681

العبادات

4

الصّيام

 

 

○   تمهيد

○   1 ـ الصّيام في شهر رمضان.

○   2 ـ الصّيام في غير شهر رمضان.

 

 

 

 

683

تمهيد

 

(1) معنى الصيام في اللغة: مطلق الكفّ والإمساك، ومنه الامتناع عن الكلام، قال سبحانه: ﴿فَقُولي إنِّي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ اُكَلِّمَ اليَوْمَ إنْسِيّاً﴾(1).

وفي الشرع: الكفّ والإمساك عن أشياء معينة من الطعام والشراب وغيرهما في زمن معيّن، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

ويجب الصيام في حالات معيّنة، أهمّها: شهر رمضان المبارك، فإنّ الصيام في هذا الشهر من أهمّ واجبات الشريعة، وأحد الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام.

ويعتبر هذا الوجوب من ضروريات الدين ـ أي من البديهيات الدينية ـ فمن أنكره تحدّياً وتمرّداً كان كافراً، ومن أقرّ بالوجوب ولكنّه عصاه وأفطر بدون عذر شرعيّ كان آثماً، وهو جدير بالتأديب في الدنيا (التعزير) والعقاب في الآخرة ما لم يتب.

ويتلخّص صيام هذا الشهر المبارك في أن يحاول المكلّف أن يطلع عليه


(1) مريم: 26.
684

الفجر وهو طاهر من الجنابة، وينوي الإمساك عن الطعام والشراب، والجماع، وإنزال المني بالمداعبة، ونحوها، وعن اُمور اُخرى ـ يأتي تفصيلها، وتسمّى بالمفطرات ـ من طلوع الفجر إلى المغرب، أي من حين ابتداء وقت صلاة الفجر إلى حين ابتداء وقت صلاة المغرب، ويقصد الصائم بنية الإمساك هذه التقرُّبَ إلى الله تعالى، ويستمرّ وجوب صيام النهار في شهر رمضان ـ على ما بيّنّاه ـ من النهار الأول إلى النهار الأخير منه، وبنهاية اليوم الأخير منه يهلّ هلال شهر شوال، ويعتبر اليوم الأول من شوال عيداً ويسمّى بعيد الفطر.

وشهر رمضان باعتباره شهراً قمرياً يكون: تارةً ثلاثين يوماً ويسمّى شهراً كاملا، واُخرى تسعةً وعشرين يوماً ويسمّى شهراً ناقصاً، والمعروف بين العلماء والفقهاء كافّةً أنّه لا يقلّ عن تسعة وعشرين يوماً.

ولصوم شهر رمضان أداء وقضاء، كما أنّ للصلاة أداء وقضاء، فمن فاته أداء هذا الصيام في شهره المقرّر له قضاه بعد مضي وقته.

وقد يجب الصيام لا أداء في شهر رمضان ولا قضاءً له، بل كفّارة لبعض الذنوب والمعاصي، ويسمّى بصوم الكفّارة، أو صيام التكفير، أو وفاءً لنذر أو يمين ونحو ذلك. وهو بدون كلّ ذلك عبادة مستحبّة مطلوبة شرعاً في سائر الأيام وإن كان استحبابه على درجات، فهو في بعض الأيام مطلوب استحباباً بدرجة أكيدة، كما في شهري رجب وشعبان، وفي بعض الأيام مطلوب استحباباً بدرجة أقلّ كما في الأشهر الاُخرى، وأحياناً يكون حراماً كصيام عيد يوم الفطر مثلا. وسيأتي تفصيل أحكام الصوم بأنواعه الواجبة والمستحبّة والمحرّمة.

685

الصّيام

1

الصّيام في شهر رمضان

 

 

○   متى يجب صيام رمضان؟

○   واجبات الصّيام.

○   أحكام عامّة.

○   ثبوت الهلال.

 

 

687

متى يجب صيام رمضان؟

 

يجب صيام شهر رمضان على كلّ إنسان تتوفّر فيه الشروط التالية:

(2) الأوّل: البلوغ، وهو أحد الشروط العامّة للتكليف؛ كما تقدم، فلا يجب الصيام على غير البالغ، ولكن إذا صام فهو مأجور، وإذا طلع عليه الفجر وهو غير بالغ فلا يكلّف بالصيام، فلو لم يصمّ ثمّ بلغ في أثناء النهار لم يجب عليه ترك الطعام والشراب، ولا قضاء عليه. وإذا طلع عليه الفجر وهو غير بالغ فصام متطوّعاً وبلغ في أثناء النهار كان له أن يواصل صيامه، فيقبل منه ولا قضاء عليه حينئذ، كما أنّ له أن يفطر في ذلك النهار إذا أحبّ ولو بعد أن بلغ.

