393

عقيب السجدة الثانية فيها.

(3) وبذلك صحّ أن يقال: إنّ أهمّ أجزاء الصلاة كما يلي:

1 ـ تكبيرة الإحرام.

2 ـ القراءة.

3 ـ الركوع.

4 ـ السجود.

5 ـ الذكر.

6 ـ التشهّد.

7 ـ التسليم.

[ الشروط العامّة في الصلاة:]

(4) وهناك إلى جانب هذه الأجزاء شروط يجب توافرها في كلّ صلاة، نذكر الآن المهمّ منها، وهو على قسمين: أحدهما شروط للمصلّي، والآخر شروط لنفس الصلاة.

أمّا الشروط العامة للمصلّي فهي كما يلي:

أوّلا: أن يكون على وضوء وطهارة.

ثانياً: أن يكون بدنه طاهراً، وكذلك ثيابه، وقد تقدم تفصيل الحديث عن هذين الشرطين في فصول الطهارة.

ثالثاً: أن تكون عورته مستورة.

رابعاً: أن لا تكون ملابسه من الميتة، ولا من حيوان لا يسوغ أكل لحمه، بل أن لا يحمل شيئاً منهما، وأن لايلبس الرجل في صلاته حريراً أو ذهباً.

خامساً: أن يستقبل القبلة ـ وهي الكعبة الشريفة ـ عند الصلاة، بأن يكون مواجهاً لها ولو من بعيد.

394

سادساً: أن يقصد بالصلاة القربة إلى الله تعالى.

سابعاً: أن يقصد اسمها الخاصّ المميّز لها شرعاً، فعندما يصلّي صلاة الفجر ـ مثلا ـ ينوي أنّه يصلّي صلاة الفجر قربةً إلى الله تعالى، ولا يكفي أن ينوي أنّه يصلّي ركعتين قربةً إلى الله تعالى، وهكذا بالنسبة إلى سائر الصلوات.

وأمّا الشروط العامّة للصلاة فهي كما يلي:

أوّلا: الالتزام بالتسلسل الشرعي للأجزاء، فتكبيرة الإحرام قبل القراءة، والقراءة قبل الركوع، وهكذا.

ثانياً: التتابع بين الأجزاء على نحو لايفصل بينها فاصل زمني طويل يعتبر بموجبه بعض العمل مفصولا عن البعض الآخر.

ثالثاً: وضع الجبهة حال السجود على الأرض، أو على خشبة، أو ورق، ونحو ذلك على ما يأتي تفصيله في أحكام السجود.

هذه صورة موجزة عن الصلاة عموماً، وكيفية أدائها بأجزائها وشروطها العامّة.

وهناك أجزاء وشروط خاصّة تختلف فيها بعض الصلوات عن بعض، فصلاة العيدين ـ مثلا ـ فيها تكبيرات إضافية علاوةً على تكبيرة الإحرام، والصلوات اليومية يشترط في كلّ واحدة منها وقت معيّن، وهكذا، ونحن في ما يلي سنقسّم الكلام على الوجه التالي:

أوّلا: نستعرض أنواع الصلاة المختلفة، وكيفية أداء كلّ واحدة منها.

ثانياً: نستعرض الشروط العامة للصلاة والأجزاء العامة لها التي مرّت بنا، ونفصّل أحكامها بعد ذلك الإيجاز.

ثالثاً: نستعرض الأحكام العامّة للصلاة، وهي: مبطلات الصلاة، القضاء، الخلل، الشكّ، صلاة الجماعة، الفوارق بين الفريضة والنافلة.

395

الصلاة

2

أنواع الصلاة

 

ذكرنا سابقاً: أنّ الواجب من الصلوات ستّة، أحدها بل أهمّهاالصلاة اليوميّة، أو الصلوات اليوميّة بتعبير آخر. وعلى هذا الأساس سوف نصنّف الكلام إلى بابين:

 

○  أحدهما: في الصلوات اليوميّة.

○  والآخر: في سائر الصلوات.

 

 

397

أنواع الصلاة

الباب الأوّل

في

الصلوات اليومية

 

 

○  عرض الصلوات اليوميّة ونوافلها.

○  أحكام عامّة للصلوات اليوميّة.

 

 

399

الصلوات اليومية الواجبة خمس، وقد تقدم ذكر أسمائها، وهي تشترك في آداب وأحكام، كما تختلف في بعض الخصائص. وتشتمل هذه الصلوات الخمس بمجموعها على سبع عشرة ركعة.

