149

مبطلات الصلاة

تبطل ـ ولو احتياطاً ـ الصلاة بمختلف أنواعها(1) باُمور:

(1) أوّلاً: إذا وقع منه ما يوجب الوضوء عليه أو الغسل في أثناء الصلاة.

(2) ثانياً: إذا التفت في الصلاة ببدنه أو بوجهه على نحو لم يعدّ مستقبلاً للقبلة وكان متعمّداً في ذلك فإنّ صلاته تبطل. وأمّا إذا لم يكن متعمّداً، بل كان ناسياً وذاهلاً فلا تعتبر صلاته باطلة، إلّا إذا توفّر أمران:

أحدهما: أن يتفطّن لذلك قبل انتهاء الوقت المضروب للصلاة، فلو تفطّن بعد ذلك لم يكن عليه شيء.

والآخر: أن يكون قد التفت بكلّ بدنه التفاتاً شديداً جعل القبلة وراء ظهره أو عن يمينه أو يساره، فلو مال عن القبلة على نحو كانت القبلة أقرب من ذلك إلى وجهه صحّت صلاته، أي أن يكون انحرافه عن القبلة بأقلّ من تسعين درجة، أقلّ من زاوية قائمة.

(3) ثالثاً: إذا صدرت من المصلّي أفعال وتصرّفات لا يبقى معها للصلاة اسم ولا صورة فإنّ ذلك يبطل الصلاة، سواء صدر منه ذلك عن عمد واختيار، أم عن سهو وذهول، أم عن اضطرار والتجاء.

(4) رابعاً: القهقهة، وهي شدّة الضحك والترجيع به، وتبطل الصلاة بذلك، سواء كان المصلّي مختاراً أو مضطرّاً، وأمّا إذا صدر منه ذلك بسبب نسيانه وذهوله عن



(1) الصلاة على الميّت لا تبطل ببعض ما يأتي، وهي ليست صلاةً إلّا بالاسم.

150

الصلاة فلا شيء عليه وكانت صلاته صحيحة. ولا تبطل الصلاة بالتبسّم ولو كانعن عمد، ولا بامتلاء الجوف بالضحك واحمرار الوجه مع سيطرة المصلّي على نفسه وحبسه لصوته.

(5) خامساً: البكاء، فإنّه يُبطل الصلاة إذا توفّرت فيه الاُمور التالية:

أ ـ أن يكون مشتملاً على صوت.

ب ـ أن يكون الدافع إلى البكاء دافعاً شخصيّاً، كالبكاء على قريب له، أو لأمر من اُمور الدنيا. وأمّا إذا كان الدافع للبكاء دينيّاً فلا تبطل به الصلاة، كالبكاء خوفاً من الله تعالى، أو شوقاً إلى رضوانه، أو تضرّعاً إليه لقضاء حاجة ماسّة، أو البكاء على سيّد الشهداء(عليه السلام) أو لمصيبة اُخرى من مصائب الإسلام.

ج ـ أن يبكي المصلّي وهو ملتفت إلى أنّه يصلّي فإذا بكى ذاهلاً عن الصلاة صحّت صلاته.

فمتى توفّرت هذه الاُمور الثلاثة كان البكاء مبطلاً على الأحوط، حتّى ولو صدر من المصلّي اضطراراً وبدون قدرة على إمساكه.

(6) سادساً: الأكل والشرب، سواء مَحيا صورة الصلاة وذهبا باسمها أوْ لا، هذا إذا أكل أو شرب وهو ملتفت إلى أنّه في الصلاة وأمّا إذا كان ناسياً وذاهلاً عن الصلاة فلا تبطل بذلك، إلّا إذا أكل وشرب على نحو محا صورة الصلاة وذهب باسمها.

ويسوغ ـ بصورة استثنائيّة ـ للمصلّي في صلاة الوتر ـ إذا كان عطشاناً وقد نوى الصوم وكان الفجر قريباً يخشى مفاجأته ـ أن يشرب الماء إذا كان أمامه أو قريباً منه قدر خطوتين أو ثلاث، فيتخطّى إليه ويشرب حتّى يرتوي، ثمّ يرجع إلى مكانه ويتمّ صلاته.

151

ولا حرج على المصلّي عموماً في ابتلاع بقايا الطعام اللاحقة بالأسنان، أو بقايا حلاوة السكر الذائب في الفم، ونحو ذلك ممّا لا يعدّ أكلاً وشرباً بالمعنى الكامل.

(7) سابعاً: التكلّم، فكلّ من تكلّم في صلاته وهو ملتفت إلى أنّه في الصلاة بطلت صلاته، ونعني بالتكلّم: النطق ولو بحرف واحد، سواء أكان لهذا الحرف معنىً أم كان بلا معنى، وسواء أخاطَبَ بما نطق أحداً أم لم يخاطب. وإذا تكلّم ساهياً عن الصلاة صحّت صلاته، وتجب سجدتا السهو عليه.

ولا بأس بالتَنحنُح والأنين والتأوُّه والنفخ؛ لأنّ ذلك كلّه لا يعتبر تكلّماً.

(8) ويستثنى من بطلان الصلاة بسبب التكلّم ما إذا كان الكلام مناجاةً لله سبحانه، أو كان ذكراً أو دعاءً شريطة أن لا يخاطب به غير الله تعالى، أو كان المصلّي يقرأ القرآن في كلامه، فإنّ الصلاة لا تبطل بقراءة القرآن، أو إذا سلّم عليه مسلّم فإنّه يسوغ له ويجب عليه أن يردّ السلام، فإذا كان المسلّم قد قال: «السلام عليك» أو: «سلام عليك» أو: «السلام عليكم» أجاب بشيء من هذه العبارات أيضاً مقدّماً كلمة «السلام» على كلمة «عليك» أو «عليكم».

