26

أقــول: أمّا الحمل على عدم التمكّن من الايلاج فواضح البطلان؛ إذ مضافاً إلى عدم ملازمة ـولو غالبيةـ بين الخصاء وعدم التمكّن من الإيلاج فإطلاق الروايات محكّم، نرى في الروايات ما هي صريحة في الإيلاج من قبيل: صحيحة ابن مسكان، وصحيحة عليّ بن جعفر بناءً على نسخة خصيّ دون نسخة خنثى، وكذلك تحمل موثّقة سماعة على فرض الإيلاج بقرينة فرض تمام الصداق عليه.

وأمّا إنكار كون ذلك عيباً للتمكّن من الإيلاج فالظاهر أنّه ليس عرفياً، وكلّ نقص في الخلقة يعتبر عيباً بشهادة العرف بذلك مؤيّدة بمرسلة السيّاري، قال: روي عن ابن أبي ليلى أنّه قدّم إليه رجل خصماً له فقال: إنّ هذا باعني هذه الجارية، فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعراً، وزعمت أنّه لم يكن لها قطّ. قال: فقال له ابن أبي ليلى: إنّ الناس يحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به، فما الذي كرهت؟! قال: أيّها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به، قال: اصبر حتى أخرج إليك، فإنّي أجد أذى في بطني، ثمّ دخل وخرج من باب آخر، فأتى محمّد بن مسلم الثقفي فقال له: أيّ شيء تروون عن أبي جعفر في المرأة لا يكون على ركبها شعر، أيكون ذلك عيباً؟ قال محمّد ابن مسلم: أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه، ولكن حدّثني أبو جعفر عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبيّ (صلى الله عليه و آله) أنّه قال: «كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب»، فقال له ابن أبي ليلى: حسبك، ثمّ رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب(1).

بل عيب الخصاء أولى أن يعدّ عيباً من عيب عدم الشعر في الأمة، بلحاظ ما يؤدّي إليه من عدم النسل من ناحية ومن فقدان التذاذ المرأة من قذف الرجل الماء من ناحية اُخرى.

ومن هنا يبدو أنّ العقم أيضاً عيب وإن كان لا يؤدّي عرفاً إلى خيار العيب؛ لأنّ الطرفين غير متبانيين عادة على أصالة السلامة في مثل هذا العيب الذي لا ينكشف إلّا بالتجربة أو بالفحص الطبي، ولو أرادا الاهتمام بذلك عرضا أنفسهما للفحص الطبي. نعم لو عرض أحدهما نفسه للفحص الطبي وتبيّن عقيماً، ثمّ كذب على الآخر بنفي العقم، دخل في خيار التدليس.

وعلى أيّ حال فرغم أنّنا نعترف في المقام بكون الخصاء عيباً، نستشكل في إطلاق روايات الباب للخصاء الذي لم يقترن بالتدليس؛ لأنّها جميعاً ناظرة إلى مورد التدليس.


(1) الوسائل 18: 97 ـ 98، ب 1، أحكام العيوب، ح 1.
27

نعم، لا بأس بالإفتاء بخيار الفسخ للمرأة بناءً على القاعدة التي نقّحناها في مستهلّ البحث من أصالة ثبوت حقّ الفسخ بمقتضى القاعدة على أساس لا ضرر. حيث لم يصفُ لنا حديث مفيد لهذه القاعدة بالدلالة على حصر الفسخ في عيوب الرجل ببعض العيوب.

وهذا الكلام جار في جميع العيوب، إلّا عيباً لا يعتبر الصبر عليه ضرراً عرفاً كما في مثال عدم الشعر. فلو كان الزوج هو الذي لا شعر له في الموضع المخصوص ـعلى خلاف مورد رواية السيّاري الماضية في الأمة المشتراةـ ولم يعتبر ذلك عرفاً ضرراً على الزوجة لم يوجب ذلك الخيار.

نعم، في مورد شراء الأمة قد يثبت بعدم الشعر في الأمة الخيار، بسبب أنّ خيار العيب في باب البيع منصوص، فإن صحّ ذلك لا يمكن قياس باب النكاح بباب البيع.

ثمّ إنّ امتلاك نصف المهر من قبل الزوجة لو تمّ الفسخ قبل الدخول يكون على خلاف القاعدة، إلّا أنّه دلّت على ذلك رواية عليّ بن جعفر الماضية.

