218

(8) قضاء الحاجة وأحكامها

 

مرّ بنا استعراض نواقض الوضوء، ولمّا كان منها البول والغائط صحّ أن نذكر عقيب مسائل الوضوء وأحكامه بعض الأحكام التي ترتبط بقضاء الحاجة وأحكامها.

والمراد من قضاء الحاجة هنا المضي إلى الخلاء للتغوّط، وقد جاء في الحديث « إذا جلس أحدكم لحاجته(1) فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها »(2).

ويجب عند قضاء الحاجة اُمور:

(112)الأول: ستر العورة عن كلّ ناظر بالغ أو بالغة، وكذلك عمّن لم يصل إلى سنّ البلوغ إذا كان ينظر إلى العورة نظراً متميّزاً عن نظره إلى سائر أجزاء الإنسان.

ولا يجب على المرأة سترها عن الزوج، ولا على الرجل سترها عن الزوجة. والمراد بالعورة في الرجل: السبيلان ـ الذكر والدبر ـ والبيضتان، وسترها عن الناظر المذكور واجب في كلّ حال إلّا للاضطرار، ولا خصوصية من هذه الجهة للحاجة وقضائها، والقصد من ذكرها بالخصوص بيان الحكم عندها دون الحصر، ويأتي الحكم بوجوب الستر بصيغته العامة وتفاصيله في القسم الثالث من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

(113)الثاني: أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها في حالة التبوّل والتغوّط، سواء كان المتخلّي في فضاء مكشوف أو في المرافق المعدّة لقضاء الحاجة، وإن


(1) في المصدر: على حاجة.
(2) مستدرك الوسائل 1: 247، الباب 2 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
219

اضطرّ المتخلّي إلى أن يستقبل القبلة أو يستدبرها عند الحاجة ـ حيث لا ثالث ـ فهو مخيَّر.

(114) وإذا جهل مكان القبلة فعليه أن يبحث ويسأل لكي يتفادى استقبالها واستدبارها، وإن يئس عن معرفتها وصعب عليه أن يصبر وينتظر للضرر أو للحرج فلا إثم عليه أ نّى يتّجه.

(115) الثالث: إزالة النجاسة عن الموضع وتطهيره(1).

(116) ويطهر محلّ البول بمجرّد اتّصاله وملاقاته للماء الكثير، أمّا إذا كان الماء قليلا فيجب غسل المحلّ مرّتين، ولا يكفي غير الماء.

(117) أمّا محلّ الغائط: فإن تعدّت النجاسة من المخرج إلى ما حوله تعيّن الغسل بالماء حتى ينقى المحلّ تماماً كغيره من المتنجّسات، وإن لم يتعدّ الغائط المخرج تخيّر المكلّف في إزالة النجاسة بين الماء أو الأحجار والخرق ونحوها من أشياء. والماء أفضل، والجمع بينه وبين الأحجار أكمل على حدّ تعبير الفقهاء عليهم الرحمة والرضوان.

ولابدّ من الإشارة إلى أنّه لو خرج مع الغائط شيء آخر من النجاسة ـ كالدم ـ وتنجّس به المخرج أو ماحوله تعيّن التطهير بالماء وحده.

(118) إذا أراد أن يطهِّر موضع الغائط بالأحجار ونحوها فيجب أن تكون الأحجار وما إليها طاهرة، وأن يكون المسح بثلاثة منها، حتى ولو زالت النجاسة وتحقّق النقاء بالواحد أو بالاثنين، وإذا احتاجت الإزالة إلى أكثر من ثلاثة وجب الزائد حتّى تزول النجاسة بالغاً ما بلغ العدد.

وإذا زالت عين النجاسة بالماء أو بالأحجار ولكن بقيت رائحتها أو لونها


(1) لا يقصد به الوجوب النفسي، بل يقصد الوجوب الشرطي لما هو مشروطٌ بالطهارة.
220

فلا بأس.

(119) ولا يجوز قضاء الحاجة في ملك الآخرين إلّا بإذن خاصٍّ أو عامٍّ ولو بظاهر الحال، بأن تكون حالة المالك دالّةً على الإذن وإن لم يصرّح بذلك في كلامه.

ولا يجوز التخلّي في مرافق المدارس لغير طلبتها إذا ثبت أنّها مختصّة بهم ولو بإخبار متولّي المدرسة أو سكنتها.

(120) لا يجب الاجتناب عن ماء الاستنجاء(1) ـ وهو الذي استعمل في إزالة البول أو الغائط ـ ولا عمّا يلاقيه، شريطة أن لا يتغيّر بالنجاسة لونه أو طعمه أو رائحته، وأن لا تكون النجاسة قد تعدّت السبيلين تعدّياً مخالفاً للعادة، وأن لا يحمل ماء الاستنجاء شيئاً من النجاسة.

وفي سائر الأحوال فإنّ هذا الماء لايزيل خبثاً ولا يرفع حدثاً.

(121) الاستبراء: يستحبّ للرجل أن يستبرئ من البول(2)، وهو: أن يتحرّى خروج مايحتمل بقاءه من البول في قصبة الذكر.

وكيفية الاستبراء: أن يمسح الرجل بيده من المقعد إلى أصل القضيب ثلاث مرّات، ثمّ يضع إصبعه تحت الذكر وإبهامه فوقه ويمسحه إلى رأس الحشفة ثلاث مرّات، ثمّ ينترها ثلاث مرّات(3).