وإذا كان المسلّم قد قال على خلاف العادة: «عليك السلام» أو: «عليكم السلام» فبإمكان المصلّي أن يجيب كيفما أراد، مقدّماً كلمة «السلام» أو مؤخّراً لها عن كلمة «عليك» أو «عليكم»، والأحوط وجوباً أن يعيد الصلاة بعد ذلك.

وكذلك الأمر إذا لم يتنبّه المصلّي إلى عبارة من سلّم عليه، فإنّ بإمكان المصلّي في هذه الحالة أن يجيب بأحد هذين النحوين مع إعادة الصلاة احتياطاً.

وإذا لم يردّ المصلّي السلام إطلاقاً صحّت صلاته وكان مقصّراً في عدم ردّ التحيّة.

152

(9) وكلّ ما تقدّم من المبطلات لا يبطل الصلاة إذا كان المصلّي قد أتى به وهو جاهل بالحكم الشرعي وغير ملتفت إلى أنّه مبطل، إلّا الأوّل والثاني، وكلّ ما كان ماحياً لاسم الصلاة وصورتها فإنّ الجهل فيها ليس عذراً.

(10) وضع إحدى اليدين على الاُخرى حال القراءة في الصلاة غير مطلوب شرعاً، ومن صنع ذلك قاصداً أنّه مطلوب ومحبوب للشارع فقد فعل حراماً؛ لأنّه شرّع، والأحوط وجوباً تركه حتّى بلا قصد التشريع، ومن أتى به ولم يقصد أنّه جزء من الصلاة فصلاته تقع صحيحة، وأمّا إذا قصد أنّه جزء من الصلاة فصلاته باطلة ما لم يكن معتقداً خطأً بأنّه جزء.

وكذلك أيضاً قول «آمين» بعد قراءة الفاتحة، والأحوط وجوباً البناء على بطلان الصلاة بقولة «آمين» بعد الحمد ولو لم تكن بقصد الجزئيّة.

(11) إذا شكّ المصلّي في أنّه هل أتى بما يبطل الصلاة مضى ولا شيء عليه.

(12) قطع الصلاة المندوبة سائغ، وأمّا الفريضة الواجبة فلا تقطع إلّا بشرط وجود مبرّر ضروري، أو حاجة يهتمّ بها ويخشى فواتها إذا واصل صلاته، فمن كان يصلّي في البيت وحده وطُرِق الباب أو دُقّ جرس التلفون وهو مهتمّ بالتعرّف على الطارق ويخشى أن يتعذّر عليه ذلك إذا واصل صلاته جاز له قطعها والتعرّف على ما يهمّه.

153

الشكّ في عدد الركعات(1)

(1) الشكّ في عدد الركعات إذا وقع بعد الفراغ من الصلاة فلا أثر له، ولا يعتني به. وأمّا إذا كان في أثناء الصلاة فهو على أقسام: لأنّ منه ما هو مبطل للصلاة، ومنه غير مبطل وبحاجة إلى علاج شرعاً، ومنه غير مبطل وليس بحاجة إلى علاج، فهذه أقسام ثلاثة.

ونبدأ في ما يلي: بالشكّ الذي ليس مبطلاً للصلاة ولا بحاجة إلى علاج، وهو يتمثّل في إحدى الصور التالية:

(2) الاُولى: أن يجد المصلّي نفسه وهو يتشهّد، أو قد أكمل تشهّده وشكّ في أنّه هل فرغ من الركعة الثانية ـ وهذا هو التشهّد المطلوب منه في مثل هذا الموضع ـ أو أنّه لم يفرغ حتّى الآن إلّا من الركعة الاُولى وقد وقع هذا التشهّد منه سهواً؟ ففي هذه الحالة يبني المصلّي على أنّه قد صلّى ركعتين، وأنّ هذا هو التشهّد المطلوب منه، ويقوم لأداء الركعة الثالثة إذا كانت صلاته ثلاثيّةً أو رباعيّةً، ولا شيء عليه. وأمّا إذا كانت صلاته ثنائيّةً ـ ذات ركعتين ـ فعليه أن يكمل تشهّده وتسليمه وتصحّ صلاته.

(3) الثانية: أن يصلّي الإنسان صلاةً رباعيّةً ـ ذات أربع ركعات ـ فيجد نفسه يتشهّد، أو قد أكمل تشهّده وهو على يقين بأنّه تجاوز الركعة الثانية إلى ما بعدها



(1) راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 633 ـ 637 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ لمعرفة أحكام الشكّ في وقوع الصلاة وأحكام الشكّ في واجباتها.

154

من ركعات وشكّ في أنّه هل فرغ من الركعة الرابعة ـ وهذا هو التشهّد المطلوبمنه في مثل هذا الموضع ـ أو أنّه لا يزال في الركعة الثالثة وقد وقع منه هذا التشهّد سهواً؟ ففي هذه الحالة يبني على أنّه في الرابعة، ويكمل صلاته على هذا الأساس ولا شيء عليه.

(4) الثالثة: أن يصلّي الإنسان صلاةً ثلاثيّةً ـ ذات ثلاث ركعات ـ فيجد نفسه مشغولاً بالتسليم، ويشكّ في أنّه هل فرغ من الركعة الثالثة ـ وهذا التسليم هو المطلوب منه في مثل هذا الموضع ـ أو أنّه لا يزال في الركعة الثانية وقد وقع منه هذا التسليم سهواً؟ ففي هذه الحالة يبني على أنّه أتى بالثالثة، ويكمل تسليمه ولا شيء عليه.

