17

إذن ببركة الدقّة والعمق في الجانب الفنّيّ من الفقه الذي تمثّله متانة أساليبالاستدلال وكذلك موضوعيّة الهدف الذي يتوخّاه ويريد إنجازه في واقع الحياةوتناسبه مع التخطيط الإلهيّ لتمكين المسلمين من تطبيق النظريّة الإسلاميّة في الحياة إضافة إلى المؤهّلات الذاتيّة لدى سماحة السيّد المرجع ـ مدّظلّه ـ تطوّرت حركة الفقه وتعمّقت عمليّة الاجتهاد في فقه سماحته، وامتدّ الفقه في سيره الامتداد الاُفقيّ ليستوعب كلّ مجالات الحياة، وتحوّل الاتّجاه نحو تبرير التعامل مع الواقع الفاسد إلى تجاه جهاديّ نحو تغيير الواقع الفاسد وتقديم البديل الفكريّ الكامل عنه من وجهة نظر الإسلام، ومحى في مفهوم حركة الاجتهاد أيّ تصوّر ضيّق للشريعة، وأزال من الذهنيّة الفقهيّة كلّ آثار ذلك الضيق وانعكاساته على البحث الفقهيّ.

 

ثانياً: تعريف موجز بالكتاب:

أمّا الكتاب الذي اختاره سماحة السيّد المرجع ـ مدّ ظلّه ـ للتعليق عليه فهو الرسالة العمليّة للمرجع الراحل آية الله العظمى السيّد محسن الحكيم(رحمه الله) والمسمّاة بمنهاج الصالحين، وقد وقع اختيار سماحة السيّد على هذا الكتاب لأجل اختيار اُستاذه المرجع الشهيد آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الصدر(قدس سره) لهذا الكتاب للتعليق عليه، فكان ذلك يسهّل على سماحة السيّد إن أراد بيان جوانب الاختلاف أو الاتّفاق في الفتوى مع اُستاذه في كلّ مسألة من المسائل.

أمّا اختياره للجزء الثاني من الكتاب الخاصّ بالمعاملات دون الجزء الأوّل الخاصّ بالعبادات فلأجل أنّ سماحة السيّد ـ مدّ ظلّه ـ قد كتب فتاواه في العبادات في تعليقته على كتاب (الفتاوى الواضحة) لاُستاذه الشهيد(قدس سره) وقد حوى الكتاب: التقليد والاجتهاد والطهارة والصلاة والصيام والاعتكاف والحجّ والعمرة والكفّارات، وأتمّها بكتاب (فتاوى في الأموال العامّة) الذي حوى فتاوى سماحته في الزكاة وزكاة الفطرة والخمس والفيء والأنفال واللقطة ومجهولة المالك، وألّف سماحته كتاب

18

(مباني فتاوى في الأموال العامّة) لبيان أهمّ الأدلّة على فتاواه في الأموال العامّة، فأرادسماحته أن يملأ الفراغ الحاصل في باب المعاملات فوقع اختياره على الكتاب المذكور.

ولأجل التأخير الحاصل في إعداد الكتاب بشكله الكامل للطباعة ـ لأسباب عديدة ـ دعت شدّة الحاجة وإلحاح مقلّدي سماحة السيّد أن نجدّد طباعة ما نشرناه سابقاً من الكتاب بعنوان القسم الأوّل ملحقين به ما اُنجز إلى نهاية كتاب الإيلاء، نسأل الله أن يوفّقنا لإنجاز ما بقي منه، وهو إلى آخر كتاب الإرث، وإلحاقه به، ليكتمل به قسم المعاملات إن شاء الله تعالى.

هذا، وقد يجد القارئ الكريم من غير الدارسين للفقه بعض الصعوبة في فهم بعض العبائر أو الفقرات من تعليقات سماحة السيّد مدّ ظلّه، وهذا يعود إلى اعتماد سماحته العبائر العلميّة والتركيبات الفقهيّة المتداولة في لغة الفقه التي لا يمكن للفقيه في كثير من الأحيان أن يستغني عنها إذا أراد بيان مقصوده بشكل علميّ ودقيق، سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ سماحة السيّد يرى أنّه بحاجة إلى بيان دليله في موارد مخالفة فتواه لفتوى المشهور أو فتوى اُستاذه أو فتوى صاحب المتن، فلا سبيل إلى ذلك إلّا اعتماد لغة الفقه والاستلال المتداولة في الكتب الفقهيّة، وهي لغة عسيرة الفهم في كثير من فقراتها وتراكيبها واصطلاحاتها على عموم المثقّفين والقرّاء الكرام.

ولذا نوصي إخواننا الكرام بمراجعة الفضلاء من السادة والمشايخ ممّن يسهل الاتّصال بهم من أساتذة الحوزة العلميّة المباركة للاستعانة بهم في فهم ما قد يصعب فهمه من فقرات أو عبائر الكتاب أو التعليقة المثبّتة في هامشه، آملين أن تكون هذه الفتاوى موضع اهتمام ومطالعة سائر المكلّفين لأجل تحصيل التفقّه في الدين والتقيّد بشريعة سيّد المرسلين(صلى الله عليه وآله)، فإنّه ورد عن الصادقين(عليهما السلام): «إذا أراد الله بعبد خيراً فقّهه في الدين» و«الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين»(1).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.



(1) الكافي للكليني(رحمه الله)، ج 1، ص 32، ح 3 و4.