(3) الثاني: العقل، وهو أيضاً من الشروط العامّة للتكليف، كما تقدم، فلا يجب الصيام على المجنون، ولكي يجب الصيام لابدّ أن يستمرّ بالإنسان عقله ورشده إلى نهاية النهار، فلو فقد عقله في جزء منه فليس صيام ذلك النهار واجباً عليه.

ولو طلع عليه الفجر وهو مريض عليل؛ ثمّ استردّ حالته العقلية الاعتيادية في أثناء النهار فلا يجب عليه أن يمتنع عن الطعام والشراب، ولا قضاء لمثل هذا

688

اليوم، كما يأتي.

(4) الثالث: أن لا يصاب المكلّف بالإغماء قبل أن ينوي الصيام، فإذا فاجأه الإغماء قبل أن ينوي صيام النهار المقبل واستمرّ به الإغماء إلى أن طلع عليه الفجر فلا يجب عليه صيام ذلك اليوم؛ حتّى ولو أفاق صباحاً أو ظهراً وانتبه إلى نفسه.

وأمّا إذا نوى المكلّف الصيام في النهار المقبل ثمّ اُغمي عليه بعد النية وأفاق في أثناء النهار فعليه أن يواصل صيامه ويحتسب من الصيام الواجب، وكذلك إذا أصبح صائماً واُغمي عليه في أثناء النهار ساعةً أو أكثر ثمّ أفاق فإنّه يبقى على صيامه ويحتسب من الصيام الواجب.

(5) الرابع: أن تكون المرأة نقيّةً من دم الحيض والنفاس طيلة النهار، فإن اتّفق وصادف انقطاع الدم عن الحائض والنفساء بعد الفجر بثانية فلا يجب عليها صيام ذلك اليوم، وإذا فاجأها الدم قبل غروب الشمس بثانية فليس صيام ذلك اليوم بواجب، فالوجوب إذن يتوقّف على النقاء من دم الحيض والنفاس طيلة النهار.

وإذا صامت المرأة وهي غير نقية ولو في جزء من النهار لم يكن صيامها مطلوباً، ولا يعفيها من القضاء.

(6) الخامس: الأمن من الضرر، فإذا لم يكن المكلّف آمناً من الضرر بسبب الصوم فلا يجب عليه الصيام، فمن يخشى أن يصاب بمرض من أجل الصوم، ومن كان مريضاً ويخشى أن يطول به المرض أو يشتد؛ أو يصاب بمرض آخر بسبب الصوم، ومن كان مريضاً وأجهده المرض وأضعفه فأصبح يعاني صعوبةً ومشقّةً شديدةً في الصيام كلّ هؤلاء يسوغ لهم الإفطار، ولا يجب عليهم الصيام.

ولكن ليس كلّ ضرر صحّيّ وكلّ مرض ينشأ من الصوم يسوّغ الإفطار ويعفي المكلّف من وجوب الصيام، فالصيام إذا كان يسبّب صداعاً بسيطاً، أو

689

حمّىً ضئيلةً، أو التهاباً جزئياً في اللوزتين أو العين أو الاُذن فلا يسوغ الإفطار بسبب شيء من هذا القبيل؛ ممّا لا يراه الناس عادةً مانعاً عن ممارسة مهامّهم، وإنّما يسقط الوجوب إذا كان الصيام يسبّب صداعاً شديداً، أو حمّىً عاليةً(1)، أو التهاباً معتدّاً به بدرجة يهتمّ العقلاء بالتحفظّ منها عادةً، والشدّة نفسها أمر نسبي في الأشخاص، فالإنسان المتداعي صحّياً قد تكون الحمّى البسيطة شديدةً بالنسبة إليه ومثيرةً لمتاعب صحّية كبيرة عنده.

(7) وإذا كا ن الإنسان مريضاً ولكنّ الصيام لا يضرّه ولا يعيق شفاءه ولا يشقّ عليه مشقّةً شديدةً فعليه أن يصوم.