وأمّا الشكّ الذي ليس مبطلاً للصلاة وبحاجة إلى علاج فهو ما كان في صلاة رباعيّة ضمن إحدى الصور التسع التالية:

(5) الصورة الاُولى: أن يرفع المصلّي رأسه من السجدة الثانية، أو يكمل الذكر فيها ـ على الأقلّ ـ ثمّ يشكّ في أنّ هذه الركعة التي فرغ منها الآن هل هي ثانية أو ثالثة؟ فالثانية متيقّنة لا ريب فيها، والثالثة محلّ الريب، فيبني على أنّها ثالثة، ويأتي بالرابعة، ويتشهّد ويسلّم، وقبل أن يفعل أيّ مبطل ومناف للصلاة يقوم ناوياً أن يصلّي صلاة الاحتياط قربةً إلى الله تعالى، فيكبّر تكبيرة الإحرام ويصلّي ركعةً واحدة من قيام، إن كان مكلّفاً بالصلاة من قيام، وإن كان عاجزاً عن القيام ومكلّفاً بالصلاة جالساً احتاط بالإتيان بركعة واحدة جالساً، فإن كانت صلاته التي شكّ فيها أربع ركعات في الواقع اعتبرت صلاة الاحتياط نافلةً ومستحبّةً، وإن كانت ثلاث ركعات اعتبرت صلاة الاحتياط مكمّلةً لها.

(6) الصورة الثانية: أن يشكّ هل صلّى ثلاث ركعات أو أربع؟ فإنّه يبني على

155

الأربع ـ سواء أوَقَع الشكّ منه حال القيام، أم الركوع، أم السجود، أم بعد رفع الرأس من السجود ـ ثمّ يتشهّد ويسلّم.

وإذا كان المصلّي مكلّفاً بالصلاة قائماً فله هنا الخيار بين الاحتياط بركعة من قيام والاحتياط بركعتين من جلوس، وإن كان عاجزاً عن القيام ومكلّفاً بالصلاة من جلوس فعليه الاحتياط بالإتيان بركعة واحدة جالساً.

هذا كلّه إذا لم يطرأ هذا الشكّ على المصلّي وهو يتشهّد، وإلّا كان من الصورة الثانية للقسم السابق الذي تصحّ معه الصلاة بلا علاج.

(7) الصورة الثالثة: أن يشكّ بين الركعتين والأربع بعد إكمال السجدتين، وذلك بالفراغ من الذكر من السجدة الثانية، أو برفع الرأس منها، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي بركعتين من قيام. وإن كان المصلّي ممّن يصلّي جالساً احتاط بركعتين من جلوس.

(8) الصورة الرابعة: أن يشكّ بين الركعتين والثلاث والأربع أيضاً بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي أوّلاً بركعتين من قيام ثمّ بركعتين من جلوس، وإن كان المصلّي جالساً احتاط بركعتين من جلوس ثمّ بركعة جالساً.

(9) الصورة الخامسة: أن يشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ـ بالمعنى المتقدّم ـ فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويسجد سجدتي السهو.

(10) الصورة السادسة: أن يشكّ بين الأربع والخمس حال القيام، فيجلس، وبهذا يرجع شكّه إلى الشكّ بين الثلاث والأربع؛ لأنّه بجلوسه هدم الركعة التي كان فيها وقطعها، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي بركعة قائماً أو بركعتين جالساً؛ تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الثانية.

156

(11) الصورة السابعة: أن يشكّ بين الثلاث والخمس وهو قائم، فيجلس، ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي بركعتين من قيام؛ تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الثالثة.

(12) الصورة الثامنة: أن يشكّ بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام، فيجلس، ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي أوّلاً بركعتين من قيام ثمّ بركعتين من جلوس؛ تطبيقاً لما تقدَّم في الصورة الرابعة.

(13) الصورة التاسعة: أن يشكّ بين الخمس والستّ وهو قائم، فيجلس، ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الأربع والخمس، ويتمّ صلاته ويسجد سجدتي السهو؛ تطبيقاً لما تقدّم في الصلاة الخامسة.

ففي هذه الصور التسع تصحّ الصلاة بالعلاج الذي حدّدناه. ويستثنى من ذلك الحالات التالية:

(14) أوّلاً: إذا حصل للشاكّ ترجيح معيّن لأحد الاحتمالات ـ وهو ما يسمّى بالظنّ ـ فيعتمد على ظنّه، فإذا غلب على ظنّ المصلّي وترجّح في نظره أنّ هذه الركعة التي هو فيها الآن هي ثالثة أو رابعة أو ثانية ـ مثلاً ـ عمل بظنّه هذا تماماً، كما يعمل بعلمه في عدد الركعات ولا شيء عليه(1)، ولا يحتاج إلى علاج.

وإذا شكّ وتردّد المصلّي أنّ الذي عرض له الآن هل هو ظنّ أو شكّ؟ يكون ذلك ظنّاً ويعمل على أساسه.



(1) قد يتعلّق ظنّه بما يكون مبطلاً، كما لو شكّ بعد الركوع بين أن تكون ما بيده الرابعة أو الخامسة وظنّ بالخمس، والأحوط عندئذ أن يسجد أوّلاً سجدتي السهو ثمّ يعيد الصلاة.

157

(15) ثانياً: إذا كان الإنسان مُفرِطاً في الشكّ وخارجاً عن الحالة الاعتياديّة، على نحو يشكّ عادةً في كلّ ثلاث صلوات متتالية مرّةً واحدةً على الأقلّ، أو في كلّ ستّ صلوات متتالية مرّتين... وهكذا فعليه أن يلغي شكّه، ويفترض أنّه قد أتى بما شكّ فيه من ركعات، أي أنّه يبني على الأكثر. فإذا شكّ في أنّه هل أتى بركعتين أو ثلاث بنى على الثلاث، وإذا شكّ بين الثلاث والأربع بنى على الأربع، وأتمّ صلاته ولا شيء عليه ولا يحتاج إلى علاج، إلّا إذا كان الأكثر مبطلاً للصلاة بنى على الأقلّ وأتمّ صلاته بدون علاج، فإذا شكّ بين الأربع والخمس بنى على الأربع؛ لأنّ البناء على الخمس يبطل الصلاة.

