88

فيمسحهما أيضاً مع جبهته، ثمّ يمسح تمام ظاهر الكفّ اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع يمسحها بباطن الكفّ اليسرى، ثمّ يمسح تمام ظاهر الكفّ اليسرى إلى أطراف الأصابع بباطن الكفّ اليمنى، تماماً كما فعل بظاهر اليمنى. ونريد بظاهر الكفّ: ما تلمسه من ظاهر إحدى كفّيك بكفّك الاُخرى عند إمرارها عليها ومسحها بها، فلا يجب أن يشتمل المسح ما بين الأصابع، ولا غيره ممّا لا يلمس عادةً بوضع إحدى الكفّين على الاُخرى.

وإذا علق بكفّيه شيء من التراب وجب عليه النفض ـ على الأحوط ـ قبل المسح بهما.

وإذا امتدّ شعر الرأس إلى الجبهة أو الجبينين وجب رفعه عند المسح، أمّا ما ينبت عليها بالذات فيكفي مسحه.

(20) وكلّ ممسوح ممّا يجب مسحه لابدّ أن يستوعبه المسح بالكامل، ولكن لا يجب أن يكون هذا الاستيعاب بكلّ أجزاء الماسح، بل يكفي للجبهة ـ مثلاً ـ المسح ببعض الأجزاء من باطن الكفّين مجتمعتين على نحو تساهم كلّ من الكفّين في المسح(1).

شروط التيمّم:

هنا شروط يجب مراعاتها في التيمّم، وهي كما يلي:

(21) أوّلاً: إباحة الشيء الذي يتيمّم به وطهارته.

(22) ثانياً: نيّة القربة؛ لأنّ التيمّم عبادة. وسواء كان التيمّم من أجل التعويض عن الوضوء أو من أجل التعويض عن الغسل لا يجب في نيّة التيمّم شيء سوى



(1) راجع المصدر السابق: 323 ـ 324، الفقرة: (23) و(24) للوقوف على بعض التفصيلات.

89

القربة إلى الله تعالى، وليس من الضروريّ أن ينوي كونه بدلاً عن الوضوء، أو بدلاً عن الغسل، أو كونه طهارةً اضطراريّة(1).

(23) ثالثاً: أن يأتي بأفعال التيمّم حسب تسلسلها وترتيبها المقرّر سابقاً فلو خالف وقدّم وأخّر لم يكفِهِ ذلك.

(24) رابعاً: أن يباشر المكلّف المسؤول بنفسه عمليّة التيمّم مع التمكّن من ذلك.

(25) خامساً: عدم وجود الحائل والحاجب على العضو الماسح أو العضو الممسوح. وعلى هذا الأساس يجب نزع الخاتم عند التيمّم؛ لأنّه حاجب وحائل.

(26) سادساً: التتابع بين الضرب بالكفّين ومسح الأعضاء، وعدم الفصل الطويل بين الضرب على الصعيد والمسح على النحو الذي يؤدّي إلى عدم الارتباط بين الضرب والمسح عرفاً.

(27) سابعاً: أن يكون المكان الذي يشغله المتيمّم عند التيمُّم مباحاً، فإذا غصب دار غيره وتيمّم فيها بطل تيمّمه، حتّى ولو كان التراب الذي يتيمّم به ملكاً شخصيّاً له.

(28) وهناك اُمور يحسن بالمتيمّم استحباباً تحقيقها، منها: أن تكون أعضاء التيمّم طاهرة.

نواقض التيمّم:

(29) التيمّم إذا كان بديلاً عن الوضوء انتقض بكلّ ما ينقض الوضوء ويوجبه، وينتقض إضافةً إلى ذلك بتيسّر الوضوء، شريطة أن تبقى هذه القدرة أمداً يتّسع للطهارة، بمعنى أنّه ينتهي حينئذ مفعول التيمّم، ويكون المكلّف بحاجة إلى الوضوء.



(1) للوقوف على بعض الاستثناءات في المقام وأيضاً لمعرفة التفاصيل في أحكام التيمّم راجع المصدر السابق: 324 ـ 325، الفقرة: (26) و: 329 ـ 334، مع مراعاة الهامش.

90

(30) وإذا كان التيمّم بديلاً عن الغسل انتقض بكلّ ما ينقض الغسل ويوجبه، وينتقض إضافةً إلى ذلك بتيسّر الغسل، بمعنى انتهاء مفعول التيمّم بذلك، ويكون المكلّف بحاجة إلى الغسل، ولا ينتقض هذا التيمّم البديل عن الغسل بما يوجب الوضوء (الحدث الأصغر)، فلو تيمّم الجنب ـ مثلاً ـ ثمّ نام أو بال بقي تيمّمه عن الجنابة نافذ المفعول، وعليه أن يتوضّأ من أجل البول أو النوم إن كان متيسّراً، وإن لم يتيسّر الوضوء تيمّم بدلاً عنه، وكذلك إذا تيمّمت الحائض بدلاً عن غسل الحيض ثمّ نامت أو بالت فإنّها لا تعيد تيمّمها هذا، وإنّما عليها أن تتوضّأ إن أمكن، وإلّا تيمّمت بدلاً عن الوضوء(1).

(31) وإذا تيمّم الجنب بدلاً عن غسل الجنابة كفاه ذلك عن الوضوء، ما لم يحصل بعد التيمّم ما يوجب الوضوء، وإن حصل شيء من ذلك توضّأ إن كان الوضوء ميسوراً، وإلّا تيمّم(2).



(1) لمعرفة بعض التفاصيل في المقام راجع المصدر السابق: 327، الفقرة: (35) مع مراعاة الهامش.

(2) لمعرفة أحكام تتعلّق بالخلل في التيمّم راجع المصدر السابق: 328 ـ 329، الفقرة:(36) ـ (38) مع مراعاة الهامش.

91

النجاسات والتطهير منها

تمهيد:

النجاسة لغةً: القذارة، وشرعاً: ما يجب على المسلم أن يتنزّه عنها، ويغسل ما يصيبه منها عند الصلاة. وفي مقابل النجاسة الطهارة، وقد تسمّى النجاسة بالخبث، وتسمّى الطهارة منها بالطهارة الخبثيّة، أي الطهارة من الخبث.

(1) وكلّ جسم فهو طاهر شرعاً لا يجب التنزّه عنه، باستثناء الأعيان النجسة، أو الأشياء التي تتنجّس بسبب تلك الأعيان.