(8) والمكلّف تارةً يتأكّد من الضرر الصحّي، واُخرى يظنّ بوقوعه، وثالثةً يحتمل ذلك كما يحتمل عدم وقوعه على السواء، ورابعةً يحتمل الضرر الصحّي بدرجة أقلّ من خمسين بالمائة، ولكنّها درجة تبعث في النفس الخوف والتوجّس، كما إذا خشي على عينه من الرمد أو العمى واحتمل ذلك بدرجة ثلاثين بالمائة مثلا. وخامسةً يحتمل الضرر الصحّي بدرجة ضئيلة لا تبعث في النفس خوفاً وتوجّساً، ففي الحالات الأربع الاُولى يسوغ الإفطار، وفي الحالة الخامسة لا يسوغ ويجب الصيام.

(9) وفي الحالات التي يسوغ فيها الإفطار إذا لم يأخذ المكلّف بهذه الرخصة وصام موطّناً نفسه على المرض وتحمّل الضرر الصحّي فما هو حكم صيامه ؟ وهل يقبل منه ويعفيه من القضاء بعد ذلك، أو يعتبر عاطلا وعليه أن يقضي الصيام عند عافيته وبرئه ؟

الجواب: أنّ صيامه غير مقبول ولا يعفيه من القضاء.

 


(1) الحمّى حتّى إذا كانت خفيفة فهي تكشف عادة عن التهاب شديد يهتمّ به الإنسان العرفيّ، فإذا كانت كذلك أوجبت الإفطار.
690

(10) وإذا صام باعتقاد عدم الضرر واطمئناناً بالسلامة؛ ثمّ اتّضح له بعد إكمال الصيام أنّه كان على خطأ وأنّ الصوم أضرّ به فهل يقبل منه ذلك الصوم ويعفيه من القضاء ؟

الجواب: أنّ عليه أن يقضي ولا يكتفي بذلك الصوم.

(11) وإذا صام وهو معتقد للضرر، وتبيّن له بعد ذلك أنّه كان مخطئاً في اعتقاده وأنّ الصيام لم يضرّه فهل يقبل منه هذا الصوم ويعفيه من القضاء ؟

والجواب: أنّ صومه يقبل منه ويعفيه من القضاء بشرطين:

أحدهما: أن لا يكون الضرر الذي اعتقده أوّلا من الأضرار الخطيرة التي يحرم على كلّ مكلف أن يوقع نفسه فيها ويعاقب عليها، كالسرطان والسلّ والشلل والعمى والإقعاد ونحو ذلك.

والآخر: أن يكون الصيام الذي وقع منه لأجل الله سبحانه وتعالى، أي أن تتوفّر لديه نية القربة، كما إذا كان جاهلا بأنّ المريض لا يطلب منه الصيام فصام من أجل الله حقّاً وهو معتقد للمرض والضرر، وأمّا إذا كان يعلم بأنّ المريض لا يطلب منه الصيام فلا يمكنه أن ينوي القربة وهو يرى نفسه مريضاً.

(12) وإذا طلع الفجر على الإنسان وهو مريض مرضاً لا يجب معه الصيام؛ ولكنّه لم يتناول مفطراً بسبب نوم ونحوه وعوفي في أثناء النهار، فهل يجب عليه أن يواصل إمساكه ويعتبره كاملا ؟

والجواب: أنّ هذا يجب عليه أن يواصل إمساكه ويقضيه بعد ذلك، وتستثنى من ذلك حالة واحدة لا يجب فيها الإمساك، وهي: أن يكون مرضه قد تطلّب منه في الساعات الاُولى من النهار التي كان فيها مريضاً أن يفطر في ذلك الوقت بتناول دواء ـ مثلا ـ أو نحو ذلك، غير أنّه تماهل ولم يتناول حتى شفي من مرضه، ففي هذه الحالة لا يجب عليه أن يواصل إمساكه، وله أن يأكل ويشرب في ذلك اليوم حتّى بعد العافية.

691

(13) وإذا وجد الإنسان نفسه صحيحاً ولكن طبيباً ثقةً في قوله وماهراً في فنّه فحصه وأخبره بأنّ الصوم يضرّه ضرراً لا يجب معه الصيام فعليه أن يعمل بقوله، ولو لم يبعث في نفسه الخوف والقلق(1) لِما يجد في حالته الصحّيّة من عافية. أجل، إذا تأكّد واطمأنّ بخطأ هذا الطبيب أو كذبه فلا يأبَه لكلامه، وعليه أن يصوم حينئذ.