(16) ثالثاً: إذا كان الشاكّ في عدد الركعات إماماً أو مأموماً وكان مأمومه أو إمامه حافظاً وضابطاً للعدد رجع إليه واعتمد على حفظه، سواء كان حفظه على مستوى اليقين أو الظنّ.

(17) رابعاً: إذا كان المصلّي يؤدّي صلاة النافلة وشكّ في عدد ركعاتها فإنّ له أن يبني على أقلّ عدد محتمل، ويكمل صلاته ولا شيء عليه ـ والأحوط استثناء صلاة الوتر من ذلك فيعيدها ـ وله أن يبني على أكبر عدد محتمل ما لم يكن مبطلاً، ويكمل صلاته ولا شيء عليه.

(18) وأمّا القسم الثالث ـ أي الشكّ الذي تبطل به الصلاة ـ فهو غير ما تقدّم من ألوان الشكّ في عدد الركعات، فكلّ شكٍّ في عدد الركعات غير ما تقدّم تبطل به الصلاة. نعم، هناك استثناءات(1).



(1) راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 642 ـ 643، الفقرة: (79) ـ (80) لمعرفة التفاصيل والاستثناءات في المقام.

158

(19) كلّما حصل للمصلّي شكّ في عدد الركعات ولكنّه لم يستعجل، بل تروّى وتدبّر فحصل له اليقين أو الظنّ بالعدد عمل على هذا الأساس وصحّت صلاته، ولم يحتج إلى علاج إطلاقاً.

كما أنّه إذا حصل له ظنّ بالعدد ولكن سرعان ما فارقه هذا الظنّ وتحيّر تحيّراً كاملاً بدون ترجيح عمل على أساس حالته الثانية، فإن كان الشكّ ممّا تبطل به الصلاة بطلت صلاته، وإن كان بحاجة إلى علاج عالجه بالنحو المناسب، تبعاً لما قرّرناه في الصور التسع المتقدّمة.

صلاة الاحتياط:

(20) مرّ بنا أنّ الشكّ في سبع صور من الصور التسع التي تقدّم بيانها لا تبطل به الصلاة شريطة أن تعالج بصلاة الاحتياط، فإذا عولجت بها صحّت؛ وإلّا بطلت.

وجوبها:

وصلاة الاحتياط في تلك الصور السبع واجبة، فلا يسوغ للمكلّف الشاكّ أن يهمل تلك الصلاة ويستأنفها من جديد، بل لابدّ له من علاجها بصلاة الاحتياط.

(21) ويسقط وجوبها إذا تبيّن للمصلّي ولو بعد الفراغ من صلاته أنّه كان على حقٍّ في البناء على الأكثر، وأنّ صلاته كاملة سالمة، وإذا تبيّن له ذلك وهو في أثناء صلاة الاحتياط أمكنه قطعها، وأمكنه إتمامها نافلةً ركعتين، وقد يتبيّن له أنّ صلاته كانت ناقصة، مثلاً: يشكّ في أنّها ثلاث ركعات أو أربع، فيبني على الأربع ويكمل صلاته، ثمّ يتأكّد من أنّها كانت ثلاث ركعات فهل يسقط حينئذ وجوب صلاة الاحتياط؟

159

ويتّضح الحكم من خلال استعراض الحالات التالية:

الاُولى: أن يتبيّن له النقص قبل البدء بصلاة الاحتياط، وعليه في هذه الحالة أن يغضّ النظر عمّا وقع منه من تشهّد وتسليم، ويقوم لإكمال صلاته بركعة رابعة لا يكبّر لها تكبيرة الإحرام، ويقرأ فيها ما يقرؤه المصلّي في الركعة الرابعة، وبعد انتهاء الصلاة يسجد سجدتي السهو للسلام الذي وقع في غير محلّه.

الثانية: أن يتبيّن له النقص في أثناء ركعة الاحتياط وهو يؤدّيها من قيام، فيفترضها مكمّلةً لصلاته، والأحوط وجوباً أن يأتي بعد ذلك بسجدتي السهو للسلام الذي وقع في غير محلّه.

الثالثة: أن يتبيّن له النقص في أثناء صلاة الاحتياط قبل أن يركع فيها وهو يؤدّيها من جلوس، فيهمل ما أتى به منها، ويقوم ويأتي بالركعة الرابعة الناقصة لتكميل صلاته بدون تكبيرة الإحرام، ويقرأ فيها ما يقرؤه المصلّي في الركعة الأخيرة، ثمّ يسجد سجدتي السهو للسلام الذي وقع في غير محلّه.

الرابعة: أن يتبيّن له النقص في أثناء صلاة الاحتياط بعد أن ركع فيها وهو يؤدّيها من جلوس، والأجدر به حينئذ وجوباً أن يستأنف الصلاة من جديد.

وإن تبيّن للمصلّي النقص بعد الفراغ من صلاة الاحتياط فلا شيء عليه على أيّ حال.

(22) وإذا صلّى المكلّف وسلّم في صلاته؛ وقبل أن يصدر منه ما هو مبطل عرض له الشكّ في أنّه هل بنى على الركعة الرابعة؛ لأنّه كان قد ظنّها أو تيقّنها كذلك كي يكون تسليمه هذا خاتمة صلاته ولا شيء عليه بعده؟ أو أنّه كان قد بنى على الركعة الرابعة؛ لأنّه شكّ بين الثلاث والأربع وبنى على الأكثر كي يكون عليه أن يأتي

160

بصلاة الاحتياط، إذا افترضنا هذا فهل تجب في هذه الحالة صلاة الاحتياط؟

والجواب: نعم، يجب على هذا الشاكّ فعلاً أن يحتاط بركعة من قيام، سواء أكان حين سلّم قد سلّم جازماً بأنّ سلامه هذا هو الأخير والخاتمة، أم سلّم مع الشكّ والتردّد.

