341

وعلى أيّ حال فالصحيح هو عدم اشتراط كونه بأرض غربة عملاً بالإطلاق الذي عرفت، وأمّا الآية والروايات التي جاءت فيها فرضية الضرب في الأرض، أو الكون بأرض غربة فلا أقلّ من إجمالها وعدم ظهورها في القيديّة للحكم، وذلك لقوّة مناسبتها للورود مورد الغالب وللمثاليّة؛ إذ عادةً لا يتّفق للمسلم المفروض به أنّه يعيش في بلد المسلمين أن لا يحصل على شهود مسلمين إلا إذا كان بأرض غربة.

مدى اشتراط الانحصار في الشهادة

الرابع _ هل يشترط في قبول شهادة الكتابي أو الذمّي عدم وجود شاهدين مسلمين عدلين، أو يعتبر فيه عدم وجود شاهدين مسلمين حتى غير العدلين، أو عدم وجود مسلم مطلقاً وإن كان واحداً؟

الصحيح: أنّه لا مجال للاحتمال الثاني، فإن أخذنا بما قد يبدو في أوّل وهلة من بعض الروايات من شرط عدم وجود الشاهد المسلم، فالمفروض هو أن نأخذ بالاحتمال الثالث؛ فمثلاً جاء في حديث هشام بن الحكم عن أبي عبداللّه (عليه السلام) في قول اللّه (عزوجل): ﴿أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ قال: «إذا كان الرجل في أرض غربة ولا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصيّة»(1)، فقد يُقال: إنّ هذا ظاهر في اشتراط عدم وجود المسلم إطلاقاً، إلا أن يُقال بشأن هذا الحديث بما ذكره السيد الخوئي (رحمه الله) بلحاظ بعض روايات الباب من أنّها واردة مورد تفسير الآية، وبيان المراد من كلمة ﴿مِنْكُمْ﴾أو جملة﴿أَو آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾. وظاهر الآية هو أنّ الشرط إنّما هو عدم وجود شاهدين عدلين من المسلمين.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص287، الباب40 من الشهادات، ح3، وج13، ص391، الباب20 من أحكام الوصايا، ح4.

342

إلا أنّ بعض روايات الباب غير واردة بشأن تفسير الآية، وقد يستظهر منها شرط عدم وجود المسلم إطلاقاً _ أيضاً _ من قبيل ما عن سماعة سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن شهادة أهل الذمّة، فقال: «لا تجوز إلا على أهل ملتهم، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة؛ لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد»(1). فقد يُقال: إنّ ظاهر قوله: «فإن لم يوجد غيرهم» هو عدم وجود المسلمين إطلاقاً، ونحوه ما عن ضريس الكناسي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة أهل الملل هل تجوز على رجل مسلم من غير أهل ملّتهم؟ فقال: لا، إلا أن يوجد في تلك الحال غيرهم، وإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة؛ لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرى‏ء مسلم، ولا تبطل وصيّته»(2). على كلام في وثاقة ضريس مضى من أنّه لا دليل على وثاقته إلا بناءً على انصرافه إلى ضريس بن عبد الملك الكناسي الذي وردت وثاقته في رجال الكشّي.

وأجاب السيد الخوئي عن الروايات غير الواردة بشأن تفسير الآية بأنّها _ أيضاً _ لا تدل على اشتراط عدم وجود شاهدين غير عدلين، أو عدم وجود شاهد واحد؛ لأنّها إنّما تنظر إلى إلغاء اعتبار الإسلام في الشاهد في فرض العجز عن تحصيل الشهود المسلمين، وليس لها نظر إلى كفاية شهادة مسلم واحد أو مسلمين غير عدلين(3).

أقول: إنّ هذا الكلام غير مفهوم ما لم يرجع إلى ما سيأتي، فإنّ هذه الرويات ناظرة _ كما قال _ إلى إلغاء اعتبار الإسلام في الشاهد. وهذا حكم قد شككنا في موضوعه


(1) وسائل الشيعة، ج13، ص391، الباب 20 من أحكام الوصايا، ح5، وج18، ص287، الباب 40 من الشهادات، ح4.

(2) نفس المصدر، ص390، ح1.

(3) راجع مباني تكملة المنهاج، ج1، ص85.

343

هل هو عدم وجود شاهدين مسلمين عدلين، أو هو عدم شاهد مسلم على الإطلاق؟ فقد يُقال: إنّ مقتضى إطلاق قوله: «لم يوجد غيرهم» هو عدم وجود شاهد مسلم على الإطلاق، وليس الباب من قبيل ورود الكلام مورد حكم آخر المانع عن التمسك بإطلاقه بالنسبة للحكم المطلوب، كما في قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾(1) الوارد مورد حكم التذكية، فلا تستفاد من إطلاقه طهارة محلّ عضّ الكلب.

والصحيح في الجواب: أنّ مثل قوله: «لم يوجد غيرهم»، وكذلك قوله في حديث هشام بن الحكم: «ولا يوجد فيها مسلم» إن لم يكن بمناسبات الحكم والموضوع منصرفاً إلى إرادة فرض انتفاء البيّنة المسلمة الواجدة لجميع الشرائط، فلا أقلّ من الإجمال، ولا يكون ظاهراً في فرض انتفاء المسلم على الإطلاق، وذلك لأنّ هذه الروايات بصدد بيان بديل عن البيّنة الشرعيّة، فمقتضى مناسبات الحكم والموضوع هو حجّية البيّنة الكتابيّة أو الذمّية عند فقدان البيّنة المسلمة بكامل شرائطها.

نعم، لو كانت هذه الروايات بصدد إعطاء الحجّية لشهادة المسلم الفاقد للشرائط عند العجز عن البيّنة الجامعة للشرائط، فقد يُقال بأنّها تتقدّم على شهادة الكافرين؛ لأنّه أُخذ في موضوع نفوذ شهادتهما عدم وجود المسلم، وقد وجد، ولكن ما دامت هذه الروايات غير ناظرة أصلاً إلى نفوذ شهادة مسلمين غير عدلين، أو مسلم واحد عند العجز عن تحصيل مسلمين عدلين، فهي منصرفة بمناسبات الحكم والموضوع إلى فرض العجز عن تحصيل البيّنة بكامل شروطها، ولا أقلّ من الإجمال. ولعلّ هذا هو مقصود السيد الخوئي وإن قصرت عبارته.


(1) المائدة: 4.