(122) أمّا فائدة ذلك فهي: أنّ المستبرئ إذا خرج من ذكره رطوبة


(1) ماء الاستنجاء لا يجب الاجتناب عن ملاقاته، ولكنّ الحكم بطهارته مشكلٌ فلا يترك الاحتياط بترك مثل التطهير به.
(2) ليس هذا استحباباً نفسيّاً، بل هو استحباب غيريٌ تحرّزاً عن احتمال النجاسة الذي ينتج عن احتمال خروج الرطوبة.
(3) هذه الكيفيّة الواردة في المتن هي الكيفيّة الكاملة والمطابقة للاحتياط.
221

يجهل حقيقتها وتردّد أمرها بين البول أو المذي أو الوذي أو الودي ـ وهي رطوبات تقدم شرحها في بداية نواقض الوضوء ـ يحكم بطهارتها، وأنّها لا توجب وضوءً ولا تنقضه، خلافاً لمن بال ولم يستبرئ وتوضّأ ثمّ خرجت منه هذه الرطوبة المشكوك في أمرها فإنّها تعتبر حينئذ بولا منجّساً للموضع وناقضاً للوضوء.

وإذا اتّفق للمرأة أن خرج منها بلل تشكّ في أنّه بول أو رطوبة اُخرى ليست بنجسة فهو طاهر ما لم يحصل لها اليقين بأنّه بول.

223

الطهارة

3

الغُسل

 

 

○   أحكام عامّة للغُسل.

○   غسل الجنابة وأحكامها.

○   غسل الحيض.

○  المستحاضة وأحكامها.

○   النفاس وأحكامه.

○   أحكام الأموات.

○   الغسل من مسّ الميّت.

○  الأغسال المستحبّة.

 

 

225

أحكام عامّة للغسل

 

تمهيد:

(1) الغسل: هو غسل كلّ البدن ـ الرأس والرقبة والجسد ـ وبكيفية تأتي تفاصيلها.

ومنه مستحبّ ومنه واجب، والواجب على قسمين:

واجب لنفسه، وهو غسل الأموات، فإنّ وجوبه ليس من أجل شيء آخر، بل من أجل نفسه.

وواجب لغيره، وهو ماوجب من أجل القيام بواجب آخر بوصفه من الإجراءات التي تمهّد له، كغسل الجنابة الذي يجب من أجل الصلاة مثلا.

والغسل الواجب لغيره أنواع: غسل الجنابة، وغسل الحيض، وغسل الاستحاضة، وغسل النفاس، وغسل مسّ الميّت.

وإذا عطفنا غسل الأموات على هذه الخمسة يكون مجموع الأغسال الواجبة ستّة أنواع. ونتكلّم عن كلّ واحد من الستّة في بحث مستقلٍّ.

والأغسال المستحبّة كثيرة، ولها أوقاتها، أو مواقعها الخاصّة المحدودة شرعاً، وتأتي الإشارة إلى بعضها: كالغسل في يوم الجمعة، والغسل لمن أراد الإحرام لعمرة أو لحجّ.

226

والأغسال الواجبة والمستحبّة كلّها عبادات، كالوضوء، فلا يصحّ شيء منها إلّا مع نية القربة.

وتعتبر هذه الأغسال طهارةً ونظافةً شرعاً.

(2) وكلّ غسل لم يأمر به الشارع إلزاماً ووجوباً أو ندباً واستحباباً ليس عبادةً ولا طهارة، ولا أثر له شرعاً، فإذا اغتسل الإنسان في غير المواقع التي أمر الشارع فيها بالغسل ـ إلزاماً ووجوباً أو استحباباً وندباً ـ لم يصحّ، ولم تقع به الطهارة شرعاً، وبذلك يختلف الغسل عن الوضوء، فقد عرفنا سابقاً أنّ الوضوء طاعة ومندوب في نفسه في كلّ الأحوال والمواقع؛ لأنّه مستحبّ في كلّ الظروف، فمتى توضّأ بنية القربة صحّ وضوؤه واعتبر متطهّراً.

وكلّ واحد من الأنواع الخمسة للغسل الواجب لغيره له سببه الذي يوجبه: كالجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة ومسّ الميّت، وهذه الأسباب الموجبة للغسل يسمّى واحدها في عرف الفقهاء بالحدث الأكبر؛ تمييزاً لها عن نواقض الوضوء التي يطلق على كلٍّ منها اسم الحدث الأصغر، والوضوء طهارة من الحدث الأصغر، والغسل طهارة من الحدث الأكبر.

(3) وكلّ عمل مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر ـ أي الوضوء ـ فهو مشروط بالطهارة من الحدث الأكبر، كالصلاة وغيرها، على ما تقدم في الوضوء في الفقرة (73).

(4) وكلّ ما يحرم على المحدِث بالحدث الأصغر حتّى يتوضّأ يحرم أيضاً على المحدِث بالحدث الأكبر حتّى يغتسل، فيحرم عليه مسّ كتابة المصحف الشريف، كما تقدم في الفقرة (76) من الوضوء.

وهناك أشياء إضافية تحرم بسبب بعض الأحداث الكبيرة ـ كالجنابة والحيض ـ يأتي الحديث عنها في فصولها.