وهناك أربع وثلاثون ركعةً مستحبة في مجموع النهار والليلة استحباباً مؤكّداً، وورد الحثّ عليها والترغيب فيها كثيراً في النصوص والأحاديث، وتسمّى هذه الركعات بالنوافل اليومية، وتسمّى أيضاً بالنوافل المرتّبة؛ لأنّ لها أوقاتاً قد رتّبت وعيّنت لها تمييزاً عن سائر مايتطوّع به المكلّف من صلاة في أيّ وقت يشاء.

وفي ما يلي نذكر الصلوات اليومية الواجبة والنوافل اليومية المستحبة كلّ واحدة وخصائصها.

401

الصلوات اليوميّة

1

عرض الصلوات اليوميّة ونوافلها

 

 

○  فريضة صلاة الفجر ونافلتها.

○  فريضة صلاة الظهر ونافلتها.

○  فريضة صلاة العصر ونافلتها.

○  فريضة صلاة المغرب ونافلتها.

○  فريضة صلاة العشاء ونافلتها.

○  نافلة الليل.

○  صلاة الجمعة.

 

 

403

فريضة صلاة الفجر ونافلتها:

(5) فريضة صلاة الفجر، وهي اُولى الصلوات اليومية، ولها شأن كبير، وقد عبّر عنها القرآن الكريم بقرآن الفجر في قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾(1)، وتسمّى بصلاة الفجر، كما تسمّى بصلاة الصبح؛ لأنّ الصباح يبدأ بابتداء الفجر، وصلاة الفجر ركعتان، وقد عرفنا سابقاً كيف تؤدّى الصلاة إذا كانت مكوّنة من ركعتين، ويجهر المكلّف الرجل في صلاة الفجر بقراءة الفاتحة والسورة التي عقيبها.

ونقصد بالجهر بالقراءة: أن يرفع صوته بها، على ما يأتي في الفقرة (97) من فصل الشروط والأجزاء العامّة.

(6) ولصلاة الفجر وقت محدّد، وهو الوقت الذي يبدأ من طلوع الفجر إلى شروق الشمس، ويبلغ هذا الوقت عادةً حوالي ساعة ونصف.

والفجر: هو ضوء الصباح الذي يسبق طلوع الشمس، وهذا الضوء يبدأ في الاُفق بياضاً، ويتّخذ هذا البياض في البداية شكلَ مستطيل ممتدّ إلى أعلى كعمود


(1) الإسراء: 78.
404

أبيض يحوطه الظلام من الجانبين، ثمّ يأخذ هذا البياض بالانتشار في الفضاء اُفقياً ويشكّل مايشبه الخيط الممتدّ مع الاُفق، ويستمرّ في الانتشار طولا وعرضاً.

والفجر هو هذا البياض عندما يمتدّ اُفقياً ويصبح متميّزاً عن ظلمة الليل. وأمّا الفترة التي تسبق ذلك ويكون البياض فيها ممتدّاً عمودياً ومحاطاً بالظلام من جانبيه فتسمّى بالفجر الكاذب، ولا تسوغ صلاة الفجر فيه.

(7) وينتهي وقتها بطلوع الشمس، غير أنّ الوقت المفضّل لها شرعاً ينتهي قبل ذلك، فإنّ الشمس قبل أن تطلع تظهر حمرةٌ في الاُفق في ناحية المشرق تمهيداً لطلوع الشمس، وبظهور هذه الحمرة ينتهي الوقت المفضّل لصلاة الفجر، فلو أخّر المكلّف الصلاة إلى حين ظهور الحمرة وصلاّها قبل طلوع الشمس فقد فاته ما هو الأفضل، ولكن أدّى الواجب ولا إثم عليه.

(8) وكما توجد فريضة صلاة الفجر كذلك توجد نافلة الفجر، وهي صلاة تتكوّن من ركعتين كفريضة الفجر تماماً، ولكن ينوي المصلّي بها نافلة الفجر قربةً إلى الله تعالى.

(9) ووقت نافلة الفجر يبدأ من السدس الأخير من الليل (1)، بمعنى أنّ الفترة الواقعة بين غروب الشمس وطلوع الفجر إذا قسّمت إلى ستّة أقسام فبداية السدس الأخير منها هي بداية وقت هذه النافلة، ويستمرّ وقتها إلى طلوع الشمس. والأفضل الأحوط استحباباً أن لا تؤخّر إلى حين ظهور الحمرة المشرقية الذي ينتهي به الوقت المفضّل لفريضة الفجر.

(10) وعلى هذا لأساس لا يجوز تقديم نافلة الفجر على السدس الأخير



(1) المتيقَّن من بدء وقتها ما يصدق عليه عرفاً عنوان ما قبل الفجر، وهو قريب الانطباق على السدس الأخير، ولا يبعد بدء وقتها ببدء وقت صلاة الليل، كما ذكره الماتن(رحمه الله)في تعليقه على منهاج الصالحين.

405

من الليل؛ لأنّ ذلك قبل وقتها (1).

ويستثنى من ذلك: ما إذا صلّى المكلّف صلاة الليل ـ وهي نافلة يومية اُخرى يأتي الحديث عنها ـ فإنّه لا بأس حينئذ بأن يضمّ نافلة الفجر إليها، ولو لم يكن السدس الأخير من الليل قد بدأ.

(11) ويشترط الإتيان بنافلة الفجر قبل فريضة الفجر، ولكن إذا خشي أن يفوته بسبب ذلك الوقت المفضّل لفريضة الفجر فالأفضل أن يبدأ بالفريضة، ويأتي بالنافلة بعد ذلك قبل طلوع الشمس.

فريضة صلاة الظهر ونافلتها:

(12) فريضة صلاة الظهر هي الصلاة اليومية الثانية، وتسمّى بالصلاة الوسطى. وقد أكّد القرآن الكريم على المحافظة عليها بوجه خاصّ، فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿حَافِظُوا عَلى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى...﴾(2).

وإنمّا سمّيت بالصلاة الوسطى لأنّها وسط بين صلاتين نهاريّتين، فقبلها فريضة الفجر، وبعدها فريضة العصر، وهي بينهما.

(13) وصلاة الظهر أربع ركعات. وقد تقدم الكلام عن صورة الصلاة التي تتكوّن من أربع ركعات. وقد تصبح صلاة الظهر ركعتين؛ وذلك بالنسبة إلى المسافر ضمن شروط معيّنة يأتي شرحها في الأحكام العامة للصلوات اليومية.

ويُخفِت المكلّف في قراءة الفاتحة والسورة التي عقيبها في صلاة الظهر، عدا البسملة في كلٍّ من السورتين فإنّ الإخفات فيها غير واجب، ويستثنى من


(1) تقدّم أنّه لا يبعد بدء وقتها ببدء وقت صلاة الليل.
(2) البقرة: 238.
406

وجوب الإخفات صلاة الظهر من يوم الجمعة فإنّه لا يجب فيها الإخفات، ويجب الإخفات أيضاً في قراءة التسبيحات في الركعتين الثالثة والرابعة من صلاة الظهر في جميع الأيام.

(14) ووقت صلاة الظهر يبدأ من منتصف الفترة الواقعة بين طلوع الشمس وغروبها، بمعنى أنّ المدّة الواقعة بين طلوع الشمس وغروبها إذا قسّمت إلى قسمين متساويين في الساعات والدقائق كان أوّل النصف الثاني منها بداية الوقت لصلاة الظهر. وتسمّى بداية الوقت هذه بالزوال، أي زوال الشمس عن جهة المشرق إلى جهة المغرب، وهو ماعبّر عنه القرآن الكريم بدلوك الشمس. وهذا الموعد قد يتطابق مع الساعة الثانية عشرة بالتوقيت الزوالي، وقد يتقدّم أو يتأخّر. ويعرف الزوال بطرق عديدة، منها ما يلي:

(15) أوّلا: أن تضبط بالساعة موعد طلوع الشمس وموعد غروبها، وتحدّد نصف الفترة الواقعة بين الموعدين، ويكون هذا هو الزوال، أو الظهر.

(16) ثانياً: يعرف الزوال عن طريق الظلّ، وذلك أنّ الشمس حينما تطلع من المشرق يحدث لكّل جسم ظلّ، وهذا الظلّ يحدث في الجهة المقابلة للشمس دائماً. فإذا افترضنا جداراً واقعاً بين نقطتي الشمال والجنوب تماماً كان لهذا الجدار في بداية النهار ظلّ في الجانب المقابل لجهة الشمس (أي في جانب المغرب)، وأمّا جانب المشرق منه فلا ظلّ فيه؛ لأنّه مواجه للشمس، وكلّما ارتفعت الشمس تقلّص الظلّ الغربي للجدار وانكمش، وعند الزوال ينعدم(1)، ويبدأ للجدار ظلّ شرقي (أي في جانب المشرق)، فكلّما لوحظ أنّ الظلّ انعدم في


(1) ولكنّه لا ينعدم بصورة نهائية غالباً، بل يتطرّف ويميل إلى الشمال أو الجنوب، فانعدام الظلّ الذي نقصده هو الانعدام بالنسبة إلى جهة المغرب، لا انعدام الظلّ من الأساس.(منه (رحمه الله)).
407

جانب المغرب وحصل في جانب المشرق فقد دخل وقت صلاة الظهر.

ثالثاً: (17) وهناك طريقة اُخرى لمعرفة الزوال، هي: أن تعرف نقطة الجنوب مسبقاً فتستقبلها بوجهك، وتلاحظ الشمس وهي في السماء، فإن كانت قد مالت إلى جانب حاجبك الأيمن فاعرف أنّ وقت الفريضة قد حلّ.