ولكنّ عيب هذه الرواية أنّها في نقل قرب الأسناد ضعيفة بعبدالله بن الحسن الذي لم يثبت توثيقه، وفي نقل كتاب عليّ بن جعفر تامّة سنداً ولكن النسخ مختلفة ففي بعضها ورد (خصيّ) وفي بعضها ورد (خنثى) إلّا أن يدّعي أحد التعدّي العرفي إلى الخصيّ أو إلى كلّ عيب يوجب الفسخ من طرف المرأة.

ثمّ إنّ الموجوء وفاقد الانثيين خلقةً قد يلحقان بالخصيّ، بل قد يدّعى صدق الخصاء على هاتين الحالتين أيضاً، فإن لم تقبل هذه الدعوى فقد يدّعى تعدّي العرف من روايات الخصاء.

والمهمّ أنّ دليلنا على ثبوت الفسخ في الخصاء مطلقاً لم يكن الروايات لاختصاصها بفرض التدليس، وإنّما الدليل المطلق كان هو لا ضرر، ولا يفرّق في لا ضرر بين الخصاء والوجاء وفقد الانثيين خلقة.

28

ثمّ إنّ الروايات وإن اختصّت بالخصاء الثابت قبل العقد، لكن قاعدة لا ضرر تشمل الخصاء المقارن بالعقد. أمّا الخصاء المتأخّر عن العقد فهو كالعيب المتأخّر في البيع عن العقد لا تشمله قاعدة لا ضرر، ولا يعتبر عرفاً ضرراً مستنداً إلى العقد.

العيب الرابـع: الجـبّ

وقد يستدلّ على الفسخ فيه:

تارة: بالفحوى العرفية لروايات العنن ببيان أنّ الفسخ في الجبّ أولى عرفاً، لأنّ العنن محتمل العلاج في المستقبل بخلاف الجبّ.

واُخرى: بالفحوى العرفية لروايات الخصاء ببيان أنّ الفسخ في الجبّ أولى عرفاً؛ لأنّ الخصاء لا يمنع عن أصل الايلاج في حين أنّه لا إيلاج مع الجبّ.

وثالثة: بدعوى الإطلاق في بعض روايات العنن من قبيل: صحيحة أبي بصير المرادي: سألت أبا عبدالله عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على جماع أتفارقه؟ قال: «نعم إن شاءت»(1). ورواية أبي الصباح الكناني الضعيفة بمحمّد بن الفضيل قال: سألت أبا عبدالله عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبداً أتفارقه؟ قال: «نعم إن شاءت»(2). هذا لو لم نقل: إنّ عنوان (ابتلي زوجها) ينصرف إلى العنن والعجز عن الجماع دون فقد العضو نهائياً. أمّا لو قلنا بهذا الانصراف، فحال هاتين الروايتين حال بقيّة روايات العنن في إمكان التمسّك بفحواها للمقام.

ورابعة: بقاعدة لا ضرر.

وعلى أيّة حال فأصل الإفتاء بحقّ الفسخ في الجبّ شبه مسلّم بين الأصحاب.

ولكن وقع الكلام في بعض الفروع:

الفـرع الأوّل: لو حدث الجبّ بعد العقد وقبل الوطئ، أو بعده فهل يوجبُ ذلك الخيار أو لا؟


(1) المصدر السابق 21: 229، ب 14، العيوب والتدليس، ح 1.
(2) المصدر السابق: 231، ح 6.
29

قد يقال: نعم يوجب الخيار وحتى لو كان بعد الوطئ، وذلك تمسّكاً بإطلاق صحيحة المرادي ورواية الكناني، فإنّ التقييد بما قبل الوطئ بناءً على استظهار ذلك من بعض روايات العنن الماضية إنّما ورد في العنن، فيبقى الإطلاق في نوع آخر من عدم القدرة على الجماع وهو الجبّ، على حاله.

إلّا أنّ هذا الوجه يتوقّف على تسليم الإطلاق في تلك الروايتين، أمّا لو قلنا أنّ دلالتهما إنّما هي بالفحوى بعد فرض انصراف منطوقهما إلى العنن، فحالهما حال باقي روايات العنن، فبعد فرض خروج ما بعد الوطئ من المنطوق ولو بمقيِّد منفصل يسقط إطلاق مفهوم الموافقة عن الحجّية.