كيفيّتها:

(23) تقدّم أنّ صلاة الاحتياط: تارةً تكون ركعةً من قيام أو ركعتين من جلوس، واُخرى تكون ركعتين من قيام وركعتين من جلوس، وصورتها ـ على أيّ حال ـ هي الصورة العامّة للصلاة المكوّنة من ركعة أو من ركعتين.

ويجب في صلاة الاحتياط كلّ ما يجب في صلاة الفريضة أجزاءً وشروطاً، إلّا السورة، وإلّا الجهر في الفاتحة؛ فإنّ المصلّي صلاة الاحتياط يخفت بالفاتحة دائماً.

وإذا صدر من المصلّي قبل الابتداء بصلاة الاحتياط شيء يبطل الصلاة حينما يقع فيها بطلت صلاته من أساسها، كما لو صدر منه ذلك المبطل في أثنائها، ووجب عليه أن يعيد الصلاة ويستأنفها من جديد(1).



(1) لمعرفة حكم الشكّ والخلل في صلاة الاحتياط راجع كتاب الفتاوى الواضحة:646 ـ 647 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (85) و(87).

161

سجود السهو

(1) كلّما طرأ للمصلّي سهو ونسيان أدّى إلى بطلان صلاته فليس عليه إلّا إعادتها، وإذا كان من السهو والنسيان الذي لا يبطل الصلاة: فإن تفطّن المصلّي إلى ذلك وتدارك فلا شيء عليه، وإن تفطّن حين لا يمكن التدارك وواصل صلاته صحّت صلاته(1)ولا شيء عليه إضافةً إلى ذلك إلّا في حالات معيّنة تجب فيها سجدتا السهو.

وفي ما يلي نذكر تلك الحالات تحت عنوان موجبات سجود السهو، ثمّ نبيّن كيفيّة هذا السجود.

موجبات سجود السهو:

(2) تجب سجدتا السهو للأسباب التالية فقط:

1 ـ أن يتكلّم المصلّي ساهياً عن صلاته، أو لتوهّم الفراغ منها.

2 ـ أن يأتي المصلّي بالتسليم في غير محلّه بسبب الغفلة والذهول، كما لو أتى به بعد التشهّد الأوّل في الصلاة الرباعيّة.

3 ـ أن يشكّ ويتردّد في عدد الركعات بين الأربع والخمس والستّ، على ما تقدّم.

4 ـ أن ينسى السجدة أو التشهّد كلاًّ أو بعضاً، فإنّه يقضي ما نسيه ويسجد بعد القضاء سجدتي السهو.



(1) لمعرفة تفاصيل أحكام الخلل في الصلاة والحالات التي تبطل فيها الصلاة على أيّ حال والحالات التي لا تبطل فيها الصلاة راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 619 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة الهوامش.

162

والحكم بوجوب سجدتي السهو لنسيان السجدة حكم احتياطي، وقضاء التشهّد الأوّل في صلاة مشتملة على تشهّدين مبنيّ على الاحتياط.

وإذا نسي السجدة الأخيرة أو التشهّد الأخير وتذكّر بعد السلام وقبل صدور مناف ينافي الصلاة حتّى في حال السهو ـ كاستدبار القبلة أو محو صورة الصلاة ـ أتى بما نسيه مع ما بعده، ثمّ يسجد بعد السلام سجدتي السهو للسلام الأوّل الذي وقع في غير محلّه(1).

5 ـ أن يغفل عن جلوس واجب، كما إذا تفطّن عند إكمال الصلاة أنّه لم يجلس جلسة الاستراحة عقيب السجدة الثانية في الركعة الاُولى مثلاً.

6 ـ أن يغفل عن قيام واجب، كما إذا تفطّن عند إكمال الصلاة أنّه هوى من الركوع إلى السجود رأساً دون أن ينتصب واقفاً.

كيفيّة سجود السهو:

(3) وصورة هذا السجود: سجدتان لا فاصل بينهما؛ كأيّة سجدتين من ركعة واحدة، ولكن لا يجب فيهما الاستقبال، ولا الطهارة، ولا الساتر، ولا التكبير.

وتجب فيهما: نيّة القربة، ووضع الكفّين والركبتين والإبهامين، وأن يكون موضع الجبهة ممّا يصحّ السجود عليه في الصلاة.

ويستحبّ في كلّ سجدة ذكر الله ونبيّه بهذا اللفظ: «بسم الله وبالله، والسلامُ عليكَ أيّها النبيّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُه».

وبعد السجدتين الأجدر والأحوط وجوباً أن يتشهّد ويسلّم(2).



(1) لمعرفة بعض التفاصيل راجع مبحث الخلل في السجود في المصدر السابق: 572 ـ 574، وأيضاً مبحث الخلل في التشهّد في المصدر نفسه: 578 ـ 579، مع مراعاة الهوامش في الموضعين.

(2) لمعرفة باقي الأحكام بشأن سجود السهو راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 628 ـ 630 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (49) ـ (51).

163

صلاة الجماعة

(1) صلاة الجماعة من أهمّ شعائر الإسلام، واستحبابها وطيد ومؤكّد نصّاً وإجماعاً، بل ثبت هذا الاستحباب بضرورة دين الإسلام(1) وعند جميع المسلمين، وأجرها وثوابها من الله تعالى عظيم، وقد يفوق أجر الكثير من الواجبات وجُلّ المستحبّات، وكلّما ازدادت الجماعة وأعطت مظهراً حقيقيّاً لتجمّع المسلمين والمصلّين ارتفعت شأناً وجَلّت ثواباً.

وهي أفضل ما تكون في الفرائض اليوميّة الحاضرة منها ـ أي التي لم يَفُتْ وقتها المؤقّت لها بعد ـ والفائتة، وبالخصوص الحاضرة، وبصورة أخصّ صلاة الصبح والمغرب والعشاء(2).

(2) يسوغ الاقتداء وإقامة صلاة الجماعة في كلّ الصلوات الواجبة من الصلوات اليوميّة، وصلاة الجمعة، وصلاة الآيات وغيرها، ويستثنى من الصلوات الواجبة صلاة الطواف، فإنّا لا نملك دليلاً على أنّ الاقتداء فيها سائغ.