(14) وقد يجد الإنسان نفسه متداعياً صحّيّاً ويخاف أن يضرّه الصوم، ولكنّ الطبيب يخبره بأنّه لا ضرر عليه من الصيام فهل يأخذ بقوله ويصوم، أو يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ؟

والجواب: أنّه يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ ما لم يكن هذا الشعور والتخوّف ناشئاً من شذوذ ووسوسة، كما هو الغالب في من يخشى الضرر مع تأكيد الطبيب الثقة الماهر له على عدم الضرر.

(15) السادس: أن لا يكون الصيام محرجاً له وموقعاً له في مشقّة شديدة وأمام مشكلة حياتيّة، من قبيل الإنسان الذي يمنعه الصيام عن ممارسة عمله الذي يرتزق منه: إمّا لأنّه يسبّب له ضعفاً لا يطيق معه العمل، وإمّا لأنّه يعرّضه لعطش لا يطيق معه الإمساك عن الماء، أو لغير ذلك، ففي هذه الحالة إذا كان بإمكان الفرد بصورة غير محرجة أن يُبدِل عمله أو يؤجّله مع الاعتماد في رزقه فعلا على مال موفّر أو دين أو نحو هذا وجب عليه ذلك لكي يصوم، وإلّا سقط عنه وجوب الصوم، والأجدر به ـ احتياطاً ووجوباً(2)ـ أن لا يسمح لنفسه بأن يأكل ويشرب ويمارس مايمارسه المفطر كيفما يشاء، بل يقتصر على الحدّ الأدنى الذي


(1) جواز الإفطار في هذه الحالة مشكل.
(2) السبب في هذا الاحتياط الوجوبيّ موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في الرجل يصيبه العطاش حتّى يخاف على نفسه. قال: يشرب بقدر ما يمسك رمقه ولا يشرب حتّى يروى». الوسائل 10:214 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، الباب 16 ممّن يصحّ منه الصوم، الحديث 1.
692

يفرضه عليه عمله ويدفع به الحرج والمشقّة عن نفسه، ثم يقضيه بعد ذلك إذا تيسّر له.

(16) السابع: أن لا يكون مسافراً. وبعبارة أكثر تحديداً: أن لا يكون ممّن وجب عليه التقصير في صلاته من أجل السفر، فكلّ مسافر وجب عليه أن يقصّر الصلاة لا يجب عليه الصيام، بل لا يُطلب منه بحال، ولو صام والحالة هذه كان عبثاً، ولا يعفيه من القضاء إلّا في حالة واحدة، وهي: أن يصوم جهلا منه بأنّ المسافر لا صيام عليه، فيقبل منه صيامه حينئذ إذا لم يطّلع في أثناء النهار على الحكم الشرعي بأنّ المسافر لا يكلّف بالصيام، وأمّا إذا اطّلع في الأثناء على هذا وواصل صيامه على الرغم من ذلك فصيامه باطل.

فالصيام إذن يجب على الحاضر المتواجد في بلدته، وكذلك على المسافر الذي لا يجب عليه التقصير في الصلاة، كالمقيم عشرة أيام، ومن كان عمله السفر، ومن سافر سفر المعصية، ومن مضى عليه ثلاثون يوماً وهو متردّد في مكان ما.

(17) ويسمح للمكلف قبل حلول شهر رمضان أو بعد حلوله أن يسافر ولو بدون ضرورة، أو حبّاً في التخلص من الصيام فإنّ ذلك جائز وإن كان يضيّع على المكلّف أجراً عظيماً.

(18) وإذا طلع الفجر على الإنسان وهو حاضر ثمّ سافر في أثناء النهار فهل يكون صيام ذلك النهار واجباً عليه ؟

والجواب: أنّه إذا سافر وخرج من البلد قبل الظهر فلا يجب عليه صيام ذلك اليوم، بل عليه القضاء بعد ذلك، سواء كان قد اتّخذ قراراً بالسفر من الليل أو اتّخذه بعد طلوع الفجر، وسواء كان حين حلّ عليه الظهر قد ابتعد عن بلده كثيراً أو لا يزال على مقربة منه ولم تختفِ معالمه عن ناظريه (1). وإذا سافر وخرج من


(1) المقصود: أنّ مبدأ المسافة الذي لا بدّ أن يخرج منه قبل الظهر هو البلد لا حدّ الترخّص، وإن كان يجب عليه لأجل الإفطار أن ينتظر الوصول لحدّ الترخّص.
693

البلد بعد الظهر فصيام ذلك اليوم واجب وعليه أن يواصله.