19

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

العمل بالجزء الثاني من منهاج الصالحين تأليف آية الله العظمىالسيّد محسن الحكيم (رحمة الله عليه) مع الأخذ بعين الاعتبار تعليقاتنا عليه مجز إن شاء الله.

13 / رجب / 1430 هـ . ق كاظم الحسينيّ الحائريّ

 

 

 

21

المعاملات

 

 

○  التجارة.

○  الشفعة.

○  الإجارة.

○  المزارعة والمساقاة.

○  الجعالة.

○  السبق والرماية.

○  الشركة.

○  المضاربة.

○  الوديعة.

○  العارية.

○  اللقطة.

○  الغصب.

○  إحياء الموات.

○  الدين.

○  الرهن.

○  الحجر.

 

 

○  الضمان.

○  الصلح.

○  الإقرار.

○  الوكالة.

○  الهبة.

○  الوصيّة.

○  الوقف.

○  النكاح.

○  الطلاق.

○  الظهار.

○  الإيلاء.

○  اللعان.

○  الأيمان.

○  الصيد والذباحة.

○  الأطعمة والأشربة.

○  الميراث.

 

 

 

23

المعاملات

1

 

 

 

كتاب التجارة

 

وفيه مقدّمة وفصول:

○  مقدّمة.

○  شروط العقد.

○  شروط المتعاقدين.

○  شروط العوضين.

○  الخيارات.

○  أحكام الخيار.

○  ما يدخل في المبيع.

○  التسليم والقبض.

○  النقد والنسيئة.

○  الربا.

○  بيع الصرف.

○  السَلَف.

○  بيع الثمار والخضر والزرع.

○  خاتمة في الإقالة.

25

 

 

 

 

 

مقدّمة

التجارة في الجملة من المستحبّات الأكيدة في نفسها، وقد تستحبّ لغيرها، وقد تجب كذلك إذا كانت مقدّمةً لواجب أو مستحبّ، وقد تكره لنفسها أو لغيرها، وقد تحرم كذلك.

 

[المعاملات المحرّمة:]

والمحرَّم منها أصناف. وهنا مسائل:

(مسألة: 1) تحرم ولا تصحّ التجارة بالأعيان النجسة(1) كالخمر وباقي



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على المتن في هذا المورد(*): «الظاهر جواز البيع وسائر المعاوضات في الأعيان النجسة إذا كانت لها منفعة محلّلة شرعاً، إلّا المسكر والخنزير والكلب غير الصيود، والأحوط ذلك في الميتة أيضاً وإن كان الجواز في الميتة لا يخلو من وجه».

أقول: الوجه في جواز بيع الميتة لدى المنفعة المحلّلة ضعف رواية السكونيّ الناهية عن ثمن الميتة بسبب النوفليّ. وهي الرواية الخامسة من الباب الخامس ممّا يكتسب به من الوسائل، ج 17 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام)، ص 93، وفي سند الصدوق وقع موسى بن عمر الصيقل، وعليه فلو كانت للميتة منفعة محلّلة فالظاهر جواز بيعها وإن كان الأحوط الترك.


(*) يشير سماحة السيّد (مدّ ظلّه) بهذه العبارة وسائر العبائر المماثلة التي سترد إلى تعليقة اُستاذه المرجع الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر(قدس سره) على هذا الكتاب (من المكتب).

26

المسكرات والميتة والدم وغيرها، ولا فرق بين أن يكون لها منفعة محلَّلة مقصودة كالتسميد بالعذرة أو لا، كما لا فرق في الحرمة بين بيعها وشرائها وجعلها اُجرة في الإجارة، وعوضاً عن العمل في الجعالة، ومهراً في النكاح، وعوضاً في الطلاق الخلعي، وغير ذلك من الموارد التي يعتبر فيها المال ؛ لأنّها ليست أموالا شرعاً وإن كانت أموالا عرفاً. نعم، يستثنى من ذلك العصير العنبي إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه بناءً على نجاسته، وكلب الصيد، والعبد الكافر وإن كان مرتدّاً عن فطرة، فإنّ هذه الاُمور تجوز التجارة بها فضلا عن غيرها من أنواع المعاوضة. وفي إلحاق كلب الماشية والزرع بكلب الصيد إشكال، والمنع أظهر.

(مسألة: 2) الأعيان النجسة التي لايجوز بيعها ولا المعاوضة عليها لايبعد ثبوت حقّ الاختصاص لصاحبها فيها، فلو صار خلّه خمراً، أو دابّته ميتةً، أو اصطاد كلباً غير كلب الصيد لايجوز أخذ شيء من ذلك قهراً عليه، وكذا الحكم في بقيّة الموارد، وتجوز المعاوضة على الحقِّ المذكور فيُبذَل له مال في مقابله ويحلّ ذلك المال له(1).

(مسألة: 3) الميتة الطاهرة كميتة السمك والجراد يجوز بيعها والمعاوضة عليها إذا كان لها منفعة محلّلة معتدّ بها عند العرف بحيث يصحّ عندهم بذل المال بإزائها.

(مسألة: 4) يجوز بيع ما لا تُحلّه الحياة من أجزاء الميتة إذا كانت له منفعة محلّلة معتدّ بها، كما تقدّم.

(مسألة: 5) يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة في غير الجهة المحرّمة، مثل التسميد



(1) الأحوط وجوباً عدم حلّيّة المال المبذول بهذا العنوان في مقابل المسكر والخنزير والكلب غير الصيود والميتة حينما لم نجوّز بيعها.

27

بالعَذرات، والإشعال، والطلي بدهن الميتة النجسة، والصبغ بالدم، وغير ذلك.

