1

حقّ الطلاق أو الفسخ في غير العيوب المعروفة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

الزوجة قد تشكو عيباً في زوجها من غير العيوب المنصوصة مؤثّراً في الحياة الزوجيّة، ثابتاً قبل العقد، ولم تكن تعلم به، كما لو كان الزوج مبتلى بالإيدز، ولم تعلم بذلك إلّا بعد العقد.

وقد تشكو عيباً من هذا القبيل طارئاً بعد العقد، وقد تشكو ظلمه وهضمه لحقوقها كترك النفقة، أو ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر، أو الضرب بلا حقّ، أو ما إلى ذلك.

وقد تشكو حرجاً عليها في عيشها معه برغم عدم ظلمه إيّاها لمثل حالة نفسيّة من دون قصور أو تقصير منه.

والفسخ أو الطلاق لصالح الزوجة يكون إمّا بالتمسّك بقاعدة نفي العسر والحرج، أو بقاعدة نفي الضرر، وإمّا بآيات تخيير الزوج بين الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان، وإمّا بروايات الطلاق في موارد الظهار، أو الإيلاء، أو ترك الوطء، أو ترك النفقة.

أمّا الآيات فهي ما يلي:

2

1 ـ ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْم يَعْلَمُونَ. وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوف أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوف وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ﴾(1).

2 ـ ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوف أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوف﴾(2).

وشبهة اختصاص هذا الحكم بما بعد الطلاق الثاني لو تمّت في الآية الاُولى لا تأتي في الآية الثانية والثالثة، على أنّ معتبرة عمر بن حنظلة(3) عن الصادق طبّقت الآية على ما قبل الطلاق.

وأعتقد أنّه لولا الآيتان الأخيرتان والرواية التي أشرنا إليها، كان باب التعدّي العرفيّ من مورد الآية الاُولى أيضاً مفتوحاً.

وأمّا الروايات الواردة في الموارد الخاصّة، فهي على طوائف:

الاُولى: ما ورد في النفقة، من قبيل صحيحة ربعي، عن أبي عبدالله في قوله تعالى:﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّه﴾(4) قال: «إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، وإلّا فُرّق بينهما»(5).


(1) البقرة، الآية: 229 ـ 231.
(2) الطلاق، الآية: 2.
(3) الوسائل 19: 165 ـ 166 بحسب طبعة آل البيت، الباب. من الوكالة، الحديث الوحيد في الباب.
(4) الطلاق، الآية: 7.
(5) الوسائل 21: 509 بحسب طبعة آل البيت، الباب. من النفقات، الحديث 1. ونحوها روايات اُخرى في نفس الباب.
3

والثانية: روايات الإيلاء، وقبل الروايات نشير إلى آية الإيلاء، وهي قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(1)، فلعلّ الآية واضحة في وجوب أحد الأمرين بعد أربعة أشهر: إمّا الفيء، وإمّا الطلاق.

وأمّا الروايات فكثيرة من قبيل صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله: «أيّما رجل آلى من امرأته ـوالإيلاء أن يقول: والله لا اُجامعك كذا وكذا، والله لأغيظنّك، ثُمّ يغاضبهاـ فإنّه يُتربَّص به أربعة أشهر، ثُمّ يؤخذ بعد الأربعة أشهر فيوقف، فإذا فاء ـوهو أن يصالح أهلهـ فإنّ الله غفور رحيم، وإن لم يفئ اُجبر على الطلاق، ولا يقع بينهما طلاق حتّى يوقف وإن كان أيضاً بعد الأربعة أشهر، ثُمّ يجبر على أن يفيء أو يطلّق»(2).

وموثّقة سماعة قال: «سألته عن رجل آلى من امرأته، فقال: الإيلاء أن يقول الرجل: والله لا اُجامعك كذا وكذا، فإنّه يُتربَّص أربعة أشهر، فإن فاء ـوالايفاء أن يصالح أهلهـ فإنّ الله غفور رحيم، وإن لم يفئ بعد أربعة أشهر حتّى يصالح أهله أو يطلّق، جُبرَ على ذلك، ولا يقع الطلاق فيما بينهما حتّى يوقف وإن كان بعد الأربعة أشهر، فإن أبى فَرَّق بينهما الإمام »،(3) ونحوهما غيرهما(4).

والثالثة: رواية الظهار، وهي ما عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبدالله عن رجل ظاهر من امرأته، قال: إن أتاها فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً، وإلّا ترك ثلاثة أشهر، فإن فاء وإلّا اُوقف حتّى يسأل: لك في امرأتك حاجة أو تطلّقها؟ فإن فاء فليس عليه شيء، وهي امرأته، وإن طلّق واحدة فهو أملك برجعتها»(5) على كلام وبحث في سند الحديث من ناحية وهيب بن حفص.