227

(5) وإذا صدر من المكلّف الحدث الأصغر الموجب للوضوء والحدث الأكبر الموجب للغسل كفاه أن يغتسل وأجزأه ذلك عن الوضوء، وكذلك إذا اغتسل بدون حدث أكبر في المواقع التي يكون الغسل فيها مستحباً فإنّه يكفي ويجزي عن الوضوء أيضاً(1).

وإجزاء الغسل عن الوضوء وكفايته عنه له استثناء واحد بالنسبة إلى غسل المستحاضة، يأتي توضيحه عند الحديث عن أحكامها، وبيان أنّ غسلها يجب أن يُضمّ إليه الوضوء أحياناً.

(6) وإذا تراكمت أسباب الغسل ـ كمن أجنب ومسّ ميّتاً، أو كالمرأة تنقى من حيضها ويقاربها زوجها فتجنب ـ كفى غسل واحد يقصد به كلّ ما عليه من أغسال، أو واحداً معيّناً عنه فيكفيه عن الباقي.

كيف يغتسل المكلّف؟

(7) الأنواع الخمسة من الغسل الواجب لغيره والأغسال المستحبّة كلّها تتّفق في كيفية الغسل، فالجنب والحائض إذا نقت، والمستحاضة إذا ابتليت باستمرار الدم، والنفساء إذا انتهى نفاسها، والإنسان إذا مسّ ميّتاً، والمتطوّع إذا تطوّع بغسل جمعة أو غيره من الأغسال المستحبّة كلّ هؤلاء يغسلون على نحو واحد.

ويتميّز عن ذلك جميعاً غسل الأموات فإنّ له كيفيةً خاصّةً به، وسوف نشرح هنا كيفية الغسل العامة، تاركين الكيفية التي يتميّز بها غسل الأموات إلى الفصل المختصّ به.

 


(1) يكفي ويجزي بمعنى واحد، من الكفاية والإجزاء.(منه (رحمه الله)).
228

الشروط:

الغسل طهارة مائية؛ لأنّه لا يتمّ إلّا بالماء.

(8) والشروط في ماء الغسل هي نفس الشروط في ماء الوضوء، من إطلاق الماء، وطهارته، وإباحته. وينطبق هنا كلّ ما تقدم في الفقرة (2) و (3) و (4) و (5) و (6) من فصل الوضوء.

(9) والشروط في المغتسِل هي:

أوّلا: طهارة المواضع التي تُغسَل.

وثانياً: أن يكون المغتسِل في حالة صحّية على نحو لا يضرّ به الغسل ضرراً خطيراً(1).

وثالثاً: نية القربة.

وكل ذلك كما تقدم نظيره في الوضوء في الفقرة (7). وكان من شروط المتوضّئ أن يكون في مكان مباح عند المسح، وحيث لا مسح في الغسل فليس هذا من شروط المغتسل. وكلّ ما تقدم في الفقرات (8) و (9) و (10) و (11) و (12) من شروط المتوضّئ وأحكام النية يجري هنا أيضاً.

وقد تقدّم في الفقرة (15) من الوضوء: أنّ المباشرة شرط في الوضوء، وكذلك هي شرط في الغسل بالمعنى المتقدّم في تلك الفقرة.

كيفية الغسل:

للغسل الشرعي صورتان: ترتيب وارتماس.

 


(1) المقياس أن لا يضرّ الغسلُ به ضرراً يُجتنب عنه عقلائيّاً.
229

(10) والترتيب: أن تفيض الماء على الرأس والرقبة كيفما بدأتَ وانتهيت، ولا تدع منهما شيئاً، ثمّ على سائر البدن كيف اتّفق، إن شئت قدّمت الجانب الأيمن، وإن شئت قدّمت الأيسر، وإن شئت أفضت عليهما معاً دفعةً واحدةً، ويجب الاستيعاب والاستغراق، وغسل البشرة والشعر معاً.

ولا يكفي إذا كان العضو في داخل الماء أن تحرّكه وهو في الماء(1)، فإنّ تحريك العضو في داخل الماء ليس غسلا له، وإنّما يحصل الغسل بإدخاله فيه بقصد الغسل أو صبّ الماء عليه.

ولا يجب التتابع في الغسل، بل يمكنك أن تغسل رأسك أو شيئاً من رأسك في ساعة، وتكمل في ساعة اُخرى ولو طال الفاصل الزمني.

(11) أمّا غسل الارتماس فهو: أن يرمس الجنب جميع بدنه في الماء، سواء كان الماء كرّاً أو أقلّ من ذلك بحيث يستوعب الأجزاء ويغمرها بالكامل. وإذا كان الشعر كثيفاً ومتراكماً فرّقه بيده حتّى يعلم بوصول الماء إلى الكلّ عند ارتماسه في الماء، وأيّ موضع من البدن لا يصل إليه الماء عادةً بتلك الارتماسة يجب غسله على الفور وبلا فاصل ملحوظ.

وتبدأ النية في الارتماس بابتداء عملية الارتماس، ولا يكفي أن تكون عند تغطية تمام البدن فقط.

(12) وفي الترتيب والارتماس معاً يجب غسل الشعر، طويلا كان أم قصيراً، كثيفاً أم رقيقاً، كما يجب غسل ماتحته من الجلد، ولا يجب غسل ما يعدّ من باطن الجسم لا من ظاهره، كباطن الأنف، ومطبق الشفتين، ولا ما يشكّ في



(1) هذا الحكم عندنا حكم احتياطي احتياطاً استحبابيّاً.