(مسألة: 6) يجوز بيع الأرواث الطاهرة إذا [كانت] لها منفعة محلَّلة معتدّ بها كما هي كذلك اليوم، وكذلك الأبوال الطاهرة.

(مسألة: 7) الأعيان المتنجّسة كالدبس والعسل والدهن والسكنجبين وغيرها إذا لاقت النجاسة يجوز بيعها والمعاوضة عليها إن كان لها منفعة محلَّلة معتدّ بها عند العرف، فلو لم يكن لها منفعة كذلك لايجوز بيعها ولا المعاوضة عليها، والظاهر بقاؤها على الملكيّة لمالكها، ويجب إعلام المشتري بنجاستها.

(مسألة: 8) تَحرم ولا تصحّ التجارة بما يكون آلةً للحرام بحيث يكون المقصود منه غالباً الحرام، كالمزامير، والأصنام، والصلبان، والطبول، وآلات القمار كالشطرنج ونحوه، والظاهر أنّ منها صندوق حبس الصوت(1). أمّا (الراديو) فليس منها فيجوز بيعه، كما يجوز أن يستمع منه الأخبار وقراءة القرآن والتعزية ونحوها ممّا يباح استماعه. أمّا (التلفزيون) فالمستعمل منه في بلادنا معدود من آلات اللهو المثيرة للشهوات الشيطانيّة، فلا يجوز بيعه؛ لحرمة منافعه غالباً(2)،



(1) ليس هذا من أدوات اللهو، بل هو أداة لحبس الصوت، فيمكن حبس الصوت المحرّم فيه، ويمكن حبس الصوت المحلّل. وإن كان حين البيع مشتملاً على الصوت المحرّم، أمكن للمشتري محوه والاستفادة المحلّلة من الجهاز.

(2) الظاهر أنّ الضابط في كون شيء آلةً للَّهو وللحرام كونه بحسب طبعه ذا منفعة لهويّة غالبة على سائر منافعه، وأمّا إذا كانت نسبته إلى اللهو وغيره في نفسه على نحو واحد غير أنّه استعمل خارجاً في اللهو أكثر ممّا استعمل في غيره، فلا يكفي هذا في صدق عنوان آلات اللهو عليه عرفاً. ومن هذا القبيل التلفزيون كما أفاد ذلك اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في تعليقه على المتن في هذا المورد، ولكن مع هذا لا نسمح باشترائه للاتّخاذ

28

وأمّا استعماله والنظر فيه فلا بأس به إذا كان لايثير شهوة، بل كان فيه فائدة علميّةأو ترويح النفس. وإذا اتّفق أن صارت فوائده المحلّلة المذكورة كثيرة الوقوع جاز بيعه ويكون كالراديو. وأمّا آلة تسجيل الصوت فلا بأس ببيعها واستعمالها.

(مسألة: 9) كما يحرم بيع الآلات المذكورة يحرم عملها وأخذ الاُجرة عليها، بل يجب إعدامها ولو بتغيير هيئتها(1)، ويجوز بيع مادّتها من الخشب والنحاس والحديد بعد تغيّر هيئتها، بل قبله، لكن لا يجوز دفعها إلى المشتري إلّا مع الوثوق بأنّ المشتري يغيِّرها أو يمنعها من أن يترتّب عليها الفساد، أمّا مع عدم الوثوق بذلك فالظاهر جواز البيع وإن أثِم بترك التغيير مع انحصار الفائدة في الحرام، أمّا إذا كان لها فائدة ولو قليلة لم يجب تغييرها.

(مسألة: 10) تحرم ولا تصحّ المعاملة بالدراهم الخارجة عن السكّة المعمولة لأجل غشّ الناس، فلا يجوز جعلها عوضاً أو معوّضاً عنه في المعاملة مع جهل من تدفع إليه، أمّا مع علمه ففيه إشكال، والأظهر الجواز، بل الظاهر جواز دفع الظالم بها من دون إعلامه بأنّها مغشوشة، وفي وجوب كسرها إشكال، والأظهر عدمه.

(مسألة: 11) يجوز بيع السباع كالهرّ والأسد والذئب ونحوها إذا كانت لها منفعة محلّلة معتدّ بها، وكذا يجوز بيع الحشرات والمسوخات إذا كانت كذلك، كالعَلَق الذي يمصّ الدم، ودود القزّ، ونحل العسل، والفيل. أمّا إذا لم تكن لها منفعة كذلك فلا يجوز بيعها ولا يصحّ.



والاستعمال في البيت إن كان يؤدّي ذلك إلى الاستفادات المحرّمة في البيت، أمّا البيع والشراء التجاريّ له فجائز.

(1) إذا توقّف المنع من استعمالها ومن نشوء الفساد بسببها على ذلك، وقد أفاد ذلك اُستاذنا في تعليقه على هذا المقام.

29

(مسألة: 12) المراد بالمنفعة المحلّلة المجوِّزة للبيع: الفائدة المحلّلة المحتاج إليها حاجةً كثيرةً غالباً الباعثة على تنافس العقلاء على اقتناء العين، سواء أكانت الحاجة إليها في حال الاختيار أم في حال الاضطرار، كالأدوية والعقاقير المحتاج إليها للتداوي مع كثرة المرض الموجب لذلك(1).

(مسألة: 13) المشهور المنع عن بيع أواني الذهب والفضّة للتزيين، أو لمجرّد الاقتناء، والأقوى الجواز(2).