344

وبناءً على إجمال الروايات يكون المرجع هو ظاهر الآية المباركة، وهي قوله تعالى: ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اِثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصٰابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ...﴾(1). وهذه الآية _ كما ترى _ ظاهرة في أنّه لابدّ من أحد أمرين: إمّا شهادة عدلين مسلمين، أو شهادة كافرين، وهذا يعني أنّ الثاني بديل عن الأول عند العجز عن الأول، ومن الواضح أنّه مع وجود مسلم واحد أو مسلمين غير عدلين يكون العجز عن الأول _ الذي هو موضوع الانتقال إلى الثاني _ حاصلاً.

اشتراط سائر شرائط البينة

الخامس _ الظاهر اشتراط سائر شرائط البيّنة غير الإسلام في شهادة الكتابيّين أو الذميّين، فإنّ الأدلّة إنّما كانت ناظرة إلى إلغاء اعتبار الإسلام، وليس لها إطلاق من ناحية فرض انتفاء شرط آخر. قال السيد الخوئي(2): «وتؤيّد ذلك رواية حمزة بن حمران»(3).

أقول: بل تدل عليه بعد ما عرفت من توثيق حمزة بن حمران برواية ابن أبي عُمير وصفوان بن يحيى عنه.

انضمامه إلى مسلمٍ عدل

السادس _ هل تقبل شهادة مسلم عدل واحد منضمّاً إلى واحد عدل من أهل


(1) المائدة: 106.

(2) في مباني تكملة المنهاج، ج1، ص85.

(3) وسائل الشيعة، ج13، ص392، الباب 20 من أحكام الوصايا، ح7.

345

الذمّة أو أهل الكتاب، أو لا؟ نقل السيد الخوئي عن المستند عدم القبول اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص، واختار هو القبول تمسّكاً بالأولويّة القطعيّة.

أقول: لو لم تكن الأولويّة قطعيّة فلا أقلّ من كونها عرفيّةً إلى حدّ تعطي لدليل قبول شهادة الذميّين دلالة التزاميّة عرفيّة على قبول شهادة مسلم وذمّي، وهذه الدلالة حجّة.

التحليف عند الارتياب

السابع _ إن وقع لارتياب في شهادة الذميَّين حُلِّفا من بعد الصلاة باللّه، وإن ظهرت بعد ذلك أمارات الكذب حُلّف شخصان من الذين ظُلموا من قِبَل الذميّين. وقد دلّت على ذلك كلّه الآية الكريمة: ﴿يٰا أَيُّهَا الَّـذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اِثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْـرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَـرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصٰابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمٰا مِنْ بَعْدِ الصَّلاٰةِ فَيُقْسِمٰانِ بِاللّٰهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كٰانَ ذٰا قُرْبىٰ وَلا نَكْتُمُ شَهٰادَةَ اللّٰهِ إِنّٰا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِـرَ عَلىٰ أَنَّهُمَا اِسْتَحَقّٰا إِثْماً فَآخَرٰانِ يَقُومٰانِ مَقٰامَهُمٰا مِنَ الَّـذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيٰانِ فَيُقْسِمٰانِ بِاللّٰـهِ لَشَهٰادَتُنٰا أَحَقُّ مِنْ شَهٰادَتِهِمٰا وَمَا اعْتَدَيْنٰا إِنّٰا إِذاً لَمِنَ الظّٰالِمِينَ﴾(1). وبهذا المضمون وردت مرفوعة علي بن إبراهيم(2).


(1) المائدة: 106 _ 107.

(2) وسائل الشيعة، ج13، ص394، الباب 21 من أحكام الوصايا، الحديث الوحيد في الباب.

346

العدالة

الشرط الرابع _ العدالة.

أدلّة الاشتراط

وقد ورد شرط العدالة في الآيات الكريمة في موارد خاصّة من الشهادة، وهي:

1_ شاهدا الطلاق: قال تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم﴾(1).

2_ شاهدا الوصيّة: قال تعالى:﴿شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَـرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اِثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾(2).

3_ في تشخيص كفّارة الصيد: قال اللّه تعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّـذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ...﴾(3).

والآية الأخيره إنّما ترتبط بما نحن فيه لو فُسِّرت المِثْليّة بالمثْليّة في القيمة، أمّا بناءً على ما عليه رأي الشيعة _ زادهم اللّه شرفاً _ من أنّ المقصود هو المماثلة في الخِلْقة من قبيل (أنّ في النعامة بدنة) و(في الظبي شاة) ونحو ذلك ممّا عُيّن في الروايات، فالظاهر _ بناءً على قراءة (ذوا عدل) بصيغة التثنية _ أنّ المقصود بهما هو الرسول (صلى الله عليه و آله) والإمام (عليه السلام)، فهما اللّذان يعيِّنان كفّارة كلّ صيد، فالآية خارجة عن المقام، وقد ورد عن زرارة _ بسند تامّ _ عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزوجل): ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، فالعدل هو رسول اللّه (صلى الله عليه و آله)، والإمام من بعده يحكم به، وهو ذو عدل. فإذا


(1) الطلاق: 2.

(2) المائدة: 106.

(3) المائدة: 95.

347

علمت ما حكم به رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) والإمام فحسبك ولا تسأل عنه(1).

وقد ورد في عدّة روايات: أنّ الألف في ﴿ذَوٰا عَدْلٍ﴾ خطأ من النسّاخ، وأنّ الصيغة مفردة، والمقصود بذي عدل هو الرسول (صلى الله عليه و آله) أو الإمام (عليه السلام)، فعن حماد ابن عثمان _ بسند تامّ _ قال: «تلوتُ عند أبي عبداللّه (عليه السلام) ﴿ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، فقال: ﴿ذَوٰ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، هذا ممّا أخطأت فيه الكُتّاب»(2). وعن إبراهيم بن عمر اليماني _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن قول اللّه (عزوجل): ﴿ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ قال: العدل رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) والإمام من بعده، ثم قال: هذا ممّا أخطأت به الكُتّاب»(3) وعن زرارة _ بسند تام _ قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول اللّه (عزوجل): ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾قال: العدل رسول اللّه (صلى الله عليه و آله)، والإمام من بعده، ثم قال: هذا مما أخطأت به الكتّاب»(4).