230

أنّه من الباطن أو الظاهر إلّا مع العلم السابق بأنّه كان من الظاهر طرأ الاحتمال والشكّ في تبدّله وتحوّله إلى الباطن.

(13) والغسل الترتيبي خير من الارتماسي وأحسن عملا، ومن عزم على الغسل الترتيبي وابتدأ به فله أن يعدل عنه إلى الارتماسي.

ويجب أن يلاحظ في الغسل الترتيبي والارتماسي معاً الاُمور التالية:

أوّلا: (14) أن يكون قاصداً للغسل عند إيصال الماء إلى البدن؛ وذلك بإسالة الماء عليه، أو بإدخال البدن في الماء بنيّة الغسل، ولا يكفي إذا كان العضو أو البدن في داخل الماء أن تحرّكه وهو في الماء(1). فمن غمس بدنه في حوض أو بركة وغمره الماء وأراد أن يغتسل بذلك الحوض أو البركة فلا يمكنه أن ينوي الغسل وهو هكذا ويكتفي بتحريك جسده، بل يتعيّن عليه إذا أراد الغسل الارتماسي أن يخرج شيئاً من بدنه(2) كجبهته وعينيه ـ مثلا ـ ويعود إلى الماء مرّةً ثانيةً بقصد الغسل، وإذا أراد الغسل الترتيبي يتعيّن عليه عند غسل رأسه ورقبته أن يخرج كامل رأسه ورقبته ثمّ يغمسهما في الماء بقصد الغسل، وعند غسل سائر جسده أن يخرجه كاملا من الماء ثمّ يغمسه فيه بقصد الغسل.

ثانياً: (15) أن يمسّ الماء بدن المغتسل بدون حاجز ومانع، بالتفاصيل المتقدّمة في الفقرة (25) من فصل الوضوء.

ثالثاً: (16) أن يكون الماء بدرجة تجعله يستولي ويجري على بدن المغتسل، كما تقدّم بشأن الوضوء في الفقرة (26).

 


(1) هذا الحكم عندنا حكم احتياطي احتياطاً استحبابيّاً.
(2) بل الاحتياط الكامل هو أن يُخرِج تمام بدنه.
231

صدور ما يوجب الوضوء في أثناء الغسل:

(17) إذا حدث منه ـ أو منها ـ ما يوجب الوضوء كالبول ونحوه وهو قائم بعملية الغسل من الجنابة، أو من مسّ الميّت، أو غيرهما من الأنواع الخمسة الواجبة من الغسل فماذا يصنع؟

الجواب: يتمّ الغسل، وترتفع بذلك الجنابة أو غيرها ممّا أوجب الغسل، ولكنّه لا يجزي ولا يكفي عن الوضوء فيجب عليه أن يتوضّأ. وإذا عدل المغتسِل بعد صدور ما يوجب الوضوء منه من الغسل الترتيبي إلى الارتماسي جاز له ذلك، وأجزأه عن الوضوء أيضاً في كلّ حالة كان الغسل فيه مجزياً عن الوضوء بمقتضى نوعه وأصله.

صدور ما يوجب الغسل في أثناء الغسل:

(18) إذا أحدث بما يوجب الغسل وهو قائم بعملية الغسل فما هو الحكم؟

الجواب: إن كان الموجب الثاني من نوع الموجب الأول ـ كما لو كان يغتسل من الجنابة وأجنب ثانيةً ـ استأنف الغسل وأعاده من جديد.

وإن كان الموجب الثاني مبايناً للموجب الأول في النوع ـ كما لو مسّ الميّت في أثناء غسل الجنابة ـ فله أن يتمّ الغسل مستمرّاً على نيته، ولكن على وجه الرجاء والاحتمال في أنّ وظيفته الإتمام(1)، ثمّ يعيد الغسل على أساس احتمال أنّ إعادته مطلوبة شرعاً. وله أيضاً أن يقطع الغسل ويأتي بغسل جديد.

فإن أتى بالارتماسي ساغ له أن ينوي بالغسل المستأنف الجنابة أو مسّ


(1) بمعنى: أنّه حين يمارس إتمام الغسل لا يفترض بصورة مؤكّدة أنّ ذلك مطلوب منه، بل يتمّه على أساس احتمال أنّه مطلوب.(منه (رحمه الله)).
232

الميت أو كلا الأمرين، وإن استأنفه بالترتيب نوى الخروج عن العهدة شرعاً.

مسائل تتّصل بشرط الإباحة:

(19) من اغتسل وعلى عورته ساتر أو على جزء آخر من بدنه، وكان هذا الساتر مغصوباً صحّ منه الغسل ما دام لايحجب ولا يمنع من إسالة الماء على البشرة (أي ظاهر الجلد)، ولكنّه يأثم لمكان الغصب وفعله.

(20) ومن غصب وقوداً أو موقداً كهربائياً ـ مثلا ـ وأحمى به ماءً مباحاً واغتسل به صحّ غسله، وإن كان آثماً لفعل الغصب.

(21) ومن اغتسل في إحدى الحمّامات التجارية وكان من قصده منذ البداية أن لايعطي العوض لصاحب الحمّام، أو يعطيه من مال حرام، أو بعد حين دون أن يخبر صاحب الحمّام بالتأجيل فهل يصحّ منه الغسل أو يبطل؟

الجواب: للصحة وجه وجيه، ولكنّ الأولى استحباباً إعادة الغسل.