ولا يسوغ الاقتداء في الصلوات المستحبّة بطبيعتها حتّى ولو وجبت بنذر ونحوه، ولا فرق في ذلك بين النوافل اليوميّة وغيرها، ويستثنى من ذلك صلاة الاستسقاء، وكذلك صلاة العيدين فإنّ إقامتها جماعة سائغ حتّى ولو كانت مستحبّة.



(1) أي أنّه من البديهيّات الدينيّة.

(2) وقد تجب صلاة الجماعة على الإنسان لأسباب طارئة ذكرت ثلاثة منها في كتاب الفتاوى الواضحة: 651 ـ 652 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (89).

164

(3) وإقامة الصلاة جماعةً ليس شرطاً واجباً في الصلوات الواجبة، إلّا في صلاة الجمعة وصلاة العيدين حيث تجب، فلا تصحّ صلاة الجمعة ولا صلاة العيدين الواجبة إلّا بإقامتها جماعة(1).

(4) تتكوّن صلاة الجماعة من اقتداء شخص بشخص آخر في الصلاة، والاقتداء عبارة عن أن ينوي المأموم حين يكبّر تكبيرة الإحرام أنّه يصلّي مقتدياً بهذا الإمام، أو مؤتمّاً به، أو يصلّي خلفه، ونحو ذلك من المعاني التي تهدف إلى شيء واحد، فإذا نوى المأموم كذلك صار مقتدياً، وصار المقتدَى به إماماً، واعتبرت صلاتهما صلاة جماعة، سواء كان الإمام قاصداً لأن يكون إماماً أوْ لا، وحتّى لو كان جاهلاً بالمرّة بأنّ رفيقه نوى الاقتداء به فإنّ الجماعة تنشأ بنيّة المأموم، لا بنيّة الإمام. أجَل، في الصلوات التي لا تشرع ولا تسوغ إلّا جماعةً لابدّ أن يكون الإمام فيها ملتفتاً إلى أنّه يصلّيها إماماً، وإلّا لكان قاصداً لأمر غير مشروع.

ومثاله: من يقيم صلاة الجمعة، وكذلك في أيّ فريضة صلاّها المكلّف وأراد أن يعيدها إماماً استحباباً(2).

(5) لا يصحّ الاقتداء شرعاً وبالتالي لا تصحّ صلاة الجماعة إلّا إذا توفّرت الشروط التالية:

1 ـ أن يقتدي المأموم بالإمام والإمام يكبّر تكبيرة الإحرام، أو واقف يقرأ في



(1) وللوقوف على باقي تفاصيل الصلوات التي يسوغ فيها الاقتداء والاستثناءات راجع المصدر السابق: 653 ـ 656، الفقرة: (93) ـ (98).

(2) وقد وردت في المصدر السابق: 656 ـ 660 أحكام وتفاصيل تحت عنوان كيفيّة الاقتداء تركنا ذكرها للاختصار، فراجعه للوقوف عليها.

165

الركعة الاُولى، أو بعد القراءة وقبل الهوي إلى الركوع، أو راكع قبل أن يرفع رأسه،فما لم يرفع الإمام رأسه من الركوع يسوغ الاقتداء به في الركعة الاُولى، وكذلك يسوغ الاقتداء به في الركعات الاُخرى وهو قائم أو وهو راكع، وتفوت الفرصة برفع رأسه من الركوع، فلا يسوغ الاقتداء والدخول في صلاة الجماعة عند رفع الإمام رأسه من الركوع أو هويه إلى السجود، فمن أدركه وقتئذ فعليه أن ينتظر إلى أن يقوم الإمام لركعة جديدة(1).

2 ـ المتابعة في الأفعال؛ ذلك أنّ الصلاة فيها أفعال: كالركوع والسجود والقيام والجلوس، وأقوال: كقراءة الفاتحة والذكر والتشهّد، والاقتداء لا يصحّ إلّا إذا تابع المأموم الإمام في أفعاله، فيركع بركوعه ويسجد بسجوده، ويقف بوقوفه، ويجلس بجلوسه، ومعنى المتابعة: أن لا يسبقه في أيّ فعل من واجبات الصلاة، ركناً كان أو غير ركن، بل يأتي من بعد الإمام ما فعله الإمام بلا فاصل طويل، أو مقارناً له، ولا تجب المتابعة في الأقوال ما عدا تكبيرة الإحرام، فإنّ المأموم لا يسوغ له أن يسبق إمامه في تكبيرة الإحرام، ويسوغ له أن يسبقه في قراءة البسملة أو التشهّد أو الذكر ونحو ذلك من الأقوال.

كما أنّ للمأموم أن يزيد على إمامه، فيسبّح في ركوعه ـ مثلاً ـ سبع مرّات في حالة اقتصار الإمام على الثلاث.

وإذا ترك المأموم المتابعة عن عمد والتفات فالاقتداء باطل، ولا جماعة له، سواء كان عالماً بأنّ المتابعة شرط في صلاة الجماعة، أوْ لا.



(1) لبعض الاستثناءات والتفاصيل راجع المصدر السابق: 660 ـ 662، الفقرة: (105) ـ (109) مع مراعاة الهوامش.

166

وإذا تركه سهواً وغفلةً فلا يبطل اقتداؤه ولا جماعته، بل ينظر: فإن كان بالإمكان أن يتدارك ويلتحق بالإمام تدارك والتحق في حالات معيّنة، وإلّا فلا شيء عليه(1).

3 ـ اجتماع الإمام والمأمومين في موقف واحد من بداية الاقتداء إلى نهايته، على نحو يصدق عليهم في نظر العرف أنّهم مجتمعون في صلاتهم لا متفرّقون. ولا تضرّ كثرة الصفوف وتراميها ـ بالغةً ما بلغت ـ مادام اسم الاجتماع صادقاً. فلا يسوغ لإنسان في غرفة من بيته أن يقتدي بإمام يصلّي في المسجد؛ لعدم صدق اسم الاجتماع، فلا تكون الصلاة صلاة جماعة(2).