ومن الطريف _ وإن كان خروجاً عن المقام _ ما جاء في الجواهر(5) نقلاً عن دعائم الإسلام أنّه: «رُوينا أنّ رجلاً من أصحاب أبي عبداللّه (عليه السلام) وقف على أبي حنيفة _ وهو في حلقة يفتي الناس وحوله أصحابه _ فقال: يا أباحنيفة، ما تقول في محرم أصاب صيداً؟ قال: عليه الكفاره. قال: ومن يحكم عليه بها؟ قال أبو حنيفة: ذوا عدل، كما قال اللّه تعالى، قال الرجل: فإن اختلفا؟ قال أبوحنيفة: يتوقف عن الحكم حتى يتّفقا. قال الرجل: فأنت لا ترى أن تحكم في صيد قيمته درهم وحدك حتى


(1) التهذيب، ج6، ص314، ح867.

(2) روضة الكافي، ص205، ح247.

(3) الكافي، ج4، ص396، باب النوادر من أبواب الصيد ، ح3.

(4) نفس المصدر، ح5، ص397.

(5) ج20، ص199.

348

يتّفق معك آخر، وتحكم في الدماء والفروج والأموال برأيك!! فلم يُحِرْ أبوحنيفة جواباً غير أن نظر إلى أصحابه فقال: مسألة رافضي» وعلى أيّ حال فالآية الثالثة خارجة عن المقام، والآية الأُولى خاصّة بباب الطلاق، فقد تصعب استفادة القاعدة العامّة منها باشتراط العدالة في الشاهد دائماً، والآية الثانية خاصّة بباب الوصيّة، فأيضاً قد تصعب استفادة القاعدة العامّة منها، وإن كان السيد الخوئي استفاد منها القاعدة العامّة بنكتة بناء الوصيّة على التوسعة، فتقبل فيها شهادة المرأة، وشهادة غير المسلم إذا لم يوجد مسلم. وقال: «وكيف يمكن الالتزام بعدم ثبوت الوصيّة بشهادة رجلين غير عدلين. وثبوت الزواج والقتل ودعوى المال وما شاكل ذلك بشهادتهما؟!»(1).

وعلى أيّ حال فهذا هو حال الآيات في المقام، وأحسنها حالاً _ كما رأيت _ هي آية الوصيّة.

وأمّا آية الدَين _ وفيها: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونٰا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتٰانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدٰاءِ﴾(2)_ فكون الشهيد مرْضيّاً لا يدل على شرط العدالة بقدر ما يدل على شرط الوثاقة.

وأمّا الروايات: فقد دلّت جملة منها على مانعيّة الفسق، كما ورد _ بسند تام _ عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لا آخُذُ بقول عرّاف ولا قائف ولا لصّ، ولا أقبل شهادة الفاسق إلا على نفسه»(3). إلا أنّ ما يدل


(1) مباني تكملة المنهاج، ج1، ص87.

(2) البقرة: 282.

(3) الفقيه، ج3، ص30، باب من يجب ردّ شهادته، ومن يجب قبول شهادته، ح36، وذيل الحديث ورد في وسائل الشيعة، ج18، ص290، الباب 41 من الشهادات، ح7.

349

على مانعيّة الفسق لا يمكن جعله دليلاً على شرط العدالة بناءً على وجود الواسطة بينهما.

نعم، ما دلّ منها على مانعيّة الفسق بنكتة دخول الفاسق في الظَنِين، كما ورد _ بسند تام _ عن عبداللّه بن سنان، قال: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام) ما يردّ من الشهود؟ قال: فقال: الظنين والمتّهم، قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ قال: ذلك يدخل في الظنين»(1) قد يُدّعى دلالته على شرط العدالة بدعوى أنّ فاقد الملكة كالفاسق في كونه ظنيناً، وقد يستشكل في ذلك بأنّ عنوان الظنين عنوان مشكّك ولا إشكال في اختلافهما في درجة الظنّ.

نعم، ورد في بعض الروايات عنوان العدالة، من قبيل رواية ابن أبي يعفور: قال: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام)، بِمَ تُعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ قال: أن تعرفوه بالستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واليد واللسان...»(2)وهذه الرواية واردة بسندين:

أحدهما: سند الصدوق إلى عبداللّه بن أبي يعفور، وهو تام بناء على وثاقة أحمد ابن محمد بن يحيى.

والآخر: سند الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن موسى عن الحسن ابن علي عن أبيه عن علي بن عقبة عن موسى بن أكيل النميري عن ابن أبي يعفور، وهذا ضعيف بمحمد بن موسى، وهو محمد بن موسى الهمداني وقد استثنى محمد بن الحسن بن الوليد من روايات محمد بن أحمد بن يحيى رواياته عن جماعةٍ أحدُهم


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص274، الباب 30 من الشهادات، ح1.

(2) نفس المصدر، ص288، الباب 41 من الشهادات، ح1.

350

محمد بن موسى الهمداني.

ورواية عبدالرحمان بن الحجّاج التامّة سنداً عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً»(1)، إلا أنّ هذا الحديث بما أنّه ورد بشأن قبول شهادة المملوك فمصيره مرتبط بما سيأتي إن شاء اللّه من البحث عن اشتراط الحرّية وعدمه في الشاهد. فلو سقط هذا الحديث _ ولو بالتعارض _ عن الحجّية أشكلت استفادة شرط العدالة منه؛ لأنّنا لا نقول بمثل هذا التجزي التحليلي في سند حديث واحد.

ورواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه _ بسند فيه معلّى بن محمد _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «كان علي (عليه السلام) إذا أتاه رجلان (يختصمان) بشهودٍ عدلهم سواء وعددهم، أقرع بينهم على أيّهما تصير اليمين...»(2). وهذا الحديث قابل للمناقشة سنداً ودلالةً:

أمّا من حيث السند فبمعلّى بن محمد الذي قال النجاشي بشأنه: «إنّه مضطرب الحديث والمذهب». وحمل السيد الخوئي اضطراب الحديث على أنّه يروي ما يعرف، ويروي ما ينكر، كما قال ابن الغضائري عنه: «إنّه يعرف حديثه وينكر». ولو سلّمنا هذا الحمل بقي أنّه لا دليل على وثاقة الرجل عدا وروده في أسانيد كامل الزيارات، وتفسير علي بن إبراهيم، وهذان دليلان على الوثاقة عند السيد الخوئي، ولكنّنا لا نقول بذلك. وقد عبّر السيد الخوئي عن هذه الرواية بصحيحة عبدالرحمان ابن أبي عبداللّه، وهذا مبتنٍ على مبانيه.

وأمّا من حيث الدلالة فلأنّ الرواية بصدد بيان القرعة عند تساوي الشهود عدداً


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص253، الباب23 من الشهادات، ح1.