غسل الجبيرة:

(22) في فصل الوضوء تكلّمنا عن وضوء الجبيرة الذي يجب على الكسير والجريح والمقروح، ونشير هنا إلى غسل الجبيرة ضمن النقاط التالية:

أوّلا: في حالات وجود جرح وقرح يسمح للمكلّف الذي حصل له موجب الغسل أن يغتسل، ويكتفي بغسل أطراف الجرح والقرح(1)، كما يسمح له بأن يتيمّم.

 


(1) هذا إذا كان مكشوفاً، وأمّا إذا كان مجبّراً فعليه مسح مكان الجبيرة كما هو الحال في الوضوء ويكون غسله ترتيبيّاً لا ارتماسيّاً.
233

ثانياً: الكسير الذي شدّ العضو المريض بجبيرة يغتسل ويمسح على الجبيرة تماماً، كالمتوضّئ الكسير.

ثالثاً: الكسير الذي لم يضع جبيرةً على محلّ الكسر يجب عليه التيمّم، ولا يكتفي منه بالغسل الناقص.

كلّ ذلك إذا كان الغسل بالصورة الاعتيادية غير ميسور للمكلّف، وأمّا إذا تيسّر له ذلك بدون ضرر أو إحراج وجب عليه أن يغتسل بالطريقة الاعتيادية.

حول أحكام الخلل في الغسل:

(23) إذا حصل ما يوجب الغسل وشكّ المكلّف في أنّه هل اغتسل أو لا؟ وجب عليه أن يغتسل، ومن هذا القبيل من علم بأنّه قد دخل الحمّام بقصد الغسل من الجنابة أو غيرها، ولكن بعد أن خرج منه بأمد حدث له الشكّ في أنّه هل اغتسل، أم سها عنه فلم يغتسل، أو انصرف عن الغسل لسبب كان قد فجأه عند الدخول إلى الحمّام ـ مثلا ـ؟ ففي مثل هذه الحالة يجب عليه أن يغتسل؛ لأنّه باق على حكم الجنب.

(24) وإذا اغتسل ـ أو اغتسلت ـ ثمّ علم بعد الانصراف أو في الأثناء أنّه لم يغسل على الترتيب المطلوب شرعاً، فلم يقدّم الرأس والرقبة على الجسد، بل غسلهما في ضمن الجسد، بأن صبّ الماء على بدنه كلّه بدون ملاحظة ذلك اكتفى بما وقع منه من غسل للرأس والرقبة، ووجب عليه أن يعيد غسل جسده (الجسد ما عدا الرأس والرقبة من البدن).

(25) وإذا اغتسل على الترتيب ثمّ علم بعد الانصراف أنّه ترك غسل عضو من أعضائه فماذا يصنع؟

والجواب: إن كان هذا العضو هو الرأس أو الرقبة أو جزءً منهما وجب عليه

234

أن يغسله، ويعيد بعد ذلك غسل جسده. وإن كان هذا العضو في الجسد كاليد والرجل اقتصر على غسله ولم يُعِدْ غسل سائر الأعضاء.

(26) وإذا اغتسل ـ أو اغتلست ـ وشكّ في أنّه هل لاحظ الترتيب في غسله وقدم الرأس والرقبة على الجسد فماذا يصنع ؟

والجواب: أنّه يعتبر غسله صحيحاً ولا يعيده.

(27) وإذا اغتسل ـ أو اغتلست ـ وبعد الانصراف شكّ في أنّه هل غسل رأسه أو رقبته، أو شكّ في غسل جزء منهما ؟ بنى على أنّ غسله صحيح ولا يعيده.

ويجري الحكم نفسه إذا كان يغسل جسده ـ أي ما سوى الرأس والرقبة من البدن ـ وشكّ في غسل الرأس أو الرقبة فإنّه لا يعيد، بل يتمّ غسله، وأمّا إذا شكّ في غسل الرأس أو الرقبة أو جزء منهما قبل أن يبدأ بغسل الجسد فيجب عليه أن يغسل ما شكّ في غسله.

(28) وإذا اغتسل وغسل رأسه ورقبته وانحدر إلى جسده، ثمّ شكّ في أنّه هل غسل هذا العضو من جسده ـ كاليد أو الصدر أو أيّ عضو آخر من الجسد ـ وجب عليه أن يرجع إلى العضو المشكوك ويغسله، ولا يعيد غسل ما عداه، سواء حصل الشكّ لديه بعد الانصراف من الغسل أو في الأثناء، ولا فرق بين أن يكون العضو المشكوك في الجانب الأيمن من البدن أو الأيسر.

(29) إذا لم يكن شاكّاً في غسل العضو من الأساس، بل علم بغسل العضو المعيّن، ولكنّه شكّ في صحة غسله وفساده ـ مثلا احتمل أنّه غسله بماء نجس أو مضاف ـ فيبني على الصحة ولا تجب الإعادة، سواء حصل له هذا الشكّ بعد الانصراف من الغسل، أو في أثنائه بعد الانتقال من غسل ذلك العضو إلى غسل عضو آخر، أو بمجرّد الفراغ من غسل ذلك العضو وقبل الانتقال إلى غسل عضو آخر.