4 ـ أن تتوفّر في إمام الجماعة اُمور معيّنة، وهذه الاُمور يمكن تصنيفها إلى قسمين: أحدهما يرتبط بصفاته الشخصيّة العامّة، والآخر يرتبط بوضعه الخاصّ في تلك الصلاة التي صار إماماً فيها.

فبالنسبة إلى القسم الأوّل يجب أن يتّصف إمام الجماعة بالعقل، والبلوغ، وطهارة المولد، والإيمان، والعدالة، وكذلك الرجولة إن كان المأموم ذكراً، فلا تصحّ إمامة المرأة للرجل، وتصحّ لمثلها.

وبالنسبة إلى القسم الثاني يجب ما يلي:

أ ـ أن يقرأ الإمام ما يعوّل المأموم فيه عليه من القراءة ـ وهي قراءة الفاتحة والسورة ـ بصورة صحيحة.

ب ـ أن يصلّي الإمام من قيام إذا كان المأموم يصلّي من قيام، وأمّا إذا كان المأموم يصلّي جالساً ساغ له أن يأتمّ بجالس مثله أيضاً.



(1) راجع للتفاصيل المصدر السابق: 663 ـ 664، الفقرة: (112) ـ (120).

(2) لمعرفة ما يستثنى من ذلك وباقي التفاصيل راجع المصدر السابق: 664 ـ 667.

167

ج ـ أن تكون صلاة الإمام صحيحةً في نظر المأموم؛ لكي يصحّ له الاقتداء به، فإذا كان المأموم يعلم بنجاسة ماء معيّن ورأى إمامه يتوضّأ من ذلك الماء للصلاة جهلاً منه بنجاسته، ثمّ بدأ يصلّي فلا يسوغ له الاقتداء به، وأمّا إذا كان المأموم يشكّ في أنّ إمامه هل توضّأ من ذلك الماء، أو من ماء آخر ونحو ذلك، بنى على صحّة صلاة الإمام وجاز له الاقتداء به(1).

د ـ إذا كان في المكان علوّ وانخفاض واضح ومحسوس فلابدّ أن لا يعلو الإمام في موقفه على موقف المأموم شبراً أو أزيد من ذلك، ولا بأس بالعلوّ أقلّ من شبر.

ومثال ذلك: أن يكون الإمام والمأموم على سفح جبل منحدر بصورة واضحة ومحسوسة، فلا يسوغ للإمام أن يقف في الأعلى ويقف المأموم في نقطة تنخفض عن ذلك بشبر أو أزيد، ويسوغ العكس.

وإذا كان في الأرض ارتفاع وانخفاض ولكنّه غير محسوس ـ كما في الأرض المسرّحة التي تنخفض تدريجاً ـ جاز للإمام أن يقف في أيّ نقطة منها.

هـ ـ أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف الذي يقف فيه، وأمّا مساواتهما في الموقف فحكمها يختلف؛ ذلك أنّ الإمام إذا كان رجلاً وكان المأموم أكثر من واحد لم يجز للمأمومين أن يساووه فضلاً عن أن يتقدّموا عليه، وإذا كان الإمام امرأةً، أو كان رجلاً له مأموم واحد جازت المساواة في الموقف، وكما لا يسوغ للمأموم أن يتقدّم على الإمام في الموقف الذي يقف فيه، كذلك الأجدر به وجوباً أن لا يتقدّم



(1) لمعرفة حكم ما لو كان يختلف الإمام والمأموم ـ اجتهاداً أو تقليداً ـ في حكم بعض أجزاء الصلاة وشروطها راجع المصدر السابق: 667 ـ 668، الفقرة: (131) مع مراعاة الهامش.

168

عليه في كلّ الحالات: راكعاً وجالساً وساجداً، فلا يسمح له بأن يكون محلّ سجوده متقدّماً على محلّ سجود الإمام(1).



(1) للوقوف على كيفيّة صلاة الإمام وصلاة المأموم وأحكام تتميّز بها صلاة الجماعة عن صلاة المنفرد راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 669 ـ 674 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـمع مراعاة الهامش.

169

الفوارق بين الفريضة والنافلة

مرّت بنا في ما سبق بعض الاختلافات بين صلاة الفريضة وصلاة النافلة في بعض الأحكام، وفي ما يلي نلخّص جملةً من الفوارق بينهما في الأحكام:

(1) يجب الاستقرار عند أداء الفريضة، ولا يجب ذلك في صلاة النافلة، فيجوز أن يؤدّيها المكلّف وهو ماش أو راكب في سيّارة وغيرها. وهذا في ما إذا كان مبتلىً بالمشي راجلاً أو راكباً، أمّا لدى الوقوف على الأرض فالأحوط الاستقرار.

ثمّ المتيقّن من مشروعيّة النافلة ماشياً هو حال الاحتياج إلى المشي لسفر أو غيره، لا مجرّد اشتهاء أن يمشي لكي تصبح نافلته في حالة المشي.

(2) يجب على من يؤدّي الفريضة أن يركع ويسجد، ولا يكتفي بدلاً عن ذلك بالإيماء. وأمّا من يؤدّي النافلة فيجوز له أن يكتفي بالإيماء للركوع والسجود؛ جاعلاً إيماءه إلى السجود أشدّ من إيمائه للركوع؛ وذلك إذا كان يؤدّيها وهو ماش أو راكب، وأمّا إذا أدّاها في حالة الاستقرار فلا تصحّ منه إلّا بأداء الركوع والسجود بالصورة الاعتياديّة مادام ذلك متيسّراً.

