسمّى الأجسام الصبغيّة (الكروموزومات)، أمّا باقي مساحة الخليّة في ما بين النواة وبين جدار الخليّة، فمليء بسائل يعرف بالسائل الخلوي أو السيتوبلازم، والأجسام الصبغيّة (الكروموزومات) الستّةُ والأربعون هي حوامل الصفات الوراثيّة على هيئة وحدات من حمض النوويك(1)، تسمّى الجينات مرتّبة ترتيباً خاصّاً، فكأنّها حروف تؤلّف كلمات، وهذه تؤلّف رسالة عامّة، وكذلك الصفات الوراثيّة لفرد بذاته لا يطابقه مثيل بين الناس على مدى الزمان والمكان.

 


(1) نسبة إلى النواة.