235

غسل الجنابَة وأحكامها

 

سبب الجنابة:

المراد بالجنابة هنا أمر معنويّ شرعي، وسببه أمران: خروج المني، والجماع. وكلمة « جُنُب » تطلق على الذكر والاُنثى، والواحد والجمع والمثنّى. والفقهاء يسمّون من جامع أو خرج منه المني جُنُباً، وقد يكون من مبرّرات ذلك أنّه يجتنب الصلاة ونحوها.

1 ـ خروج المني:

(30) ونتحدّث الآن عن السبب الأول، وهو خروج المني من القُبُل، فإنّه موجب للغسل الشرعي من الجنابة، قليلا كان أم كثيراً، في اليقظة أم في النوم، ومع الاضطرار والاختيار بالجماع وغيره.

وقد يخرج من غير القُبُل(1) والموضع المعتاد، أو يخرج بلون الحمرة كالدم لمرض أو لأيّ سبب آخر، فيلحقه حكم المني الاعتيادي، شريطة العلم واليقين بأنّه مني.

وكذلك إذا خرج بدون لذّة، أو بأيّ صفة اُخرى غريبة ما دام من المعلوم أنّه مني.

والعبرة في وجوب الغسل بسبب المني أن يبرز ويخرج من الجسم، ولا أثر


(1) القُبُل: ذَكَر الرجل، وهو الموضع المعتاد لخروج المني.(منه (رحمه الله)).
236

إطلاقاً لمجرّد تحرّكه في داخل الجسم، سواء أحدث ذلك في اليقظة أم في المنام.

(31) إذا علمنا بأنّ هذا الخارج مني ألحقنا به أحكامه كما عرفت. ولكن قد يخرج من الرجل ماء يشكّ في أنّه هل هو مني أو غير مني؟ فماذا يصنع؟

الجواب: لابدّ في هذا الفرض من اللجوء إلى ثلاثة أوصاف، وهي: الخروج مع اللذّة، والدفق (أي: الخروج بشدّة)، وفتور الجسم ـ أي: حالة الاسترخاء ـ عقيب خروجه، فإن اجتمعت هذه الأوصاف الثلاثة بالكامل في المشكوك كان حكمه حكم المني، وإذا انتفى وصف واحد منها مع سلامة الجسم من المرض فلا يرتّب عليه آثار المني(1).

أمّا مني المريض فلا يشترط ـ ليتعرّف عليه ـ الدفق، بل يكفي للحكم على مايخرج من المريض بأنّه مني أن يجتمع فيه وصفان فقط: اللذّة والفتور(2)، وإذا انتفى واحد منهما فلا يرتّب عليه آثار المني.

(32) إذا خرج من الرجل مني واغتسل من الجنابة، وبعد الغسل رأى رطوبةً لا يعلم هل هي من بقيّة المني السابق قد تخلّفت في المجرى أو سائل طاهر كالوذي ـ مثلا ـ فهل يجب عليه أن يعيد الغسل ثانيةً؟

الجواب: إذا كان قد بال قبل أن يغتسل فلا شيء عليه، وإلّا كانت الرطوبة بحكم المني وأعاد الغسل.

وإذا خرج منه مني واغتسل قبل أن يبول، ثمّ بال بعد الغسل واحتمل خروج شيء من المني مع بوله فلا شيء عليه.

 


(1) الظاهر كفاية الوصفين الأوّلين وهما الشهوة والدفق، أمّا الوصف الثالث ـ وهو الفتور ـ فهو لازم غالبيّ أو دائميّ لمجموع الأوّلين.
(2) الظاهر كفاية الوصف الأوّل وهو الشهوة.
237

(33) وإذا خرج منه ماء جديد وعلم بأنّه بول أو مني ولم يستطع أن يميّزه(1) فماذا يصنع؟

الجواب: إذا كان المكلّف قبل خروج هذا الماء منه متطهّراً ولا وضوء عليه ولا غسل وجب عليه في هذا الفرض الوضوء والغسل معاً.

وإذا كان قد حصل منه ما يوجب الوضوء توضّأ، ولا غسل عليه(2).

وإذا كان قد حصل منه ما يوجب الجنابة اغتسل، ولا وضوء عليه.

(34) وقد تسأل وتقول: هذا كلّه عن مني الرجل فماذا عن المرأة؟

والجواب: أنّ المرأة إذا خرج الماء منها بسبب حالة شهوة وتهيّج جنسيّ وجب عليها أن تغتسل(3)، وتضيف إلى غسلها الوضوء إذا كان قد حصل لها ما يوجب الوضوء قبل خروج ذلك الماء أو بعده.

وإذا خرج الماء منها وهي ليست في حالة شهوة وتهيّج لم يجب عليها شيء، حتّى ولو كان في وقت مداعبة الزوج لها إذا لم تتأثّر بالمداعبة عاطفيّاً.