(2) نفس المصدر، ص183، الباب 12 من كيفيّة الحكم، ح5.

351

وعدلاً، ومن هنا قد يقال: إنّ هذا يعني الفراغ مسبقاً عن شرط العدالة. بينما يكفي في صحّة التعبير الوارد في هذه الرواية كون درجة العدالة من المرجّحات _ وإن لم تكن أصل العدالة شرطاً _ فحيث يقول: «عدلهم سواء» يقصد انتفاء هذا المرجّح، ولا يدل ذلك على الفراغ عن شرط العدالة.

ورواية محمد بن الحسن الصفّار الذي كتب إلى أبي محمد (عليه السلام) هل تُقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهدٍ آخر عدل؟ فوقّع (عليه السلام): «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين»(1). وهذا الحديث إن دلّ على شرط العدالة فهو وارد في الوصيّة، فلا يفيدنا شيئاً زائداً على مفاد آية الوصيّة، ونحوها بعض الروايات(2) الدالّة على شرط العدالة الواردة في خصوص الشهادة على الميت بدين، وهي ضعيفة سنداً.

ورواية بريد بن معاوية التامّة سنداً عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن القسامة فقال: الحقوق كلّها، البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، إلا في الدم خاصّة، فإنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم، فوجدوه قتيلاً، فقالت الأنصار: إنّ فلاناً اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أَقِدْه برمته...»(3).

واستدلّ أيضاً السيد الخوئي على اشتراط العدالة بما ورد بسند تام عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ردّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) شهادة السائل الذي يسأل في كفه»قال أبو جعفر (عليه السلام): «لأَنّه لا يُؤمن على الشهادة، وذلك لأنّه إن أُعطي رضي،


(1) نفس المصدر، ج18، ص373، الباب 28 من الشهادات، الحديث الوحيد في الباب.

(2) نفس المصدر، ج13، ص402، الباب 26 من الوصايا، ح5 و6 و7.

(3) نفس المصدر، ص171، الباب 3 من كيفيّة الحكم، ح6.

352

وإن مُنع سخط»(1) فقد دلّت هذه الرواية على أنّ الشاهد لابدّ أن يكون مأموناً على شهادته، بينما الفاسق غير مأمون عليها.

أقول: لو جعلنا المقياس هو الأمن على الشهادة، لم يدل هذا على أكثر من شرط الوثاقة، فإنّ من يكون ثقة في حديثه يكون مأموناً على الشهادة وإن كان فاسقاً من بعض الجهات، أو كان غير واجد لملكة العدالة.

وهناك روايات أُخذ فيها بعض العناوين التي قد يُقال إنّها إشارة إلى العدالة، وذلك كعنوان الصلاح والخير، من قبيل:

ما ورد _ بسند تام _ عن محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة، ثم يسلم الذمّي ويُعتق العبد، أتجوز شهادتهما على ما كانا أُشهدا عليه؟ قال: نعم، إذا عُلم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما»(2).

وما ورد عن عمّار بن مروان _ بسند فيه محمد بن موسى بن المتوكّل _ قال: «سألت أباعبداللّه عليه‏السلام: أو قال: سأله بعض أصحابه عن الرجل يشهد لأبيه، أو الأخ لأخيه، أو الرجل لامرأته، قال: لا بأس بذلك إذا كان خيّراً تُقبل شهادته لأبيه والأب لابنه، والأخ لأخيه»(3).

وما ورد _ بسند تام _ عن العلا بن سيّابة عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «أنّ أبا جعفر (عليه السلام) قال: لا تُقبل شهادة سابق الحاج، لأنّه قتل راحلته، وأفنى زاده، وأتعب نفسه، واستخفّ بصلاته، قلت: فالمكاريّ والجمّال والملّاح؟ فقال: وما بأس بهم، تقبل


(1) وسائل الشيعة، ج13 ، ص281، الباب 35 من الشهادات، ح2.

(2) نفس المصدر ، ص285، الباب 29 من الشهادات، ح1.

(3) الفقيه، ج3، ص26، ح70، وذكر قسماً منه في وسائل الشيعة، مع شيء من التغيير غير المضرّ في ج18، الباب 41 من الشهادات ح9.

353

شهادتهم إذا كانوا صلحاء»(1).

وهذه الروايات قد يمكن المناقشة فيها دلاليّاً بأن يُقال: إنّ عنوان الخيّر والصالح ونحو ذلك لا يلازم العدالة، وذلك بدعوى أنّ من يغلب عليه الخير والصلاح يُسمّى خيّراً أو صالحاً وإن كان مبتلى بمعصية ما في أمر من أموره الشخصية، إلا أنّه لا يبعد القول بأنّ المستفاد عرفاً من كلمة الصلاح وكلمة الخيّر هو معنى العدالة.

وقد تحصّل من كلّ ما ذكرناه تماميّة بعض الروايات سنداً ودلالةً على شرط العدالة.

ولو تنزّلنا عن ذلك قلنا: إنّ هذه الروايات حتى لو تمّت مناقشة كلّ قسم منها على حدة تصلح بمجموعها لإثبات شرط العدالة، فصحيح أنّ بعضاً منها دلّ على مانعيّة الفسق فحسب، فلم يدل على عدم نفوذ شهادة من لا يكون فاسقاً ولا عادلاً، وبعضاً منها دلّ على شرط كونه مأموناً على الشهادة، وهذا لا يمنع عن قبول شهادة الفاسق الثقة في إخباره، وبعضاً منها دلّ على شرط كونه خيّراً أو صالحاً، وهذا قد يُفرض عدم دلالته على شرط العدالة، ولكن من الواضح أنّ غير العادل لا يخلو أمره من أحد فروض ثلاثة على سبيل منع الخلوّ:

1_ أن يكون فاسقاً.

2_ أن يكون غير واجد للملكة المانعة، أو الوازع الداخلي، أو الرادع النفساني، (وما شئت فعبّر) حتى عن الكذب في الشهادة.

3_ أن لا يكون قد مضى عليه زمان يصدق عليه بلحاظ طول هذه المدّة أنّه خيّر أو صالح.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص280، الباب 34 من الشهادات، ح1.

354

أمّا من لا يكون فاسقاً، ويغلب عليه الخير والصلاح في طول مدّة معتدّ بها، ويكون أميناً في النقل والشهادة، فهذا عادل لا محالة. وقد دلّ قسم من الأخبار على عدم نفوذ شهادة الأول، وقسم منها على عدم نفوذ شهادة الثاني، وقسم منها على عدم نفوذ شهادة الثالث، فالمجموع قد دلّ على عدم نفوذ شهادة غير العادل، بل القسم الأول والأخير يكفيان لإثبات المطلوب، فإنّ من لا يؤمن على النقل والشهادة لا يعتبر خيّراً وصالحاً.

فإن قلت: إنّ النسبة بين ما دلّ على عدم نفوذ شهادة الفاسق وما دلّ على نفوذ شهادة الخيّر والصالح عمومٌ من وجه؛ لأنّ الفاسق قد يكون خيّراً وصالحاً، كما إذا غلب عليه الخير والصلاح، وكان مبتلىً بمعصيةٍ ما، وقد لا يكون خيّراً، وقد لا يكون الخيّر فاسقاً، فلماذا يقيّد الثاني بالأول دون العكس؟

قلت: أوّلاً _ لو فُرِض التعارض والتساقط وصلت النوبة إلى أصالة عدم نفوذ شهادة غير العادل.

وثانياً _ إنّ دليل عدم نفوذ شهادة الفاسق دلّ بالإطلاق على عدم نفوذ شهادته، وإن غلب عليه الخير والصلاح، بينما دليل شرط الخير والصلاح لم يدل على نفوذ شهادة المبتلى بفسقٍ ما إذا غلب عليه الصلاح والخير، وذلك لأنّنا لو سلّمنا أنّ قوله (عليه السلام): «إذا كانوا صلحاء»، وقوله (عليه السلام) «إذا كان خيّراً» لا يدل على شرطيّة عدم الفسق، فهو لا يدل على العكس، فإنّ كلمة الصالح والخيّر مشكّكة، واحتمال إرادة العادل منها وارد، فلا أقلّ من الإجمال. وكذلك الحال في قوله: «إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما» بعد وضوح عدم إرادة مجرّد مسمّى الخير الذي قد يصدر حتى ممّن غلب عليه الفسق.

355

هذا، وذكر السيد الخوئي(1): أنّ بعض الروايات تدل على عدم اعتبار العدالة في الشاهد، ونفوذ شهادة المسلم وإن كان فاسقاً، من قبيل ما عن حريز _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) في أربعةٍ شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدِّل منهم اثنان، ولم يُعدَّل الآخران، فقال: «إذا كانوا أربعةً من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور، أُجيزت شهادتهم جميعاً، وأُقيم الحدّ على الذي شهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا، وعلى الولي أن يجيز شهادتهم، إلا أن يكونوا معروفين بالفسق»(2) وما عن علا بن سيابة _ بسند تام _ قال «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام، فقال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق»(3).

وردّ هذه الروايات: أوّلاً _ بالشذوذ، وعدم قابليّتها لمعارضة الروايات المشهورة المعروفة الدالّة على شرط العدالة.

وثانياً _ بأنها مطلقة تقيّد بالروايات السابقة.

أقول: إنّ ما في عنوان المعرفة من الطريقيّة يمنع عن ظهور هذه الأحاديث في عدم مانعية الفسق، ويجعلها ظاهرةً في إرادة أنّ الفسق لا يثبت إلا بالمعرفة، وأنّ الأصل عند الشكّ هو العدالة. إذاً فهذه الأحاديث لا تعارض روايات شرط العدالة، وإنّما تعارض روايات كون الأمارة على العدالة هي حسن الظاهر؛ حيث إنّ هذه الروايات تفترض أنّ مجرد عدم ظهور الفسق أمارة على العدالة، وتحمل _ بالجمع بواسطة التقييد _ على أنّ المراد هو عدم ظهور الفسق فيما بين معاشريه، كجيرانه


(1) في تكملة المنهاج، ج1، ص89 _ 90.

(2) وسائل الشيعة، ج18، ص293، الباب 41 من الشهادات، ح18.

(3) نفس المصدر، ص291، الباب 41 من الشهادات، ح6، وص305، الباب 54 من الشهادات، ح1 و3. والسند الموجود في المورد الأول وفي الحديث 3 من المورد الثاني، هو التامّ دون السند الآخر.

356

وأصدقائه، وهذا هو عبارة عن حسن الظاهر، وقد مضى الحديث عن ذلك في ما مضى عند البحث عن شرط العدالة في القاضي.

كما مضى هناك أيضاً البحث عن مدى اضرار ارتكاب الصغيرة بالعدالة.

والذي نضيفه هنا هو أنّ ممّا يمكن أن يُستدلّ به على قبول شهادة مرتكب الصغيرة هي الروايات الواردة في أنّ عدم قبول شهادة الفاسق من باب دخوله في الظنين، كرواية عبداللّه بن سنان التامّة سنداً: قال: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام): ما يردّ من الشهود؟ قال: فقال: الظنين والمتّهم. قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ قال: ذلك يدخل في الظنين»(1)، ونحوها روايات أُخرى مذكورة في الوسائل في الباب (30) من الشهادات.

وجه الاستدلال هو: أنّ الإمام (عليه السلام) ذكر في هذه الأحاديث أنّ عدم قبول شهادة الفاسق يكون باعتباره داخلاً في الظنين، بينما مرتكب الصغيرة غير المصرّ عليها، والمجتنب للكبائر لا يصدق عليه عنوان الظنين، فهذه الروايات تدل على أنّ هذا المستوى من الذنب لا يضرّ بالشهادة.

وقد يُقال: لو صار القرار على هذا النمط من الاستدلال إذاً هذه الروايات تدل على قبول شهادة الفاسق الذي يكون ثقة في شهادته؛ لأنّه ليس ظنيناً.

وبالإمكان الإجابة على ذلك بأنّ من المحتمل كون الرواية ناظرةً إلى كون الفسق قرينةً نوعيّةً على الظنّة؛ لأنّ من يرتكب الكبائر يأتي بشأنه احتمال ارتكاب الكذب في الشهادة؛ فالفاسق بطبعه ظنين، وافتراض أنّ القاضي يثق صدفة بعدم ارتكاب هذا الفاسق للكذب لا ينافي كون الفاسق بما هو فاسق ظنيناً في نوعه، وهذا بخلاف


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص274، الباب 30 من الشهادات، ح1.

357

من لم يرتكب إلا الصغيرة بلا إصرار، فإنّ ارتكابه للصغيرة بلا إصرار لا يوجب الظنّة به بلحاظ شهادة الزور التي هي كبيرة من الكبائر.