وبالإمكان إثبات جواز الفسخ في الجبّ حتى بعد الوطئ ببيان آخر، وهو أن يكون المدرك للفسخ في الجبّ فحوى روايات العنن مع فرض اختيار احتمال طرحناه في ذلك البحث من ثبوت حقّ الفسخ في العنن حتى لو كان بعد الوطئ، إلّا أنّ كلّ مرّة من الوطئ يعطي للزوج حقّ المهلة سنة بأمل العلاج، وبما أنّ أمل العلاج في فرض الجبّ غير موجود عادة، فهذا الاستثناء لا يبقى له موضوع، فيثبت حقّ الفسخ بمجرّد قطع العضو. إلّا أنّني لم أجد ولا فتوى واحدة صريحة بهذا الاحتمال.

فإن لم نقبل هذا الإحتمال ولا إطلاق الروايتين الماضيتين، وكان دليلنا على الخيار فيالجبّ فحوى روايات العنن، فالنتيجة هي ثبوت الفسخ في ما إذا كان الجبّ قبل العقد أو بعده قبل الوطئ.

وإن لم نقبل أصل الفحوى، فالدليل على الفسخ في الجبّ ينحصر بقاعدة لا ضرر، فيختصّ الفسخ بالجبّ الثابت قبل العقد أو المقارن للعقد؛ أمّا ما تحقّق بعد العقد فلا، لما أشرنا إليه سابقاً من أنّ لا ضرر لا تثبت خياراً في العيب المتجدّد بعد العقد.

30

الفـرع الثـاني: لو آمنّا بثبوت الخيار في الجبّ المتجدّد بعد العقد بأحد الوجوه السابقة، إلّا أنّ الجبّ لو تجدّد بعد العقد بقطع الزوجة نفسها عضو الرجل، فهل يتمّ لها الخيار أو لا؟

إن كان منشأ الخيار قاعدة لا ضرر ـلو آمنّا بإمكان الاستدلال بها في عيب ما بعد العقدـ فانتفاء الخيار هنا واضح، لأنّ الضرر من قبلها. وإن كان منشأ الخيار فحوى روايات العنن أو الخصاء بدعوى الأولوية العرفية، فمن الواضح هنا أيضاً أنّه لا أولوية عرفية ولا مساواة في فرض حدوث العيب بفعل نفس الزوجة، وأمّا إن كان منشأ الخيار إطلاق صحيحة المرادي ورواية الكناني فقد يتوهّم أحد أنّ الإطلاق محكّم في المقام، إلّا أنّ الإنصاف أنّ الإطلاق في الروايتين للجبّ لو تمّ في نفسه ينصرف بمناسبات الحكم والموضوع عمّا حصل بفعل نفس الزوجة.

الفـرع الثـالث: لو قطع منه العضو ولكن بقي منه ما يمكن الجماع معه، فإن كان الدليل على الفسخ فحوى روايات العنن والخصاء أو إطلاق صحيحة المرادي ورواية الكناني فمن الواضح أنّ هذه الأدلّة لا تسري إلى المقام. أمّا لو كان الدليل على الفسخ لا ضرر، وسلّمنا صدق الضرر عرفاً ولو بلحاظ أنّ هذا القطع الناقص يحقّق عيباً موجباً للنفرة، ثبت حقّ الفسخ في المقام.

وقد يلحق البعض بالعيوب الماضية الجذام والبرص.

ويمكن إثبات ذلك: إمّا بدعوى إطلاق حديث الحلبي لعيوب الرجل خصوصاً وفق أحد نقلي الشيخ الطوسي (قدس سره): «إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل»(1)، وقد مضى مفصّلاً النقاش في إطلاقه؛ وأمّا بدعوى التعدّي من عيوب المرأة إلى عيوب الرجل، وقد مضى بحث ذلك؛ وإمّا بقاعدة لا ضرر، وقد مضى أيضاً الحديث عن ذلك.

والوجه الثاني ـوهو التعدّي من عيوب النساء إلى عيوب الرجالـ إن تمّ يأتي في العمى والعرج أيضاً.

والوجه الثالث ـوهو لا ضررـ إن تمّ يأتي في كلّ عيب حتى العيوب المستجدّة اليوم كالايدز مثلاً.

هذا تمام الكلام في عيوب الرجال.


(1) المصدر السابق: 210، ب 1، ح 10.
31

ثانيـاً: عيوب النسـاء:

وأمّا الكلام في عيوب النساء فقد ذكروا في ذلك عيوباً سبعة: الجنون، والجذام، والبرص، والقرن، والإفضاء، والعمى، والعرج، وكلّ هذه واردة في النصوص من قبيل:

1 ـ صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله: «إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل...»(1).