(3) يجب على مَن يؤدّي الفريضة أن يصلّيها من قيام مهما تيسّر له ذلك، وأمّا صلاة النافلة فيجوز للمكلّف أن يؤدّيها جالساً حتّى ولو كان القيام يسيراً عليه، ولكنّ أداءَها من قيام أفضل.

(4) يجب على المصلّي صلاة الفريضة أن يقرأ سورةً كاملةً بعد فاتحة الكتاب في

170

الركعة الاُولى والثانية على ما تقدّم، ولا يجب ذلك في صلاة النافلة، فيجوز للمتنفّل الاقتصار على الفاتحة، وإن قرأ سورةً بعدها فهو أفضل.

(5) يسمح للمتنفّل إذا أحبّ أن يقرأ بعد الفاتحة أيّ سورة شاء، حتّى ولو كانت من السور التي فيها آية السجدة، فلو قرأها سجد في أثناء الصلاة وواصل صلاته، ولا يسوغ له ذلك في صلاة الفريضة، كما لا حرج على المتنفّل أن يبدأ بسورة ثمّ يعدل منها إلى اُخرى، ولا تبطل بذلك صلاته.

(6) لا يجوز قطع الفريضة لغير مسوّغ، ويجوز قطع النافلة متى أراد.

(7) إذا شكّ المصلّي للنافلة في عدد الركعات فلا تبطل صلاته، ولا يحتاج إلى احتياط، بل له أن يبني عمليّاً على الأقلّ، ويكمل صلاته ولا شيء عليه ـ والأحوط استثناء صلاة الوتر من ذلك فيعيدها على ما تقدّم ـ وله أن يبني عمليّاً على الأكثر إذا كانت الصلاة لا تبطل بافتراض الأكثر، ويكمل صلاته ولا شيء عليه، خلافاً لصلاة الفريضة فإنّ الشكّ في عدد ركعاتها يبطل أحياناً، ويتطلّب احتياطاً وعلاجاً أحياناً.

(8) يجب سجود السهو أحياناً على من يسهو في الفريضة، ولا يجب ذلك في النافلة بحال من الأحوال.

(9) تبطل صلاة الفريضة إذا سها المصلّي وزاد ركناً، ولا تبطل صلاة النافلة بذلك.

(10) وعلى أساس ذلك إذا نَسي المصلّي للفريضة واجباً غير ركنيّ وتفطّن بعد أن أتى بركن فلا يجب عليه أن يتدارك ويعود إلى ما نسيه، وإذا نسي المصلّي للنافلة جزءاً منها وتفطّن بعد برهة كان عليه أن يتدارك ويعود إلى ما نسيه وما بعده، سواء تفطّن إلى ذلك بعد أن دخل في ركن أو قبل ذلك، فمثلاً: إذا نسي السجدة الثانية من

171

الركعة الاُولى ولم يتفطّن إلّا بعد أن رفع رأسه من ركوع الركعة الثانية ألغى ما أتى به، وعاد فسجد السجدة الثانية من الركعة الاُولى واستأنف الركعة الثانية.

(11) هناك أجزاء من صلاة الفريضة إذا نُسيَت ولم يَتفطّن إليها المكلّف إلّا بعد الدخول في ركن وجب عليه أن يقضيها بعد الفراغ من الصلاة، وهي: السجود والتشهّد. وأمّا في صلاة النافلة: فإن تفطّن وهو في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها قبل أن تنمحي صورتها وتنقطع صلته بها نهائيّاً، ولم يكن قد صدر منه ما يوجب الوضوء أتى بما نَسِيَه وبما بعده، وإن تفطّن بعد ذلك تمّت صلاته، ولا يجب عليه القضاء.

وهناك فوارق غالبيّة بين الفريضة والنافلة، ولكنّها ليست ثابتةً دائماً، من قبيل: أنّ جُلّ النوافل لا يجوز الاقتداء فيها وإقامتها جماعةً، وجُلّ الفرائض يجوز فيها ذلك، ولكنّ بعض النوافل تسوغ فيها صلاة الجماعة، كصلاة الاستسقاء، وصلاة العيدين، وبعض الفرائض لم يثبت جواز الجماعة فيها كصلاة الطواف.

ومن قبيل: أنّه لا أذان للنوافل عموماً ويثبت الأذان للفرائض، ولكنّه يختصّ بالصلوات اليوميّة، فلا يثبت لصلاة الآيات ـ مثلاً ـ على الرغم من أنّها فريضة.

173

صلاة المسافر

(1) تقدّم أنّ عدد الركعات اليوميّة الواجبة سبع عشرة ركعةً ضمن خمس صلوات، وأنّ عدد الركعات اليوميّة المستحبّة أربع وثلاثون ركعةً ضمن ثماني عشرة صلاة.

وهذا العدد إنّما يجب على المكلّف الحاضر، وهو غير المسافر، والحاضر مَن كان متواجداً في بلدته ووطنه، فكلّ مَن كان في وطنه وبلدته(1) وجب عليه أن يؤدّي الصلوات بأعدادها المتقدّمة، فيصلّي الظهر والعصر والعشاء أربعاً، وتسمّى بالصلاة التامّة، ويسمّى التكليف بإيقاع تلك الصلوات أربع ركعات: التكليف بالتمام، فإذا سافر سفراً شرعيّاً تناقص العدد المذكور من الركعات، وانخفضت الصلوات اليوميّة الواجبة التي كانت تتألّف من أربع ركعات وأصبحت ركعتين بدلاً عن أربع، وسقط عدد من نوافل الصلوات اليوميّة.

وعلى هذا الأساس تكون صلاة الظهر من المسافر ركعتين كصلاة الصبح، وكذلك العصر والعشاء، وتسمّى صلاة القصر. ويختصّ هذا القصر بالفرائض الرباعيّة اليوميّة كما عرفت.



(1) لمعرفة معنى الوطن شرعاً وأقسامه وأنّه كيف يكون الإنسان حاضراً راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 445 ـ 448 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهوامش.