509

المضمون(1). وعدم تماميّة السند يكون بصالح بن عبداللّه الخثعمي _ أيضاً _ وبغيره.

وعن الحلبي _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن امرأة تزعم أنّها أرضعت المرأة والغلام ثم تنكر بعد ذلك فقال: تصدَّق إذا أنكرت ذلك. قلت فإنّها قالت، وادّعت بعدُ: بأنّي قد أرضعتها قال: لا تصدَّق ولا تنعم»(2). وعدم قبول شهادتها في مورد هذا الحديث طبيعي حتى بناءً على دخول الرضاع في عنوان ما لا يجوز للرجال النظر إليه:

أوّلاً _ لأنّها تناقضت في كلام، فقد يسقطها ذلك عن العدالة.

وثانياً _ لأنّها امرأة واحدة.

وقد اتّضح بكلّ ما ذكرناه أنّ روايات باب الرضاع لا تفيدنا شيئاً لا نفياً ولا إثباتاً، فالميزان إنّما هو دخوله تحت عنوان ما لا يجوز للرجال النظر إليه أو عدم دخوله تحت هذا العنوان.

التعدّي في الحكم إلى الرجل في بعض الفروع

وفي ختام البحث عن الموارد الخاصّة التي عرفت ورود روايات خاصّة بشأن شهادة النساء فيها لا بأس بالإشارة إلى أنّه قد ورد في ثلاثة موارد من هذه الموارد الخاصّة ما دلّ على التبعيض في المشهود به بنسبة قيمة شهادة المرأة، فبشهادة امرأة واحدة يثبت الربع مثلاً، وتلك الموارد هي: مورد القتل، ومورد الإرث في استهلال الطفل، ومورد الوصيّة في المال.

ويقع الكلام في أنّه هل يمكن التعدّي من المرأة إلى الرجل بأن يثبت النصف


(1) نفس المصدر، ص304، ح2.

(2) وسائل الشيعة، ص303، ح1.

510

بشهادة رجل واحد أو الربع على الأقل؛ بدعوى: أنّ عدم احتمال كون شهادة الرجل أضعف من شهادة المرأة يجعل العرف يتعدّى من المرأة إلى الرجل، أو لا يمكن التعدّي؟

بالإمكان أن يقال في مورد الاستهلال: إنّ أكثر روايات الباب إنّما دلّت على نفوذ شهادة القابلة، ولم تدل على نفوذ شهادة المرأة بشكل مطلق؛ كي يقال بتعدّي العرف إلى شهادة الرجل، ومن المحتمل فرض خصوصيّة للقابلة التي شغلها وعملها الإشراف على وضع الولادة والولد.

ومثل قوله _ في ما مضى عن محمد بن مسلم _: «سألته تجوز شهادة النساء وحدهنّ؟ قال: نعم، في العذرة والنفساء» وإن كان يشمل غير القابلة، لكنّه لم يدل على نفوذ شهادة امرأة واحدة في الربع، وإنّما دلّ على أصل نفوذ شهادة النساء وحدهنّ. أمّا الروايات الدالّة على نفوذ شهادة امرأة واحدة، فهي تختصّ غالباً بالقابلة، وهي كما يلي:

1_ ما مضى من حديث عمر بن يزيد التامّ سنداً قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن رجل مات، وترك امرأته وهي حامل، فوضعت بعد موته غلاماً، ثم مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض، فشهدت المرأة التي قبّلتها أنّه استهلّ وصاح حين وقع إلى الأرض، ثم مات، قال: على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام». وفي رواية أُخرى: «إن كانت امرأتين يجوز شهادتهما في نصف الميراث، وإن كنّ ثلاث نسوة جازت شهادتهن في ثلاثة أرباع الميراث، وإن كنّ أربعاً جازت شهادتهنّ في الميراث كلّه. وذيل الحديث ساقط سنداً، ولو تمّ كان المحتمل فيه فرض تعدّد القابلة.

2_ ما مضى من حديث عبداللّه بن سنان التامّ سنداً: «... وتجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس»، وإن قيل: إنّ المفهوم من إطلاق هذا الحديث هو نفوذ شهادة

511

القابلة في كلّ الميراث، قيّد بما دلّ على أنّ نفوذها يكون بقدر الربع.

3_ ما عن سماعة _ بسند تام _ قال: «قال: القابلة تجوز شهادتها في الولد على قدر شهادة امرأة واحدة»(1).

4_ ما عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «شهادة القابلة جائزة على أنّه استهلّ، أو برز ميّتاً إذا سئل عنها، فعدّلت»(2).

5_ ما عن عبداللّه بن سنان _ بسند تام _ قال: «سمعت أبا عبداللّه (عليه السلام) يقول: تجوز شهادة القابلة في المولود إذا استهلّ وصاح في الميراث، ويُورَّث الربع من الميراث بقدر شهادة امرأة واحدة. قلت: فإن كانت امرأتين؟ قال: تجوز شهادتهما في النصف من الميراث»(3). ويحتمل كون المقصود من قوله: «فإن كانت امرأتين» فرض قابلتين.

6_ ما عن عبداللّه بن علي الحلبي _ بسند تام _ أنّه سأل أبا عبداللّه (عليه السلام) عن شهادة القابلة في الولادة؟ قال: «تجوز شهادة الواحدة وشهادة النساء في المنفوس والعذرة»(4). والظاهر أنّ هذا الحديث في واقعه جزء من حديث الحلبي الذي مضى ذكره في أحاديث شهادة النساء في النكاح. وعلى أيّ حال فقد يقال: إنّ قوله: «تجوز شهادة الواحدة» يدل بالإطلاق على نفوذ شهادة الواحدة في الولادة وإن لم تكن هي القابلة، وكون السؤال عن القابلة لا يضرّ بالإطلاق؛ لأنّ المورد لا يخصِّص الوارد.

ولكنّ الصحيح أنّ المورد لا يمنع عن إطلاق الوارد أو عمومه بعد تماميّة مقتضي


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص263، الباب 24 من الشهادات، ح23.

(2) نفس المصدر، ص266، ح38.

(3) نفس المصدر، ص268، ح45.

(4) نفس المصدر، ح 46.

512

الإطلاق أو العموم، لكن حينما لا يوجد عموم، ولا توجد نكتة عرفيّة تدل على أوسعيّة الوارد من المورد يكون المورد صالحاً للقرينية على عدم الاطلاق، والعدول عن كلمة القابلة إلى كلمة الواحدة ليس قرينةً على أوسعيّة الوارد من المورد؛ لاحتمال كونه بنكتة إرادة التنصيص على نفوذ شاهد واحد. نعم، لو قلنا: إنّ أصل افتراض اختصاص الحكم بالقابلة غير عرفي، فهمنا الإطلاق من كلّ روايات الباب.

7_ ما مضى من مرسلة (تحف العقول): «وأمّا شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة، جازت شهادتها مع الرضا، فإن لم يكن رضا، فلا أقلّ من امرأتين...» وهذه ضعيفة سنداً ودلالةً؛ إذ ربط نفوذ شهادة الواحدة بالرضا يكون أدلّ على عدم النفوذ منه على النفوذ.

8 _ ما مضى عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال: تجوز شهادة امرأتين في استهلال». والسند ضعيف بيزيد بن إسحاق.

وهاتان الروايتان الأخيرتان واضحتان في عدم الاختصاص بالقابلة في فرض كون الشاهد عبارة عن امرأتين. وقد يقول قائل: إنّه لو ورد الحديث في امرأة واحدة، تعدّينا بالأولويّة إلى رجل واحد بقدر الربع، ولكن لوورد الحديث في امرأتين لا نتعدّى إلى رجل واحد لعدم العلم بالأولويّة أو المساواة، وعلى أيّ حالٍ فقد عرفت أنّهما ضعيفتان سنداً.

9_ ما مضى عن محمد بن سنان عن الرضا (عليه السلام) «... فلذلك لا تجوز شهادتهنّ إلا في موضع ضرورة مثل شهادة القابلة وما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه...».

وقوله: «إلا في موضع ضرورة»، وكذلك قوله: «... وما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه» وإن كانا لا يختصّان بالقابلة فيدلّ الحديث على نفوذ شهادة النساء غير القوابل في الجملة، لكنّ كلامنا فعلاً في خصوصيّة نفوذ شهادة امرأة واحدة، وعدم الحاجة

513

إلى التعدّد في إثبات الربع، ولم يدل شيء في هذا الحديث على ذلك إلا قوله: «مثل شهادة القابلة»، وهذا خاصّ بالقابلة.

لا يقال: إنّ ظهور الكلام في كون علّة نفوذ شهادة القابلة هي الضرورة _ لعدم وجدان الرجال _ يعمِّم الحكم لغير القابلة.

فإنّه يقال: إنّ الضرورة إنّما هي علّة للانتقال إلى القابلة كامرأة، أي علّة للانتقال من الرجال إلى النساء. وأمّا عدم الحاجة إلى التعدّد في إثبات الربع، فهذا لا يعلّل بالضرورة التي تعني عدم وجدان الرجال.

هذا تمام الكلام في النكتة التي أردنا إبرازها لعدم التعدّي إلى الرجال في روايات الاستهلال، وهو اختصاص روايات ثبوت الربع بالقابلة، فصحيح أنّ الاستهلال يثبت بشهادة النساء مطلقاً، ولكنّه مشروط بالتعدُّد وكونهنّ أربع نساء.

أمّا ثبوت الربع أو النصف فلا يكون إلا بالقابلة، ومع احتمال خصوصيّة في القابلة لا يتعدّى إلى الرجال.

وهذه النكتة إن لم تُقبل بدعوى: أنّ العرف لا يفهم اختصاص الحكم بالقابلة _ وإن كانت هي المذكورة في الأحاديث _ وإنّما يفهم منها نفوذ شهادة امرأة واحدة في الربع، لم يبعد القول _ بحسب الفهم العرفي المشوب بالجوّ المتشرّعي _ بالتعدّي من المرأة إلى الرجل بإثبات نصف الإرث بشهادة الرجل الواحد، ولو احتملت تماميّة هذه النكتة كفى في عدم التعدّي.

وأمّا روايات نفوذ شهادة المرأة الواحدة في دية القتل فقد مضت روايتان:

أُولاهما _ تامّة السند، وهي ما عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في غلام شهدت عليه امرأة أنّه دفع غلاماً في بئر فقتله، فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة».

514

والثانية _ غير تامّة سنداً، وهي ما عن عبداللّه بن الحكم: «سألتُ أبا عبداللّه (عليه السلام) عن امرأة شهدت على رجل أنّه دفع صبيّاً في بئر فمات؟ قال: على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة».

ويمكن هنا _ أيضاً _ إبداء نكتة لعدم تعدّي العرف من المرأة إلى الرجل، وهي أنّ الرجل ثبت بحقّه نفوذ شهادته مع يمين ولي الدم المدّعي في تمام الدية، فلا يلزم من عدم نفوذ شهادته في الربع أو النصف _ مثلاً _ كونه أقلّ شأناً من المرأة أو المرأتين، أي أنّ مجرد كون شهادة الرجل الواحد في معرض النفوذ الكامل بالضم إلى يمين المدّعي لعلّه كافٍ في أن لا يرى العرف التعدّي من نفوذ شهادة امرأة واحدة في الربع إلى نفوذ شهادة الرجل الواحد في الربع أو النصف.

ويمكن أن تثار بوجه هذا الكلام عدّة مناقشات:

الأولى _ أنّ نفوذ شاهد واحد مع اليمين لا يشمل المقام؛ لاختصاصه بباب الدَين، لما عن أبي بصير _ بسند تام _ قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الرجل يكون له عند الرجل الحقّ، وله شاهد واحد؟ قال: فقال: كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحقّ، وذلك في الدين»(1).

وقد اعترف السيد الخوئي بظهور الحديث في اختصاص الحكم بباب الدين، إلا أنّه ذكر: أنّنا نرفع اليد عن هذا الظهور، ونحمله على مجرّد حكاية أنّ فعل رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) كان في الدَين. أمّا الحكم فهو يشمل مطلق الحقوق، وذلك بدليل ما عن محمد بن مسلم _ بسند تام _ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس. فأمّا ما كان من حقوق اللّه (عزوجل)


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص193، الباب 14 من كيفيّة الحكم، ح5.

515

أو رؤية الهلال، فلا»(1). وقد اعتبر السيد الخوئي هذا الحديث صريحاً في الإطلاق، وسيأتي منّا _ في محلّه _ أنّ هذا ليس عدا إطلاق قابل للتقييد.

والصحيح ما نسب إلى المشهور من أنّ هذا الحكم ليس ثابتاً في مطلق الحقوق، ولا هو خاصّ بباب الدين؛ كي لا يشمل ما نحن فيه، بل هو ثابت في مطلق الحقوق الماليّة.

وقد أورد السيد الخوئي على هذا الرأي بأنّ الروايات بين مخصِّص للحكم بباب الدَين ومعمِّم للحكم لمطلق الحقوق، ففرض تخصيصه بالحقوق الماليّة لا وجه له.

وهذا الكلام في غير محله؛ لما مضى من الحديث الوارد في قصّة درع طلحة(2) المشتملة على اعتراض أمير المؤمنين (عليه السلام) على شريح بنفوذ شاهد واحد مع اليمين، مع أنّ المورد ليس مورد الدين وإنّما هو مورد مالي، فلو أنّ أحداً ناقش في الرواية الدالّة على نفوذ شاهد ويمين في مطلق الحقوق _ إما من حيث السند، أو بدعوى كون إطلاقه مقيَّداً بمقيِّد _ لم يتحتَّم عليه تخصيص الحكم بباب الدين، بل بإمكانه تعميم الحكم لمطلق الحقوق المالية بقرينة رواية درع طلحة.

بل قد يدّعى: أنّ العرف يتعدّى من تمام روايات نفوذ الشاهد الواحد مع اليمين في الدين(3) إلى مطلق الحقّ المالي، لعدم احتماله لخصوصيّة في الدين من بين الحقوق الماليّة.

الثانية _ ما يختصّ بالقتل العمدي، وهو أنّ نفوذ شاهد واحد مع اليمين خاصّ بالحقوق الماليّة. وهذا لا يشمل فرض القتل إذا كان عمديّاً؛ لأنّ الثابت فيه إنّما هو


(1) نفس المصدر، ص195، ح12.

(2) نفس المصدر، ص194، ح6.

(3) نفس المصدر، ح1 و3 و10 و11.

516

القصاص، لا الدية، وما دلّ على نفوذ شهادة امرأة واحدة في ربع الدية حكم تعبّدي، فإن تعدّينا منه إلى الرجل ثبت ربع الدية أو نصفها بشهادة رجل واحد، وإلا لم تنفذ شهادته مع يمين المدّعي؛ لعدم كون الحق ماليّاً، بل حتى لو قلنا بكون نفوذ شاهد واحد مع اليمين يشمل غير الحقوق الماليّة لا إشكال في أنّه لا يشمل القصاص في القتل العمدي؛ لأنّ ثبوت ذلك له نظامه الخاص يأتي بيانه في المستقبل إن شاء اللّه.

ويمكن الجواب على ذلك بأن يقال: إنّنا نستفيد ممّا دلّ على نفوذ شهادة النساء في القتل لإثبات الدِّيَة دون القَوَد _ ولو كان القتل عمديّاً _ أنّ الدِّيَة ثابتة في القصاص العمدي كحقّ مالي _ ولو في طول عدم إمكانيّة القصاص _ وذلك بقرينة أنّ المفهوم عرفاً من دليل نفوذ شهادة النساء هو نفوذ الشهادة كطريق إلى الآثار الثابتة للمشهود به قبل الشهادة، لا كموضوع لحكم جديد. وهذا يعني أنّ الدية ثابتة بذاتها في القتل العمدي _ ولو عند عجز تكويني أو شرعي عن القصاص _ فلو مات القاتل قبل القصاص مثلاً، كان من حق ولي الدم أخذ الدية من التركة، ولو شهدت النساء بالقتل _ وشهادة النساء لا تثبت القَوَد شرعاً _ طالب ولي الدم بالدِّيَة.

إذاً فشهادة رجل واحد مع اليمين _ بعد أن لا دليل على ثبوت القصاص بذلك _ تكفي لثبوت الدية؛ لأنّها حقّ مالي يشمله إطلاق دليل ثبوت المال بذلك.

الثالثة _ أنّنا لو لم نتعدَّ من شهادة المرأة إلى الرجل بدعوى أنّ شهادة الرجل تنفذ مع يمين المدّعي في تمام الدِّيَة، لزم أن لا نفتي في شهادة امرأتين أيضاً بنفوذها في النصف، لأنّها تنفذ بضمِّها إلى يمين المدّعي في تمام الدِّيَة.

والجواب: أنّنا لو قلنا بنفوذ شهادة امرأتين مع يمين المدّعي في المقام أمكن الالتزام

517

بالنتيجة، وهي عدم ثبوت النصف بشهادة امرأتين، وأيُّ ضَيْرٍ في ذلك؟! ولو لم نقل بنفوذ ذلك؛ لأنّ ما دلّ على النفوذ بين ما هو غير نقي السند(1) وما هو خاصّ بالدَين(2)؛ إذاً نثبت نصف الدِّيَة بشهادة امرأتين، ولعلّ الأول أقوى؛ لما أشرنا إليه من تعدّي العرف من الدَين إلى مطلق الحقّ المالي، فكما يثبت الدين بشهادة امرأتين واليمين كذلك تثبت الدية بذلك.

الرابعة _ أن يقال: إنّنا نقبل بعدم التعدّي من المرأة إلى الرجل فيما إذا أمكن لولي الدم أن يحلف بناءً على دعواه العلم، ولكنّه امتنع عن الحلف، أمّا إذا لم يتمكّن من الحلف لشكّه في الموضوع، فهنا فرض نفوذ شهادة المرأة في الربع وعدم نفوذ شهادة الرجل يعني كون شهادة الرجل أقلّ اعتباراً من شهادة المرأة، وهو غير محتمل عرفاً، ففي هذا الفرض نثبت بشهادة الرجل الربع بل النصف وفق فهم العرف المتشرّعي من النص الوارد في نفوذ شهادة المرأة الواحدة.

وأمّا روايات نفوذ شهادة المرأة الواحدة في الوصيّة في المال _ وقد مضى ذكرها _ فقد يقال أيضاً _ في مقام إبراز نكتة لعدم تعدّي العرف من المرأة إلى الرجل _: إنّ شهادة الرجل تكون في معرض أن تنضمّ إلى يمين الموصى له فتنفذ في الكلّ، فلا يلزم من عدم التعدّي كون شهادة الرجل أقلّ شأناً من شهادة المرأة.

و الإشكالات التي أثرناها في روايات الدية مع ما أمكن من الجواب عن بعضها تأتي هنا ما عدا الإشكال الثاني، وهو عدم كون القصاص حقّاً ماليّاً؛ إذ لا إشكال في مورد الوصيّة بالمال في أنّ الحقّ مالي.


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص198، الباب 15 من كيفية الحكم، ح1 و4.

(2) نفس المصدر، ح3.

518

حضور الشاهد عند القاضي

الشرط الحادي عشر _ حضور الشاهد عند القاضي: وهذا الشرط بعنوانه وإن لم يكن مذكوراً عند الأصحاب، وإنّما المبحوث لديهم هو كفاية شهادة الفرع وعدمها، لكن يمكن أن يستدلّ على هذا الشرط بأنّ المتيقّن من مثل قوله (صلى الله عليه و آله): «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» وقوله (صلى الله عليه و آله): «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» هي البيّنة الحاضرة لدى القاضي، وقد مضى فيما سبق عدم الإطلاق الحكَمي لهذه الروايات لنفي الشروط المحتملة.

نعم، لها إطلاق مقامي لنفي كلّ شرط كان منفيّاً في ارتكاز العقلاء، وشرط الحضور ليس منفيّاً ارتكازاً؛ إذ لا إشكال في أقوائيّة البيّنة الحاضرة من البيّنة غير الحاضرة، فاحتمال الفرق بحجّية الأُولى في باب القضاء دون الثانية أمر معقول، ومعه تُنفى حجّية البيّنة غير الحاضرة لدى الحاكم بالأصل.

ولكنّ الصحيح: أنّ احتمال الفرق بين البيّنة الحاضرة والبيّنة غير الحاضرة لدى الحاكم خلاف المرتكز العقلائي الذي يرى أنّ حجّية البيّنة لأجل طريقيّتها وكاشفيّتها، والحضور ليس دخيلاً في الطريقيّة والكشف، وإنّما الفرق بين فرض الحضور وعدمه أنّ هذا الطريق _ وهو البيّنة في فرض الحضور _ قد ثبت بالحسّ، بينما في فرض عدم الحضور نحتاج إلى طريق آخر لإيصال هذا الطريق، ومن هنا يأتي الضعف، وهذا الضعف ليس في أصل البيّنة وإنّما هو في عدم وصولها بالحسّ؛ أي أنّ الضعف في الطريق الموصل للبيّنة. فالذي يأتي في المقام إنّما هو احتمال عدم حجّية هذا الطريق الموصل للبيّنة _ وهو شهادة الفرع مثلاً _ لا اشتراط حجّية البيّنة الأصليّة بالحضور إلا بمعنى اشتراط حجّية كلّ طريق بوصوله. إذاً فشرط الحضور في ذاته بالنسبة للبيّنة منفي بالإطلاق المقامي؛ لعدم مساعدة الارتكاز العقلائي

519

عليه. والأثر العملي بين القول بشرط الحضور والقول بعدم حجّية بيّنة الفرع يظهر فيما لو ثبت بيّنة الأصل بمثل التواتر من دون حضور لها لدى الحاكم، فبناءً على شرط الحضور لا حجّية لهذه البيّنة، وبناءً على عدم نفوذ بيّنة الفرع مثلاً لا إشكال في حجّية هذه البيّنة؛ لأنّها بيّنة الأصل.

فالذي ينبغي بحثه ليس هو اشتراط حجّية البيّنة بالحضور، وإنّما هو طريق ثبوت البيّنة، وأنّ البيّنة هل تثبت بالعلم الحسّي أو ما يقرب من الحسّ فحسب، أو تثبت أيضاً بخبر الواحد أو العلم الحدسي أو بيّنة الفرع؟ فهنا ثلاث مسائل:

إثبات البيّنة بخبر الواحد

المسألة الأُولى _ في أنّه هل تثبت البيّنة بخبر الواحد أو لا؟

الصحيح عدم ثبوت البيّنة بخبر الواحد حتى بناء على حجّيته في الموضوعات في غير باب القضاء، وذلك بأحد وجوه:

1_ أن يدّعى أنّ دليل عدم كفاية خبر الواحد في باب القضاء كقوله: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» يدل بإطلاقه على عدم كفاية خبر الواحد في كلّ ما له دخل في القضاء، ومنها ثبوت البيّنة. فإن لم يقبل ذلك وقيل إنّ المقصود بقوله (صلى الله عليه و آله): «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» هو البيّنة واليمين على مصبّ النزاع انتقلنا إلى البيان الثاني.

2_ أن يقال: إنّ دليل اشتراط البيّنة وعدم نفوذ خبر الواحد وحده في باب القضاء في إثبات مصبّ النزاع يدل بالأولويّة القطعيّة أو الأولويّة العرفيّة على عدم نفوذ خبر الواحد الدالّ على ثبوت البيّنة القائمة في مصبّ النزاع؛ لأنّ ثبوت مصبّ النزاع بخبر الواحد الدالّ على البيّنة القائمة عليه أضعف من ثبوته بخبر الواحد الدالّ مباشرةً

520

عليه. وعلى هذا الأساس نقول في كلّ ما يشترط ثبوته بالبيّنة _ ولو في غير محل النزاع كالهلال _ إنّ البيّنة القائمة عليه لا يمكن إثباتها بخبر الواحد.

3_ التمسّك بالروايات الخاصّة الدالّة على عدم ثبوت الشهادة بخبر الواحد من قبيل ما عن غياث بن إبراهيم _ بسند تام _ عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهماالسلام): «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل إلا شهادة رجلين على شهادة ‏رجل»(1). وما عن طلحة بن زيد _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه عن أبيه عن علي (عليه السلام): «أنّه كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلا شهادة رجلين على رجل»(2).

إثبات البيّنة بالعلم الحدسي

المسألة الثانية _ في أنّه هل تثبت البيّنة في القضاء بالعلم الحدسي غير القريب من الحسّ أو لا؟

وهنا يجب أن يبحث أوّلاً: عن أنّه هل هناك إطلاق يدل على نفوذ البيّنة الثابتة بالعلم الحدسي أو لا؟

وثانياً: عن أنّه بعد فرض إطلاق من هذا القبيل هل هناك مقيِّد لهذا الإطلاق يدل على كون حجّيتها مشروطة بعدم كون العلم بها حدسياً، فيكون سقوط العلم الحدسي المتعلق بالبيّنة عن الاعتبار عبارةً عن سقوط العلم الموضوعي، أو لا يوجد مقيّد لهذا الإطلاق، فعندئذٍ يكون العلم الحدسي طريقاً بحتاً لإثبات البيّنة التي هي حجّة، وحجّية هذا الطريق ذاتية لا يمكن فرض عدمها لمجرّد كون العلم حدسياً؟


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص298، الباب 44 من الشهادات، ح4.

(2) نفس المصدر، ح2.

521

أمّا وجود إطلاق يدل على حجّية البيّنة المعلومة عن حدس، فلعلّه منحصر في أمرين:

1_ ما عن يونس عمّن رواه قال: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه...»(1).

فيقال: إنّ مقتضى إطلاق هذا الدليل هو أنّه لا يتنزّل من البيّنة إلى اليمين إلا بعد فقدها على الإطلاق بأن لا نجدها حتى بالعلم الحدسي، إلا أنّ الحديث ساقط بعدم الانتهاء إلى المعصوم، وعدم معرفة من روى عنه يونس.

2_ روايات: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»، و«البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر». وقد مضى فيما سبق: أنّ هذه الروايات لا إطلاق حكَمي لها؛ فالتعبير الأول ناظر إلى حصر وسائل الإثبات في القضاء بالبيّنة واليمين، أمّا متى يرجع إلى البيّنة ومتى يرجع إلى اليمين؟ فهذا خارج عن عهدته، والتعبير الثاني ناظر إلى تشخيص من عليه البيّنة ومن عليه اليمين، أمّا ما هي شرائط البيّنة أو اليمين فهذا خارج عن عهدته.

نعم، يتمّ فيهما الإطلاق المقامي حينما تكون حجّية بيّنةٍ مّا ارتكازيةً، أو يكون المرتكز عدم الفرق بين بيّنة وبيّنة، فيكون التفصيل خلاف الارتكاز العقلائي، وفيما نحن فيه الفرق بين بيّنة معلومة بالحسّ وبيّنة معلومة بالحدس أمر معقول في نظر العقلاء، وارتكاز حجّية البيّنة إذا علمت بالحدس غير واضح؛ إذاً لا يتمّ الإطلاق في المقام.


(1) نفس المصدر، ص176، الباب 7 من كيفيّة الحكم، ح4.

522

أمّا الأدّلة اللّبّية كالإجماع والضرورة الفقهية والارتكاز فشمولها للبيّنة المعلومة بالحدس أيضاً غير معلوم.

إذاً لا دليل على حجّية البيّنة المعلومة للقاضي بالعلم الحدسي.

وأمّا وجود المقيِّد _ لو تمّ الإطلاق _ فيجب الرجوع فيه إلى أدلّة عدم حجّية العلم الحدسي للقاضي، لكي نرى هل تشمل ما نحن فيه أو لا؟

فإن كان الدليل على ذلك التعدّي من روايات عدم نفوذ الشهادة الحدسية، فكما يُتعدّى من ذلك إلى العلم الحدسي للقاضي بالواقعة كذلك يُتعدّى إلى العلم الحدسي له بالبيّنة.

وإن كان الدليل على ذلك عدم ذكر العلم الحدسي للقاضي بالواقعة في روايات مقاييس القضاء كما ذكرت البيّنة واليمين، فالتعدّي إلى العلم الحدسي للقاضي بالبيّنة يتوقف على دعوى الأولويّة القطعيّة.

وإن كان الدليل على ذلك روايات حصر القضاء بالبيّنات والأيمان بأن يقال: إنّها بهذا الحصر تنفی حجّية العلم الحدسي، فالتعدّي إلى العلم الحدسي بالبيّنة يكون إمّا بدعوى إطلاق هذه الروايات لمورد البيّنة؛ أي: إنّها كما تدل على أنّه لا يجوز إثبات الواقعة المتنازع فيها بالعلم الحدسي، كذلك تدل على أنّه لا يجوز إثبات البيّنة على الواقعة المتنازع فيها بالعلم الحدسي، أو بدعوى الأولويّة القطعيّة، أو الأولوية العرفية، فإن تمّت إحدى هذه الدعاوي ثبت عدم حجّية العلم الحدسي بالبيّنة. وهو يرجع في روحه إلى تضييق في حجّية البيّنة، فالبيّنة التي علمت بالحدس لا تكون حجّةً، لا إلى تضييقٍ في حجّية العلم الطريقي كي يقال: إنّ هذا غير معقول.

523

إثبات البيّنة بالبيّنة

المسألة الثالثة _ في ثبوت البيّنة بالبيّنة وعدمها.

مقتضى القاعدة في حقوق الناس هو الثبوت: إمّا بارتكاز العقلاء المقتضي لحجّية البيّنة في حقوق الناس والذي لم يرد عليه ردع، أو بدلالة مثل قوله (صلى الله عليه و آله): «إنّما أقضي بينكم بالبينات والأيمان»، وقوله (صلى الله عليه و آله): «البينة على المدّعي»، لا بتقريب شمول إطلاقها الحكَمي لبيّنة الفرع كي يورد عليه ما مضى من عدم تماميّة الإطلاق الحكَمي فيها، أو يورد عليه: أنّها تنظر إلى البيّنة على الواقعة، لا البيّنة على البيّنة، بل بتقريب أنّ مفاد هذه الروايات _ ببركة ضمّ الارتكاز _ هو أنّ القضاء في واقعةٍ مّا يستعين بما هو بيّنة وحجّة في نفسه وبِغَضّ النظر عن القضاء في الواقعة، وهذه الحجّية تتّسع بالاطلاق المقامي لكلّ دائرة الارتكاز، والبيّنة على البيّنة داخلة في دائرة الارتكاز.

وهذا النحو من الاستدلال يمتاز على الاستدلال ابتداءً بالارتكاز بأنّه لو احتملنا في موردٍ مّا _ على أساس رواية ضعيفة السند مثلاً _ الردع، ولكن لم يثبت الردع لضعف سند الرواية _ مثلاً _ سقط الاستدلال بالارتكاز؛ لأنّ الاستدلال به فرع القطع بعدم الردع، ولكن لم يسقط الاستدلال بظهور تمّ ببركة الارتكاز، هذا كلّه بلحاظ مقتضى القاعدة.

أما بلحاظ النصوص الخاصّة فقد وردت عدّة روايات في المقام:

منها: ما يدل على نفوذ الشهادة على الشهادة، كما عن طلحة بن زيد _ بسند تامّ _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) «أنّه كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلا شهادة رجلين على رجل»(1). وما عن غياث بن إبراهيم _ بسند تام _


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص279، الباب 44 من الشهادات، ح2.

524

عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهماالسلام): «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل إلا شهادة رجلين على شهادة رجل»(1).

والرواية الثانية رواها الشيخ بشكل آخر، وهو «أنّ عليّاً (عليه السلام) قال: لا أقبل شهادة رجل على رجل حي وإن كان باليمين»(2). وهذا التعبير إن كان المقصود به عدم قبول الشهادة ضدّ رجل غائب حي فالرواية أجنبيّة عن المقام، أمّا أنّه هل نفتي بمضمونها من عدم قبول الشهادة على الحي الغائب وإن لم يمكن إحضاره، أو لا، فهذا يجب أن ينقّح في محلّه. وإن كان المقصود به عدم قبول الشهادة على الشهادة إذا كان الشاهد الأصل حيّاً وإن لم يمكن إحضاره فهذا يدل على خلاف المدّعى في المقام، وإن كان المقصود به عدم قبول خبر الواحد لإثبات الشهادة فذكر قيد الحياة غريب في المقام. وعلى أيّ حال فيحتمل أن تكون هذه الرواية عين الرواية الثانية؛ غاية الأمر أنّها وردت في نقل الصدوق (رحمه الله) بالتعبير الأول، وفي نقل الشيخ (رحمه الله) بالتعبير الثاني. والشاهد على وحدة الروايتين أنّهما معاً منقولتان عن محمد بن يحيى الخزّاز، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السلام)، فكأنّه حديث واحد نقله واحد، نقله الشيخ تارةً مشوَّشاً، والصدوق أُخرى بلا تشويش.

وعلى أيّ حال فإن فرضناهما حديثاً واحداً فإمّا أنّ نقل الشيخ يُسلب الوثوق عنه بما نحسّ به من تشويش في مقابل نقل الصدوق غير المشوّش، فيبقى نقل الصدوق حجّةً، أو أنّ اختلافهما في التعبير يسقط الحديث نهائيّاً بسبب اضطراب المتن، ونرجع إلى حديث طلحة بن زيد الدالّ على المقصود بلا تشويش. وإن


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص279، الباب 44 من الشهادات، ح4.

(2) نفس المصدر، ح3.

525

فرضناهما حديثين فحديث الشيخ ساقط بالإجمال، وحديث الصدوق حجّة على المقصود.

ومنها: ما يفصّل بين ما إذا أمكن للشاهد الأصل الحضور، فلا تصل النوبة إلى الفرع، أو لم يمكن ذلك فتنفذ شهادة الفرع، وهو ما ورد عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الشهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد قال: «نعم، ولو كان خلف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّةٍ تمنعه عن أن يحضره ويقيمها، فلا بأس بإقامة الشهادة على شهادته»(1). ومضمون هذه الرواية مطابق لفتوى المشهور إلا أنّ سندها ضعيف.

ومع ضعف السند هل تصل النوبة إلى الإفتاء بنفوذ شهادة الفرع حتى مع إمكان حضور الأصل، أو لا، هذا يتوقّف على وجود مرجع نرجع إليه لإثبات النفوذ بعد سقوط سند ما دلّ على عدم النفوذ وعدمه، وما يمكن تصوّره مرجعاً تصل النوبة إليه بعد سقوط سند هذا الحديث أحد أمور:

1_ ما مضى من حديثي طلحة بن زيد وغياث بن إبراهيم، أنّ عليّاً (عليه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلا شهادة رجلين على رجل، أو كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل إلا شهادة رجلين على شهادة رجل؛ بدعوى أنّ إطلاقهما في قبول شهادة رجلين على شهادة رجل يشمل فرض إمكان حضور الأصل.

ولكنّ هذا الإطلاق _ كما ترى _ غير تام:

أمّا أوّلاً _ فلأنّ الظاهر من الحديثين هو أنّ التركيز فيهما بالأصالة إنّما هو على العقد السلبي، وهو عدم كفاية شهادة واحد على الشهادة. أمّا ما هي شروط العقد الإيجابي،


(1) نفس المصدر، ص279، ح1.

526

وهو نفوذ شهادة رجلين على الشهادة، فليس منظوراً في الكلام كي يتمّ الإطلاق.

وأمّا ثانياً _ فلأنّ الحديثين إنّما وردا بلسان نقل فعل علي (عليه السلام) من أنّه كان يعتمد على شهادة رجلين على الشهادة، ويكفي في مقام صدق النقل قبول شهادتهما في الجملة سنخ نقل قضيّة في واقعة، فلا إطلاق لذلك. ولكن لولا الإشكال الأول، لعلّه كان بالإمكان الجواب على هذا الإشكال بأنّ الإمام الصادق (عليه السلام) في نقله لقصّة علي (عليه السلام) إنّما هو بصدد إبراز الحكم الشرعي لا مجرّد سرد قصّة، فيجري فيه الإطلاق بملاك ترك التفصيل.

2_ الارتكاز العقلائي الدالّ على نفوذ البيّنة في إحقاق الحقوق بين الناس بشكل مطلق، وذلك بدعوى أنّ رواية محمد بن مسلم _ لو تمّت سنداً _ كانت رَدْعاً عن هذا الارتكاز بالنسبة لشهادة الفرع مع إمكان حضور الأصل، ولكن بما أنّها لم تتمّ سنداً، إذاً فهذا الارتكاز غير مردوع عنه في المقام، وبذلك يثبت إمضاؤه.

والجواب: أنّه لو شمل الارتكاز نفوذ بيّنة الفرع مع إمكان حضور الأصل، فضعف سند رواية محمد بن مسلم وعدمه لا يؤثّران في الأخذ بهذا الارتكاز وعدمه، فإنّ المسألة لو كانت عامّة البلوى _ بحيث لم نكن نحتمل ورود الردع عن نفوذ بيّنة الفرع فيها من دون أن يصلنا الردع ضمن أخبار عديدة _ إذاً نقطع بعدم الردع سواء صحّ سند رواية محمد بن مسلم، أو لا، ولكن بما أنّه ليس الأمر كذلك فاحتمال الردع وارد، وضعف سند الرواية لا يعني القطع بعدم الردع، ومع احتماله لا يثبت الإمضاء.

3_ روايات «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» و«البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» بعد ضمّها إلى الارتكاز.

وتقريب ذلك: أنّ هذه الروايات وإن كانت لا تدل ابتداءً بالإطلاق على حجّية بيّنة الفرع في المقام، فإنّها ليست بهذا الصدد، إلا أنّها ببركة الارتكاز العقلائي القائم

527

على حجّية البيّنة يفهم منها أنّ المقصود هو الاعتماد في باب القضاء على ما هي بيّنة وحجّة مسبقاً؛ أي: إنّ هذا إمضاء للارتكاز العقلائي القائم على حجّية البيّنة، وفي نفس الوقت بيان لكون تلك البيّنة الحجّة مقياساً من مقاييس القضاء، وهذا الإمضاء محدّد بحدود الارتكاز العقلائي، فإذا كان الارتكاز العقلائي شاملاً لبيّنة الفرع مع إمكان حضور الأصل ثبت إمضاؤه بهذه الروايات، ويتمسّك به بعد ضعف سند ما دلّ على الردع.

هذا، وبالإمكان دعوى ثبوت النص الخاص على نفوذ بيّنة الفرع مع إمكان حضور الأصل، وهو عبارة عمّا سيأتي _ إن شاء اللّه _ من روايات الترجيح بالأعدليّة عند التعارض بين شاهد الفرع وتكذيب شاهد الأصل. وهذا يعني فرض حضور بيّنة الأصل، وبالتالي يعني عدم اشتراط نفوذ بيّنة الفرع بعدم إمكان حضور الأصل، اللّهم إلا إذا احتمل كون المقياس هو عدم إمكان حضور الأصل عند أداء الفرع الشهادة، لا عدم إمكانه حدوثاً وبقاءً إلى حين حكم الحاكم، وتلك الروايات لم تدل على فرض إمكان حضور الأصل حين أداء الفرع الشهادة.

ومنها:ما دلّ على عدم نفوذ الفرع الثاني _ أي: الشهادة على الشهادة على الشهادة _ وهو ما عن عمرو بن جميع عن أبي عبداللّه عن أبيه (عليه السلام) قال: «أَشهِدْ على شهادتك من ينصحُك. قالوا كيف يزيد وينقص؟ قال: لا، ولكن من يحفظها عليك، ولا تجوز شهادة على شهادة على شهادة»(1).

وسند الحديث عبارة عن سند الصدوق (رحمه الله) إلى عمرو بن جميع، وهو أبوه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن الحسن


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص298، الباب 44 من الشهادات، ح6.

528

بن علي بن يوسف عن معاذ الجوهري عن عمرو بن جميع. ومعاذ الجوهري وعمرو بن جميع نثبت وثاقتهما برواية ابن أبي عُمير عنهما، وباقي رجال السند ثقات، ما عدا الحسن بن الحسين اللؤلؤي الذي يكون توثيق النجاشي إيّاه معارضاً باستثناء ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد بن يحيى ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي. فإذا سقط سند الحديث، كان المرجع في إثبات نفوذ شهادة الفرع الثاني ما أشرنا إليه من روايات حجّية البيّنة في القضاء بعد تتميم دلالتها بالارتكاز.

ومنها: ما دلّ على عدم نفوذ شهادة الفرع في الحدود، وهو ما ورد عن طلحة ابن يزيد _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه عن أبيه عن علي (عليه السلام): «أنّه كان لا يجيز شهادة على شهادةً في حدّ»(1). وما عن غياث بن إبراهيم _ بسند تام _ عن جعفر عن أبيه قال: «قال (عليه السلام): لا تجوز شهادة على شهادة في حدّ، ولا كفاله ‏في حدّ»(2).

وإذا كان الجرم ممّا يستدعي أمرين، أحدهما الحدّ. من قبيل السرقة التي تستدعي استرجاع المال مع قطع اليد، فمقتضى الجمع بين ما دلّ على نفوذ شهادة الفرع وما دلّ على استثناء الحدود هو التفصيل بين الحدّ والأثر الآخر بثبوت الثاني دون الأول.

ومنها: تكذيب شاهد الأصل شاهد الفرع، وهي:

1_ ما عن عبدالرحمان بن أبي عبداللّه _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) في رجل شهد على شهادة رجل، فجاء الرجل فقال: إنّي لم أشهد. قال: «تجوز شهادة أعدلهما، وإن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته»(3).


(1) وسائل الشيعة، ج18، الباب 44 من الشهادات ، ص299، الباب 45 من الشهادات، ح1.

(2) نفس المصدر، ح2.

(3) نفس المصدر، الباب 46 من الشهادات، ح1.

529

2_ ما عن عبدالرحمان _ بسند تام _ قال: «سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن رجل شهد شهادة على شهادة آخر، فقال: لم أشهده، فقال: تجوز شهادة أعدلهما»(1).

ولعلَّهما رواية واحدة.

3_ ما عن ابن سنان _ بسند تام _ عن أبي عبداللّه (عليه السلام) في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال: لم أشهده، قال: «فقال: تجوز شهادة أعدلهما، ولو كان أعدلهما واحداً، لم تجز شهادته»، ورواه الكليني (رحمه الله) إلا أنّه قال: «لم تجز شهادته عدالة فيهما»(2). والمقصود بابن سنان عبداللّه بقرينة نقله عن الإمام الصادق (عليه السلام).

والظاهر من هذه الروايات هو فرض التكذيب من قبل الأصل قبل حكم الحاكم.

أمّا إذا كان التكذيب بعد حكم الحاكم فهو خارج عن مورد النصوص، ويجب أن نفتي فيه بمقتضى القواعد، ومقتضى القواعد هو أنّه حتى لو كان تكذيب الأصل مسقطاً لبيّنة الفرع عن القوّة، فبما أنّ بيّنة الفرع عند الحكم كانت واجدةً لشرائط الحجّية، وكان الحكم وفق المقاييس فلا معنى لنقض الحكم بسبب تكذيب الأصل بعد الحكم.

نعم، لو كان هذا التكذيب كاشفاً في نظر الحاكم عن عدم تماميّة شرائط الحجّية حين الحكم كان عليه التراجع عن الحكم. وهذا فرض أمرٍ زائد غير داخل في موضوع بحثنا. أمّا كيف يتّفق أن يكون التكذيب كاشفاً عن عدم تماميّة شرائط الحجّية فهو من قبيل ما لو أورث هذا التكذيب العلم الإجمالي بفسق الفرع أو الأصل، لكون أحدهما كاذباً، فعلى كلّ تقدير يسقط الفرع عن الأثر إمّا لفسقه،أو لفسق الأصل


(1) نفس المصدر، ح2.

(2) نفس المصدر، ص300، ح30.

530

الذي شهد الفرع على شهادته. أمّا لو احتملنا الخطأ في أحدهما أو طروّ الفسق على الأصل بعد الشهادة؛ إذاً لم ينكشف خطأ الحكم.

وعلى أيّ حال فإذا كان التكذيب قبل حكم الحاكم فقد نطقت الروايات _ كما عرفت _ بأنّ بيّنة الفرع تقدّم بالأعدليّة، أمّا إذا تساويا أو كان الأصل أعدل لم تثبت شهادة الأصل ببيّنة الفرع.

والظاهر من الروايات أنّ بيّنة الفرع المؤتلفة من شاهدين يجب أن يكون كلاهما أعدل من الأصل كي تثبت شهادة الأصل بذلك؛ إذ لو كان أحدهما مساوياً، أو أقلّ عدالة فقد سقطت شهادته بحكم هذه الروايات، وبالتالي لم تتمّ لنا شهادة شاهدين عدلين.

وهل تقوم مقام أعدليّتهما زيادة العدد بأن يشهد شهود أربعة مثلاً على شهادة الأصل، هذا مشكل؛ لعدم وضوح تعدٍّ عرفي بحيث يرجع إلى ظهور لفظي للدليل، وعدم القطع العقلي بعدم الفرق.

وهل تقوم مقام شهادة العدلين على شهادة الأصل شهادة رجل وامرأة عليها، أو لا؟ الجواب بالنفي؛ ليس فقط لعدم الدليل على نفوذ شهادة المرأة في المقام، بل لدلالة الحصر _ أيضاً _ الوارد في روايتي طلحة بن زيد وغياث بن إبراهيم الماضيتين على ذلك؛ حيث جاء في الأُولى: «كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلا شهادة رجلين على رجل»، وفي الثانية: «كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل إلا شهادة رجلين على شهادة رجل». فالمفهوم عرفاً _ لأجل إخراج الاستثناء عن كونه منقطعاً _ هو أنّ المستثنى منه أمر غير مذكور، وهو معنى عام يشمل شهادة رجلين وغيرها، فكأنّه قال: «كان لا يجيز شهادة في إثبات شهادة الأصل إلا شهادة رجلين». وهذا _ كما ترى _ يدل بالحصر على عدم نفوذ شهادة رجل وامرأة.

531

وهل تقوم شهادة رجل ويمين على شهادة الأصل مقام بيّنة الفرع؟ الجواب بالنفي، لا للحصر، فإنّ المستثنى منه غير المذكور كما يحتمل أن يكون عبارة عن مطلق ما يثبت شهادة الأصل، فينفي إذاً بالإطلاق ثبوت شهادة الأصل بشهادة رجل واحد مع اليمين، كذلك يحتمل أن يكون عبارةً عن خصوص شهادة الفرع، فيدلّ على أنّ شهادة الفرع الكاملة ليست إلا شهادة رجلين، أمّا شهادة رجل واحد فليست كشهادة الفرع كافية، لكنّ من المحتمل أن تكون نصف شهادة الفرع، ويكون اليمين مؤثّراً أثر النصف الآخر. فنحن نقول بعدم حجّية شهادة شخص واحد على شهادة الأصل مع اليمين، لا لأجل إطلاق الحصر، بل لأنّ نفوذ ذلك خلاف الأصل، ولم يدل عليه دليل، وكذلك لا دليل على كفاية شهادة رجل واحد على شهادة الأصل منضمّاً إلى يمين المدّعي على أصل الدعوى.

وحدة مصبّ الشهادة

الشرط الثاني عشر _ وحدة مصبّ الشهادة:

فلو شهد أحدهما على إقراض زيد لعمرو مبلغاً قدره كذا... وشهد الآخر على إقرار عمرو بذلك لم تتمّ البيّنة؛ لأنّهما لم يشهدا بشيء واحد، وكذلك لو شهد أحدهما على سرقة دينار، والآخر على سرقة درهم، أو شهد أحدهما بأنّه باعه في شهر كذا والآخر على أنّه باعه في شهر آخر، أو شهد أحدهما بأنّه باعه بدينار والآخر بأنّه باعه بدرهم، وما إلى ذلك.

نعم، لو كانت الخصوصيّة المختلف فيها غير مقوّمة للقدر المشترك بين الشهادتين الذي هو محلّ الأثر لم يضرّ الخلاف بينهما في الخصوصيّة بثبوت القدر المشترك، كما لو شهدا بأنّه سرق ثوباً بعينه، واختلفا في أنّ القيمة السوقيّة لهذا الثوب هل هو

532

دينار أو ديناران، فهنا تثبت أصل سرقة هذا الثوب بلا إشكال.

وتفصيل الكلام في ذلك: أنّ اختلافهما في الخصوصيّة يتصور على أنحاء:

الأول _ أن لا تكون الخصوصيّة مُحصِّصة للقدر المشترك بين الشهادتين، بل تكون من المقارنات. وهنا لا إشكال في ثبوت القدر المشترك، وذلك كما في المثال الذي مضى من الاختلاف في قيمة الثوب المعيّن الذي شهدا بأنّه قد سرقه، فإنّ كون قيمة هذا الثوب بهذا المقدار أو لا إنّما هو أمر مقارن لسرقته، ولا يحصّص سرقة هذا الثوب إلى فعلين كما هو واضح.

الثاني _ أن تكون الخصوصيّة مُحَصِّصة للقدر المشترك، ويكون الأثر المطلوب مترتّباً على الحصّة، لا على الجامع بحدّه الجامعي. وهنا لا إشكال في عدم نفوذ البيّنة حتى لو غضّ النظر عمّا سيأتي، وذلك لأنّ المفروض أنّ الأثر ليس مترتّباً على الجامع بما هو جامع، وإنمّا هو مترتّب على الحصّة، وكلّ من الحصّتين لم تقم عليها بيّنة، ومثاله ما مضى من شهادة أحدهما بإقراض زيد لعمرو، وشهادة الآخر بإقرار عمرو بذلك. فالأثر هنا مترتّب على الحصّة؛ إذ الأثر إمّا هو الوجوب الواقعي للأداء، وهو مترتّب على الإقراض، أو هو نفوذ الإقرار ظاهراً، وهو مترتب على الإقرار، والجامع بينهما بحدّه الجامعي لا أثر له.

الثالث _ أن تكون الخصوصيّة مُحصِّصة للقدر المشترك أيضاً، ويكون الجامع بحدّه الجامعي ذا أثر في المقام،ولكن يكون هذا التحصيص مؤدّياً إلى التكاذب بين الشاهدين،كما لو شهد أحدهما على أنّه باع هذه الدار في الساعة الفلانيّة بألف دينار، وشهد الآخر على أنّه باعها في نفس الساعة بألف درهم. وهنا لا ينبغي الإشكال في عدم نفوذ البيّنة حتى لو غضّ النظر عمّا سيأتي _ إن شاء الله _ في الفرض الرابع، وذلك لأنّ التكاذب بين الشاهدين وإن كان على الخصوصيّة وليس

533

على الجامع، ولكن بما أنّ الشهادة بالجامع إنّما هي شهادة به في ضمن الحصّة، ولم تكن الخصوصيّة المختلف فيها من المقارنات البحتة، فهنا لا إشكال في أنّ الشهادة بالجامع تُضعَّف داخليّاً، أي أنّ البيّنة ضَعَّفت نفسها بنفسها، فهنا إمّا أن نقول: إنّ إطلاق دليل حجّية البيّنة منصرف بمناسبات الحكم والموضوع عن مثل هذا الفرض، أو نقول: إنّ دليل حجّية البيّنة _ على ما مضى منّا سابقاً _ لم يتمّ له إطلاق إلا بحدود الارتكاز العقلائي، ولم يثبت ارتكاز عقلائي على الحجّية عند وجود تكاذب من هذا القبيل بينهما.

الرابع _ أن تكون الخصوصيّة مُحصِّصة للقدر المشترك، ويكون الجامع بحدّه الجامعي ذا أثر، ولا يكون التحصيص مؤدّياً إلى التكاذب، كما لو شهد أحدهما بأنّه أتلف ديناراً من أموال زيد، والآخر بأنّه أتلف عشرة دراهم من تلك الأموال، واحتملنا صدقهما معاً بأن يكون قد أتلف ديناراً وعشرة دراهم، فهنا لا يرد شيء من الإشكالين السابقين _ من عدم الأثر أو التكاذب _ كما هو واضح، ولكن مع ذلك لا ينبغي الإشكال في عدم نفوذ هذه البيّنة، وذلك لأنّ شهادة كلّ منهما على الجامع لم تكن شهادة عليه بحدّه الجامعي، بل كانت شهادة عليه في ضمن الحصّة. وهذا لا يحقّق وحدة مفاد الشهادتين بالمعنى المأخوذ عرفاً ومتشرّعيّاً في مفهوم كلمة البيّنة، هذا مضافاً إلى ما عرفت من أنّ الإطلاق في أدلّة حجّية البيّنة لم يتمّ بأكثر ممّا يثبت بالارتكاز، ولا ارتكاز، ولا ارتكاز على حجّية مثل هذه البيّنة.

ولعلّ السرّ في عدم استقرار ارتكاز العقلاء على حجّية مثل هذا _ وعدم اكتفائهم بهذا المقدار من الوحدة في الوحدة المأخوذة عندهم في مفهوم البيّنة _ هو الفرق الموجود بحساب الاحتمالات بين شهادة شاهدين على شيء واحد، وهو سرقة الدينار مثلاً، وشهادة كلّ منهما على شيء غير ما شهد الآخر به رغم وجود جامع