وبنفس هذا البيان أيضاً يمكن إثبات قبول شهادة المخالف لعقائد الشيعة إذا كان عدلاً في مذهبه، كالسنّي العادل في مذهبه، فإنّه وإن كان فاسقاً في العقائد _ بمعنى التقصير في تحصيل العقائد الحقّة _ لكن هذا لا يجعله ظنيناً إذا كان هو بحدّ ذاته إنساناً عدلاً في تصرّفاته.

تعارض البيّنات في تزكية الشاهد

وفي ختام البحث عن شرط العدالة لا بأس بالكلام عن مسألة ما إذا كان الدليل على العدالة بيّنةً مزكيّةً للشاهد، وكانت معارضةً بالبيّنة الجارحة، فأيتُهما تتقدم؟ والوجوه التي نطرحها الآن على بساط البحث خمسة:

1_ التعارض والتساقط.

2_ تقديم بيّنة التزكية.

3_ تقديم بيّنة الجرح.

4_ التفصيل بين ما لو نفت البيّنة المزكّية سبب الجرح الذي تذكره بيّنة الجرح، فلا مبرِّر لتقديم بيّنة الجرح، وبين ما لو اقتصرت على الشهادة بالعدالة.

5_ الترجيح بالعدد أو الأعدلية.

أمّا التعارض والتساقط فوجهه واضح، وهو افتراض عدم موجب للترجيح.

والأثر العملي فيما بين التعارض والتساقط من ناحية وتقديم بيّنة الجرح من ناحية أُخرى يظهر في مستصحب العدالة، فعلى الثاني تسقط شهادته، وعلى الأول تبقى شهادته نافذةً.

358

وأمّا تقديم بيّنة التزكية فلما قد يقال من أنّ الأصل هو الفسق، فبيّنة التزكية هي التي تشهد بأمر إضافي وجديد.

ولو سلّم أنّ الأصل هو الفسق _ ولو بأن يقصد بالفسق عدم العدالة _ فلا نسلّم أنّ مجرد كون بيّنة التزكية خلاف الأصل _ وشاهداً لأمر جديد وإضافي _ موجباً لتقدُّمها.

وأمّا تقديم بيّنة الجرح فيمكن الاستدلال عليه بوجهين:

الأول _ ما ورد عن مسمع بن عبدالملك عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان، وشهد له ألفٌ بالبراءة، يجيز شهادة الرجلين ويبطل شهادة الألف؛ لأنّه دين مكتوم»(1). فيُقال: إنّ مقتضى عموم التعليل بالمكتوميّة التعدّي من الزندقة إلى الفسق، فإنّ الفسق كثيراً ما يكتم، ويوجب كتمانه تخيّل العدالة.

ولكن لا يخفى أنّ التعليل كان بأنّه دين مكتوم، واحتمال الفرق بين الدين والفسق موجود بأن يفترض أنّ الشريعة تتسامح في جانب الفسق بما لا تتسامح في جانب الدين.

على أنّ الحديث ساقط سنداً.

الثاني _ ما قد يُقال من أنّ بيّنه العدالة قد تعتمد على حسن الظاهر الذي هو أمارة العدالة، وبيّنة الجرح تشهد بما خفي على بيّنة العدالة.

وقد يُورد عليه بأنّ من المحتمل العكس أيضاً؛ بان تكون بيّنة العدالة قد اعتمدت على أمر إضافي لم تطّلع عليه بيّنة الجرح، كما لو كانت بيّنة الجرح مطّلعة


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص303، الباب 51 من الشهادات، ح1.

359

على الفسق، وبيّنة العدالة مطّلعة على توبته من ذلك الفسق، واسترجاع الملكة لو كانت زائلةً، أو كانت بيّنة الجرح مطّلعةً على شى‏ء يكون معصية بالعنوان الأوّلي، وبيّنة العدالة مطّلعة على عذرٍ يزكّية، والذي يجعل ذاك العمل حلالاً له، ونحو ذلك من الأمثلة.

والواقع أنّ الذي ينبغي أن يكون مقصوداً لمن يرجّح بيّنة الجرح على بيّنة التزكية هو أحد أمرين:

الأول _ النظر إلى مدى دلالة الشهادتين، ودعوى أنّ الشهادة بالعدالة لا تدل على أكثر من حسن الظاهر؛ لأنّه أمارة على العدالة، بينما الشهادة على الفسق تدل على الفسق الواقعي، ولا تنافي بين الشهادتين، فيُؤخذ بهما معاً، وبالتالي يثبت الفسق. فهذا هو المقصود بتقديم بيّنة الجرح لا التقديم بمعنى تسليم التعارض وترجيح بيّنة الجرح، وليس الكلام في واقع ما في نفس البيّنتين كي يُقال: لعلّ البيّنة المزكّية اطّلعت على ما لم تطّلع عليه البيّنة الجارحة، وإنّما الكلام في مقدار دلالة الشهادتين، فالشهادة على العدالة لا تدل على أكثر من الشهادة على حسن الظاهر؛ لأنّه أمارة العدالة، بينما الشهادة على الفسق تدل على واقع الفسق.

ويرد عليه: أنّ الشهادة على العدالة ليست دائماً شهادةً على حسن الظاهر، بل ظاهر الشهادة على العدالة لو لم يأت بقرينة على إرادة حسن الظاهر، هو الشهادة على واقع العدالة، فتتعارض الشهادتان.

الثاني _ أن يُقال: إنّ بيّنة التزكية تسقط كاشفيتها عرفاً أمام بيّنة الجرح دون العكس، وذلك بنكتة أنّ الفسق كثيراً ما يُكتَم إلى أن يتخيّل المتخيّل أنّ هذا الرجل عادل، فمن اطّلع على الفسق يكون اطّلاعه على ذلك رافعاً لكاشفية شهادة البيّنة المزكّية، حتى أنّ البيّنة المزكّية لو سمعت شهادة الجارح لعلّها ترفع يديها عن شهادتها بالعدالة.

360

وقد يورد على ذلك بأنّ المقياس في حجّية البيّنة هو الظنّ النوعي لا الشخصي، والظنّ النوعي لا يمكن أن يزول.

ويمكن الجواب على ذلك: أنّ حجّية البيّنة إن كان منشؤها السيرة العقلائيّة فهي محكومة للنكات والارتكازات العقلائيّة، وإن كان منشؤها بعض النصوص فهي تنصرف أيضاً إلى النكات الارتكازية عند العقلاء، وحينما توجد قرينة نوعيّة على الخلاف تدركها عامّة الناس وتعترف بأنّها تغطّي على كاشفيّة البيّنة تسقط حجّية البيّنة في نظر العقلاء، وما نحن فيه من هذا القبيل.

