136

(15) خامساً: الذكر، وهو أن يقول في ركوعه وهو مستقرّ غير متمايل ولا مضطرب: «سبحان ربّي العظيم وبحمده» مرّةً واحدةً أو أكثر، أو يقول: «سبحان الله»، أو «الحمد لله»، أو «لا إله إلّا الله»، أو «الله أكبر» وما أشبه ثلاث مرّات أو أكثر، ويكتفى من المريض بواحدة.

ويكفي في توفير الاستقرار الواجب حال الذكر أن يتماسك ولو بالاستعانة بعصاً ونحوها.

ويشترط في الذكر الواجب في الركوع أن يكون بلغة عربيّة، وأن تؤدّى الحروف من مخارجها، وأن لا ينطق بها بصورة متقطّعة تفكّك الكلمة أو الجملة، والأجدر بالمصلّي احتياطاً ووجوباً أن لا يخالف النهج المقرّر عربيّاً في الإعراب والبناء، ويجوز للراكع أن يجهر بالذكر، كما يجوز أن يخفت به.

(16) سادساً: أن يرفع رأسه من الركوع قائماً منتصباً ومطمئنّاً في قيامه وانتصابه(1).

السجود:

يجب على المصلّي بعد رفع الرأس من الركوع والوقوف قائماً أن يسجد سجدتين، والسجود مرّتين واجب في كلّ ركعة من الفرائض والنوافل، فلا ركعة بدون سجدتين.

ونعني بالسجود: وضع الجبهة على الأرض أو أخشابها ونباتها خضوعاً لله تعالى، على ما يأتي من التوضيح والتفصيل.



(1) لمعرفة أحكام حالات العجز والخلل والشكّ والآداب راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 562 ـ 564 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة هوامش سماحة السيّدالحائري دام ظلّه.

137

وليس كلّ وضع سجوداً، بل الوضع المشتمل على الاعتماد والتركيز وإلقاء الثقل، لا مجرّد المماسّة، وكذلك الحال في باقي أعضاء السجود.

وللسجود واجبات كما يلي:

(17) أوّلاً: أن يضع المصلّي مقداراً من الجبهة على الأرض يحقّق السجود عرفاً، كمقدار عقد أحد أصابعه أو أقلّ من ذلك قليلاً، فلا يكفي أن يضع جبهته على ما يشبه رأس الإبرة من أخشاب الأرض ونباتاتها، كما لا يجب أن يضع كامل جبهته ولا جزءاً كبيراً منها على الأرض، بل يكفي ما ذكرناه.

ولو كان مقدار عقد الإصبع متفرّقاً ووضع جبهته عليه وهو متفرّق كفاه ذلك أيضاً، كحبّات المسبحة إذا سجد المصلّي عليها، بشرط صدق عنوان السجود على الأرض، كما في المثال.

أمّا لو كان من قبيل انتشار شعر المرأة على جبهتها ـ مثلاً ـ ووصول خطوط من الجبهة على الأرض من خلال الشعرات فقد لا يصدق على ذلك هذا العنوان ولو كان المجموع بمقدار درهم أو طرف الأنملة، فعندئذ يشكل الاجتزاء بذلك.

ومن كان على جبهته علّة لا يستطيع السجود عليها ولكنّها لم تستغرق الجبهة بالكامل احتال بكلّ وسيلة ليقع الجزء السليم من جبهته على ما ينبغي أن يسجد عليه.

وإن استغرقت العلّة الجبهة بالكامل سجد على أيّ جزء شاء من وجهه.

(18) ثانياً: أن يبسط الساجد باطن كفّيه على الأرض، وإن تعذّر الباطن بسطهما على الظاهر، وإن قطعت الكفّ فالأقرب إليها من الذراع، وهو مخيّر بين أن يضع الذراع عموديّاً على الأرض، أو يبسط كلّ الذراع اُفقيّاً على الأرض، ولا يكفي وضع رؤوس أصابع الكفّين على الأرض، ولا أن يضمّ باطن الأصابع إلى باطن الكفّ بحيث تكون مقبوضةً لا مبسوطة، ويكفي مسمّى وضع الكفّين على الأرض،

138

أي وضعهما على الأرض ولو بصورة تقريبيّة، ولا يجب استيعابهما بالكامل.

(19) ثالثاً: أن يلصق ركبتيه بالأرض، ويكفي أن يلصق جزءاً من الركبة بالأرض، ولا يجب الاستيعاب، بمعنى أنّ عدم الاستيعاب الناتج من كون الركبة محدّبة قهري، أمّا عدم الاستيعاب بمعنى أن يصلّي ـ مثلاً ـ على حافّة السطح فيكون نصف ركبته على الأرض ـ مثلاً ـ والباقي على الهواء فهذا خلاف الاحتياط الواجب.

(20) رابعاً: أن يضع طَرَفَي إبهامي القدمين على الأرض، وتسمّى الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان بأعضاء السجود السبعة.

(21) خامساً: أن يذكر في سجوده وهو مطمئنّ مستقرّ فيقول: «سبحانَ ربّيَ الأعلى وبحمده» مرّةً واحدةً أو أكثر، أو يقول: «سبحان الله» ثلاث مرّات أو أكثر، أو يقول نفس العدد من غير ذلك من ألوان الذكر المتقدّمة في الركوع، ولا فرق بين الجهر والإخفات.

ويجب في حال الذكر أن تكون الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان جميعاً على النحو المقرّر آنفاً بصورة مطمئنّة مستقرّة.

وإذا هوى إلى السجود وتحقّق منه ما يسمّى سجوداً، ولكن ارتفع رأسه فجأةً قبل الذكر أو بعده من غير قصد فماذا يصنع؟

الجواب: إذا حدث ذلك في السجدة الاُولى اعتبرت السجدة الاُولى قد انتهت بهذا الارتفاع المفاجئ، فإن استطاع أن يحتفظ بتوازنه ويملك رأسه من السقوط ثانيةً جلس معتدلاً ومطمئنّاً، وسجد ثانيةً واكتفى بذلك. وإن لم يملك رأسه، بل عادت الجبهة إلى الهوي والسجود ثانياً بدون قصد فعليه أن يرفع رأسه ويسجد مرّةً ثانيةً ويتمّ الصلاة.