ونريد بالأعيان النجسة: أشياء معيّنةً حكمت الشريعة بأنّها نجسة وقذرة بطبيعتها بصورة أصيلة أي لم تكتسب هذه النجاسة من الملاقاة لشيء آخر قذر.

ونريد بالأشياء التي تتنجّس بها: أشياء طاهرةً بطبيعتها، ولكنّها تكتسب النجاسة بالملاقاة لشيء نجس أو قذر، ويسمّى أحدها بالمتنجّس تمييزاً له عن عين النجس، فالبول عين النجس، ويدك التي يصيبها البول شيء متنجّس.

ونبدأ الكلام هنا عن الأعيان النجسة، واستعراض أنواعها كالآتي:

الأعيان النجسة:

(2) الأوّل والثاني: البول والعذرة، كلّ ما يطلق عليه اسم البول أو الغائط (أردأ الفضلات التي تخرج من الإنسان وغيره من الحيوانات بسبب الطعام والشراب)

92

فهو نجس عيناً، ولا يطهر بحال، ويستثنى منه ما يلي:

(3) أوّلاً: فضلات الطير بأقسامه فإنّها طاهرة، سواء كان لحم الطير ممّا يسوغ أكله شرعاً كالحمام، أو ممّا لا يؤكل كالبازي.

(4) ثانياً: فضلات كلّ حيوان يسوغ أكل لحمه شرعاً، شريطة أن لا يعيش الحيوان على العذرة أمداً حتّى يشتدّ لحمه، وإلّا حرم من أجل ذلك، وكانت فضلاته نجسةً مادام على هذا النحو.

(5) ثالثاً: فضلات الحيوانات التي ليس لها لحم عرفاً فإنّها طاهرة، حتّى ولو لم يكن أكلها سائغاً شرعاً، كفضلات العقرب والخنفساء.

(6) رابعاً: فضلات حيوان ذي لحم غير ذي نفس سائلة كالسمك، فإن كان محلّل الأكل فقد دخل في القسم الثاني فلا إشكال في طهارة فضلاته، وإن كان محرّم الأكل كالسمك الذي لا فلس له فلا إشكال في طهارة خرئه، وكذلك لا إشكال في طهارة بوله لو لم يكن له وجود متميّز عن الخرء بأن كان بوله يندفع كرطوبات مع الخرء ولا يتميّز في إحساسنا عنه، أمّا لو كان له بول مستقلّ عن الخرء ومتميّز عنه فمقتضى الاحتياط الاجتناب عنه.

(7) الثالث: المني نجس من الإنسان ومن كلّ حيوان ذي نفس سائلة أي الذي يجري دمه من العروق بدفع وقوّة ـ ويعرف ذلك عادة حين الذبح فيرى كيفيّة اندفاع الدم ـ سواء كان ممّا يسوغ أكل لحمه أم لا.

ومني الرجل واضح، وأمّا ما يخرج من المرأة من رطوبات فلا دليل على نجاسته.

(8) الرابع والخامس: الكلب والخنزير. وهما نجسان عيناً وذاتاً بكلّ ما فيهما.

ولا تشمل النجاسة كلب البحر ولا خنزير البحر، وهما حيوانان بحريّان يطلق

93

عليهما اسم الكلب والخنزير تشبيهاً لهما بالكلب والخنزير البرّيّين.

(9) السادس: الميتة. قد يكون الحيوان نجساً بالذات كالكلب والخنزير على ما تقدّم، فإذا مات تضاعفت النجاسة وتعاضدت بتعدّد السبب.

والكلام هنا حول الحيوان الطاهر مادام حيّاً، فإن مات تنجّس بالموت فقط، فكلّ حيوان طاهر إذا مات أصبح نجساً، ويسمّى بالميتة، ونقصد بالميتة أو الحيوان الميّت: ما مات بدون أن يذبح على الوجه الشرعي، ولا فرق بين أن يكون مأكول اللحم أم غير مأكول.

ويستثنى من نجاسة الميتة: الحيوان الذي لا يجري دمه من عرقه بقوّة ودفع، فإنّ ميتته طاهرة، ومنه السمك والذباب والعقرب وغيرها من الحشرات.

(10) والإنسان ينجس بالموت كالحيوان، ويطهر الميّت المسلم بتغسيله غسل الأموات على الوجه المتقدّم في الغسل.

(11) الحمل إذا بلغ مرحلةً يتحرّك فيها ثمّ صار سقطاً فهو نجس بالموت، وإذا صار سقطاً قبل ذلك فاللازم احتياطاً اعتباره ميتةً أيضاً، وكذلك الفرخ في البيضة.

(12) النجس بالموت إنّما ينجس منه الأجزاء التي يجري فيها الدم وتدبّ فيها الحياة، وأمّا ما لا يجري فيها الدم فلا ينجس، ومن ذلك: الصوف والشعر والوبر والسنّ والعظم والريش والمنقار والظفر والقرن والمخلب، وغير ذلك. ولا فرق في طهارة هذه الأشياء من الميتة بين ميتة حيوان يسوغ أكله وميتة حيوان محرّم الأكل.

وما ذكرناه من عدم نجاسة هذه الأشياء بسبب الموت لا يعني أنّها لا تتنجّس بما في الميتة من رطوبات، فإذا لاقى شيء منها تلك الرطوبات يصبح متنجّساً.

(13) وكلّ جزء ينجس من الميتة ينجس أيضاً لو انفصل من الحيوان الحيّ، فلو

94

قطعت ألية الغنم أو رجله كانت نجسة.

ولا بأس بما ينفصل من جسم الحيوان أو الإنسان ممّا يكون بالفضلات أشبه، كالثؤلول، وقشور الجرب، وقشرة الرأس تخرج بالتمشيط والحلق بالموس، وما يعلو الجرح والشفة عند البرء، وما يتّصل بالأظفار عند قصّها، وما ينفصل عن باطن القدم حين حَكّه بالحجر عند الاستحمام، وغير ذلك ممّا لا يعدّه العرف شيئاً ذا قيمة.

(14) وكما لا ينجس الريش في الميتة كذلك البيضة في جوف الطائر الميّت، فإنّها طاهرة إن اكتست القشر الأعلى حتّى ولو كان طريّاً، أمّا أكل البيضة فيجري عليه ما يجري على البائض تحليلاً وتحريماً.