والرابعة: ما ورد في ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر عن مغاضبة دون يمين، من قبيل صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبدالله قال: «إذا غاضب الرجل امرأته، فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر، فاستعدت عليه، فإمّا أن يفيء، وإمّا أن يطلّق، فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين، فليس بمؤل»(6).

وبعد هذا العرض نعود إلى الفروع التي طرحناها في مستهلّ البحث، وهي:


(1) البقرة، الآية: 226 ـ 227.
(2) الوسائل 22: 347 بحسب طبعة آل البيت، الباب. من الإيلاء، الحديث 1.
(3) المصدر السابق: 351 بحسب طبعة آل البيت، الباب. من الإيلاء، الحديث 4.
(4) راجع المصدر السابق، الباب. ـ 12 من الإيلاء، وكذلك الباب 2.
(5) راجع المصدر السابق، الباب 18 من الظهار.
(6) المصدر السابق: 342، الباب. من الإيلاء، الحديث 2.
4

الفرع الأوّل: لو شكت الزوجة عيباً من غير العيوب المنصوصة مؤثّراً في الحياة الزوجيّة، ثابتاً قبل العقد، ولم تكن تعلم به كالإيدز، فالظاهر أنّ لزوم العقد يرتفع في هذا الفرع بقاعدة (لا ضرر ولا ضرار); لأنّ الإضرار مستند إلى الزوج، فتمسّكه بلزوم العقد يعتبر ضراراً. ودليل حصر الفسخ في العيوب المنصوصة إنّما تمّ ـبناءً على بحث لنا في العيوب الفاسخة للنكاحـ بلحاظ عيوب الزوجة لا بلحاظ عيوب الزوج.

الفرع الثاني: لو شكت الزوجة عيباً مؤثّراً في الحياة الزوجيّة كالإيدز طارئاً بعد العقد فثبوت الخيار هنا مشكل؛ لأنّ الضرر لم يكن من طرف الزوج كي يصدق عليه عنوان المضارّ ويشمله نفي الضرار، وأمّا نفي الضرر فجريانه لصالح الزوجة دون صالح الزوج ترجيح بلامرجّح، فلئن كان بقاء العقد ضرراً على الزوجة كذلك فسخه ضرر على الزوج.

وأمّا لو سبّب هو بسوء اختياره إيجاد مرض الإيدز مثلاً في نفسه، فهذا ظلم منه للزوجة من بعد العقد، فيدخل في الفرع الثالث.

وقد يقال: إنّ آيات التخيير بين الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان أو المعروف تثبت وجوب الطلاق على هذا الزوج، فإن لم يفعل اُجبر عليه، وإن لم يمكن الإجبار طلّق الوالي عنه؛ وذلك لأنّه عاجز عن الإمساك بالمعروف، أي: الإمساك بما هو متعارف ممّا يُسعد الزوجة؛ لأنّ التعايش معها بمرض الإيدز مثلاً الذي يغيّر الحياة الزوجية إلى جحيم ليس حالة معروفة، ولئن كان هذا الرجل عاجزاً عن توفير الإمساك بالمعروف والسعادة المترقّبة للحياة الزوجية لزوجته، وجب عليه الأخذ بالعِدْل الآخر من عِدْلي التخيير، وهو التسريح بالإحسان.

والجواب: أنّ المعروف من كلّ أحد إنّما هو داخل في حدود ما يقدر عليه، وليس من المعروف بين الناس توفير حياة خالية من مضاعفات مرض الزوج من قبل زوج مريض.

5

نعم، في خصوص مورد ترك الإنفاق ثبت بإطلاق روايات الطلاق لدى عدم الإنفاق أنّه يثبت الطلاق حتّى لو كان الزوج عاجزاً عن الإنفاق وغير متعمّد في ترك الإنفاق، وهذا يعني: أنّ الإنفاق حقّ للزوجة ثابت حتّى لدى العجز؛ فإنّ ثبوت حقّ حتّى لدى العجز عن أدائه أمر معقول، وقد سُلِبَ الزوجُ في مقابل ترك هذا الحقّ ـولو عجزاًـ حقَّ الإمساك، واُوجب عليه الطلاق. والتعدّي من ذلك إلى مطلق ما يعكّر جوّ الحياة الزوجيّة ولو من دون إرادة الزوج لامبرّر له، والحقّ الثابت للزوجة على الزوج إنّما هو الإمساك بالمعروف، والمعروف ـكما أشرنا إليهـ أمر نسبيّ، وليس المعروف من المريض أو العاجز عبارة عن المعروف بين متعارف الناس الأصحّاء والقادرين.

الفرع الثالث: لو شكت ظلمه وهضمه لحقوقها كترك النفقة، أو الضرب من غير حقّ، أو ما إلى ذلك ممّا جعل بقاء الزوجية ضرريّاً أو حرجيّاً عليها، فقد يخطر بالبال ثبوت خيار الفسخ لها بقاعدة (لاضرر ولاضرار) أو بقاعدة (نفي الحرج).

ولكن يقف أمام ذلك أنّ إرشاد الشريعة في عدد من مصاديق هذا الفرع ـكترك النفقة، أو الجماع، أو الظهار، أو الإيلاء، أو عدم الإمساك بالمعروفـ كان إلى الطلاق لا الفسخ، فإمّا أن يقال: إنّ العرف يتعدّى من موارد النصّ إلى كبرى هذا الفرع على العموم، أو يقال: إنّ عدم الإمساك بالمعروف ليس مصداقاً من مصاديق هذا الفرع حتّى نحتاج إلى تعدّي، بل هو مطلق يشمل كلّ المصاديق، فالآيات ومعتبرة عمر بن حنظلة تعطينا في هذا الفرع قاعدة عامّة، ولانحتاج إلى دعوى التعدّي العرفيّ. وعليه فالحكم في هذا الفرع ليس هو الفسخ، بل إجبار الزوج على الطلاق، ومع عدم إمكانه فوليّ الأمر هو الذي يطلّق عن الزوج، والأحوط الالتزام حتّى في غير موارد النصوص بتربّص أربعة أشهر إلحاقاً لها بموارد النصّ بذلك.

وبالإمكان أن يقال: إنّ هذا الاحتياط ليس بواجب؛ لأنّ موارد النصوص تجتمع جميعاً في قاسم مشترك، وهو: أنّ المشكلة الأصليّة هي ترك الوطء واحتمال الخصوصيّة في ذلك ـولو بنكتة أنّ الوطء لايجب إلّا في أربعة أشهر مرّةـ وارد.

6

الفرع الرابع: لو شكت الزوجة حرجاً عليها أو ضرراً في عيشها معه برغم عدم ظلمه إيّاها لمثل حالة نفسيّة فيها من دون قصور أو تقصير منه بشأنها، فدليل نفي الحرج أو الضرر لا يجري في المقام؛ لأنّ الحرج أو الضرر لم يتوجّه منه إليها، ودليل نفيهما ينصرف بمناسبات الحكم والموضوع عن تجويز هضم حقّ الغير، أو يسقط بالتعارض، فلاتُباح مثلاً السرقة لمجرّد حرج أو ضرر، ومن دون وصول الحالة إلى ما يشبه حفظ النفس، فيشملها دليل آخر؛ لأنّ في السرقة هضماً لحقّ المسروق منه وإضراراً به، وقد يكون حرجاً عليه، فكما أنّ حرمة السرقة حرجيّة أو ضرريّة على الجائع الذي لم يصل حاله إلى مستوى الخطورة كذلك جوازها حرجيّ أو ضرريّ على صاحب المال.

والأدلّة الخاصّة التي سردناها كلّها واردة في فرض سلب الزوج حقّاً من حقوق الزوجة: من قطع النفقة، أو ترك الجماع، أو فعل الظهار، أو الإيلاء، أو الإمساك بغير معروف، والتعدّي من كلّ هذه الموارد إلى مثل فرض حرج نفسيّ على الزوجة لامبرّر له، بل ورد في الروايات ما يظهر منه المنع عن حقّ مطالبة الزوجة بالطلاق في اُمور حرجيّة غير ناشئة من ظلم الزوج، أو من عيب ثابت قبل العقد ما دامت النفقة جارية عليها، من قبيل صحيحة الحلبيّ، عن أبي عبدالله: إنّه سئل عن المفقود فقال: «المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي، أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها، فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها، فما أنفق عليها فهي امرأته»، قال: قلت: فإنّها تقول: فإنّي اُريد ما تريد النساء، قال: «ليس ذاك لها، ولاكرامة، فإن لم ينفق عليها وليّه أو وكليه أمره أن يطلّقها، فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً»(1).

بل المستفاد من هذه الرواية أنّه بالنسبة إلى المفقود لا يطلّق الوالي قبل مضيّ أربع سنين حتّى لأجل عدم الإنفاق الناتج عن كونه مفقوداً، بل في رواية تامّة السند: «إنّها إن علمت أنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتّى يأتي موته، أو يأتيها طلاق»(2).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

20. ذي القعدة. 1419 هـ ق
كاظم الحسينيّ الحائريّ


(1) الوسائل 22: 158 بحسب طبعة آل البيت، الباب 23 من أقسام الطلاق، الحديث 4. وراجع أيضاً باقي روايات الباب.
(2) الوسائل 20: 506 بحسب طبعة آل البيت، الباب 44 ممّا يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.