(18) ويستمرّ وقت صلاة الظهر إلى غروب الشمس، ولكن إذا كان على عهدة الإنسان صلاة الظهر وصلاة العصر معاً ولم يصلّهما حتّى لم يبقَ إلى الغروب إلّا فترة لا تكفي إلّا لإحدى الصلاتين فقط اعتبر وقت صلاة الظهر قد انتهى من أجل صلاة العصر، وصلّى المكلّف صلاة العصر (وصلاة العصر هي الصلاة اليومية الثالثة التي يأتي الكلام عنها). وإذا كانت الفترة الباقية خمس دقائق ـ مثلا ـ على افتراض أنّ كلّ ركعة تستغرق دقيقةً بكاملها وجب على المكلّف أن يصلّي صلاة الظهر، ويصلّي بعدها فوراً صلاة العصر.

(19) وعلى الرغم من استمرار وقت صلاة الظهر إلى الغروب فإنّ المرجّح الإسراع بالإتيان بها والحرص على أدائها في وقتها المفضّل، والوقت المفضّل لصلاة الظهر لا يستمرّ إلى الغروب، بل يبدأ من أوّل الزوال وينتهي بأمد معيّن يقاس بمقدار امتداد الظلّ الذي يحدث لكلّ جسم، ويمتدّ نحو المشرق بعد أن تزول الشمس وتميل نحو المغرب.

وبيان ذلك: أ نّا إذا افترضنا جداراً ممتدّاً بين الشمال والجنوب تماماً(1)فإنّ هذا الجدار سوف يكون له عند طلوع الشمس في المشرق ظلّ في جانب المغرب، وعند الظهر يتقلّص هذا الظلّ من جانب المغرب نهائياً، وكثيراً مايبقى في نقطة الشمال ـ كما في العراق ـ أو الجنوب بالنسبة إلى الحائط. ثمّ يحدث في


(1) يعني بشكل يفصل خطّه على الأرض بين نقطة الشروق ونقطة الغروب من الوسط تماماً بخطٍّ مستقيم.
408

جانب المشرق على عكس ما كان تماماً في بداية النهار، ويتزايد في جانب المشرق باستمرار إلى غروب الشمس.

والوقت المفضّل لصلاة الظهر يبدأ من حين الزوال إلى أن يبلغ امتداد ظلّ الجدار في جانب المشرق بقدر ارتفاع ذلك الجدار (1)، فإذا كان ارتفاع الجدار الواقع بين الشمال والجنوب سبعة أمتار كان انتهاء الوقت المفضّل لصلاة الظهر ببلوغ الظلّ في جانب المشرق سبعة أمتار،على نحو لو قسنا المسافة من قاعدة هذا الجدار إلى نهاية رأس الظلّ بخطٍّ مستقيم غير مائل ـ أي بخطٍّ عموديٍّ ـ لكان مساوياً لارتفاع صاحب الظلّ، أي سبعة أمتار.

(20) وكما توجد فريضة صلاة الظهر كذلك توجد نافلة الظهر، وهي مكوّنة من أربع صلوات، وكلّ واحدة من هذه الصلوات تتكوّن من ركعتين، فيكون المجموع ثمان ركعات، يقصد بها المصلي نافلة الظهر قربةً إلى الله تعالى.

(21) ووقت نافلة الظهر هو وقت فريضة الظهر تماماً. ويؤتى بالنافلة قبل الفريضة، ولكن إذا لم يكن قد صلّى أوّل الوقت وخشي أنّه إذا بدأ بالنافلة يفوته الوقت المفضّل لفريضة الظهر فالأفضل أن يبدأ بالفريضة، ثمّ يأتي بالنافلة قبل انتهاء وقت الفريضة، والأفضل تقديم الفريضة وتأخير النافلة عنها أيضاً إذا بلغ الظلّ في جانب المشرق اثنين من سبعة من ارتفاع الجدار (2)، بل الأفضل ذلك إذا بلغ الظلّ واحداً من سبعة؛ حفاظاً على السرعة في الإتيان بصلاة الفريضة.

(22) وعلى هذا الأساس لا يجوز تقديم نافلة الظهر على الظهر (3)؛ لأنّه


(1) بل بقدر ارتفاع سبعي الجدار، فلو كان الجدار سبعة أمتار كان انتهاء وقت الفضيلة ارتفاع الظلّ مترين.
(2) مضى أنّ هذا هو عين نهاية وقت الفضيلة.
(3) الظاهر جوازه.
409

قبل الوقت. ولكن يستثنى من ذلك حالتان:

الحالة الاُولى: نافلة الظهر في يوم الجمعة فإنّه يجوز تقديمها على الزوال.