2 ـ ومعتبرة عبدالرحمن بن أبي عبدالله رواه الشيخ بسنده، عن الحسين ابن سعيد، عن القاسم، عن أبان، عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله في حديث قال: «وتردّ المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون، فأمّا ما سوى ذلك فلا»(2). والقاسم في هذا السند هو الجوهري بقرينة رواية حسين بن سعيد عنه، وهو ثقة بدليل رواية بعض الثلاثة عنه.

3 ـ وصحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبدالله في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء، أو برصاء، أو عرجاء؟ قال: «تردّ على وليّها ويكون لها المهر على وليّها...»(3).

4 ـ وصحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله في حديث أنّه قال في رجل تزوّج امرأة برصاء أو عمياء أو عرجاء، قال: «تردّ على وليّها ويردّ على زوجها مهرها الذي زوّجها عليه، وإن كان بها ما لا يراه الرجال جازت شهادة النساء عليها»(4).

5 ـ ورواية محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر: «تردّ العمياء والبرصاء والجذماء والعرجاء»(5).

وقد رواه الصدوق بسنده، عن عبدالحميد، عن محمّد بن مسلم. وعبدالحميد الذي يروي عنه الصدوق في الفقيه شخصان: الأزدي، وابن عوّاض. فإن كان مقصوده هنا ابن عوّاض، فسند الصدوق إلى ابن عوّاض تامّ، وبهذا يتمّ سند الحديث. وإن كان مقصوده هو الأزدي، فسنده إليه غير تامّ.

ولكن للحديث سند آخر موثق مع حذف الجذماء وهو سند الشيخ، عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سماعة، عن عبدالحميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر قال: «تردّ البرصاء والعمياء والعرجاء»(6).


(1) المصدر السابق: 213، ب 2، ح 5.
(2) المصدر السابق: 210، ب 1، ح 13.
(3) المصدر السابق: 213، ب 2، ح 6.
(4) المصدر السابق: 216، ب 4، ح 2.
(5) المصدر السابق: 209، ب 1، ح 7. الفقيه 3: 273، ح 1298.
(6) الوسائل 21: 210، ب 1، العيوب والتدليس، ح 12.
32

6 ـ وموثّقة غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السلام) في رجل تزوّج امرأة فوجدها برصاء أو جذماء قال: «إن كان لم يدخل بها ولم يتبيّن له فإن شاء طلّق وإن شاء أمسك، ولا صداق لها، وإذا دخل بها فهي امرأته»(1).

7 ـ وصحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر قال في رجل تزوّج امرأة من ولّيها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها، قال: فقال: «إذا دلّست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق، ويأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها...»(2).

إلّا أنّه بقي الكلام في اُمور:

الأوّل: أنّنا لم نجد في الإفضاء نصّاً إلّا صحيحة أبي عبيدة الماضية، وهي خاصّة بفرض التدليس.

والثـاني: أنّ القرن حتى لو لم يكن مانعاً عن الجماع يوجب حقّ الفسخ بدليل صحيحة أبي الصباح، قال: سألت أبا عبدالله عن رجل تزوّج المرأة فوجد بها قرناً ـإلى أن قالـ قلت: فإن كان دخل بها؟ قال: «إن كان علم بذلك قبل أن ينكحها ـيعني المجامعةـ ثمّ جامعها فقد رضي بها، وإن لم يعلم إلّا بعد ما جامعها فإن شاء بعد أمسك، وإن شاء طلّق»(3). وقد فُسِّر الطلاق هنا بالمعنى اللغوي لوضوح أنّ حقّ الطلاق بالمعنى المصطلح ثابت للزوج دائماً. ونحوها في المضمون رواية الحسن بن صالح غير التامّة سنداً(4). وقد ورد فيها التعبير بالتسريح لا الطلاق.

ويمكن الاستشهاد أيضاً بإطلاق صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله قال: «المرأة تردّ من أربعة أشياء: من البرص، والجذام، والجنون، والقرن وهو العفل، ما لم يقع عليها فإذا وقع عليها فلا»(5). فمقتضى إطلاق الاستثناء رجوعه إلى الأخير أيضاً وهو العفل أو القرن، والاستثناء محمول على فرض ما إذا انكشف له الحال قبل الوقوع عليها، كما هو واضح.