وأمّا التفصيل بين ما لو نفت بيّنة التزكية سبب الجرح الذي تذكره بيّنة الجرح وعدمه، فيعرف وجهه بالرجوع إلى النكتتين اللّتين ذكرناهما لتقديم بيّنة الجرح:

النكتة الأُولى _ دعوى أنّ الشهادة بالعدالة لا تدل على أكثر من حسن الظاهر. وهذه النكتة لا تأتي _ فيما لو صرّحت بيّنة التزكية _ لنفي السبب الجارح، فإنّ هذا ظاهر في أنّ بيّنة التزكية لم تكتف في نفي هذا السبب بمجرد حسن الظاهر.

والنكتة الثانية _ سقوط كاشفيّة التزكية أمام الجرح دون العكس، وهذه النكتة أيضاً قد تنتفي عندما تصرّح البيّنة بنفي السبب الجارح، فتتساوى الشهادتان.

والأولى عندي أن لا يجعل مصبّ التفصيل عنوان نفي السبب الجارح وعدمه، بل يجعل مصبّ التفصيل نفس هاتين النكتتين، فيقال: متى ما كانت بيّنة التزكية لا تشهد على أكثر من حسن الظاهر عملنا ببيّنة الجرح، ولا تعارض بينهما في الحقيقة، ومتى ما كانت تشهد بواقع العدالة فعندئذٍ لو كان وضع التقابل بين البيّنتين بشكل تنتفي معه كاشفيّة بيّنة التزكية عند العقلاء دون بيّنة الجرح قدّمت بيّنة الجرح، وإلا فلا، وممّا يؤثّر أحياناً في تحقيق هذا العنوان وعدمه نفي بيّنة التزكية للسبب الجارح وعدمه.

361

وأمّا الترجيح بالعدد والأعدليّة فلا دليل عليه لخصوص ما نحن فيه، فإن قلنا بشكل عام بالترجيح في البيّنات المتعارضة _ ولو بالتعدّي من موارد روايات الباب 46 من الشهادات من المجلّد الثامن عشر من الوسائل وبعضها تام السند، وبعض روايات أُخرى كالرواية الأُولى والخامسة من الباب 12 من كيفيّة الحكم من نفس المجلّد _ ثبت الترجيح في المقام أيضاً، وإلا فلا. والترجيح لو قلنا به يجب أن يكون في مورد لم نبْن على تقديم بيّنة الجرح، لا بدعوى أنّ بيّنة التزكية لا تدل على أكثر من حسن الظاهر، ولا بدعوى سقوط كاشفيّة بيّنة التزكية.

حجّية البيّنة في باب التزكية

يبقى الكلام في الدليل على أصل حجّية البيّنة على العدالة في المقام، وهو إمّا التعدّي عن مورد أدلّة حجّية البيّنة في باب المرافعات باعتبار أنّ عدالة الشهود أو فسقهم أيضاً أمر دخيل في تحديد مصير المرافعة، وإمّا القول بحجّية البيّنة في الموضوعات على الإطلاق تمسكاً بدعوى إطلاق مقامي لأدلة حجّية البيّنة في المرافعات، أو تمسكاً بالإجماع، أو السيرة، أو تعدّياً من الموارد الخاصّة _ التي ورد فيها النص الخاص كالهلال والطلاق _ بدعوى القطع بعدم الفرق، أو بدعوى فهم العرف المثالية وتعدّيه من تلك الموارد، أو غير ذلك مما يذكر لإثبات حجّية البيّنة في الموضوعات.

عدم الاتّهام في الشهادة

الشرط الخامس _ هو _ حسب تعبير السيد الخوئي (رحمه الله) في مباني تكملة المنهاج _: أن لا يكون الشاهد ممن له نصيب فيما يشهد به(1)، وحسب تعبير المحقّق في


(1) راجع مباني تكملة المنهاج، ج1، ص90 .

362

الشرائع: ارتفاع التهمة(1). وقد يفترض أنّ العنوان الثاني أوسع من العنوان الأول، فيشمل مثلاً شهادة السائل في كفّه؛ لكون عمله هذا موجباً لاتّهامه في شهادته؛ لاحتمال استناد شهادته إلى الطمع، أو إلى الرشاء، وشهادة الأجير؛ لاتّهامه أيضاً في شهادته؛ لاحتمال استناد شهادته إلى أنّ منافعه مرتبطة بالمستأجر، فيدافع عن المستأجر طمعاً فيما قد ينتفع به من قبل المستأجر، بل ويشمل أيضاً شهادة المقترب بالنسب أو السبب؛ لولا خروجه بالنص الخاص.

وقد حمل السيد الخوئي (رحمه الله) عنوان المتّهم الوارد في الروايات على الاتّهام في عدالته لا الاتّهام في شهادته، فهذا راجع إلى شرط العدالة وليس شرطاً جديداً، وإنّما الشرط الجديد هو أن لا يكون ممّن له نصيب فيما يشهد به.

وعلى أيّ حال فنحن نبحث أوّلاً الشرط بعنوانه الذي جاء في كلام السيد الخوئي، وهو عنوان أن لا يكون ممّن له نصيب فيما يشهد به، ثم نرى أنّه هل بالإمكان إثبات شرطيّة عنوان أوسع منه كعنوان الاتّهام أو لا؟ فنقول:

رجوع نصيب إلى الشاهد

إنّ رجوع نصيب من المشهود به إلى الشاهد يتصوّر على مراتب:

الأولى _ أن يكون الشاهد والخصم واحداً بكل معنى الكلمة، وهذا لا إشكال فى عدم قبول شهادته وفق الارتكاز العقلائي والمتشرعي ممّا يمنع عن انعقاد أيّ إطلاق لأدلّة نفوذ الشهادة. ولا حاجة في هذا القسم إلى الإستشهاد بالروايات الآتية؛ لوضوح الحكم، ولو دلّ حديث على خلاف ذلك رُدّ علمه إلى أهله، كما قد يُقال فيما ورد عن عمر بن يزيد _ بسند تام _ قال: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام): الرجل


(1) راجع الجواهر، ج 41، ص60 .