الحالة الثانية: إذا علم المكلّف بأنّه سوف يشتغل عند الزوال عنها بشغل من أشغاله، فيقدّمها توفيقاً بينها وبين شغله الخاصّ (1).

بديل صلاة الظهر:

(23) عرفنا أنّ صلاة الظهر فريضة واجبة، ولكن هناك بديل عنها في ظهر يوم الجمعة خاصّةً ضمن شروط معيّنة، وهذا البديل صلاة الجمعة، وسيأتي الحديث عنها بصورة مستقلّة.

فريضة صلاة العصر ونافلتها:

(24) فريضة صلاة العصر، وهي الصلاة اليومية الثالثة، وتشابه صورتها وعدد ركعاتها وإخفات قراءتها صلاة الظهر تماماً، غير أنّ المصلّي ينوي فيها أنّه يصلّي صلاة العصر قربةً إلى الله تعالى. وتختلف عن صلاة الظهر في أنّها لا بديل عنها في حال من الأحوال، بينما تحلّ صلاة الجمعة محلّ صلاة الظهر في بعض الأحيان، كما أشرنا سابقاً، ويأتي تفصيله.

(25) ويبدأ وقت فريضة العصر من الزوال (الظهر)، غير أنّه يجب أن يؤتى بها بعد الإتيان بفريضة الظهر، فإذا حلّ الظهر لم يسغْ للمكلف أن يتعمد الإتيان بها قبل فريضة الظهر وهو عالم بأنّ هذا لا يسوغ له، ولو صنع المكلّف ذلك وجب


(1) لو لم نقبل بجواز التقديم على الإطلاق فالمتيقَّن من التقديم بسبب الشغل هو مقدار ستّ ركعات، لا جميع الثمان ركعات.
410

عليه أن يصلّي الظهر ويعيد صلاة العصر بعد صلاة الظهر.

(26) وإذا حلّ الظهر وخُيّل للمكلف أنّه قد أتى بفريضة الظهر فبادر إلى فريضة العصر، وانتبه في أثناء الصلاة إلى أنّه لم يكن قد صلّى الظهر وجب عليه أن يعتبر صلاته التي بدأها بنيّة العصر ظهراً، فيكملها بنية الظهر، ويأتي بعد ذلك بصلاة العصر.

(27) وإذا استمرّت غفلته إلى أن فرغ من الصلاة ثمّ التفت إلى أنّه لم يكن قد صلّى الظهر قبلا صحّت صلاة العصر منه؛ وكان معذوراً في تقديمها، سواء كان قد صلاّها في بداية الظهر أو في وسط الوقت، ووجب عليه أن يصلّي الظهر فقط (1). ومثل هذا تماماً مَن كان يعلم بأنّه لم يصلّ الظهر ولكنّه كان يعتقد بأنّ تقديم صلاة العصر على صلاة الظهر جائز، فقدّمها ثمّ علم بأنّ هذا لا يسوغ بعد الانتهاء من الصلاة فلا يعيد تلك الصلاة (2).

(28) ويستمرّ وقت صلاة العصر إلى غروب الشمس، أي سقوط قرص الشمس، فإذا لم تبقَ إلى الغروب إلّا فترة تسع صلاةً واحدةً وكان على المكلّفصلاتا الظهر والعصر معاً وجب عليه أن يقدّم العصر، خلافاً لما كان هو الواجب في البداية من تأخير العصر عن الظهر.

(29) ولكنّ الوقت المفضّل لفريضة العصر يبدأ مع بداية وقت الظهر، ويستمرّ إلى أن يبلغ امتداد الظلّ الحاصل في جانب المشرق من الجدار الواقع بين الشمال والجنوب ضعف ارتفاع الجدار (3)، فلو كان ارتفاع الجدار متراً ـ مثلا ـ


(1) الأحوط وجوباً أن ينوي ما سبق ظهراً ثمّ يصلّي الثانية بقصد ما في الذمّة.
(2) الأحوط وجوباً أن ينوي ما سبق ظهراً ثمّ يصلّي الثانية بقصد ما في الذمّة.
(3) بل أربعة أسباع ارتفاع الجدار.
411

وقسنا امتداد الظلّ من قاعدة الجدار إلى نهاية امتداده في خطٍّ مستقيم غير مائل ـ أي بخطٍّ عموديٍّ ـ فكان مترين(1) فقد انتهى الوقت المفضّل لصلاة العصر.

(30) وهناك نافلة بين فريضتي الظهر والعصر تتكوّن من أربع صلوات وثمان ركعات كنافلة الظهر تماماً، ويسوغ الاقتصار فيها على ثلاث صلوات أو على صلاتين، أي ستّ أو أربع ركعات، ووقتها يمتدّ بامتداد وقت العصر، ويؤتى بها بعد فريضة الظهر وقبل فريضة العصر. ولكن إذا تأخّر في الإتيان بالنافلة حتّى خشي أن يفوته الوقت المفضّل لفريضة العصر لو أدّى النافلة قبلها فالأفضل أن يقدّم الفريضة ويأتي بالنافلة بعدها، وهذا هو الأفضل أيضاً لو بلغت المسافة من قاعدة الجدار إلى نهاية الظلّ في جانب المشرق أربعة أسباع ارتفاع الجدار (2)، بل هو الأفضل أيضاً لو بلغت بقدر سبعي ارتفاع الجدار أيضاً؛ حفاظاً على السرعة في الإتيان بصلاة الفريضة.

فريضة صلاة المغرب ونافلتها:

(31)فريضة صلاة المغرب هي الصلاة الرابعة من الصلوات اليومية، وتتكوّن من ثلاث ركعات، وقد تقدّم سابقاً توضيح صورة الصلاة التي تتكوّن من ثلاث ركعات، وينوي المصلّي بها أنّه يصلّي صلاة المغرب قربةً إلى الله تعالى، ويجهر بقراءة الفاتحة والسورة التي بعدها في الركعتين الاُولى والثانية، ويُخفتبالتسبيحات التي يقرأها في الركعة الثالثة.

ونقصد بالجهر: أن يرفع صوته بالقراءة، على ما يأتي في الفقرة (97) من


(1) بل أربعة أسباع المتر.
(2) مضى أنّ هذا هو عين نهاية وقت الفضيلة.
412

فصل الشروط والأجزاء العامّة.

(32) ويبدأ وقت فريضة المغرب بمغرب الشمس، ولا يحصل ذلك بمجرّد اختفائها عن العين عند النظر إلى السماء، بل بذهاب البقية الباقية من ضوء الشمس في الاُفق بعد غيابها (1)، وهي الحمرة التي نراها في جهة المشرق عند اختفاء قرص الشمس عن الأنظار، ويعبّر عنها الفقهاء بالحمرة المشرقية، فإذا تلاشت هذه الحمرة عن جانب المشرق حلّ وقت صلاة المغرب، ويحصل هذا عادةً بعد غروب قرص الشمس عن الاُفق باثنتي عشرة دقيقة أو بحوالي ذلك، وعلى هذا نميِّز بين غروب الشمس ومغرب الشمس، فمتى قلنا الكلمة الاُولى قصدنا سقوط قرص الشمس واستتارها، ومتى قلنا الكلمة الثانية قصدنا ذهاب الحمرة بالمعنى الذي أوضحناه.

(33) ويستمرّ وقت صلاة المغرب إلى نصف الليل، والليل: هو الفترة الواقعة بين غروب قرص الشمس وطلوع الفجر، فإذا انتهى النصف الأول من هذه الفترة فقد انتهى وقت صلاة المغرب، ويكون انتهاء نصف الليل هذا عادةً حوالي الساعة الحادية عشرة وربع مساءً (2).

ويستثنى من ذلك: من كان معذوراً في تأجيل الصلاة، كالمرأة الحائض، والناسي لصلاته، أو النائم طيلة الوقت، فإنّ الوقت يمتدّ بالنسبة إلى هذا المعذور بعد نصف الليل، ولا ينتهي إلّا بطلوع الفجر (3).

 


(1) على الأحوط.
(2) يقصد بذلك المناطق التي يكون زوال الشمس فيها حوالي الساعة الثانية عشرة نهاراً.
(3) هذا في مثل الناسي والنائم صحيح، وأمّا في الحائض فهذا الحكم فيها احتياطي احتياطاً

413

ولصلاة المغرب وقت مفضّل ينتهي في أوائل الليل، وهذا الوقت المفضّل يبدأ ببداية وقتها، ويستمرّ إلى زوال الحمرة المغربية في الاُفق وذهاب الشَفَق(1) (2)، ويقدَّر ذهاب الشفق بعد مضي ساعة من غروب الشمس تقريباً.

(34) وإذا أخّر المكلّف صلاة المغرب إلى قبيل نصف الليل ولم تبقَ سوى فترة أربع رَكعات وجب على المكلّف أن يؤجّل صلاة المغرب ويصلّي صلاة العشاء. وأمّا إذا كانت الفترة تَسَعُ خمسَ ركعات فعليه أن يصلّي المغرب، ثمّ يصلّي بعدها فوراً صلاة العشاء.

(35) وكما توجد فريضة صلاة المغرب كذلك توجد نافلة المغرب، وهي تتكوّن من صلاتين، كلّ منهما عبارة عن ركعتين، وتؤدّى كلّ من الصلاتين بالصورة العامّة التي تؤدّى بها صلاة مكوّنة من ركعتين، وينوي بها المصلّي أنّه يصلّي نافلة المغرب قربةً إلى الله تعالى، ويسوغ للمكلف الاقتصار على إحدى الصلاتين، أي يأتي بركعتين فقط من نافلة المغرب.

(36) ووقت نافلة المغرب يمتدّ مع امتداد وقت فريضة صلاة المغرب،



وجوبياً، ونحن نحتاط في العامد أيضاً، أي أنّه لو أخّر صلاته عمداً إلى نصف الليل فهو وإن عصى بالتأخير لكن تجب عليه احتياطاً المبادرة بالصلاة قبل الفجر.
(1) الشَفَق: حمرة الليل، والشمس إذا غابت لها حمرتان: إحداهما حمرة نراها في جهة المشرق، والاُخرى حمرة تبدأ في جهة المغرب، والاُولى هي الحمرة المشرقية، والثانية هي الشَفَق.(منه (رحمه الله)).
(2) الوقت المفضّل لصلاة المغرب عبارة عمّا بين سقوط الحمرة المشرقيّة وسقوط الشفق.
414

ويشترط تأخيرها عن الفريضة، والأفضل في أدائها أن تؤدّى في الوقت المفضّل لفريضة المغرب (1).

فريضة صلاة العشاء ونافلتها:

(37) فريضة صلاة العشاء، وهي آخر الصلوات اليومية الواجبة، تتكوّن من أربع ركعات، وقد تقدّمت صورة الصلاة التي تتكوّن من أربع ركعات، وتؤدّى ركعتين في حالة السفر ضمن شروط يأتي توضيحها.

(38) وصورتها كصورة الظهر تماماً، إلّا أنّ المصلّي هنا ينوي أنّه يصلّي صلاة العشاء قربةً إلى الله تعالى، ويجهر في قراءته للفاتحة والسورة التي بعدها في الركعتين الاُولى والثانية، أي يرفع صوته بها، على ما يأتي في الفقرة (97) من الفصل اللاحق.

(39) ووقت صلاة العشاء يبدأ من غروب الشمس ـ بالمعنى المتقدّم في صلاة المغرب ـ إلى نصف الليل، كفريضة المغرب تماماً، إلّا انّه لا يسوغ الإتيان بها قبل فريضة المغرب، فكلّ من أتى بها قبل صلاة المغرب عامداً عالماً بأنّ هذا لا يجوز بطلت صلاته، ووجب عليه أن يصلّي المغرب ثمّ العشاء.

وإذا صلّى العشاء قبل صلاة المغرب متوهّماً أنّه قد أتى بصلاة المغرب، أو معتقداً أنّ ذلك جائز، وبعد أن أكمل صلاته انتبه إلى أنّه لم يصلّ المغرب، أو علم بأنّ صلاة العشاء لا يسوغ أن تُقدّم على صلاة المغرب، إذا وقع شيء من هذا فلا يجب عليه أن يعيد صلاة العشاء، سواء كان قد صلاّها في بداية المغرب أو في


(1) الظاهر أنّ مقصوده(رحمه الله) بالأفضل هنا هو الأوفق بالاحتياط؛ لاحتمال كون وقتها إلى زمان سقوط الشفق، بل هذا هو المنسوب إلى المشهور.
415

وسط الوقت، بل يصلّي المغرب فقط.

(40) وإذا بدأ المكلّف بصلاة العشاء معتقداً أنّه قد أدّى صلاة المغرب ثمّ انتبه في أثناء الصلاة إلى واقع الحال ـ أي إلى أنّه لم يكن قد صلّى المغرب ـ فعليه أن ينوي بها من هذه اللحظة صلاة المغرب، ويكملها على هذا الأساس، ويأتي بعدها بصلاة العشاء.

ويستثنى من ذلك: ما إذا كان انتباهه إلى واقع الحال بعد أن ركع في الركعة الرابعة التي نواها عشاءً فإنّها تبطل عندئذ، ويجب عليه أن يصلّي من جديد صلاة المغرب، ثمّ صلاة العشاء.

وأمّا إذا التفت إلى واقع الحال بعد أن نهض للركعة الرابعة وقبل أن يأتي بركوعها فينوي صلاة المغرب ويلغي هذه الركعة، إذ يعود إلى الجلوس، فيتشهّد ويسلّم؛ لكي تقع صلاته من ثلاث ركعات وفقاً لصورة صلاة المغرب.

والوقت المفضّل لصلاة العشاء هو الثلث الأول من الليل (1)، فإذا انقضى ولم يصلّ المكلّف صلاة العشاء فقد فاته الفضل، ولكنّه لا يأثم ما دام يؤدّيها قبل انتصاف الليل.