(19) وإذا انعكس الأمر وطلع عليه الفجر وهو مسافر ثمّ وصل إلى بلدته أو بلدة قرّر البقاء فيها عشرة أيّام فماذا يصنع ؟

والجواب: إذا كان هذا المسافر قد أفطر قبل الوصول إلى بلدته(1) فلا صيام له ويستمرّ على إفطاره ويقضيه بعد ذلك، وإذا لم يكن قد أفطر قبل الدخول فينظر: فإن كان دخوله قبل الظهر وجب عليه أن ينوي الصيام ويصوم ويحتسب له من الصيام الواجب، وإن كان دخوله إلى نفس البلدة بعد الظهر فلا صيام له؛ وله أن يفطر، وعليه أن يقضيه بعد ذلك.

وإذا طلع الفجر على المكلّف وهو في بلدته ثمّ سافر صباحاً ورجع قبل الظهر من نفس اليوم فهل يصوم ؟

والجواب:أنّ الأجدر به وجوباً أن ينوي ويصوم، ثمّ يحتاط وجوباً بعد ذلك بالقضاء أيضاً.

(20) وفي كلّ الحالات التي يطرأ فيها على المكلّف أثناء النهار ما يعفيه من الصوم ـ من حيض أو نفاس أو مرض أو سفر ونحو ذلك ـ إذا افترضنا أنّ المكلّف علم مسبقاً بأنّ هذا الطارئ سوف يحدث في أثناء النهار فهل يمكنه أن يفطر قبل ذلك ويتناول الطعام والشراب ما دام يعلم أنّ صيام ذلك اليوم لن يتمّ له ؟

والجواب: أنّ ذلك لا يجوز، بل يجب أن ينوي ويصوم عند طلوع الفجر، ويبقى صائماً إلى أن يطرأ ما يعفيه من الصيام ، فلو علمت المرأة بأنّها ستحيض بعد



(1) بالنسبة للوصول إلى بلدته يكفي الوصول إلى حدّ الترخّص.

694

ساعة من النهار لم يجزْ لها أن تأكل في النهار قبلَ أن تحيض، وإذا علم المكلّفبأنّه سيسافر قبل الظهر فلا يسوغ له ان يفطر إلّا بعد خروجه من بلده وابتعاده عنه بمسافة لا تُتيح له أن يرى من يقف في نهاية البلد ولا أن يراه ذلك.

(21) الثامن: أن لا يكون المكلّف قد اُصيب بشيخوخة أضعفته عن الصيام، ويشمل ذلك من بلغ السبعين من الرجال والنساء وكانت شيخوختهم سبباً في ضعفهم وصعوبة الصوم عليهم، وهؤلاء إن شاؤوا أن يصوموا فذلك لهم (1)، وإن شاؤوا أن يفطروا فهم مرخّصون في ترك الصيام والتعويض عنه بفدية، وهي ثلاثة أرباع الكيلو من الحنطة أو الخبز، أو غير ذلك من الطعام عن كلّ يوم يفطرون فيه من شهر رمضان يدفعونها إلى بعض الفقراء، وليس عليهم أن يقضوا تلك الأيام. وإذا بلغ ضعف هؤلاء إلى درجة عجزوا معها عن الصيام وتعذّر عليهم نهائيا، أو كان مضرّاً ضرراً صحيّاً جاز لهم الإفطار بدون تعويض وفدية (2).

(22) التاسع: أن لا يكون مصاباً بداء العطش، وهو من يسمّى بذي العطاش الذي يُمنَى بحالة مرضية تجعله يشعر بعطش شديد فيشرب الماء ولا يرتوي، وكلّ من اُصيب بهذه الحالة وكان يعاني مشقّةً وصعوبةً في الصيام من أجل ذلك فله أن يصوم (3)، وله أن يفطر ويترك الصيام ويعوّض عنه بالفدية الآنفة


(1) الأحوط وجوباً دفع الفدية، فإن أحبّوا أن يصوموا برجاء القبول ومع ذلك يلتزمون بدفع الفدية فلا بأس بذلك.
(2) بل الأحوط وجوباً الفدية.
(3) الأحوط وجوباً تعيّن الفدية، ولو أراد أن يصوم رجاءً ويجمع بين الصوم والفدية فلا بأس بذلك.
695

الذكر، وإذا بلغت به المشقّة إلى درجة يتعذّر معها الصيام نهائيّاً فله أن يفطر ولا فدية عليه (1).