(15) وقد تسأل: هل الحليب الموجود في ضرع الحيوان الميّت تشمله نجاسة الميتة، أوْ لا؟

والجواب: إن كان الحيوان المذكور مأكول اللحم ـ كالغنم ـ فالحليب الموجود في ضرعه عند موته طاهر، أمّا إذا كان غير مأكول اللحم ـ كالهرّة ـ فحليبه نجس.

(16) وقد تسأل عن فأرة المسك، وهي جلدة في الغزال فيها ما يشبه الدم طيّب الرائحة؟

والجواب: أنّها طاهرة، سواء اُخذت من غزال حيّ أم ميّت.

(17) وقد تسأل أيضاً عن حكم أنفحة الميتة، فقد جرت العادة عند أصحاب المواشي إذا مات ابن العنزة حال ارتضاعه أن يستخرجوا معدته ويعصروها في شعرة مبتلّة باللبن فتجمد كالجبن، وتسمّى أنفحة؟

والجواب: أنّها طاهرة تماماً، كصوف الحيوان الميّت وشعره.

(18) السابع: الدم. الدم نجس عيناً، سواء كان من إنسان أو حيوان، وسواء كان

95

الحيوان ممّا يسوغ أكل لحمه شرعاً أو ممّا لا يؤكل لحمه. ويستثنى من ذلك ما يلي:

(19) أوّلاً: دم الحيوان الذي لا يجري دمه من العروق بقوّة ودفع، كدم السمك فإنّه طاهر.

(20) ثانياً: كلّ دم يبقى ويرسب في لحم الذبيحة أو كبدها وما أشبه، بعد ما يخرج دمها المعتاد من محلّ الذبح أو النحر فهو طاهر، ويسمّى في عرف الفقهاء بالدم المتخلّف في الذبيحة.

(21) ثالثاً: الدم الذي يمتصّه البرغوث والقمّل ونحوهما من البعوض الذي ليس له دم أصلي، فإنّ ما تمتصّه هذه الحيوانات من الإنسان أو من الحيوانات ذات الدماء الأصليّة يصبح طاهراً بامتصاصها له وامتزاجه بجسمها.

(22) رابعاً: قطرة الدم التي قد يتّفق وجودها في البيضة فهي طاهرة، وإن كان إبتلاعها حراماً.

وأمّا الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب فهو نجس ومنجّس للّبن، وكذلك الأمر في النطفة التي تصير مع الأيّام قطعةً جامدةً من الدم، وتسمّى علقة، فإنّه إذا رشح من هذه العلقة شيء من الدم فهو نجس على الأحوط وجوباً.

(23) الثامن: المسكر. المسكر المائع بالأصالة سواء كان متّخذاً من العنب أم من غيره يحمل من آثار النجاسة إفساد الطعام والشراب بالملاقاة المباشرة وبملاقاة ما لاقاه، كالآنية التي شرب فيها الخمر أو غيره من المسكرات، فالطعام أو الشراب الذي يلقى في تلك الآنية قبل تطهيرها يحرم أكله أو شربه، وأمّا باقي آثار النجاسة كحرمة الصلاة في ثوب لاقى خمراً أو مسكراً فغير ثابتة لا في الخمر ولا في غيره من المسكرات، وأمّا المسكر الجامد بالأصالة كالحشيش فلا دليل على نجاسته وإن كان

96

حراماً، وكلّ المسكرات محرّمة يحرم شربها وبيعها وشراؤها، سواء كانت مائعة كالخمر، أو جامدة كالحشيش.

(24) التاسع: الكافر. من آمن بوحدانيّة الله ورسالة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) واليوم الآخر فهو مسلم طاهر، من أيّة فرقة أو طائفة، أو أيّ مذهب كان من المذاهب الإسلاميّة.

وكلّ إنسان أعلن الشهادتين (الشهادة لله بالتوحيد وللنبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)بالرسالة) فهو مسلم عمليّاً وطاهر، حتّى ولو عُلِمَ بأنّه غير منطو في قلبه على الإيمان بمدلول الشهادتين مادام هو نفسه قد أعلن الشهادتين ولم يعلن بعد ذلك تكذيبه لهما، أو اعتقادات دينيّة اُخرى تتعارض معها بصورة صريحة لا تقبل التأويل.

وكلّ من ولد عن أبوين مسلمين فهو مسلم عمليّاً وطاهر ما لم يعلن تكذيبه للشهادتين. أو اعتقاده بعقائد اُخرى تتعارض معهما كذلك.

وغير هذا وذاك يعتبر كافراً. وكلّ كافرنجس على الأحوط، ويستثنى من نجاسة الكافر قسمان من الكفّار:

أحدهما: أهل الكتاب، وهم الكفّار الذين ينسبون أنفسهم إلى ديانات سماويّة صحيحة مبدئيّاً ولكنّها نسخت، كاليهود والنصارى، بل وكذلك المجوس أيضاً.

والآخر: من ينسب نفسه إلى الإسلام ويعلن في نفس الوقت عقائد دينيّةً اُخرى تتعارض مع شروط الإسلام شرعاً، وذلك كالغُلاة الذين يشهدون الشهادتين ولكنّهم يُغالون في بعض الأنبياء أو الأولياء من أهل البيت(عليهم السلام) أو غيرهم غلوّاً يتعارض مع الإسلام، وكذلك النواصب الذين ينصبون العداء لأهل البيت(عليهم السلام)الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فإنّ هؤلاء الغُلاة والنواصب كفّار، ولكنّهم طاهرون شرعاً ماداموا ينسبون أنفسهم إلى الإسلام.

97

(25) العاشر: عرق الحيوان الجلاّل. إذا أصبح الحيوان معتاداً على العذرة في غذائه ـ ويسمّى بالحيوان الجلاّل ـ ورشح بدنه بالعرق فعرقه هذا نجس كنجاسة بوله، وهذا في خصوص الإبل على الأقوى، وفي غيره على الأحوط وجوباً، ويلحق بالعرق سائر الفضلات كالبصاق.

وكلّ حكم يثبت للحيوان الجلاّل ـ كنجاسة عرقه، أو حرمة الأكل من لحمه، ونجاسة فضلاته ـ يستمرّ إلى أن يستبرأ؛ وذلك بأن يمنع عن أكل العذرة فترةً من الزمن حتّى يقلع عن عادته ويعود إلى الطبيعة.