(41) وتوجد بعد صلاة العشاء صلاة نافلة تتكوّن من ركعتين، وصورتها هي الصورة العامّة لصلاة تتكوّن من ركعتين، غير أنّ هذه الصلاة يؤدّيها المكلّف وهو جالس، فينوي أنّه يصلّي نافلة العشاء قربةً إلى الله تعالى، ويكبّر تكبيرة الإحرام وهو جالس، وهكذا يواصل صلاته، ويعتبر انحناءه بعد القراءة على طريقة انحناء الجالس ركوعاً.

ونافلة العشاء هذه تعتبر بمثابة ركعة واحدة؛ لأنّها صلاة تؤدّى في حالة



(1) آخر الثلث الأوّل هو آخر وقت الفضيلة، وسقوط الشفق هو أوّل وقت الفضيلة.

416

الجلوس، ويمتدّ وقتها مع امتداد وقت فريضة صلاة العشاء، فكلّما كان بإمكان المكلّف أن يؤدّيها ثمّ يؤدّي فريضة العشاء بعدها قبل انتصاف الليل فهي مقبولة عند الله سبحانه وتعالى (1).

نافلة الليل:

(42) وهناك نافلة اُخرى ذات أهميّة كبيرة شرعاً تسمّى بصلاة الليل، وهي تتكوّن من ستّ صلوات، والصلوات الأربع الاُولى منها تتكوّن كلّ واحدة منها من ركعتين، والصلاة الخامسة تتكوّن من ركعتين أيضاً وتسمّى بركعتي (الشفع)، والصلاة السادسة تتكوّن من ركعة واحدة وتسمّى بركعة (الوتر). وعلى هذا الأساس تشتمل نافلة الليل على إحدى عشرة ركعة، ويسوغ للمكلف أن يقتصر على الشفع والوتر معاً، وأن يقتصر على الوتر فقط.

(43) ووقت نافلة الليل يبدأ من نصف الليل(2) بالمعنى المتقدّم في الفقرة(33)، ويمتدّ إلى الفجر الذي يبدأ به وقت فريضة الفجر.

والوقت المفضّل لنافلة الليل (السحر)، وهو ثلث الليل الأخير.

ولا إثم في ترك شيء من النوافل المتقدّمة، وإن كان في الإتيان بها شأن كبير عند الله سبحانه وتعالى.

 


(1) الظاهر وقوع غلط في العبارة، والمقصود: فكلّما كان بإمكان المكلف أن يؤدّي فريضة العشاء ثم يؤدّيها بعدها قبل انتصاف الليل فهي مقبولة عند الله سبحانه وتعالى.
(2) ولكن يجوز تقديم نافلة الليل في أوّله، إلّا أنّه لا ينبغي ذلك إلّا لضرورة، والقضاء بالنهار لدى الضرورة أفضل من التقديم.
ويحتمل بدء وقت نافلة الليل من بعد الثلث الأوّل.
417

ويستخلَص ممّا ذكرناه: أنّ الصلوات اليومية تشتمل على سبع عشرة ركعةً واجبةً، ضمن خمس صلوات، وعلى أربع وثلاثين ركعةً مستحبّةً ضمن ثمانِ عشرة صلاة.

صلاة الجمعة:

(44) وهي من أهمّ شعائر الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أيُّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا إذا نُودِيَ للصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ﴾(1).

وجاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): « ما من قدم سعت إلى الجمعة إلّا حرّم الله جسدها على النار »(2).

وتحتلّ صلاة الجمعة موضع صلاة الظهر ضمن تفصيلات تأتي. وقد ميّز الله سبحانه وتعالى صلاة الجمعة عن سائر الصلوات اليومية ـ على ما يأتي ـ بأن أوجب أداءها ضمن صلاة جماعة، وأمر بتوحيدها في كلّ منطقة، ولم يسمح بالتأخّر عن حضورها إذا اُقيمت إلّا لأعذار خاصّة. وبذلك كانت صلاة الجمعة تعبّر عن اجتماع اُسبوعيّ موسّع لعامّة المصلّين والمؤمنين، يبدأ بالموعظة والتثقيف ضمن خطبتي صلاة الجمعة، وينتهي بالعبادة والتوجّه إلى الله ضمن الصلاة نفسها.

وصورتها ركعتان، كصلاة الصبح تماماً، إلّا أنّ المصلّي ينوي بها أنّه يصلّي صلاة الجمعة قربةً إلى الله تعالى. وتتميّز عن صلاة الصبح بأنّ من المستحبّ فيها


(1) الجمعة: 9.
(2) وسائل الشيعة 5: 3، الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 7.