(مسألة: 14) يحرم ولا يصحّ بيع المصحف الشريف على الكافر، وكذا



(1) أو الاهتمام النوعيّ بالتحفّظ منه ولو لم يقع كثيراً، كما هو الحال في الأدوية التي تستعمل للوقاية من الوباء ولو كانت الإصابة الفعليّة به قليلةً جدّاً. هذا ما علّق به اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) على المتن.

وأقول: قد يتّفق أنّ المسألة ليست مسألة الاهتمام النوعيّ لا بالتحفّظ ولا بالمداواة، وإنّما المسألة مسألة منفعة شخصيّة نادرة وحاجة خاصّة عرضت لشخص مّا، كما لو احتاج شخص صدفةً إلى حشرة لمداواة نادرة بها غير مألوفة، أو لجعلها تحت التجزئة والتحليل لاستفادة علميّة، أو لغير ذلك، وكانت تلك الحشرة نادرة الوجود، فوجدت صدفةً لدى زيد وكان له حقّ الاختصاص بالاستيلاء، فمثل هذا الحقّ، ومثل هذه الفائدة يصحّح البيع والشراء الذي احتاجها.

وهدفنا من هذا المثال إعطاء الفكرة الكلّيّة للأمر في المقام، وبيان أنّ المنفعة المحلّلة ليست منحصرة في الضابط الذي اُعطي في المتن، ولا الذي اُعطي في تعليق اُستاذنا(رحمه الله).

(2) الأحوط وجوباً عدم شراء أواني الذهب والفضّة للتزيين(1)، ولكن هذا لا يوجب بطلان البيع؛ لأنّ لهما منفعة محلّلة ولو بلحاظ مادّتهما.


(1) عملاً بإطلاق صحيحة موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام): «آنية الذهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون». الوسائل، ب 65 من النجاسات، ح 4.

30

تمكينه منه(1)، بل الأحوط وجوباً حرمة بيعه على المسلم(2)، فإذا اُريدالمعاوضة عليه فلتجعل المعاوضة على الغلاف ونحوه، والأحوط منه أن تكون المعاوضة بنحو الهبة المشروطة بعوض. وأمّا الكتب المشتملة على الآيات والأدعية وأسماء الله تعالى فالظاهر جواز بيعها على الكافر فضلا عن المسلم، وكذا كتب الأخبار عن المعصومين (عليهم السلام)، كما يجوز تمكينه منها.

(مسألة: 15) يحرم ولا يصحّ بيع العنب أو التمر ليعمل خمراً(3)، أو الخشب ـ مثلا ـ ليعمل صنماً(4)، أو آلة لهو(5)، أو نحو ذلك، سواء أكان تواطؤهما على ذلك في ضمن العقد أم في خارجه، وكذا تحرم ولا تصحّ إجارة المساكن ليباع فيها الخمر، أو يحرز فيها، أو يعمل فيها شيء من المحرَّمات. وكذا تحرم ولاتصحّ إجارة السفن أو الدوابّ أو غيرها لحمل الخمر، والثمن والاُجرة في ذلك محرَّمان. وأمّا بيع العنب ممّن يعلم أنّه يعمله خمراً، أو إجارة المسكن ممّن يعلم أنّه يحرز فيه الخمر، أو يعمل شيئاً من المحرّمات من دون تواطئهما على ذلك في عقد البيع أو الإجارة أو قبله فقيل: إنّه حرام، وهو أحوط، والأظهر الجواز على كراهيّة.

(مسألة: 16) يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت مجسّمة، ويحرم أخذ الاُجرة عليه، والأحوط ذلك في غير المجسّمة وإن كان



(1) بل قد يكون تمكينه من المصحف الشريف موجباً لهدايته.

(2) هذا الاحتياط ليس وجوبيّاً.

(3) لا يبعد صحّة البيع، غير أنّه لو شرط عليه صنع الخمر فالشرط فاسد بلا إشكال.

(4) بل لا يبعد كفاية مجرّد العلم بأنّه سيعمله صنماً، أو صليباً، أو نحو ذلك من شعارات الكفر في الحرمة.

(5) لا يبعد صحّة البيع. نعم، الشرط فاسد بلا إشكال.

31

الأظهر الجواز. أمّا تصوير غير ذوات الأرواح كالشجر وغيره فلا بأس، ويجوز أخذ الاُجرة عليه، كما لا بأس بالتصوير الفوتُغرافيّ المتعارف في عصرنا، ومثله تصوير بعض الصورة كالرأس والرجل ونحوهما ممّا لا يعدّ تصويراً للصورة الناقصة، أمّا إذا كان كذلك مثل تصوير شخص مقطوع الرأس أو مقطوع الرجل ففيه إشكال، أمّا لو كان تصويراً له على هيئة خاصّة مثل تصويره جالساً أو واضعاً يديه إلى خلفه أو نحو ذلك ممّا يعدّ تصويراً تامّاً فالظاهر هو الحرمة إذا كانت مجسّمة، ويجوز على كراهيّة اقتناء الصور وبيعها وإن كانت مجسّمةً وذوات أرواح.

(مسألة: 17) الغناء حرام إذا وقع على وجه اللهو والباطل، وكذااستماعه، والمراد منه: ترجيع الصوت على نحو خاصٍّ وإن لم يكن مطرباً(1)، ولا فرق في حرمته بين وقوعه في قراءة ودعاء ورثاء وغيرها، ويستثنى منه الحداء، وغناء النساء في الأعراس إذا لم يضمّ إليه محرّم آخر من: الضرب بالطبل، والتكلّم بالباطل، ودخول الرجال على النساء، وسماع أصواتهنّ على نحو يوجب تهيّج الشهوة(2)، وإلّا حرم ذلك.