الأشياء المتنجّسة:

قد يتنجّس الماء الطاهر بسبب الأعيان النجسة، وهذا ما نترك الحديث عنه اختصاراً(1)، وأمّا غير الماء من الأشياء الطاهرة فسراية النجاسة من العين النجسة إليها يتوقّف على أمرين أساسيّين: أحدهما الملاقاة، والآخر توفّر الرطوبة، بأن يكون أحدهما على الأقلّ مائعاً أو مرطوباً برطوبة قابلة للانتقال بالملاقاة من جسم إلى آخر(2).

(26) الشيء الطاهر يتنجّس إذا لاقى برطوبة عين النجس، أو كان بينه وبينها واسطة واحدة فقط، وأمّا إذا كان بينه وبينها واسطتان فلا يتنجّس.



(1) تقدّم شيء يسير من الكلام في ذلك تحت عنوان حكم القليل والكثير، وللوقوف على التفاصيل راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 167 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة هوامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

(2) وهنا بعض التفاصيل والاستثناءات يراجع لها المصدر السابق: 349 فما بعد، مع مراعاة الهوامش.

98

ومثال ذلك: أن تمسّ بيدك شعر الكلب وهو مبتلّ، ثمّ تضع يدك وهي مرطوبة على ثوبك فإنّ يدك تتنجّس بعين النجس، ويتنجّس الثوب كذلك؛ لأنّ بينه وبين عين النجس واسطة واحدة، ولكنّ شيئاً آخر إذا لاقى الثوب برطوبة لا يتنجّس به؛ إذ يكون بينه وبين النجس واسطتان، وهذا معنى قولنا: إنّ المتنجّس الأوّل ينجِّس، وإنّ المتنجّس الثاني لا ينجِّس.

ونريد بالمتنجِّس الأوّل: ما كان متنجِّساً بعين النجس مباشرة.

ونريد بالمتنجّس الثاني: ما كان بينه وبين عين النجس واسطة واحدة، فلا ينجِّس ما يلاقيه وإن كان نجساً؛ لأنّ هذا الملاقي له يفصل حينئذ بينه وبين عين النجس واسطتان.

ولكن يجب أن يعلم بهذا الصدد: أنّ الواسطة إذا كانت مائعاً متنجّساً بعين النجس لم تحسب كواسطة، واعتبر الشيء المتنجّس بها كأنّه تنجّس بعين النجس مباشرةً، بل الواجب الاحتياط بتعميم هذه على كلّ واسطة مائعة، سواء تنجّس بعين النجس مباشرةً أو بالمتنجِّس بعين النجس ـ نستثني من ذلك الماء المطلق القليل، فإنّنا نعتقد أنّه يتنجّس بملاقاة المتنجّس الأوّل لكنّه لا يُنجّس الجامد، نعم لو كان المتنجّس الأوّل قد زال البول عنه مثلاً بمجرّد الجفاف لا بالإزالة كان الماء القليل الملاقي له منجّساً ـ وهكذا نحسب دائماً عدد الوسائط التي تفصل بين الشيء وعين النجس، ونسقط منها كلّ واسطة مائعة، فإن بقي أكثر من واسطة لم يتنجّس ذلك الشيء وإلّا تنجّس.

1 ـ تطهير الأعيان النجسة:

عرفنا أنّ الشيء النجس على قسمين: أحدهما: عين النجس، والآخر المتنجّس، وهو ما تنجّس بملاقاة عين النجس، ونريد أن نعرف الآن متى وكيف

99

يمكن تطهير الشيء النجس؟ وذلك أوّلاً في الأعيان النجسة، وثانياً في المتنجّسات:

الأعيان النجسة لا تطهر إلّا في حالات معيّنة نذكرها في ما يلي:

(27) أوّلاً: ميتة الإنسان المسلم نجسة كما تقدّم، وهذه نجاسة عينيّة، ويطهر هذا الميّت بالتغسيل على الوجه الشرعي المتقدّم في أحكام الأموات.

(28) ثانياً: إذا استحالت العين النجسة وكانت الاستحالة مزيلة لمناشئ القذارة في نظر العرف، طهرت، والمراد بالاستحالة: تحوّل الشيء النجس عن طبيعته الأصليّة التي حكم الشارع عليها بالنجاسة إلى طبيعة ثانية بصورة أساسيّة على نحو يقول العرف: هذا شيء جديد يحتلّ موضع الجسم القديم النجس، كتحوّل جسم الكلب الميّت إلى تراب، وتحوّل البول إلى بخار ثمّ رجوعه مائعاً بشرط زوال مناشئ القذارة عرفاً عن هذا المائع.

(29) ثالثاً: إذا أسلم الكافر النجس كان هذا الإسلام مطهِّراً له من النجاسة التي سبّبها له كفره، وكذلك من نجاسة فضلاته المتّصلة به كالبصاق والنخامة.

(30) رابعاً: إذا تحوّل الخمر إلى خلٍّ، أو إلى أيّ صورة اُخرى على نحو لم يعدّ خمراً ولا يسمّى بالخمر عرفاً طهر بذلك.

(31) خامساً: إذا امتصّ البرغوث والبقّ ونحوهما دماً من إنسان أو غيره فهذا الدم يطهر بالامتصاص، واكتسابه اسم دم البرغوث أو دم البقّ، وهكذا.

وأمّا الحيوانات التي لها دم بطبيعتها ولكنّ دماءها طاهرة إذا امتصّت دماً من إنسان أو من حيوان له دم نجس فليس من المعلوم أنّ ذلك الدم الممتصّ يطهر بهذا الامتصاص.

100

2 ـ تطهير الأشياء المتنجّسة:

المطهّر الأوّل للشيء المتنجس: الماء:

الماء ـ كما تقدّم ـ ينقسم إلى الماء الكثير والماء القليل، والتطهير: تارةً يكون بالكثير، واُخرى بالقليل.

والتطهير بالماء يتوقّف على توفّر اُمور:

(32) أوّلاً: أن يكون الماء طاهراً.

(33) ثانياً: أن لا يتغيّر الماء الكثير من خلال عمليّة الغسل والتطهير تغيّراً منجّساً له، و أن لا يتنجّس الماء القليل خلال عمليّة الغسل والتطهير بملاقاة عين النجس.

(34) ثالثاً: أن يكون ماءً مطلقاً، ويضلّ ماءً مطلقاً خلال عمليّة الغسل والتطهير.

(35) رابعاً: أن تُزال عين النجس عن الشيء المتنجّس إمّا قبل البدء بغسله أو بنفس الغسل.

(36) خامساً: أن يتحقّق الغسل، وذلك باستيلاء الماء على الموضع المتنجّس من الشيء استيلاءً كاملاً، سواء تمّ ذلك عن طريق إدخال الشيء المتنجّس في الماء الكثير، أو عن طريق صبّ الماء الكثير على الشيء المتنجّس وإجراء الماء عليه، وفي كلتا الحالتين لابدّ في مثل الثوب من شيء من الفرك والغمز، وتكفي الغسلة الواحدة في التطهير.

هذا في التطهير بالماء الكثير، وأمّا إذا كان الماء قليلاً فيجب أن يكون الاستيلاء بصبّ الماء القليل على الشيء المتنجّس، لا بإدخاله في ذلك الماء على الأحوط، فلو أدخل الإنسان يده المتنجّسة في وعاء ماء قليل لم تطهر بذلك.

وإذا كان الغسل بالماء القليل وكان على الشيء المغسول عين النجس عند غسله

101

لم تكفِ الغسلة التي أزالت عين النجس واحتاج التطهير إلى غسلة واحدة بعد ذلك، فالتطهير يحتاج إذن إلى غسلة واحدة بعد زوال عين النجس ولو بإدامة الغسلة الاُولى بعد زوال العين، فلا حاجة إلى تعديد الغسل بقطع الماء ثمّ صبّه مرّة اُخرى، ولابدّ في مثل الثوب والفراش والستائر ممّا يمكن للنجاسة النفوذ فيها من فركها أيضاً عند تطهيرها بالماء القليل.

(37) وإذا تنجّس الخبز أو الصابون أو الخشب أو الخزف ونفذت النجاسة إلى أعماقه كفى في تطهير تلك الأعماق صبّ الماء عليه مدّةً طويلةً إلى حدٍّ يتبادل على باطن هذه الاُمور نفوذ الماء ولو بشكل الرطوبات وخروجه إلى أن يحصل زوال الاستقذار عرفاً.

والأفضل في هذه الحالات تجفيف الشيء المتنجّس أوّلاً، ثمّ تطهيره بما ذكرناه.

ويمكن تطهير العجين والطين ونحوهما بنفس الطريقة أيضاً، ولو بأن يخبز العجين ـ مثلاً ـ ثمّ يطهّر بما ذكرناه، وأمّا مجرّد تجفيف العجين المتنجّس وخبزه فلا يكفي في تطهيره.

وكذلك الحال في المائعات إذا جمدت، فالحليب المتنجّس إذا جمد ـ بأن يصنع جبناً مثلاً ـ أمكن تطهير أعماقه بنفس الطريقة أيضاً، أمّا وهو مائع فلا يمكن تطهيره، وكذلك سائر المائعات ـ باستثناء الماء ـ فإنّها لا يمكن تطهيرها وهي مائعة.

فكلّما تحقّقت هذه الشروط طهر الشيء المتنجّس بما ذكرناه، بدون حاجة إلى شيء علاوة على ذلك.

ويستثنى من ذلك عدد من الحالات لا يحصل فيها التطهير شرعاً إلّا مع بعض الاُمور الإضافيّة وفي ما يلي نذكر هذه الحالات:

(38) أ ـ إذا كان الشيء المغسول وعاءً من أوعية الطعام والشراب ومتنجّساً بالخمر فإنّ تطهيره بالماء القليل يحتاج إلى الغسل ثلاث مرّات، والأحوط في تطهيره بالماء المعتصم غسله ثلاث مرّات أيضاً.

102

ويلحق بالخمر كلّ مسكر مائع بالأصالة.

والأحوط الدلك في كلّ الغسلات الثلاث بالماء القليل.

(39) ب ـ إذا كان وعاءً من أوعية الطعام والشراب ومتنجّساً بسبب شرب الخنزير منه أو تنجّس بسبب موت الجرذ ـ وهو الكبير من الفأر البرّي لا فئران البيوت الصغار ـ فيه غسل سبع مرّات، وهذا الحكم في الغسل بالماء المعتصم احتياطي.

(40) ج ـ إذا كان وعاءً ـ كما تقدّم ـ وشرب منه الكلب بطرف لسانه ـ ولغ فيه ـ أو لطع بدون شرب، أو شرب بدون استعمال اللسان، أو باشره بلعابه، وغسل أوّلاً بتراب طاهر ممزوج بشيء من الماء، ثُمّ غُسِلَ بالماء الكثير مرّةً واحدةً، أو بالماء القليل مرّتين، فقد طهر.

(41) هـ ـ إذا كان الشيء المغسول متنجّساً ببول غير الرضيع والرضيعة غسل بالماء المعتصم مرّة واحدة ويحتاج تطهيره بالماء القليل إلى غسله مرّتين، وفي كلتا الحالتين لابدّ في مثل الثوب من شيء من الفرك والغمز كما تقدّم.

(42) وتستثنى الأشياء التي تتنجّس ببول الرضيع والرضيعة، فإنّها تطهر إذا غسلت بالماء القليل مرّة واحدة وبدون حاجة إلى فرك في مثل الثوب، نعم، يجب العصر في ما إذا كانت الغسلة مزيلةً للعين، أو إدامة الغسل إلى أن تنفصل غسالة الغسلة المزيلة ولو بواسطة الفرك ضمن إدامة الغسل. هذا شريطة أن يتغذّى الرضيع أو الرضيعة باللبن عموماً، وهو الحليب الطبيعي، أو ما هو البديل المتعارف اليوم استعماله بدلاً عن لبن الاُمّ، والأحوط وجوباً الاقتصار في الحكم بالطفل الذي يكون في داخل الحولين.

(43) و ـ أوعية الطعام والشراب إذا تنجّست بصورة عامّة وغسلت بالماء القليل فلا تطهر إلّا إذا غُسلت ثلاث مرّات بأن يملأ الوعاء ماءً، أو يصبّ فيه شيء من الماء، ثمّ يدار فيه إلى أن يستوعب كامل أجزائه، ثمّ يراق، ويفعل به ذلك ثلاث مرّات.

103

المطهّر الثاني للشيء المتنجّس: استحالته:

(44) كما أنّ استحالة العين النجسة تطهّرها كذلك استحالة الشيء المتنجّس، شريطة أن تكون الاستحالة مزيلة لمناشئ القذارة في نظر العرف، كما لو اُحرقت الخشبة المتنجّسة إلى أن أصبحت فحماً.

المطهر الثالث: تحوّل الخمر خلاًّ:

(45) تحوّل الخمر خلاًّ أو إلى أيّ شيء آخر على نحو لا يسمّى خمراً يطهّر المائع المتحوّل من نجاسته ـ وهذا تطهير لعين النجس كما تقدّم ـ وكذلك يطهِّر الوعاء المتنجّس.

المطهّر الرابع: إسلام الكافر النجس:

(46) قد مرّ بنا أنّه يطهّره، وكذلك يطهّر ما تنجّس به ممّا هو تابع لبدنه عرفاً، كماء ريقه ونخامته ونحو ذلك.

المطهّر الخامس: الأرض بمعناها العامّ:

(47) الأرض بمعناها العامّ الشامل للتراب والصخر والرمل والآجر والجصّ والنورة من المطهّرات، ويدخل ضمنها الشوارع المبلّطة بالحصى، أمّا المبلّطة بالزفت ففيها إشكال لا يترك معه الاحتياط.

ثمّ إنّ الأرض تطهّر المتنجّس ضمن شروط، وهي:

أن يكون المتنجّس باطن القدم أو ما يلبسه الإنسان في قدمه من حذاء أو نعل أو جورب، ونحو ذلك من أيّ نوع كانت مادّته، وأن تكون هذه الأشياء قد تنجّست بالمشي على الأرض، أو بالوقوف عليها، وأن تكون الأرض طاهرةً وجافّة.

104

فإذا توفّرت هذه الشروط طهر المحلّ إذا مسح بالأرض، أو مشي عليها إلى أن زالت النجاسة عنه، ولا يطهر بمسح النجاسة بتراب أو حجر منفصل عن الأرض، أجل، تسوغ إزالة النجاسة عن المحلّ أوّلاً بأيّة وسيلة تكون، ثمّ يحصل التطهير بالمشي على الأرض أو المسح بها.

المطهّر السادس: زوال عين النجاسة من بدن الحيوان:

(48) ممّا يذكر من مطهّرات المتنجّس زوال العين النجسة، فهو مطهّر لجسم الحيوان، فمثلاً ولد الحيوان الملطّخ بالدم بسبب الولادة، ومنقار الدجاجة الملوّث بالعذرة ليس هناك ما يدعو إلى الاجتناب عنه إذا زالت عين النجاسة عن المحلّ بأيّ طريق كان.

المطهّر السابع: الأحجار والخرق ونحوها ممّا يُطهّر بالاستنجاء به مخرج الغائط:

(49) وممّا يذكر من المطهّرات ما يُطهّر بالاستنجاء به مخرج الغائط، ونترك الحديث عن كيفيّة التطهير به للاختصار(1).

المطهّر الثامن: الشمس:

(50) الشمس مطهّرة للثوابت، والأحوط وجوباً استثناء ما تواترت عليه النجاسة، كالأرض التي اتّخذت مبالاً.



(1) للوقوف على التفاصيل راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 218 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة الهوامش.

105

الصلاة

الصلاة أهمّ عبادة في الإسلام، وهي عمود الدين، كما جاء في الحديث الشريف. وقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله): أنّها أوّل ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نظر في عمله، وإن لم تصحّ لم ينظر في بقيّة عمله(1)، ومثلها ـ كما دلّ الحديث ـ كمثل النهر الجاري، فكما أنّ من اغتسل فيه في كلّ يوم خمس مرّات لم يبقَ في بدنه شيء من الدَرَن كذلك كلّما صلّى صلاةً كفّر ما بينهما من الذنوب(2).

الصلوات اليوميّة ونوافلها

إنّ الواجب من الصلوات ستّة(3)، أحدها بل أهمّها الصلوات الواجبة اليوميّة، وأيضاً يطلق عليها الصلوات الخمس، والفرائض الخمس، وهي: صلاة الصبح،



(1) وسائل الشيعة 3:23، ب 8 من أبواب أعداد الفرائض، ح 13.

(2) المصدر السابق: 6، ب 2 من أبواب أعداد الفرائض، ح 3.

(3) أ - الصلوات اليوميّة.

ب - صلاة الطواف.

ج ـ صلاة الآيات.

د - الصلاة على الأموات.

هـ - قضاء الولد الأكبر عن والده ما فاته من الصلاة، على ما تأتي الإشارة إليه في موضعه.

و ـ صلاة العيدين: عيد الأضحى، وعيد الفطر، إذا أقامها الإمام أو سلطان عادل يمثّله.

106

وصلاة الظهر أو بديلها من الجمعة، وصلاة العصر، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء. وتشتمل هذه الصلوات الخمس بمجموعها على سبع عشرة ركعة.

وهناك أربع وثلاثون ركعة مستحبّة في مجموع النهار والليلة استحباباً مؤكّداً، ووردت الحثّ عليها والترغيب فيها كثيراً في النصوص والأحاديث، وتسمّى هذه الركعات بالنوافل اليوميّة. وفي ما يلي نذكر الصلوات اليوميّة الواجبة والنوافل اليوميّة المستحبّة وبعض خصائصها:

 

1 ـ فريضة صلاة الفجر ونافلتها:

(1) وهي اُولى الصلوات اليوميّة، ولها شأن كبير، وقد عبّر عنها القرآن الكريم بقرآن الفجر في قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِإِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾(1). وصلاة الفجر ركعتان، ويجهر المكلّف الرجل في صلاة الفجر بقراءة الفاتحة والسورة التي عقيبها.

(2) لصلاة الفجر وقت محدّد، وهو الوقت الذي يبدأ من طلوع الفجر إلى شروق الشمس.

(3) وكما توجد فريضة صلاة الفجر كذلك توجد نافلة الفجر، وهي صلاة تتكوّن من ركعتين كفريضة الفجر تماماً، ولكن ينوي المصلّي بها نافلة الفجر قربةً إلى الله تعالى.

والمتيقّن من بدء وقت نافلة الفجر ما يصدق عليه عرفاً عنوان ما قبل الفجر، وهو قريب الانطباق على السدس الأخير من الليل، ولا يبعد بدء وقتها ببدء وقت صلاة الليل ويستمرّ وقتها إلى طلوع الشمس. والأفضل الأحوط استحباباً أن لا تؤخّر إلى حين ظهور الحمرة المشرقيّة الذي ينتهي به الوقت المفضّل لفريضة الفجر.

 


(1) الإسراء: 78.
107

ويشترط الإتيان بنافلة الفجر قبل فريضة الفجر، ولكن إذا خشي أن يفوته بسبب ذلك الوقت المفضّل لفريضة الفجر (وهو قبل ظهور حمرة في الاُفق في ناحية المشرق تمهيداً لطلوع الشمس) فالأفضل أن يبدأ بالفريضة، ويأتي بالنافلة بعد ذلك قبل طلوع الشمس.

2 ـ فريضة صلاة الظهر ونافلتها:

(4) فريضة صلاة الظهر هي الصلاة اليوميّة الثانية، وتسمّى بالصلاة الوسطى. وصلاة الظهر أربع ركعات. وقد تصبح صلاة الظهر ركعتين؛ وذلك بالنسبة إلى المسافر ضمن شروط معيّنة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى. ويُخفِت المكلّف في قراءة الفاتحة والسورة التي عقيبها في صلاة الظهر، عدا البسملة في كلٍّ من السورتين فإنّ الإخفات فيها غير واجب، ويستثنى من وجوب الإخفات صلاة الظهر من يوم الجمعة، فإنّه لا يجب فيها الإخفات، ويجب الإخفات أيضاً في قراءة التسبيحات في الركعتين الثالثة والرابعة من صلاة الظهر في جميع الأيّام.

(5) ووقت صلاة الظهر يبدأ من منتصف الفترة الواقعة بين طلوع الشمس وغروبها، بمعنى أنّ المدّة الواقعة بين طلوع الشمس وغروبها إذا قسّمت إلى قسمين متساويين في الساعات والدقائق كان أوّل النصف الثاني منها بداية الوقت لصلاة الظهر. وتسمّى بداية الوقت هذه بالزوال، ويستمرّ وقت صلاة الظهر إلى غروب الشمس، ولكن إذا كان على عهدة الإنسان صلاة الظهر وصلاة العصر معاً ولم يصلّهما حتّى لم يبقَ إلى الغروب إلّا فترة لا تكفي إلّا لإحدى الصلاتين فقط اعتبر وقت صلاة الظهر قد انتهى من أجل صلاة العصر، وصلّى المكلّف صلاة العصر (وصلاة العصر هي الصلاة اليوميّة الثالثة التي يأتي الكلام عنها). وإذا كانت الفترة الباقية خمس دقائق ـ مثلاً ـ على افتراض أنّ كلّ ركعة تستغرق دقيقةً بكاملها

108

وجب على المكلّف أن يصلّي صلاة الظهر، ويصلّي بعدها فوراً صلاة العصر.

(6) وكما توجد فريضة صلاة الظهر كذلك توجد نافلة الظهر، وهي مكوّنة من أربع صلوات، وكلّ واحدة من هذه الصلوات تتكوّن من ركعتين، فيكون المجموع ثمان ركعات، يقصد بها المصلّي نافلة الظهر قربةً إلى الله تعالى. ووقت نافلة الظهر هو وقت فريضة الظهر تماماً ويجوز تقديمها على الظهر. ويؤتى بالنافلة قبل الفريضة(1).

(7) عرفنا أنّ صلاة الظهر فريضة واجبة، ولكن هناك بديل عنها في ظهر يوم الجمعة خاصّةً ضمن شروط معيّنة، وهذا البديل صلاة الجمعة، وسيأتي الحديث عنها.

3 ـ فريضة صلاة العصر ونافلتها:

(8) فريضة صلاة العصر هي الصلاة اليوميّة الثالثة، وتشابه صورتها وعدد ركعاتها وإخفات قراءتها صلاة الظهر تماماً، غير أنّ المصلّي ينوي فيها أنّه يصلّي صلاة العصر قربةً إلى الله تعالى.

(9) ويبدأ وقت فريضة العصر من الزوال (الظهر)، غير أنّه يجب أن يؤتى بها بعد الإتيان بفريضة الظهر، فإذا حلّ الظهر لم يسغْ للمكلّف أن يتعمّد الإتيان بها قبل فريضة الظهر وهو عالم بأنّ هذا لا يسوغ له، ولو صنع المكلّف ذلك وجب عليه أن يصلّي الظهر ويعيد صلاة العصر بعد صلاة الظهر، وإذا بادر إلى فريضة العصر قبل فريضة الظهر في غير صورة العمد والعلم فللمسألة تفاصيل نتركها اختصاراً(2).

(10) ويستمرّ وقت صلاة العصر إلى غروب الشمس، أي سقوط قرص الشمس،



(1) هناك بعض الاستثناءات نتركها مع باقي التفاصيل للاختصار، راجع لها كتاب الفتاوى الواضحة: 406 ـ 408 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهامش.

(2) راجع لذلك المصدر السابق: 410، الفقرة: (26) ـ (27) مع مراعاة الهامش.

109

فإذا لم تبقَ إلى الغروب إلّا فترة تسع صلاةً واحدةً وكان على المكلّف صلاتا الظهر والعصر معاً وجب عليه أن يقدّم العصر.

(11) وهناك نافلة بين فريضتي الظهر والعصر تتكوّن من أربع صلوات وثمان ركعات كنافلة الظهر تماماً، ويسوغ الاقتصار فيها على ثلاث صلوات أو على صلاتين(1).

4 ـ فريضة صلاة المغرب ونافلتها:

(12) فريضة صلاة المغرب هي الصلاة الرابعة من الصلوات اليوميّة، وتتكوّن من ثلاث ركعات، وينوي المصلّي بها أنّه يصلّي صلاة المغرب قربةً إلى الله تعالى، ويجهر المصلّي الرجل بقراءة الفاتحة والسورة التي بعدها في الركعتين الاُولى والثانية، ويُخفت المصلّي بالتسبيحات التي يقرأها في الركعة الثالثة.

(13) ويبدأ وقت فريضة المغرب بمغرب الشمس، ويحصل ذلك بذهاب البقيّة الباقية من ضوء الشمس في الاُفق بعد غيابها على الأحوط، وهي الحمرة التي نراها في جهة المشرق عند اختفاء قرص الشمس عن الأنظار، ويعبّر عنها الفقهاء بالحمرة المشرقيّة، فإذا تلاشت هذه الحمرة عن جانب المشرق حلّ وقت صلاة المغرب. وعلى هذا نميّز بين غروب الشمس ومغرب الشمس، فمتى قلنا الكلمة الاُولى قصدنا سقوط قرص الشمس واستتارها، ومتى قلنا الكلمة الثانية قصدنا ذهاب الحمرة بالمعنى الذي أوضحناه.

(14) ويستمر وقت صلاة المغرب إلى نصف الليل، والليل: هو الفترة الواقعة بين غروب قرص الشمس وطلوع الفجر، فإذا انتهى النصف الأوّل من هذه الفترة فقد



(1) وهناك تفاصيل وبعض الاستثناءات راجع للوقوف عليها المصدر السابق: 410 ـ 411، الفقرة: (29) ـ (30) مع مراعاة الهامش.

110

انتهى وقت صلاة المغرب. ويستثنى من ذلك: مَن كان معذوراً في تأجيل الصلاة،كالناسي لصلاته أو النائم طيلة الوقت، فإنّ الوقت يمتدّ بالنسبة إلى هذا المعذور بعد نصف الليل، ولا ينتهي إلّا بطلوع الفجر، وهذا الحكم في المرأة الحائض احتياطي احتياطاً وجوبيّاً، بل نحن نحتاط في العامد أيضاً، أي أنّه لو أخّر صلاته عمداً إلى نصف الليل فهو وإن عصى بالتأخير لكن تجب عليه احتياطاً المبادرة بالصلاة قبل الفجر.

وإذا أخّر المكلّف صلاة المغرب إلى قبيل نصف الليل ولم تبقَ سوى فترة أربع رَكعات وجب على المكلّف أن يؤجّل صلاة المغرب ويصلّي صلاة العشاء. وأمّا إذا كانت الفترة تَسَعُ خمسَ ركعات فعليه أن يصلّي المغرب، ثمّ يصلّي بعدها فوراً صلاة العشاء.

(15) وكما توجد فريضة صلاة المغرب كذلك توجد نافلة المغرب، وهي تتكوّن من صلاتين، كلّ منهما عبارة عن ركعتين، وينوي بها المصلّي أنّه يصلّي نافلة المغرب قربةً إلى الله تعالى، ويسوغ للمكلّف الاقتصار على إحدى الصلاتين، أي يأتي بركعتين فقط من نافلة المغرب، ووقت نافلة المغرب يمتدّ مع امتداد وقت فريضة صلاة المغرب، ويشترط تأخيرها عن الفريضة، والأوفق بالاحتياط في أدائها أن تؤدّى في الوقت المفضّل لفضيلة المغرب(1).

5 ـ فريضة صلاة العشاء ونافلتها:

(16) فريضة صلاة العشاء هي آخر الصلوات اليوميّة الواجبة، وتتكوّن من أربع ركعات، وتؤدّى ركعتين في حالة السفر ضمن شروط يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.



(1) لمعرفة وقت فضيلة المغرب راجع المصدر السابق: 413، الفقرة: (33) مع مراعاة الهامش.

111

وصورتها كصورة الظهر تماماً، إلّا أنّ المصلّي هنا ينوي أنّه يصلّي صلاة العشاء قربةًإلى الله تعالى، ويجهر المصلّي الرجل في قراءته للفاتحة والسورة التي بعدها في الركعتين الاُولى والثانية.

(17) ووقت صلاة العشاء يبدأ من غروب الشمس ـ بالمعنى المتقدّم في صلاة المغرب ـ إلى نصف الليل، كفريضة المغرب تماماً، إلّا أنّه لا يسوغ الإتيان بها قبل فريضة المغرب، فكلّ مَن أتى بها قبل صلاة المغرب عامداً عالماً بأنّ هذا لا يجوز بطلت صلاته، ووجب عليه أن يصلّي المغرب ثمّ العشاء. وإذا بادر المكلّف إلى فريضة العشاء قبل فريضة المغرب في غير صورة العمد والعلم فللمسألة تفاصيل نتركها اختصاراً(1).

(18) وتوجد بعد صلاة العشاء صلاة نافلة تتكوّن من ركعتين، وصورتها هي الصورة العامّة لصلاة تتكوّن من ركعتين، غير أنّ هذه الصلاة يؤدّيها المكلّف وهو جالس، فينوي أنّه يصلّي نافلة العشاء قربةً إلى الله تعالى، ويكبّر تكبيرة الإحرام وهو جالس، وهكذا يواصل صلاته، ويعتبر انحناءه بعد القراءة على طريقة انحناء الجالس ركوعاً.

ويمتدّ وقتها مع امتداد وقت فريضة صلاة العشاء، فكلّما كان بإمكان المكلّف أن يؤدّي فريضة العشاء ثمّ يؤدّيها بعدها قبل انتصاف الليل فهي مقبولة عند الله سبحانه وتعالى.

وهناك أحكام عامّة للصلوات اليوميّة من ناحية الوقت تركناها للاختصار(2).



(1) راجع للوقوف عليها المصدر السابق: 414 ـ 415، الفقرة: (39) ـ (40) مع مراعاة الهامش.

(2) راجع للوقوف عليها المصدر السابق: 437 - 439، مع مراعاة الهامش.

112

نافلة الليل:

(19) وهناك نافلة اُخرى ذات أهمّيّة كبيرة شرعاً تسمّى بصلاة الليل، وهي تتكوّن من ستّ صلوات، والصلوات الأربع الاُولى منها تتكوّن كلّ واحدة منها من ركعتين، والصلاة الخامسة تتكوّن من ركعتين أيضاً وتسمّى بركعتي (الشفع)، والصلاة السادسة تتكوّن من ركعة واحدة وتسمّى بركعة (الوتر). وعلى هذا الأساس تشتمل نافلة الليل على إحدى عشرة ركعة، ويسوغ للمكلّف أن يقتصر على الشفع والوتر معاً، وأن يقتصر على الوتر فقط.

ووقت نافلة الليل يبدأ من نصف الليل بالمعنى المتقدّم، ويمتدّ إلى الفجر الذي يبدأ به وقت فريضة الفجر.

ويجوز تقديم نافلة الليل في أوّله، إلّا أنّه لا ينبغي ذلك إلّا ضرورة، والقضاء بالنهار لدى الضرورة أفضل من التقديم.

ويحتمل بدء وقت نافلة الليل من بعد الثلث الأوّل.

والوقت المفضّل لنافلة الليل السحر، وهو ثلث الليل الأخير.

ولا إثم في ترك شيء من النوافل المتقدّمة، وإن كان في الإتيان بها شأن كبير عند الله سبحانه وتعالى.

ويستخلَص ممّا ذكرناه: أنّ الصلوات اليوميّة تشتمل على سبع عشرة ركعة واجبة، ضمن خمس صلوات، وعلى أربع وثلاثين ركعة مستحبّة ضمن ثماني عشرة صلاة.