وهكذا إذا حدث ذلك في السجدة الثانية فإنّ عليه أن يحتفظ بتوازنه، ويحول

139

دون سقوط رأسه مرّةً اُخرى إن أمكنه ذلك، وإن لم يمكن وسقط رأسه ثانيةً رفع رأسه وواصل صلاته ولا شيء عليه.

(22) سادساً: أن يرفع رأسه من السجدة الاُولى معتدلاً منتصباً في جلوسه ومطمئنّاً، ثمّ يهوي إلى السجدة الثانية عن هذا الاعتدال والانتصاب كما ركع عن قيام.

وعلى المصلّي أيضاً أن يجلس قليلاً ومطمئنّاً بعد السجدة الثانية، حتّى ولو لم يكن لديه واجب معيّن من تشهّد وتسليم، كما في الركعة الاُولى والثالثة من الصلاة الرباعيّة.

(23) سابعاً: أن يكون موضع الجبهة مساوياً لموقفه وموضع قدميه من غير علوٍّ أو هبوط، إلّا أن يكون تفاوتاً يسيراً لا يزيد على أربع أصابع فقط. أمّا التساوي بين موضع بقيّة أعضاء السجود فليس بشرط، لا بين بعضها مع بعض، ولا بين شيء منها وموضع الجبهة، فيجوز انخفاض موضع الكفّين أو الركبتين وارتفاعهما أيضاً عن موضع الجبهة بأكثر من أربع أصابع، وكذا بين الكفّين والركبتين.

(24) ثامناً: أن يكون المكان الذي يسجد عليه المصلّي ويضع عليه الأعضاء السبعة للسجود مملوكاً له، أو غير مملوك لأحد، أو مملوكاً لشخص آخر يأذن له في السجود عليه. وأمّا إذا كان المكان لشخص آخر لا يأذن بذلك فلا يسوغ للإنسان أن يغتصبه منه ويسجد عليه، وإذا صنع ذلك كانت صلاته باطلة.

ومن الناحية النظريّة: إذا افترضنا شخصاً اغتصب من آخر مساحةً من أرضه فضمّها إلى بيته، ووقف في ذلك الموضع المغتصب يصلّي، فكبّر وقرأ وركع، وحين أراد أن يسجد تقدّم بضع خطوات فدخل في حدود بيته الأصلي الذي يملكه، وسجد على أرضه وكانت أعضاء سجوده السبعة كلّها خارج نطاق الغصب صحّت صلاته؛ لأنّ بطلان الصلاة وفسادها بسبب الغصب يدور مدار مكان المصلّي في حالة سجوده، فإن كان مكانه في هذه الحال بالذات مغصوباً تبطل صلاته، وإلّا فهي صحيحة.

140

ونقصد بالمكان: ما يضع المصلّي جسمه وثقله عليه دون الفضاء، أو السقف الذي فوقه، أو حائط البيت، أو الخيمة، فهذه الأشياء إذا كانت مغصوبةً لا تبطل الصلاة بسبب ذلك مادامت أعضاء السجود السبعة تقع على مواضع غير مغصوبة.

ولا يكفي مجرّد وضع حصير مباح أو سجّادة مباحة أو فراش من أيّ نوع آخر على الأرض المغصوبة لكي تصحّ الصلاة.

ومن سُجنَ في مكان مغصوب وصلّى فيه فصلاته صحيحة.

وقد لا يكون المكان مغصوباً، ولكن تجب على الإنسان مغادرته وتحرم عليه الإقامة فيه؛ لمضرّة تصيبه في بدنه أو في دينه، كالوقوع في الحرام من حيث يريد أو لا يريد، فإذا عصى الإنسان ولم يغادره وصلّى فيه فإنّ صلاته صحيحة.

وإذا اعتقد الإنسان أنّ هذا المكان غصب، ومع ذلك صلّى وسجد فيه مختاراً بطلت صلاته؛ حتّى ولو انكشف أنّ المكان مباح وغير محظور.

وإذا كان المكان مشتركاً بين شخصين فلا يسوغ لأحدهما أن يتصرّف فيه بدون إذن شريكه، ولو صلّى وسجد عليه بدون إذن كانت صلاته باطلة.

وإذا كانت الأرض مجهولةَ المالك ولا يمكن التعرّف على مالكها توقّفَ التصرّف فيها وصحّة الصلاة والسجود عليها على الاستئذان من الحاكم الشرعي.

والمراد بإذن المالك لك بالصلاة في أرضه: أنّه لا يكره ولا يتضايق من ذلك، وإذا شككت في ذلك فلا تسوغ الصلاة حينئذ. وأمّا إذا حصل لديك الاطمئنان بأنّه لا يكره فلا بأس، سواء حصل من قول المالك وتصريحه، أو من طريقة أهل العرف وعاداتهم، أو من إحساس المصلّي وشعوره بأنّ المالك لا يكره صلاته هذه وسجوده؛ اعتماداً على ظاهر الحال أو بعض القرائن.

ولكن إذا اعتقد الإنسان بأنّ المالك يأذن بالتصرّف في أرضه، فصلّى وسجد ثمّ اتّضح له أنّ المالك لا يرضى بذلك فصلاته غير صحيحة.

141

(25) تاسعاً: أن لا يزيد على سجدتين في ركعة واحدة، ولا يأتي بسجدة في غير موضعها المقرّر لها، فلو سجد ثلاث سجدات أو سجد قبل الركوع عامداً ملتفتاً إلى أنّ ذلك لا يجوز فصلاته باطلة.

(26) عاشراً: يشترط في الموضع الذي يسجد عليه ما يلي:

أ ـ أن يكون طاهراً، وليس هذا شرطاً في سائر المواضع في المكان الذي يصلّي عليه الإنسان، فإذا صلّى على أرض متنجّسَة وكان موضع الجبهة طاهراً كفاه وصحّت صلاته إذا لم تكن الأرض أو ثياب المصلّي مرطوبةً على نحو تنتقل النجاسة إلى ملابس المصلّي أو بدنه.

ب ـ أن يكون الموضع بدرجة من الصلابة تُتيح للمصلّي أن يمكّن جبهته عند السجود عليه، لا مثل الطين الذي لا يُتاح فيه ذلك، وإذا لم يجد المصلّي موضعاً لجبهته إلّا الموضع الرخو الذي تغوص فيه الجبهة ولا تتمكّن منه وضع جبهته عليه بدون اعتماد وضغط، والأجدر بالمصلّي احتياطاً ووجوباً مراعاة هذه النقطة في المواضع السبعة لأعضاء السجود، فموضع اليدين أيضاً يجب أن يكون على النحو المذكور.

وإذا كان الموضع رخواً بدرجة ما ولكنّه إذا سجد عليه أمكن أن يصلَ بالضغط إلى قرار ثابت تستقرّ عليه الجبهة وتتمكّن صحّ ذلك.

ومثاله: أن تضع ورقةً على فراش قطنيّ منفوش وتسجد عليها، فإنّ الورقة تهبط عندما تضع جبهتك عليها؛ لرخاوة القطن، ولكنّها تستقرّ أخيراً، فإذا سجد عليها المصلّي انتظر إلى أن تستقرّ، ثمّ ذكر وصحّ سجوده.

ج ـ أن يكون من الأرض، أو من نباتها ممّا لا يؤكل ولا يلبس في الأغلب، ولا عبرة بما يؤكل أو يلبس نادراً وعند الضرورة القاهرة. ونقصد بما يؤكل و ما يلبس: ما يصلح لذلك وإن لم يكن فعلاً ممّا يؤكل لحاجته إلى الطبخ، أو ممّا يلبس لحاجته إلى النسج.

142

ويدخل في نطاق الأرض التي يجوز السجود عليها ما تقدّم في مبحث التيمّم أنّه يسوغ التيمّم به.

ولا يسوغ بحال السجود على ما خرج عن اسم الأرض: كالذهب والفضّة والزجاج وما أشبه، وما خرج عن اسم النبات كالفحم والرماد(1).

التشهّد:

(27) إذا فرغ المصلّي من السجدة الثانية في الركعة الثانية وجب عليه أن يجلس ويتشهّد، وصورته: «أشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدهُ ورسولُه، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد»، وإذا فرغ من التشهّد: فإن كانت الصلاة مكوّنةً من ركعتين سلّم (وسيأتي معنى التسليم) وتمّت بذلك صلاته. وإن كانت الصلاة مكوّنةً من ثلاث ركعات قام بعد الفراغ من التشهّد للركعة الثالثة، حتّى إذا أكمل سجدتها الثانية رفع رأسه منها وجلس وأتى بذلك التشهّد وعقّبه بالتسليم. وإن كانت الصلاة مكوّنةً من أربع ركعات لم يكن عليه ـ بعد إكمال الركعة الثالثة والجلوس عقيب رفع الرأس من سجدته الثانية ـ شيء إلّا النهوض للرابعة، فإذا أكمل الرابعة ورفع رأسه من سجدتها الثانية جلس وأتى بذلك التشهّد، وعقّبه بالتسليم، ويتمّ بذلك صلاته.

(28) يجب في التشهّد الجلوس المستقرّ المطمئنّ، ولا يضرّ تحريك اليد مع الاحتفاظ بالثبات والاستقرار، وعلى هذا لا يسوغ الابتداء بالتشهّد عند رفع الرأس من السجود، ولا الانتهاء منه عند النهوض إلى القيام.



(1) للوقوف على باقي التفاصيل وأحكام لحالات الاضطرار الوقتي والاضطرار المستوعب لتمام الوقت، وكذا أحكام لحالات العجز والخلل والشكّ والسجود عند قراءة إحدى آيات السجدة: راجع الفتاوى الواضحة: 571 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة الهوامش.

143

ولابدّ من إيقاعه على النهج العربي، وبلا فصل قاطع للارتباط عرفاً بين ألفاظه وكلماته، وهو ما يسمّى بالموالاة، وللمتشهّد أن يجهر أو يخفت بتشهّده كما يشاء(1).

التسليم:

(29) وهو آخر واجبات الصلاة، وموضعه بعد التشهّد من الركعة الأخيرة في كلّ صلاة، وبه يخرج المصلّي من الصلاة، ويحلّ له ما كان محرّماً عليه من كلام وضحك وغير ذلك. فإذا كانت الصلاة ذات ركعتين تشهّد وسلّم في الثانية، وإن كانت ثلاثيّةً تشهّد وسلّم في الثالثة، وإن كانت رباعيّةً تشهّد وسلّم في الرابعة.

وللتسليم صيغتان: إحداهما: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين». والاُخرى: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». ويُخيّر المصلّي بين الصيغتين، فأيّتهما قرأ فقد أدّى ما وجب عليه وخرج من الصلاة.

والأفضل استحباباً الجمع بين الصيغتين معاً، على أن يقدّم الاُولى على الثانية ويقول هكذا: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وفي حالة الجمع تقع الصيغة الاُولى واجبة، والصيغة الثانية مستحبّة. وإذا قرأ أوّل ما قرأ الصيغة الثانية تكون هي الواجبة، ولا يُطلَب منه بعدها أن يأتي بالصيغة الاُولى.

ولو اكتفى المصلّي في التسليم بقول: «السلام عليكم» من الصيغة الثانية ولم يقل التتمّة ولا الصيغة الاُولى صحّت صلاته أيضاً.

والأفضل من الجمع بين الصيغتين أن يقول قبل الصيغتين: «السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته».



(1) للوقوف على باقي التفاصيل وأحكام لحالات العجز والخلل والشكّ راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 578 ـ 580 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهامش.

144

وكلّ شرط لازم في التشهّد فهو كذلك في التسليم، جلوساً واطمئناناً، وعربيّةً، وترتيباً، وموالاةً، ويجوز الجهر بالتسليم كما يجوز الإخفات به(1).

القنوت:

(30) من الأجزاء المستحبّة في الصلاة ـ كلّ صلاة ـ القنوت، فيثاب المصلّي إذا قنت، ولا يضرّه إذا تركه.

وموضعه في الصلاة الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع، ويستثنى من هذا صلاة الوتر، فإنّها ركعة واحدة، وقنوتها قبل ركوعها، كما يستثنى منه صلاة الجمعة، فإنّ فيها قنوتين، وكذلك يستثنى منه صلاة العيدين على ما سيأتي.

ولا يشترط في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه ما يتيسّر من دعاء أو ذكر أو حمد وثناء، ويغتفر فيه اللحن مادّةً وإعراباً مع صدق اسم الدعاء أو الذكر عليه عرفاً.

ومن نسيه قبل الركوع أتى به بعده، وإذا هوى إلى الركوع ناسياً للقنوت وتفطّنقبل أن يصل إلى مستوى الراكع عاد قائماً فقنت، ويستحبّ التكبير قبل القنوت، ويحتمل تقوّم القنوت الشرعي في الصلاة برفع اليدين.

ما يقرأ في الركعتين الأخيرتين:

(31) إذا كانت الصلاة مكوّنةً من ثلاث ركعات أو أربع ركعات وجب على المصلّي ـ بعد أن يتشهّد في آخر الركعة الثانية ـ القيام للركعة الثالثة في الصلاة الثلاثيّة، وللركعة الثالثة ثمّ الرابعة في الصلاة الرباعيّة.



(1) ويجري على الجاهل والعاجز هنا ما يجري عليه في التشهّد، ولمعرفة أحكام لحالات الخلل والشكّ راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 581 ـ 582 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم.

145

ونتحدّث الآن عمّا يجب على المصلّي أن يقوله إذا قام وانتصب واطمأنّ للركعة الثالثة والرابعة.

المصلّي مخيّر، فله أن يقرأ فيها الفاتحة ويقتصر عليها، وله بدلاً عنها أن يقرأ مكرّراً ثلاث مرّات ـ على الأحوط ـ هذا التسبيح: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر»، ويكفي هذا التسبيح مرّةً واحدة.

ويستثنى من هذا التخيير المأموم؛ فإنّ الأجدر به وجوباً واحتياطاً أن يسبّح ولا يكتفي بالفاتحة.

(32) ويجب الإخفات في الركعة الثالثة والرابعة، سواء اختار المصلّي التسبيح أم قراءة الفاتحة، أجل، له أن يجهر ببسملة الفاتحة، كما يجب الحفاظ على النصّ العربي وإعرابه وبنائه، وكذلك يجب أن يكون المصلّي خلال القراءة أو التسبيح قائماً مستقرّاً مطمئنّاً، كما تقدّم في القراءة في الركعتين الاُولَيَين(1).

الصلاة قائماً أو جالساً:

(33) على ضوء ما تقدّم في أجزاء الصلاة يتّضح أنّ خمسة أنحاء من القيام واجبة في الصلاة:

الأوّل: القيام حال تكبيرة الإحرام.

الثاني: القيام حال القراءة أو التسبيح.

الثالث: القيام الذي يركع عنه المصلّي.



(1) لمعرفة باقي التفاصيل وأحكام لحالات الخلل والشكّ في ما يقرأ في الركعتين الأخيرتين وكذا الآداب راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 583 ـ 585 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (145) ـ (148) مع مراعاة الهامش.

146

الرابع: القيام حالة الركوع، بمعنى أن يكون ركوعه ركوع القائم، لا ركوع الجالس.

الخامس: القيام بعد رفع الرأس من الركوع.

وترك أيّ واحد من هذه الأنحاء يبطل الصلاة إذا كان عن عمد والتفات إلى الحكم الشرعي.

وأمّا إذا كان سهواً ونسياناً، أو بدون التفات إلى الحكم الشرعي فالصلاة تبطل إذا كان المتروك هو الأوّل، بأن كبّر تكبيرة الإحرام وهو جالس. أو الثالث، بأن ركع ناهضاً من جلوسه لا هاوياً من قيامه. أو الرابع، بأن ركع ركوع الجالس.

ولا تبطل الصلاة إذا كان المتروك الثاني، بأن قرأ أو سبّح جالساً، أو الخامس بأن هوى بعد الركوع بدون قيام وسجد.

والصلاة تنقسم: إلى صلاة من قيام، وصلاة من جلوس، فالصلاة من قيام بصورتها الكاملة ما كان المصلّي فيها محافظاً على الأنحاء الخمسة من القيام جميعاً.

والصلاة من جلوس بصورتها الشاملة ما كان المصلّي فيها جالساً منذ تكبيرة الإحرام إلى النهاية.

ولا يسوغ الانتقال من الصلاة من قيام إلى الصلاة من جلوس في صلوات الفريضة، إلّا في حالات الضرورة(1).

(34) ويشترط في القيام الصلاتيّ بأنحائه مع القدرة والإمكان شروط:

الأوّل: الاعتدال في القيام والانتصاب، فلا يسوغ الانحناء ولا التمايل يمنةً أو يسرة، ولا التباعد بين الرجلين وتفريج الفخذين الذي يخرج القيام عن الانتصاب والاعتدال.

ويستثنى من ذلك: القيام الرابع، وهو القيام حالة الركوع، فإنّ قيام الراكع لا



(1) راجع لذلك حالات العجز عن القيام المذكورة في الفتاوى الواضحة، مع مراعاة الهوامش.

147

معنى فيه للاعتدال والانتصاب، وإنّما نريد بقيام الراكع أن يكون ركوعه وهو واقف، لا جالس.

الثاني: الوقوف، فلا يسوغ له أن يكبّر أو يقرأ ـ مثلاً ـ وهو يمشي.

الثالث: الطمأنينة، بمعنى أن لا يكون في قيامه مضطرباً يتحرّك ويتمايل يمنةً ويسرة، ويستثنى القيام الثالث، وهو القيام الذي يركع عنه المصلّي فإنّه لا تجب فيه الطمأنينة.

ولا يشترط في القيام الوقوف على القدمين معاً، فلو كان واقفاً على إحداهما معمراعاة الشروط المتقدّمة كفى.

ولا يشترط أيضاً أن يكون مستقلاًّ ومعتمداً على نفسه في القيام، فلو اعتمد على حائط ونحوه كفاه أيضاً(1).

الترتيب بين الأجزاء:

(35) يجب أن تؤدّى الأجزاء السابقة بترتيبها الشرعي المتقدّم؛ لأنّ لكلّ منها موضعه ومكانه الخاصّ، فلا يجوز تقديم المؤخّر أو تأخير المقدّم، ومن عاكس وخالف عن قصد وإرادة بطلت صلاته، من قبيل من سجد قبل أن يركع، أو تشهّد قبل أن يسجد، عامداً ملتفتاً إلى أنّ ذلك لا يسوغ(2).



(1) لمعرفة أحكام حالات العجز والضرورة راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 588 ـ 590 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة هوامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

(2) لمعرفة أحكام السهو والنسيان أو عدم الالتفات إلى الحكم الشرعي بعدم الجواز راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 590 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، وأيضاً لمعرفة أحكام للزيادة في الصلاة ومزيد من حالات الخلل راجع: 591 ـ 592، و: 619 ـ 630 من المصدر نفسه، مع مراعاة هوامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

148

الموالاة بين الأجزاء:

(36) يلاحظ أنّ أجزاء الصلاة: تارةً تؤدّى بصورة متتابعة الواحد تلو الآخر بدون مهلة، واُخرى تؤدّى بصورة متقطّعة، أي يتخلّل بين جزء وجزء فواصل زمنيّة قصيرة، كما إذا ركع ورفع رأسه من الركوع وبقي واقفاً دقيقةً ريثما يحصل على تربة ـ مثلاً ـ لكي يسجد عليها، وثالثةً تؤدّى بفواصل زمنيّة أطول بدرجة لا تعود معها الصلاة عملاً واحداً في نظر العرف ويعتبر بعضه مستقلاًّ عن بعض ومنفصلاً عنه، وهذا النحو الثالث لا يسوغ، وإذا أدّى المصلّي صلاته على هذا النحو بطلت، سواء كان عامداً أو ساهياً، ويسوغ له أن يؤدّيها على النحو الأوّل أو الثاني، ولكنّ الأحوط استحباباً ترك النحو الثاني(1).



(1) يعني أنّ الإخلال بالموالاة العرفيّة لا إلى حدّ انمحاء صورة الصلاة لا دليل على مبطليّته، ولكنّ الأحوط استحباباً تركه.

149

مبطلات الصلاة

تبطل ـ ولو احتياطاً ـ الصلاة بمختلف أنواعها(1) باُمور:

(1) أوّلاً: إذا وقع منه ما يوجب الوضوء عليه أو الغسل في أثناء الصلاة.

(2) ثانياً: إذا التفت في الصلاة ببدنه أو بوجهه على نحو لم يعدّ مستقبلاً للقبلة وكان متعمّداً في ذلك فإنّ صلاته تبطل. وأمّا إذا لم يكن متعمّداً، بل كان ناسياً وذاهلاً فلا تعتبر صلاته باطلة، إلّا إذا توفّر أمران:

أحدهما: أن يتفطّن لذلك قبل انتهاء الوقت المضروب للصلاة، فلو تفطّن بعد ذلك لم يكن عليه شيء.

والآخر: أن يكون قد التفت بكلّ بدنه التفاتاً شديداً جعل القبلة وراء ظهره أو عن يمينه أو يساره، فلو مال عن القبلة على نحو كانت القبلة أقرب من ذلك إلى وجهه صحّت صلاته، أي أن يكون انحرافه عن القبلة بأقلّ من تسعين درجة، أقلّ من زاوية قائمة.

(3) ثالثاً: إذا صدرت من المصلّي أفعال وتصرّفات لا يبقى معها للصلاة اسم ولا صورة فإنّ ذلك يبطل الصلاة، سواء صدر منه ذلك عن عمد واختيار، أم عن سهو وذهول، أم عن اضطرار والتجاء.

(4) رابعاً: القهقهة، وهي شدّة الضحك والترجيع به، وتبطل الصلاة بذلك، سواء كان المصلّي مختاراً أو مضطرّاً، وأمّا إذا صدر منه ذلك بسبب نسيانه وذهوله عن



(1) الصلاة على الميّت لا تبطل ببعض ما يأتي، وهي ليست صلاةً إلّا بالاسم.

150

الصلاة فلا شيء عليه وكانت صلاته صحيحة. ولا تبطل الصلاة بالتبسّم ولو كانعن عمد، ولا بامتلاء الجوف بالضحك واحمرار الوجه مع سيطرة المصلّي على نفسه وحبسه لصوته.

(5) خامساً: البكاء، فإنّه يُبطل الصلاة إذا توفّرت فيه الاُمور التالية:

أ ـ أن يكون مشتملاً على صوت.

ب ـ أن يكون الدافع إلى البكاء دافعاً شخصيّاً، كالبكاء على قريب له، أو لأمر من اُمور الدنيا. وأمّا إذا كان الدافع للبكاء دينيّاً فلا تبطل به الصلاة، كالبكاء خوفاً من الله تعالى، أو شوقاً إلى رضوانه، أو تضرّعاً إليه لقضاء حاجة ماسّة، أو البكاء على سيّد الشهداء(عليه السلام) أو لمصيبة اُخرى من مصائب الإسلام.

ج ـ أن يبكي المصلّي وهو ملتفت إلى أنّه يصلّي فإذا بكى ذاهلاً عن الصلاة صحّت صلاته.

فمتى توفّرت هذه الاُمور الثلاثة كان البكاء مبطلاً على الأحوط، حتّى ولو صدر من المصلّي اضطراراً وبدون قدرة على إمساكه.

(6) سادساً: الأكل والشرب، سواء مَحيا صورة الصلاة وذهبا باسمها أوْ لا، هذا إذا أكل أو شرب وهو ملتفت إلى أنّه في الصلاة وأمّا إذا كان ناسياً وذاهلاً عن الصلاة فلا تبطل بذلك، إلّا إذا أكل وشرب على نحو محا صورة الصلاة وذهب باسمها.

ويسوغ ـ بصورة استثنائيّة ـ للمصلّي في صلاة الوتر ـ إذا كان عطشاناً وقد نوى الصوم وكان الفجر قريباً يخشى مفاجأته ـ أن يشرب الماء إذا كان أمامه أو قريباً منه قدر خطوتين أو ثلاث، فيتخطّى إليه ويشرب حتّى يرتوي، ثمّ يرجع إلى مكانه ويتمّ صلاته.

151

ولا حرج على المصلّي عموماً في ابتلاع بقايا الطعام اللاحقة بالأسنان، أو بقايا حلاوة السكر الذائب في الفم، ونحو ذلك ممّا لا يعدّ أكلاً وشرباً بالمعنى الكامل.

(7) سابعاً: التكلّم، فكلّ من تكلّم في صلاته وهو ملتفت إلى أنّه في الصلاة بطلت صلاته، ونعني بالتكلّم: النطق ولو بحرف واحد، سواء أكان لهذا الحرف معنىً أم كان بلا معنى، وسواء أخاطَبَ بما نطق أحداً أم لم يخاطب. وإذا تكلّم ساهياً عن الصلاة صحّت صلاته، وتجب سجدتا السهو عليه.

ولا بأس بالتَنحنُح والأنين والتأوُّه والنفخ؛ لأنّ ذلك كلّه لا يعتبر تكلّماً.

(8) ويستثنى من بطلان الصلاة بسبب التكلّم ما إذا كان الكلام مناجاةً لله سبحانه، أو كان ذكراً أو دعاءً شريطة أن لا يخاطب به غير الله تعالى، أو كان المصلّي يقرأ القرآن في كلامه، فإنّ الصلاة لا تبطل بقراءة القرآن، أو إذا سلّم عليه مسلّم فإنّه يسوغ له ويجب عليه أن يردّ السلام، فإذا كان المسلّم قد قال: «السلام عليك» أو: «سلام عليك» أو: «السلام عليكم» أجاب بشيء من هذه العبارات أيضاً مقدّماً كلمة «السلام» على كلمة «عليك» أو «عليكم».

وإذا كان المسلّم قد قال على خلاف العادة: «عليك السلام» أو: «عليكم السلام» فبإمكان المصلّي أن يجيب كيفما أراد، مقدّماً كلمة «السلام» أو مؤخّراً لها عن كلمة «عليك» أو «عليكم»، والأحوط وجوباً أن يعيد الصلاة بعد ذلك.

وكذلك الأمر إذا لم يتنبّه المصلّي إلى عبارة من سلّم عليه، فإنّ بإمكان المصلّي في هذه الحالة أن يجيب بأحد هذين النحوين مع إعادة الصلاة احتياطاً.

وإذا لم يردّ المصلّي السلام إطلاقاً صحّت صلاته وكان مقصّراً في عدم ردّ التحيّة.

152

(9) وكلّ ما تقدّم من المبطلات لا يبطل الصلاة إذا كان المصلّي قد أتى به وهو جاهل بالحكم الشرعي وغير ملتفت إلى أنّه مبطل، إلّا الأوّل والثاني، وكلّ ما كان ماحياً لاسم الصلاة وصورتها فإنّ الجهل فيها ليس عذراً.

(10) وضع إحدى اليدين على الاُخرى حال القراءة في الصلاة غير مطلوب شرعاً، ومن صنع ذلك قاصداً أنّه مطلوب ومحبوب للشارع فقد فعل حراماً؛ لأنّه شرّع، والأحوط وجوباً تركه حتّى بلا قصد التشريع، ومن أتى به ولم يقصد أنّه جزء من الصلاة فصلاته تقع صحيحة، وأمّا إذا قصد أنّه جزء من الصلاة فصلاته باطلة ما لم يكن معتقداً خطأً بأنّه جزء.

وكذلك أيضاً قول «آمين» بعد قراءة الفاتحة، والأحوط وجوباً البناء على بطلان الصلاة بقولة «آمين» بعد الحمد ولو لم تكن بقصد الجزئيّة.

(11) إذا شكّ المصلّي في أنّه هل أتى بما يبطل الصلاة مضى ولا شيء عليه.

(12) قطع الصلاة المندوبة سائغ، وأمّا الفريضة الواجبة فلا تقطع إلّا بشرط وجود مبرّر ضروري، أو حاجة يهتمّ بها ويخشى فواتها إذا واصل صلاته، فمن كان يصلّي في البيت وحده وطُرِق الباب أو دُقّ جرس التلفون وهو مهتمّ بالتعرّف على الطارق ويخشى أن يتعذّر عليه ذلك إذا واصل صلاته جاز له قطعها والتعرّف على ما يهمّه.

153

الشكّ في عدد الركعات(1)

(1) الشكّ في عدد الركعات إذا وقع بعد الفراغ من الصلاة فلا أثر له، ولا يعتني به. وأمّا إذا كان في أثناء الصلاة فهو على أقسام: لأنّ منه ما هو مبطل للصلاة، ومنه غير مبطل وبحاجة إلى علاج شرعاً، ومنه غير مبطل وليس بحاجة إلى علاج، فهذه أقسام ثلاثة.

ونبدأ في ما يلي: بالشكّ الذي ليس مبطلاً للصلاة ولا بحاجة إلى علاج، وهو يتمثّل في إحدى الصور التالية:

(2) الاُولى: أن يجد المصلّي نفسه وهو يتشهّد، أو قد أكمل تشهّده وشكّ في أنّه هل فرغ من الركعة الثانية ـ وهذا هو التشهّد المطلوب منه في مثل هذا الموضع ـ أو أنّه لم يفرغ حتّى الآن إلّا من الركعة الاُولى وقد وقع هذا التشهّد منه سهواً؟ ففي هذه الحالة يبني المصلّي على أنّه قد صلّى ركعتين، وأنّ هذا هو التشهّد المطلوب منه، ويقوم لأداء الركعة الثالثة إذا كانت صلاته ثلاثيّةً أو رباعيّةً، ولا شيء عليه. وأمّا إذا كانت صلاته ثنائيّةً ـ ذات ركعتين ـ فعليه أن يكمل تشهّده وتسليمه وتصحّ صلاته.

(3) الثانية: أن يصلّي الإنسان صلاةً رباعيّةً ـ ذات أربع ركعات ـ فيجد نفسه يتشهّد، أو قد أكمل تشهّده وهو على يقين بأنّه تجاوز الركعة الثانية إلى ما بعدها



(1) راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 633 ـ 637 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ لمعرفة أحكام الشكّ في وقوع الصلاة وأحكام الشكّ في واجباتها.

154

من ركعات وشكّ في أنّه هل فرغ من الركعة الرابعة ـ وهذا هو التشهّد المطلوبمنه في مثل هذا الموضع ـ أو أنّه لا يزال في الركعة الثالثة وقد وقع منه هذا التشهّد سهواً؟ ففي هذه الحالة يبني على أنّه في الرابعة، ويكمل صلاته على هذا الأساس ولا شيء عليه.

(4) الثالثة: أن يصلّي الإنسان صلاةً ثلاثيّةً ـ ذات ثلاث ركعات ـ فيجد نفسه مشغولاً بالتسليم، ويشكّ في أنّه هل فرغ من الركعة الثالثة ـ وهذا التسليم هو المطلوب منه في مثل هذا الموضع ـ أو أنّه لا يزال في الركعة الثانية وقد وقع منه هذا التسليم سهواً؟ ففي هذه الحالة يبني على أنّه أتى بالثالثة، ويكمل تسليمه ولا شيء عليه.

وأمّا الشكّ الذي ليس مبطلاً للصلاة وبحاجة إلى علاج فهو ما كان في صلاة رباعيّة ضمن إحدى الصور التسع التالية:

(5) الصورة الاُولى: أن يرفع المصلّي رأسه من السجدة الثانية، أو يكمل الذكر فيها ـ على الأقلّ ـ ثمّ يشكّ في أنّ هذه الركعة التي فرغ منها الآن هل هي ثانية أو ثالثة؟ فالثانية متيقّنة لا ريب فيها، والثالثة محلّ الريب، فيبني على أنّها ثالثة، ويأتي بالرابعة، ويتشهّد ويسلّم، وقبل أن يفعل أيّ مبطل ومناف للصلاة يقوم ناوياً أن يصلّي صلاة الاحتياط قربةً إلى الله تعالى، فيكبّر تكبيرة الإحرام ويصلّي ركعةً واحدة من قيام، إن كان مكلّفاً بالصلاة من قيام، وإن كان عاجزاً عن القيام ومكلّفاً بالصلاة جالساً احتاط بالإتيان بركعة واحدة جالساً، فإن كانت صلاته التي شكّ فيها أربع ركعات في الواقع اعتبرت صلاة الاحتياط نافلةً ومستحبّةً، وإن كانت ثلاث ركعات اعتبرت صلاة الاحتياط مكمّلةً لها.

(6) الصورة الثانية: أن يشكّ هل صلّى ثلاث ركعات أو أربع؟ فإنّه يبني على

155

الأربع ـ سواء أوَقَع الشكّ منه حال القيام، أم الركوع، أم السجود، أم بعد رفع الرأس من السجود ـ ثمّ يتشهّد ويسلّم.

وإذا كان المصلّي مكلّفاً بالصلاة قائماً فله هنا الخيار بين الاحتياط بركعة من قيام والاحتياط بركعتين من جلوس، وإن كان عاجزاً عن القيام ومكلّفاً بالصلاة من جلوس فعليه الاحتياط بالإتيان بركعة واحدة جالساً.

هذا كلّه إذا لم يطرأ هذا الشكّ على المصلّي وهو يتشهّد، وإلّا كان من الصورة الثانية للقسم السابق الذي تصحّ معه الصلاة بلا علاج.

(7) الصورة الثالثة: أن يشكّ بين الركعتين والأربع بعد إكمال السجدتين، وذلك بالفراغ من الذكر من السجدة الثانية، أو برفع الرأس منها، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي بركعتين من قيام. وإن كان المصلّي ممّن يصلّي جالساً احتاط بركعتين من جلوس.

(8) الصورة الرابعة: أن يشكّ بين الركعتين والثلاث والأربع أيضاً بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي أوّلاً بركعتين من قيام ثمّ بركعتين من جلوس، وإن كان المصلّي جالساً احتاط بركعتين من جلوس ثمّ بركعة جالساً.

(9) الصورة الخامسة: أن يشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ـ بالمعنى المتقدّم ـ فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويسجد سجدتي السهو.

(10) الصورة السادسة: أن يشكّ بين الأربع والخمس حال القيام، فيجلس، وبهذا يرجع شكّه إلى الشكّ بين الثلاث والأربع؛ لأنّه بجلوسه هدم الركعة التي كان فيها وقطعها، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي بركعة قائماً أو بركعتين جالساً؛ تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الثانية.

156

(11) الصورة السابعة: أن يشكّ بين الثلاث والخمس وهو قائم، فيجلس، ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي بركعتين من قيام؛ تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الثالثة.

(12) الصورة الثامنة: أن يشكّ بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام، فيجلس، ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي أوّلاً بركعتين من قيام ثمّ بركعتين من جلوس؛ تطبيقاً لما تقدَّم في الصورة الرابعة.

(13) الصورة التاسعة: أن يشكّ بين الخمس والستّ وهو قائم، فيجلس، ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الأربع والخمس، ويتمّ صلاته ويسجد سجدتي السهو؛ تطبيقاً لما تقدّم في الصلاة الخامسة.

ففي هذه الصور التسع تصحّ الصلاة بالعلاج الذي حدّدناه. ويستثنى من ذلك الحالات التالية:

(14) أوّلاً: إذا حصل للشاكّ ترجيح معيّن لأحد الاحتمالات ـ وهو ما يسمّى بالظنّ ـ فيعتمد على ظنّه، فإذا غلب على ظنّ المصلّي وترجّح في نظره أنّ هذه الركعة التي هو فيها الآن هي ثالثة أو رابعة أو ثانية ـ مثلاً ـ عمل بظنّه هذا تماماً، كما يعمل بعلمه في عدد الركعات ولا شيء عليه(1)، ولا يحتاج إلى علاج.

وإذا شكّ وتردّد المصلّي أنّ الذي عرض له الآن هل هو ظنّ أو شكّ؟ يكون ذلك ظنّاً ويعمل على أساسه.



(1) قد يتعلّق ظنّه بما يكون مبطلاً، كما لو شكّ بعد الركوع بين أن تكون ما بيده الرابعة أو الخامسة وظنّ بالخمس، والأحوط عندئذ أن يسجد أوّلاً سجدتي السهو ثمّ يعيد الصلاة.

157

(15) ثانياً: إذا كان الإنسان مُفرِطاً في الشكّ وخارجاً عن الحالة الاعتياديّة، على نحو يشكّ عادةً في كلّ ثلاث صلوات متتالية مرّةً واحدةً على الأقلّ، أو في كلّ ستّ صلوات متتالية مرّتين... وهكذا فعليه أن يلغي شكّه، ويفترض أنّه قد أتى بما شكّ فيه من ركعات، أي أنّه يبني على الأكثر. فإذا شكّ في أنّه هل أتى بركعتين أو ثلاث بنى على الثلاث، وإذا شكّ بين الثلاث والأربع بنى على الأربع، وأتمّ صلاته ولا شيء عليه ولا يحتاج إلى علاج، إلّا إذا كان الأكثر مبطلاً للصلاة بنى على الأقلّ وأتمّ صلاته بدون علاج، فإذا شكّ بين الأربع والخمس بنى على الأربع؛ لأنّ البناء على الخمس يبطل الصلاة.

(16) ثالثاً: إذا كان الشاكّ في عدد الركعات إماماً أو مأموماً وكان مأمومه أو إمامه حافظاً وضابطاً للعدد رجع إليه واعتمد على حفظه، سواء كان حفظه على مستوى اليقين أو الظنّ.

(17) رابعاً: إذا كان المصلّي يؤدّي صلاة النافلة وشكّ في عدد ركعاتها فإنّ له أن يبني على أقلّ عدد محتمل، ويكمل صلاته ولا شيء عليه ـ والأحوط استثناء صلاة الوتر من ذلك فيعيدها ـ وله أن يبني على أكبر عدد محتمل ما لم يكن مبطلاً، ويكمل صلاته ولا شيء عليه.