(1) المصدر السابق: 211، ح 14.
(2) المصدر السابق: 211، ب 2، ح 1.
(3) المصدر السابق: 214 ـ 215، ب 3، ح 1.
(4) المصدر السابق: 215، ح 3.
(5) المصدر السابق: 207، ب 1، ح 1.
33

والثـالث: ذكر البعض بدلاً عن العرج الإقعاد، وكأنّه حمل العرج على الإقعاد جمعاً بينه وبين التعبير بــ(الزمانة الظاهرة) الوارد في صحيحة أبي عبيدة الآنفة الذكر، وكذلك التعبير بــ(الزمانة) في ذيل صحيحة داود بن سرحان الماضية، ففي صدرها الماضي قد ورد التعبير بالعرجاء، ولكن في ذيلها ورد التعبير بالزمانة حيث قال: «وإن كان بها زمانة لا تراها الرجال اُجيزت شهادة النساء عليها»(1). بناءً على تفسير الزمانة أو الزمانة الظاهرة بالإقعاد، وحمل العرج على ذلك من باب حمل المطلق على المقيّد، وكلاهما فيه إشكال.

أمّا الأوّل فلأنّ الزمانة لم تفسّر في اللغة بمعنى الإقعاد بل فسّرت بمعنى المرض المزمن أو العاهة أو نقص العضو. وأمّا الثاني فلأنّه حتى لو فرض أنّ الزمانة بمعنى الإقعاد وأنّ النسبة بينه وبين العرج عموم وخصوص مطلق فهذا ليس بابه ـباب حمل المطلق على المقيّدـ لعدم التنافي بينهما.

والرابـع: يلحق الرتق ـوهو الالتحامـ بالقرن بالأولوية، أو بالتعليل الوارد في صحيحة أبي الصباح ورواية الحسن بن صالح قال كلّ منهما مستقلاًّ: سألت أبا عبدالله عن رجل تزوّج امرأة فوجد بها قرناً، قال: «هذه لاتحبل وينقبض زوجها من مجامعتها تردّ على أهلها»(2). إلّا أنّ الثانية غير تامّة سنداً. أو برواية علي بن جعفر قال: سألته عن امرأة دلّست نفسها لرجل وهي رتقاء؟

قال: «يفرّق بينهما ولامهر لها»(3) إلّا أنّ هذه الرواية مخصوصة بفرض التدليس، ومع ذلك فهي ضعيفة سنداً بعبدالله بن الحسن.

والخـامس: وردت روايات في زنى أحد الطرفين، وقسم منها ناظر إلى ما بعد العقد وقبل الدخول، وفي بعضها الحكم بالتفريق بينهما، الظاهر في بطلان العقد، وفي بعضها عدم التفريق، والثاني وارد في طرف زنى الزوج فحسب، والأوّل وارد تارة في طرف الزوج واُخرى فى طرف الزوجة(4). وكلّ هذا خارج عمّا نحن فيه وهو بحث خيار الفسخ. ولكن وردت ثلاث روايات في زنى المرأة قبل العقد تدلّ على حقّ الفسخ للزوج إن لم يكن يعلم بذلك، اعتبرت الاُولى منها سكوت وليّها تدليساً، والاُخريان خاليتان عن اعتبار التدليس صريحاً، ولكن ما فيها من ذكر أخذ الصداق ممّن زوّجها لا يخلو من إشارة إلى ذلك.


(1) المصدر السابق: 216، ب 4، ح 1.
(2) المصدر السابق: 208، ب 1، ح. و 3.
(3) المصدر السابق: 214، ب 2، ح 8.
(4) راجع: المصدر السابق: 217 ـ 219 و236 ـ 238، ب. و 17، العيوب والتدليس.
34

الاُولى: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله قال: سألته عن المرأة تلد من الزنى ولا يعلم بذلك أحد إلّا وليّها، أيصلح له أن يزوّجها ويسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفاً؟ فقال: «إن لم يذكر ذلك لزوجها ثمّ علم بعد ذلك فشاء أن يأخذ صداقها من وليّها بما دلّس عليه كان ذلك على وليّها، وكان الصداق الذي أخذت لها، لا سبيل عليها فيه بما استحلّ من فرجها، وإن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس»(1).

والثـانية: معتبرة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت قد زنت؟ قال: «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممّن زوّجها، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها، وإن شاء تركها...»(2).

والثـالثة: صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبدالله عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت زنت قال: «إن شاء زوجها أن يأخذ الصداق من الذي زوّجها، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها وإن شاء تركها»(3).

والمشهور لم يفتوا بالخيار لأجل الزنى، واحتمال كون هذه الروايات ناظرة إلى التدليس لا إلى كون مجرّد الزنى موجباً للخيار قويّ.


(1) الوسائل 21: 217 ـ 218، ب 6، العيوب والتدليس، ح 1.
(2) المصدر السابق: 219، ح 4.
(3) الكافي 5: 355، ح 4.