(مسألة: 18) معونة الظالمين في ظلمهم بل في كلِّ محرّم حرام، أمّا معونتهم في غير المحرّمات من المباحات والطاعات فلا بأس بها إلّا أن يعدَّ ذلكمن أعوانهم والمنسوبين إليهم فتحرم.



(1) نحن نرى: أنّ مقياس الحرمة في الغناء ليس هو ترجيع الصوت بنحو خاصّ، ولا الطرب، وإنّما المقياس هو عنوان اللهو، فلو فرض ـ مثلاً ـ أنّ المجموع المركّب من الترجيع والمضمون يوجد الطرب بشأن مديح أهل البيت(عليهم السلام)، ولم يكن يناسب مجالس اللهو، فلا دليل على حرمته.

(2) بل حتّى ما لا يوجب تهييج الشهوة لو كان يعدّ ممّا يناسب مجالس اللهو، كان حراماً، من دون استثناء غناء النساء في الأعراس، ولا الحداء، ولا أيّ استثناء آخر.

32

(مسألة: 19) اللعب بآلات القمار: كالشطرنج، والدوملة، والطاولي، وغيرها ممّا اُعدّ لذلك حرام مع الرهن، ويحرم أخذ الرهن أيضاً ولا يملكه الغالب، ولا يبعد تحريم اللعب بها إذا لم يكن رهن(1). أمّا اللعب بغيرها مع الرهن: كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل، أو على المصارعة، أو على الطفرة، أو نحو ذلك فلا إشكال في حرمة أخذ الرهن، وفي حرمة نفس المراهنة والمغالبة إشكال، والأحوط الترك(2). وأمّا إذا لم يكن رهن فالأظهر الجواز، والأحوط الترك، وكذا إذا كانت المغالَبة برهن يرجع إلى جهة مباحة لا إلى الغالب(3). والمراد بالقمار: ما تتوقّف الغلبة فيه على إعمال الفكر وقوّته(4).

(مسألة: 20) عمل السحر حرام، وكذا تعليمه، وتعلّمه، والتكسّب به. والمراد منه: ما يوجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر، أو السمع، أو غيرهما، وفي كون تسخير الجنّ، أو الملائكة، أو الإنسان من السحر إشكال، والأظهر تحريم ما كان مضرّاً بالغير(5) دون غيره.

(مسألة: 21) القيافة حرام(6)، وهي إلحاق الناس بعضهم ببعض استناداً إلى



(1) على الأحوط.

(2) بل هو الأظهر.

(3) في العبارة غموض. وعلى كلّ حال، فكلّ مراهنة ورهان حرام غير ما نصّ على جوازه، كما في السبق والرماية الشرعيّتين.

(4) لا يتوقّف عنوان القمار على ذلك.

(5) ممّن يحرم الإضرار به.

(6) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) ـ ونِعْم ما أفاد ـ في التعليق على ذلك: أنّ الحرمة إنّما تكون فيما إذا اقتضت القيافة التعويل على الظنّ، أو على تولّد لم يثبت كونه بوجه مشروع، وأمّا

33

علامات خاصّة.

(مسألة: 22) الشعبذة حرام(1)، وهي إراءة غير الواقع واقعاً بسبب الحركة السريعة الخارجة عن العادة.

(مسألة: 23) الكَهانة حرام(2)، وهي الإخبار عن المغيّبات بزعم أنّه يخبره به بعض الجانّ. أمّا إذا كان اعتماداً على بعض الأمارات الخفيّة، فالظاهر أنّه لا بأس به.

(مسألة: 24) النَجَش حرام(3)، وهو: أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، بل لأنْ يسمعه غيره، فيزيد لزيادته، سواء أكان ذلك عن مواطأة مع البائع أم لا.

(مسألة: 25) التنجيم حرام، وهو الإخبار عن الحوادث مثل: الرخص والغلاء والحرّ والبرد ونحوها استناداً إلى الحركة الفلكيّة والطوارئ الطارئة على الكواكب من الاتّصال بينها أو الانفصال أو الاقتران أو نحو ذلك باعتقاد تأثيرها في الحادث على وجه ينافي الاعتقاد بالدين.

(مسألة: 26) الغشّ حرام، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): « من غشّ أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه، وسدّ عليه معيشته، ووَكَله إلى نفسه ». ويكون الغشّ بإخفاء الأدنى في الأعلى كمزج الجيِّد بالرديء، وبإخفاء غير المراد بالمراد كمزج الماء باللبن،



إذا اُحرز النسب الشرعيّ بوجه قطعيّ عن طريق القرائن والعلامات، فلا بأس بالتعويل على ذلك، وكذلك الأمر في الطرق العلميّة الحديثة.

(1) حرمتها ليست ذاتيّة. نعم، قد ينطبق عليها عنوان محرّم، كالإضرار بالمسلم ونحوه.

(2) على الأحوط.

(3) في حرمته إشكال.

34

وبإظهار الصفة الجيِّدة مع أنّها مفقودة واقعاً، مثل رشّ الماء على بعضالخضراوات ليتوهّم أنّها جديدة، وبإظهار الشيء على خلاف جنسه، مثل طلي الحديد بماء الفضّة أو الذهب ليتوهّم أنّه فضّة أو ذهب. وقد يكون بترك الإعلام مع ظهور العيب وعدم خفائه، كما إذا اعتمد المشتري على البائع في عدم إعلامه بالعيب فاعتقد أنّه صحيح(1) ولم ينظر في المبيع ليظهر له عيبه، فإنّ عدم إعلام البائع بالعيب مع اعتماد المشتري عليه غشّ للمشتري.

(مسألة: 27) الغشّ وإن حرم لا تفسد المعاملة به، لكن يثبت الخيار للمغشوش، إلّا في بيع المطليِّ بماء الذهب أو الفضّة، فإنّه يبطل فيه البيع ويحرم الثمن على البائع، وكذا أمثاله ممّا كان الغشّ فيه موجباً لاختلاف الجنس.

(مسألة: 28) لا تصحّ الإجارة على العبادات التي لاتشرع إلّا أن يفعلها الأجير عن نفسه مجّاناً، واجبهً كانت أو مستحبّة، عينيّةً كانت أو كفائيّة، فلو استأجر شخصاً على فعل الفرائض اليوميّة أو نوافلها، أو صوم شهر رمضان، أو حجّ الإسلام، أو تغسيل الأموات أو تكفينهم أوالصلاة عليهم، أو غير ذلك من العبادات الواجبة أوالمستحبّة لم تصحّ الإجارة إذا كان المقصود أن يفعلها الأجير عن نفسه. نعم، لو استأجره على أن ينوب عن غيره في عبادة من صلاة أو غيرها إذا كان ممّا تشرع فيه النيابة جاز، وكذا لو استأجره على الواجب غير العباديّ كوصف الدواء لمريض أو العلاج له أو نحو ذلك فإنّه يصحّ، وكذا لو استأجره لفعل الواجبات التي يتوقّف عليها النظام، كتعليم بعض علوم الزراعة والصناعة والطبّ. ولو استأجره لتعليم الحلال والحرام فيما هو محلّ الابتلاء فالأظهر البطلان(2) وحرمة الاُجرة،



(1) مع ظهور حال البائع في قبوله بهذا الاعتماد.

(2) رأينا في أخذ الاُجرة على الواجبات ما يلي:

35

وفي عموم الحكم لما لا يكون محلاًّ للابتلاء إشكال، والأظهر الجواز والصحّة.

(مسألة: 29) يحرم النوح بالباطل يعني الكذب، ولا بأس بالنوح بالحقّ.

(مسألة: 30) يحرم هجاء المؤمن، ويجوز هجاء المخالف، وكذا الفاسق المبتدِع لئلاّ يؤخذ ببدعته.

(مسألة: 31) يحرم الفحش(1) من القول، وهو ما يستقبح التصريح به إذا كان في الكلام مع الناس غير الزوجة، أمّا معها فلا بأس به(2).



أوّلاً: عباديّة العبادة لا تنافي أخذ الاُجرة عليها، فلو كان للمستأجر غرض عقلائيّ في ذلك ينتفع به، صحّ الاستيجار، من قبيل ما لو كانت العبادة مستحبّة وكان الغرض العقلائيّ للمستأجر جعلها واجبة على الأجير كي يلتزم بها، وكان التزامه بها يُدخل الفرح والسرور على المستأجر.

ثانياً: وجوب الواجب حينما لا يوجد للمستأجر غرض عقلائي غير فرحه بسقوط الواجب عن ذمّة الأجير يمنع عن صحّة الإيجار، ويكون أخذ الاُجرة منه أكلاً للمال بالباطل.

ثالثاً: حينما تترتّب منفعة محلّلة على عمل الأجير للمستأجر غير مجرّد رغبته في سقوط الواجب عن ذمّة الأجير، صحّ الإيجار، ومثاله: ما لو كان الواجب كفائيّاً فأراد المستأجر أن يُسقط الوجوب عن نفسه بفعل الأجير، فيجوز استئجاره للعمل. ومثال آخر: مالو كان الواجب عبارة عن التعليم والمستأجر يستفيد من التعلّم، فيستأجره لتعليمه إيّاه، فهذا الإيجار صحيح حتّى ولو فرض أنّ التعليم أصبح كالواجب العينيّ على المستأجر.

(1) بمعنى الاعتياد عليه.

(2) هذا في الفحش الذي ينشأ استقباحه من الحياء، وأمّا ما يستقبح بقطع النظر عن الحياء، فلا فرق بين التكلّم به مع الزوجة أو غيرها. وهذا من إفادات اُستاذنا(رحمه الله) في تعليقه على المتن هنا.

36

(مسألة: 32) تحرم الرشوة على القضاء بالحقّ أو الباطل، وأمّا الرشوة علىاستنقاذ الحقّ من الظالم فجائزة وإن حرم على الظالم أخذها.

(مسألة: 33) يحرم حفظ كتب الضلال مع احتمال ترتّب الضلال لنفسه أو لغيره، فلو أمن من ذلك أو كانت هناك مصلحة أهمّ جاز، وكذا يحرم بيعها ونشرها، ومنها الكتب الرائجة من التوراة والإنجيل وغيرها، هذا مع احتمال التضليل بها.

(مسألة: 34) يحرم تزيين الرجل بالذهب وإن لم يلبسه(1)، ولو تزيّن بلبسه تأكّد التحريم.

(مسألة: 35) يحرم الكذب، وهو الإخبار بما ليس بواقع، ولا فرق في الحرمة بين ما يكون في مقام الجدّ وما يكون في مقام الهزل(2). نعم، إذا تكلّم بصورة الخبر هزلا بلا قصد الحكاية والإخبار فلا بأس به، ومثله التورية(3) بأن يقصد من الكلام معنىً له واقع ولكنّه خلاف الظاهر. كما أنّه يجوز الكذب لدفع الضرر عن نفسه أو عن المؤمن، بل يجوز الحلف كاذباً حينئذ، ويجوز الكذب أيضاً للإصلاح بين المؤمنين، والأحوط الاقتصار فيهما على صورة عدم إمكان التورية. وأمّا الكذب في الوعد بأن يخلف في وعده، فالظاهر جوازه(4) على كراهة شديدة.



(1) بل الحرام هو اللبس.

(2) إذا لم ينصب قرينة متّصلة على الهزل.

(3) لا فرق في الحرمة بين التورية والكذب، ومتى ما جازت التورية جاز الكذب.

(4) الوعد يعود في كثير من الأحيان إلى التعهّد، وعندئذ يحرم خلفه إلّا برضا المتعهّد له، وفي كثير من الأحيان يعود إلى التعاقد بينه وبين الموعود له، وعندئذ يحرم أيضاً خلفه إلّا بموافقة الموعود له، فإن لم يرجع لا إلى هذا ولا إلى ذاك، جاز خلفه.

37

نعم، لو كان حال الوعد بانياً على الخُلف، فالظاهر حرمته(1)، إلّا إذا كان قد وعد أهله بشيء وهو لا يريد أن يفعله(2).

(مسألة: 36) تحرم الولاية من قبل السلطان الجائر، إلّا مع القيام بمصالح المؤمنين، وعدم ارتكاب ما يخالف الشرع المبين، ويجوز أيضاً مع الإكراه من الجائر بأن يأمره بالولاية ويتوعّده على تركها بما يوجب الضرر بدنيّاً أو ماليّاً عليه، أو على من يتعلّق به بحيث يكون الإضرار بذلك الشخص إضراراً بالمكرَه عرفاً كالإضرار بأبيه، أو أخيه، أو ولده، أو نحوهم ممّن يهمّه أمرهم.

(مسألة: 37) مايأخذه السلطان المخالف المدّعي للخلافة العامّة من الضرائب المجعولة على الأراضي والأشجار والنخيل يجوز شراؤه، وأخذه منه مجّاناً، بلا فرق بين الخراج (وهو ضريبة النقد) والمقاسمة (وهي ضريبة السهم) من النصف والعشر ونحوهما، وكذا المأخوذ بعنوان الزكاة، والظاهر براءة ذمّة المالك بالدفع إليه، بل الظاهر أنّه لو لم تأخذه الحكومة وحوّلت شخصاً على المالك في أخذه منه، جاز للمحوّل أخذه، وبرئت ذمّة المحوَّل عليه، وفي جريان الحكم المذكور فيما يأخذه السلطان المسلم المؤالف، أو المخالف الذي لا يدّعي الخلافة العامّة، أو الكافر إشكال.

(مسألة: 38) إذا دفع إنسان مالا إلى آخر ليصرفه في طائفة من الناس وكان المدفوع إليه منهم، فإن فهم من الدافع الإذن في الأخذ من ذلك المال، جاز له أن يأخذ منه مثل أحدهم، أو أكثر على حسب الإذن، وإن لم يفهم الإذن، لم يجز الأخذ منه أصلا(3).



(1) هذا إذا كان قصده بالوعد الإخبار، فيدخل في الكذب، لا مجرّد إنشاء الالتزام.

(2) الأحوط عدم الفرق بين حكم الأهل وغيرها من هذه الناحية.

(3) هذا الحكم ثابت عندنا في بعض موارده بالفتوى، وفي بعض موارده بالاحتياط،

38

(مسألة: 39) جوائز الظالم حلال وإن علم إجمالا أنّ في ماله حراماً، وكذا كلّ ما كان في يده يجوز أخذه منه وتملّكه والتصرّف فيه بإذنه، إلّا أن يعلم أنّه غصب، فلو أخذ منه حينئذ وجب ردّه إلى مالكه إن عرف بعينه، فإن جهل وتردّد بين جماعة محصورة، فإن أمكن استرضاؤهم وجب، وإلّا رجع في تعيين مالكه إلى القرعة(1)، وإن تردّد بين جماعة غير محصورة، تصدّق به عن مالكه إن كان يائساً عن معرفته، وإلّا وجب الفحص عنه وإيصاله إليه.

(مسألة: 40) يكره بيع الصرف، وبيع الأكفان، وبيع الطعام، وبيع العبيد. كما يكره أن يكون الإنسان جزّاراً أو حجّاماً، ولا سيّما مع الشرط بأن يشترط اُجرة. ويكره أيضاً التكسّب بضرّاب الفحل بأن يؤاجره لذلك، أو بغير إجارة بقصد العوض، أمّا لو كان بقصد المجّانيّة فلا بأس بما يعطى بعنوان الهدية.

(مسألة: 41) لا يجوز بيع أوراق اليانصيب. نعم، يصحّ الصلح(2) بينهم بدفع مقدار من المال على أن يملِّكه ورقة اليانصيب المشتملة على الرقم الخاصّ على نحو يكون من أحد الأفراد الذين تكون الجائزة مردّدةً بينهم.

وإذا اجتمع عشرة أشخاص، فوهب كلّ واحد منهم عشرة دنانير لواحد منهم بشرط أن يجري القرعة في المئة دينار المجتمعة عنده، وتعطى لمن



إلّا في مورد واحد، وهو ما لو كان الدافع لا دخل أصلاً لنظره، وكان المال من زكاة ونحوها لغيره ممّن لم يعيّن شخصاً لصرفه من الدائرة التي له حقّ التعيين فيها. مثاله: ما لو وقع مال زكويّ في يد شخص صدفةً، فدفعه إلى آخر ليوزّعه على الفقراء، فإنّه عندئذ يجوز للمدفوع إليه إذا كان مصرفاً له أن يأخذ منه ما شاء.

(1) بمعنى أنّ الذي يفصل بينهم هو قاضي الشرع عن طريق القرعة.

(2) الأظهر عدم الصحّة.

39

تخرج القرعة باسمه منهم، صحَّ(1)، وأمّا إذا كان الإعطاء بقصد البدليّة عن المئةالمحتملة، فالمعاملة باطلة، وإذا كان اليانصيب على النحو الأوّل، فهو صحيح(2).

(مسألة: 42) يجوز إعطاء الدم إلى المرضى المحتاجين إليه، كما يجوز أخذ العوض عن الإعطاء والتمكين منه، ولا يجوز أخذ العوض(3) عن نفس الدم، وإذا وضع الدم في قارورة جاز أخذ العوض عن القارورة نفسها إن كانت ذات قيمة، ويكون الدم تابعاً لها، ولا يجوز أخذ العوض عن الدم. نعم، تجوز المصالحة على التمكين من الدم بعوض، فالعوض يكون في مقابل التمكين لا مقابل الدم. ويحرم حلق اللحية(4)، ويحرم أخذ الاُجرة عليه(5)، إلّا إذا كان ترك الحلق يوجب سخريةً ومهانةً شديدةً لا تُتحمّل عند العقلاء(6)، فيجوز حينئذ.

 

آداب التجارة:

(مسألة: 43) يستحبّ التفقّه فيها ليعرف صحيح البيع وفاسده ويسلم من الربا، بل مع الشكّ في الصحّة والفساد لا يجوز له ترتيب آثار الصحّة، بل يتعيّن عليه الاحتياط، ويستحبّ أن يساوي بين المبتاعين، فلا فرق بين المماكس وغيره



(1) الأظهر عدم الصحّة.

(2) قد عرفت أنّ الأظهر عدم الصحّة.

(3) بل الظاهر جوازه.

(4) على الأحوط.

(5) على الأحوط.

(6) أو ضرراً، أو احتمال ضرر من قبيل الضرب أو السجن.

40

بزيادة السعر في الأوّل أو بنقصه، أمّا لو فرّق بينهما لمرجّحات شرعيّة كانت كالعلم والتقوى ونحوهما فالظاهر أنّه لا بأس به. ويستحبّ أن يُقيل النادم، ويشهد الشهادتين عند العقد، ويكبِّر الله تعالى عنده، ويأخذ الناقص ويعطي الراجح.

(مسألة: 44) يكره مدح البائع سلعته، وذمّ المشتري لها، وكتمان العيب إذا لم يؤدِّ إلى غشّ، وإلّا حرم كما تقدّم، والحلف على البيع، والبيع في المكان المظلم الذي يُستتر فيه العيب، بل كلّ ما كان كذلك، والربح على المؤمن زائداً على مقدار الحاجة، وعلى الموعود بالإحسان، والسوم ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وأن يدخل السوق قبل غيره، ومبايعة الأدنين، وذوي العاهات والنقص في أبدانهم، والمحارفين، وطلب تنقيص الثمن بعد العقد، والزيادة وقت النداء لطلب الزيادة، أمّا الزيادة بعد سكوت المنادي فلا بأس بها، والتعرّض للكيل أو الوزن أو العدّ أوالمساحة إذا لم يحسنه حذراً من الخطأ، والدخول في سوم المؤمن، بل الأحوط تركه، والمراد به: الزيادة في الثمن الذي بذله المشتري، أو بذل مبيع له غير ما بذله البائع مع رجاء تماميّة المعاملة بينهما، فلوانصرف أحدهما عنها أو علم بعدم تماميّتها بينهما فلا كراهة، وكذا لو كان البيع مبنيّاً على المزايدة وأن يتوكّل بعض أهل البلد لمن هو غريب عنها، بل الأحوط استحباباً تركه، وتلقّي الركبان الذين يجلبون السلعة، وحدّه إلى ما دون أربعة فراسخ، فلو بلغ أربعة فراسخ فلا كراهة، وكذا لو اتّفق ذلك بلا قصد، والظاهر عموم الحكم لغير البيع من المعاملة كالصلح والإجارة ونحوهما.

(مسألة: 45) يحرم الاحتكار على الأحوط، وهو حبس السلعة والامتناع من بيعها لانتظار زيادة القيمة مع حاجة المسلمين إليها وعدم وجود الباذللها، والظاهر اختصاص الحكم بالحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت

41

لا غير(1)، وإن كان الأحوط استحباباً إلحاق الملح بها، بل كلّ ما يحتاج إليه عامّة المسلمين من الملابس والمساكن والمراكب وغيرها، ويُجبر المحتكِر على البيع في الاحتكار المحرّم من دون أن يعيّن له السعر. نعم، إذا كان السعر الذي اختاره مجحفاً بالعامّة اُجبر على الأقلِّ منه.

 



(1) الظاهر شمول الحكم لكلّ طعام تعمّ المسلمين الحاجة إليه لدى عدم وجود باذلين آخرين(1).


(1) لصحيح الحنّاط. الوسائل، ج 17، ب 28 من آداب التجارة، ح 3، ص 428. ولعهد الإمام إلى مالك الأشتر، ب 27 من تلك الأبواب، ح 13، ص 427.