 


(1) كأنّ المقصود بالتمييز ما يعمّ التمييز اليقيني والتمييز التعبّدي، فمثلاً لو كان لم يبُل بعد خروج المني كان هذا خارجاً عن محلّ الكلام؛ لأنّ رطوبته المشتبهة محكومة بكونه منيّاً فليس ممَّن لم يستطع التمييز. ولو كان قد بال ولكن لم يستبرئ من البول كان خارجاً أيضاً عن محلّ الكلام؛ لأنّ رطوبته محكومة بكونه بولاً فليس ممّن لم يستطع التمييز.
(2) إن كان المورد مجرى لاستصحاب عدم البول المنتج لعدم وجوب تعدّد الغسل في التطهير بالماء القليل وقلنا بأنّ تطهير المتنجّس بالبول بحاجة إلى تعدّد الغَسل أشكل ما أفاده اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) هنا من أنّ عليه الوضوء فحسب؛ وذلك لأنّه يعلم إجمالاً إمّا بوجوب غسل الجنابة عليه أو بوجوب تعدّد الغَسل بالماء القليل في التطهير فيجب عليه الاحتياط.
(3) الظاهر عدم وجوب الغسل عليها.
238

2 ـ الجماع:

(35) أشرنا فيما سبق إلى أنّ سبب الجنابة أمران: خروج المني، والجماع.وأيضاً سبق الكلام عن السبب الأوّل، والآن نشير إلى السبب الثاني (أي: الجماع). ويتحقّق بإيلاج(1) الحشفة في الفرج ـ قُبُل المرأة ـ إن كانت الحشفة سليمة، أو بمقدارها من الذَكَر إن كانت مقطوعة، حتّى ولو لم ينزل المني، فإذا تحقّق الجماع بهذا المعنى وجب الغسل على الواطئ وعلى المرأة الموطوءة معاً، وكانا جنبين، سواء كانا صغيرَين أم كبيرَين، عاقلَين أم مجنونين، مختارَين أو مضطرّين.

(36) وهناك حالات اُخرى يجب أن نعرف حكمها، وهي كما يأتي:

1 ـ الإيلاج في دبر امرأة أو ذكر.

2 ـ الإيلاج في بهيمة.

3 ـ الإيلاج في ميّت.

4 ـ الإيلاج ببعض الحشفة(2).

وفي هذه الحالات يجب على المباشر الفاعل الغسل، ولكن لايكتفي به إذا


(1) الإيلاج هو الإدخال.(منه(رحمه الله)).
(2) لا يجب الغسل إلّا بإيلاج تمام الحشفة أو بمقدارها من مقطوعها(1).
____________
(1) كما دلّ على ذلك صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع: «قال: سألت الرضا(عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل؟ قال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال: نعم». الوسائل، ج 2 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام)، ب 6 من الجنابة، ص 183، ح 2.
239

كان قد حدث منه ما يوجب الوضوء قبل ذلك الإيلاج أو بعده، بل يضمّ إليه الوضوء أيضاً، وحكم الإنسان المفعول به في الحالة الاُولى والرابعة حكم المباشر الفاعل.

(37) يسوغ للإنسان أن يوجد السبب الموجب للجنابة بمقاربة زوجته، حتّى ولو علم بأنّه لن يتمكّن من الغسل وسيضطرّ إلى التيمّم للصلاة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون إتيانه لأهله ـ والحالة هذه ـ قبل دخول وقت صلاة الفريضة أو بعد دخولها.

الحاجة إلى غسل الجنابة:

(38) غسل الجنابة طاعة ومندوب في نفسه، وكذلك هو شرط في عبادات اُخرى، فلا تصحّ تلك العبادات بدون أن يغتسل الجنب. وقد تقدم في الفقرة (3) من هذا الفصل: أنّ كلّ ما يكون الوضوء من المحدِث بالحدث الأصغر شرطاً لصحّته يكون الغسل من المحدِث بالحدث الأكبر ـ كالجنابة ـ شرطاً لصحّته أيضاً، وعلى هذا الأساس يجب الغسل من الجنابة كشرط للصحة في الصلوات الخمس أداءً وقضاءً، وفي ركعاتها الاحتياطية وأجزائها المنسية التي تؤدّى بعد الصلاة، وكذلك هو شرط للصحة في الصلاة المندوبة، حيث لا صلاة بلا طهور، ولطواف الحاجّ أو المعتمر، ولصلاة الطواف.

وليس الغسل شرطاً للصلاة على الأموات، كما لم يكن الوضوء شرطاً لها، فيجوز للجنب أن يصلّي على الميّت، وليس شرطاً لسجدتي السهو، تماماً كالوضوء.

(39) ويزيد الغسل على الوضوء:

أوّلا: بأنّه شرط للطواف المستحبّ؛ لأنّ الجنب لا يمكنه دخول المسجد الحرام فضلا عن الطواف فيه حول الكعبة الشريفة.

ثانياً: بأنّه شرط لصيام شهر رمضان وقضائه، فعلى الجنب أن يغتسل قبل الفجر ليصحّ منه الصوم، على تفصيلات نتركها لفصل الصوم. وليس شرطاً للصوم

240

المستحبّ، فيمكن للجنب أن يصوم ويصبح صائماً وهو جنب.

ثالثاً: بأنّه شرط للاعتكاف؛ لأنّ الجنب لا يمكنه المكث في المسجد.

وسيأتي في ذيل الفقرة (44) وما بعدها: أنّ هناك أشياء تحرم على الجنب فلا تحلّ له إلّا بالغسل.

حول أحكام الخلل:

(40) إذا نسي الجنب جنابته وصلّى كانت صلاته باطلةً، ووجب عليه أن يغتسل ويعيدها.

وقد يخرج المني من الإنسان دون اختيار منه وإرادة، بل دون أن يشعر بخروجه، وعليه فإذا احتلم وخرج منه مني وهو لا يعلم فتوضّأ وصلّى ثمّ علم بحاله وجب عليه أن يغتسل ويعيد الصلاة.

(41) وإن صادف أن رأى على ثوبه أو بدنه منيّاً، وأيقن أنّ هذا المني منه لا من شخص آخر، حيث لا سبيل لأيّ احتمال أن يكون من غيره، وأيضاً أيقن أنّه لم يغتسل منه، إن صادف ذلك وجب أن يغتسل من الجنابة. أمّا ما مضى من صلاته وانتهى وقتها فليس عليه أن يقضي أيّ فريضة فات وقتها وانتهى إذا كان يظنّ أو يحتمل أنّه قد أدّاها وأتى بها قبل هذه الجنابة، وإنمّا يجب عليه أن يقضي كلّ فريضة انتهى وقتها ويعلم بأنّه أدّاها وأتى بها بعد وقوع تلك الجنابة.

وإذا كان قد صلّى صلاةً ولم ينتهِ وقتها بعد فيجب عليه إعادتها، إلّا إذا علم بأنّها كانت قبل وقوع تلك الجنابة(1).

(42) وقد يستعمل اثنان لباساً واحداً على التعاقب والتناوب، ثمّ يظهر


(1) بل لا تجب عليه إعادتها إلّا إذا علم بأنّها كانت بعد وقوع تلك الجنابة.
241

على اللباس مني يعلم كلّ منهما أنّه من أحدهما يقيناً، ولكن لا على التعيين فهل يجب الغسل عليهما ؟ وعلى من يجب الغسل ؟

الجواب: توجد هنا حالات كما يأتي:

أوّلا: إذا كان كلّ منهما ينتفع بغسل الآخر وطهارته(1) فيجب على كلّ منهما الغسل.

ومثال ذلك: أن يكون كلّ منهما عادلا فينتفع الآخر بطهارته، حيث يتيح له ذلك الائتمام به ففي هذه الحالة يجب على كلٍّ منهما الغسل.

ثانياً: إذا كان أحدهما ينتفع بغسل الآخر وطهارته، وأمّا الآخر فلا ينتفع في طهارته بشيء فيجب الغسل على المنتفع خاصة.

ومثال ذلك: أن يكون أحدهما جديراً بالاقتداء به في الصلاة، والثاني غير جدير بذلك، فالثاني ينتفع بطهارة الأول إذا اُتيح له الائتمام به، والأول لا ينتفع بطهارة الثاني، وفي هذه الحالة يجب الغسل على المنتفع خاصّة.

وفي كلتا الحالتين لا يجوز للمنتفع إذا اغتسل أن يأتمّ بالآخر ما دام الآخر لم يغتسل.

ثالثاً: إذا كان كلّ منهما لا ينتفع بغسل الآخر وطهارته فلا يجب الغسل على أحد منهما.

ومثال ذلك: أن يكون كلّ منهما غير واثق بجدارة صاحبه للاقتداء به في الصلاة، فيجوز لكلّ منهما أن يصلّي صلاته بدون غسل.

وفي كلّ الحالات الثلاث إذا كان هناك ثالث ينتفع بطهارة كلّ منهما بأن كان متمكّناً عادةً من الصلاة خلفهما وواثقاً بجدارتهما لذلك فيجب على هذا الثالث أن


(1) المقصود إمكان الانتفاع إمكاناً عمليّاً، لا فعليّة الانتفاع، وكذلك الحال في الفقرات الآتية.
242

يجتنب الصلاة خلف كلّ منهما ما لم يغتسل.

(43) من شكّ في حصول الجنابة منه بنى على أنّه ليس جنباً، ومن ذلك: أن يشكّ في تحقّق الإيلاج الموجب للغسل، أو يتذكّر بأنّه رأى في منامه حلماً ويشكّ في خروج المني منه ففي مثل ذلك لا يجب الغسل.

(44) الجُنُب إذا اعتقد بأنّه اغتسل فدخل في الصلاة وشكّ في أثنائها هل أنّه اغتسل حقّاً؟ بطلت صلاته، وكان عليه أن يغتسل ويعيد الصلاة، وهذا الإنسان إذا فرغ من الصلاة ثمّ شكّ هل أنّه كان قد اغتسل من جنابته؟ وجب عليه أن يغتسل ولا يعيد الصلاة(1).

وهذا الإنسان الذي شكّ إذا صدر منه ما يوجب الوضوء قبل أن يغتسل اغتسلَ وأعاد الصلاة ما دام وقتها باقياً(2)، ولم يكتف بهذا الغسل للصلوات الآتية، بل يتوضّأ لها أيضاً.

ما يحرم على الجُنُب حتّى يغتسل:

تقدّم في الفقرة (4) من هذا الفصل: أنّ كلّ ما يوجب الغسل إذا حصل من الإنسان حرم عليه مسّ كتابة المصحف الشريف، تماماً كما يحرم على من حصل منه ما يوجب الوضوء، فيحرم على الجنب مسّ كتابة المصحف، ولا يحرم عليه مسّ اسم الجلالة وصفاته في غير النصّ القرآني المكتوب في المصحف، وأسماء الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام).

ويحرم على الجنب إضافةً إلى مسّ كتابة المصحف اُمور هي:

أوّلا: (45) قراءة آية السجدة من سور العزائم وهي: السجدة (آية 15)،


(1) بل الصحيح لزوم الاحتياط بالإعادة.
(2) بل وقضاها إن لم يكن وقتها باقياً.