(18) وأمّا القسم الثالث ـ أي الشكّ الذي تبطل به الصلاة ـ فهو غير ما تقدّم من ألوان الشكّ في عدد الركعات، فكلّ شكٍّ في عدد الركعات غير ما تقدّم تبطل به الصلاة. نعم، هناك استثناءات(1).



(1) راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 642 ـ 643، الفقرة: (79) ـ (80) لمعرفة التفاصيل والاستثناءات في المقام.

158

(19) كلّما حصل للمصلّي شكّ في عدد الركعات ولكنّه لم يستعجل، بل تروّى وتدبّر فحصل له اليقين أو الظنّ بالعدد عمل على هذا الأساس وصحّت صلاته، ولم يحتج إلى علاج إطلاقاً.

كما أنّه إذا حصل له ظنّ بالعدد ولكن سرعان ما فارقه هذا الظنّ وتحيّر تحيّراً كاملاً بدون ترجيح عمل على أساس حالته الثانية، فإن كان الشكّ ممّا تبطل به الصلاة بطلت صلاته، وإن كان بحاجة إلى علاج عالجه بالنحو المناسب، تبعاً لما قرّرناه في الصور التسع المتقدّمة.

صلاة الاحتياط:

(20) مرّ بنا أنّ الشكّ في سبع صور من الصور التسع التي تقدّم بيانها لا تبطل به الصلاة شريطة أن تعالج بصلاة الاحتياط، فإذا عولجت بها صحّت؛ وإلّا بطلت.

وجوبها:

وصلاة الاحتياط في تلك الصور السبع واجبة، فلا يسوغ للمكلّف الشاكّ أن يهمل تلك الصلاة ويستأنفها من جديد، بل لابدّ له من علاجها بصلاة الاحتياط.

(21) ويسقط وجوبها إذا تبيّن للمصلّي ولو بعد الفراغ من صلاته أنّه كان على حقٍّ في البناء على الأكثر، وأنّ صلاته كاملة سالمة، وإذا تبيّن له ذلك وهو في أثناء صلاة الاحتياط أمكنه قطعها، وأمكنه إتمامها نافلةً ركعتين، وقد يتبيّن له أنّ صلاته كانت ناقصة، مثلاً: يشكّ في أنّها ثلاث ركعات أو أربع، فيبني على الأربع ويكمل صلاته، ثمّ يتأكّد من أنّها كانت ثلاث ركعات فهل يسقط حينئذ وجوب صلاة الاحتياط؟

159

ويتّضح الحكم من خلال استعراض الحالات التالية:

الاُولى: أن يتبيّن له النقص قبل البدء بصلاة الاحتياط، وعليه في هذه الحالة أن يغضّ النظر عمّا وقع منه من تشهّد وتسليم، ويقوم لإكمال صلاته بركعة رابعة لا يكبّر لها تكبيرة الإحرام، ويقرأ فيها ما يقرؤه المصلّي في الركعة الرابعة، وبعد انتهاء الصلاة يسجد سجدتي السهو للسلام الذي وقع في غير محلّه.

الثانية: أن يتبيّن له النقص في أثناء ركعة الاحتياط وهو يؤدّيها من قيام، فيفترضها مكمّلةً لصلاته، والأحوط وجوباً أن يأتي بعد ذلك بسجدتي السهو للسلام الذي وقع في غير محلّه.

الثالثة: أن يتبيّن له النقص في أثناء صلاة الاحتياط قبل أن يركع فيها وهو يؤدّيها من جلوس، فيهمل ما أتى به منها، ويقوم ويأتي بالركعة الرابعة الناقصة لتكميل صلاته بدون تكبيرة الإحرام، ويقرأ فيها ما يقرؤه المصلّي في الركعة الأخيرة، ثمّ يسجد سجدتي السهو للسلام الذي وقع في غير محلّه.

الرابعة: أن يتبيّن له النقص في أثناء صلاة الاحتياط بعد أن ركع فيها وهو يؤدّيها من جلوس، والأجدر به حينئذ وجوباً أن يستأنف الصلاة من جديد.

وإن تبيّن للمصلّي النقص بعد الفراغ من صلاة الاحتياط فلا شيء عليه على أيّ حال.

(22) وإذا صلّى المكلّف وسلّم في صلاته؛ وقبل أن يصدر منه ما هو مبطل عرض له الشكّ في أنّه هل بنى على الركعة الرابعة؛ لأنّه كان قد ظنّها أو تيقّنها كذلك كي يكون تسليمه هذا خاتمة صلاته ولا شيء عليه بعده؟ أو أنّه كان قد بنى على الركعة الرابعة؛ لأنّه شكّ بين الثلاث والأربع وبنى على الأكثر كي يكون عليه أن يأتي

160

بصلاة الاحتياط، إذا افترضنا هذا فهل تجب في هذه الحالة صلاة الاحتياط؟

والجواب: نعم، يجب على هذا الشاكّ فعلاً أن يحتاط بركعة من قيام، سواء أكان حين سلّم قد سلّم جازماً بأنّ سلامه هذا هو الأخير والخاتمة، أم سلّم مع الشكّ والتردّد.

كيفيّتها:

(23) تقدّم أنّ صلاة الاحتياط: تارةً تكون ركعةً من قيام أو ركعتين من جلوس، واُخرى تكون ركعتين من قيام وركعتين من جلوس، وصورتها ـ على أيّ حال ـ هي الصورة العامّة للصلاة المكوّنة من ركعة أو من ركعتين.

ويجب في صلاة الاحتياط كلّ ما يجب في صلاة الفريضة أجزاءً وشروطاً، إلّا السورة، وإلّا الجهر في الفاتحة؛ فإنّ المصلّي صلاة الاحتياط يخفت بالفاتحة دائماً.

وإذا صدر من المصلّي قبل الابتداء بصلاة الاحتياط شيء يبطل الصلاة حينما يقع فيها بطلت صلاته من أساسها، كما لو صدر منه ذلك المبطل في أثنائها، ووجب عليه أن يعيد الصلاة ويستأنفها من جديد(1).



(1) لمعرفة حكم الشكّ والخلل في صلاة الاحتياط راجع كتاب الفتاوى الواضحة:646 ـ 647 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (85) و(87).