363

يُشهِدُني على شهادة فأعرف خطّي وخاتمي، ولا أذكر من الباقي قليلاً ولا كثيراً؟ قال: فقال لي: إذا كان صاحبك ثقةً ومعه رجل ثقة فاشهد له»(1). ولعلّه محمول على فرض كون الخطّ والخاتم وإخبار صاحب القضيّة مع وثاقته، وشهادة ثقة آخر معه كافياً في ثبوت العلم القريب من الحسّ بالموضوع، وإلا فيردّ علم هذا الحديث إلى أهله.

الثانية _ كالأُولى مع فارق صوري بين الشاهد والخصم، كما في شهادة المولى بمالٍ لعبده بناءً على أنّ كلّ ما للعبد فهو مملوك للمولى. وهذا يلي القسم الأول في وضوح الارتكازين العقلائي والمتشرّعي، وإن كانا في القسم الأول أوضح.

الثالثة _ أن يكون شريكاً في مصبّ الشهادة، كما لو شهد للمدّعي بدارٍ له فيها حصّة. وهذا يلي القسمين الأوّلين في وضوح الارتكازين وإن كانا في القسم الأول أوضح.

الرابعة _ أن يرجع إليه نفع ممّا يشهد به رجوعاً قانونيّاً وإن لم يكن شريكاً في مصبّ الشهادة، كما لو شهد صاحب الدَّين للمحجور عليه بمالٍ، أو شهد أحد أفراد العاقلة بجرح شهود الجناية، أو بنفي الجناية _ بناءً على قبول الشهادة على الإنكار _ وكما لو شهد المولى بمال لعبده _ بناءً على أنّه ليس مال العبد ملكاً لمولاه، ولكن له يمتلكه _ ولا يبعد دخول هذا كلّه أيضاً في دائرة الارتكازين. ونقصد بقيد الرجوع القانوني أن تصدق عرفاً كفاية القضاء وفق تلك الشهادة؛ لاستحقاقه نصيبه، كما في شهادة صاحب الدَين للمحجور عليه بمال، أو شهادة العاقلة، فإن لم يكن رجوع النفع إليه بهذا المستوى _ كما في شهادة صاحب الدين لمن لم يحجر عليه، لكن من المعقول استفادته من هذه الشهادة؛ إذ لو قُبلت أصبح المدين واجداً للمال،


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص234، الباب 8 من الشهادات، ح1.

364

فيستطيع مطالبته بدينه _ لم يكن ذلك داخلاً في محل الكلام.

الخامسة _ أن يكون له حقّ التصرف بعنوان الولاية أو الوصاية، كما في شهادة الوصي بمال للميّت، أو للصغير المولّى عليه، ودخول ذلك في الارتكازين غير واضح.

أمّا الروايات: فيمكن الاستدلال بعدّة روايات على اشتراط أن لا يكون للشاهد نصيب فيما يشهد به:

1_ ما ورد _ بسند تام _ عن عبدالرحمان بن أبي عبداللّه قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء شهد اثنان عن واحد قال: لا تجوز شهادتهما»(1). وهذا ظاهر في المقصود بلحاظ المرتبة الثالثة من المراتب التي ذكرناها، ويدل بالأولويّة بالنسبة للمراتب السابقة عليها، ولايبعد التعدّي عرفاً إلى المرتبة الرابعة. أمّا التعدي إلى المرتبة الخامسة فمشكل.

وهذا الحديث بهذا الشكل قد رواه الكليني (رحمه الله) عن أبي علي الأشعري عن أحمد بن محمد بن عيسى وعن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة جميعاً عن أحمد ابن الحسن الميثمي عن أبان بن عثمان عن عبدالرحمان بن أبي عبداللّه والسند تام.

أمّا الشيخ (رحمه الله) فقد رواه بشكل آخر؛ حيث روى بسنده عن الحسين بن سعيد عن القاسم عن أبان عن عبدالرحمان قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء ادّعى واحد وشهد الاثنان، قال: يجوز»(2). وهذا يدل على نقيض المدّعى، وحينئذٍ قد تسقط بعنوان كونه خلاف الارتكاز المتشرعي، ويبقى النقل الأول فارغاً عن المعارض، ويفيدنا في التعدّي إلى ما هو أوسع من الارتكاز المتشرعي لو افترضنا أنّ


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص272، الباب27 من الشهادات، ح1.

(2) نفس المصدر، ح4 .

365

الارتكاز المتشرعي لا يشمل المرتبة الرابعة أو الخامسة، وافترضنا أنّ التعدّي العرفي من مورد الحديث يتمّ إلى المرتبة الرابعة أو الخامسة. وقد نسقط هذا الحديث بكلا نقليه بعد غضّ النظر عن الارتكاز، وذلك للاطمئنان بوحدة الحديثين؛ لاتّحاد الإمام والراوي المباشر ومن قبله، وتقارب النصّين، عدا سقوط كلمة «لا»، فلا نعرف أيّ النقلين هو الصحيح، وبالتالي يسقطان معاً، ونرجع إلى باقي الروايات، كما صنعه السيد الخوئي في كتابه مباني تكملة المنهاج.

2_ ما عن محمد بن الصلت، قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رفقة كانوا في طريق، فقطع عليهم الطريق، وأخذوا اللّصوص، فشهد بعضهم لبعض، قال: لا تُقبل شهادتهم إلا بإقرار من اللّصوص، أو شهادة من غيرهم عليهم»(1) بناءً على أنّ هذا أيضاً من قبيل شهادة بعض الشركاء لبعض في العين المشتركة.

لكن الظاهر أنّ مورد الحديث ليس من هذا القبيل، فإنّ ظاهره أنّ كل واحد منهم شهد للآخر فيما يخصّه من حقّه، فالمسألة لا علاقة لها بأن يكون للشاهد نصيب في المشهود به، وإنّما لها العلاقة بالعنوان الثاني الذي سنبحثه _ إن شاء اللّه _ من الاتّهام في الشهادة؛ حيث يتّهمون بأنّهم متوافقون على أن يشهد كلّ منهم لصالح صاحبه.

3_ ما عن أبان قال: «سُئل أبو عبداللّه (عليه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه. قال: تجوز شهادته إلا في شيء له فيه نصيب»(2) والحديث من حيث الدلالة كالحديث الأول. وأمّا من حيث السند فالصدوق (رحمه الله) رواه _ بسنده _ عن فضالة عن أبان، قال: «سُئل أبو عبداللّه...»(3) وهذا السند تام، والشيخ (رحمه الله) رواه


(1) نفس المصدر، ح2.

(2) نفس المصدر، ح3.

(3) الفقيه، ج3، ص27، ح78.