(23) العاشر: أن لا تكون المرأة حاملا مقرباً ويضرّ الصوم بحملها، فإن كانت كذلك جاز لها الإفطار، وعوّضت بالفدية المذكورة آنفاً عن كلّ يوم وعليها القضاء بعد ذلك، هذا إذا كان الصيام مضرّاً بالحمل(2)، وأمّا إذا كان مضرّاً بصحّة المرأة الحامل نفسها(3) فهذا معناه عدم توفّر الشرط الخامس من شروط الوجوب التي تقدّمت، فلها أن تفطر ولا فدية عليها.

(24) ومثل المرأة الحامل المرأة المرضِعة، فاذا كان صيامها مضرّاً بالولد ويسبّب قلّة غذائه فلها أن تفطر؛ وتعوِّض بالفدية ثمّ تقضي، وإذا كان صيامها مضرّاً بها(4) أفطرت ولا فدية عليها.

ولا يشمل حكم المرأة المرضِعة هذا من كان بإمكانها أن ترضع ولدها من غير حليبها، أو من الحليب المعلّب إذا لم يتضرّر الولد الرضيع بذلك.

 


(1) بل الأحوط وجوباً الفدية.
(2) أو بنفسها بسبب الحمل.
(3) لا بسبب الحمل.
(4) لا بسبب الرضاع.
696

واجباتُ الصيام

 

يجب على الصائم في شهر رمضان ما يلي:

النية:

(25) أوّلا: النية، وذلك أنّ الصيام عبادة فيجب أن تتوفّر فيه النية الواجبة في كلّ عبادة، وذلك بأن ينوي الالتزام بواجبات الصيام والاجتناب عن مفطراته قربةً إلى الله تعالى.

وبعبارة موجزة: أن ينوي الصيام قربةً إلى الله، ويحرم ويبطل بالرياء، كما هي الحالة في كلّ عبادة أيضاً، على ما تقدم في الأحكام العامة للعبادات.

(26) وقد تسأل بهذا الصدد وتقول: إنّ النية هي الباعث على العمل، ونية القربة معناها: أن يكون أمر الله هو الباعث على العمل، وهذا من الصعب افتراضه في كلّ حالات الصيام، فالصائم الذي ينام جُلّ النهار أو كلّه، أو يغفل عن الطعام، أو يكون عزوفاً عن الأكل والشرب، إنّ الصائم في كلّ هذه الحالات ليس الباعث على تركه للطعام والشراب أمر الله تعالى، بل هو نومه، أو غفلته، أو عزوفه ـ مثلا ـ فهل يبطل الصيام في هذه الحالات؟

والجواب: أنّه لا يبطل، إذ يكفي في نية القربة أن يكون في نفس المكلّف باعث ودافع إلهي يمنعه عن الطعام والشراب ونحوهما فيما إذا لم يكن نائماً ولا غافلا ولا عزوفاً، فالنائم والغافل والعزوف إذا عرف من نفسه أنّه حتى لو لم ينم ولم يغفل ولم يكن عزوفاً لا يأكل ولا يشرب من أجل الله تعالى كفاه ذلك في نية الصوم.

697

(27) ويكفي الصائم أن ينوي أنّه يصوم هذا النهار من طلوع الفجر إلى المغرب على أن لا يقصد به صوماً آخر غير صيام شهر رمضان من قبيل صوم الكفّارة، وإلّا خسر المكلّف بذلك كلا الصيامين، فلا يقبل منه كصيام شهر رمضان، ولا كصيام كفارة.

(28) ويجب أن لا تتأخّر النية لدى الصائم في شهر رمضان عن طلوع الفجر، فإن طلع الفجر [ عليه ] في شهر رمضان وهو غير ناو للصيام غفلةً أو جهلا، ثمّ تفطن قبل أن يستعمل مفطراً فعليه أن ينوي الصيام بأمل أن يقبله الله تعالى منه ثمّ يقضيه بعد ذلك، وأمّا إذا كان قد استعمل المفطر في حال غفلته وجهله فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ثم يقضيه بعد ذلك.

وإن طلع الفجر عليه وهو غير ناو للصيام عن تعمّد وعصيان ثمّ آب إلى رشده في أثناء النهار فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ثم يقضيه بعد ذلك.

(29) وقد تسأل إذا لم يجزْ أن تتأخّر النية عن طلوع الفجر فهل يجوز تقديمها على ذلك بأن ينوي الصيام في الليل ؟

والجواب: أنّ بإمكانه ذلك، وتكفيه تلك النية ما لم يعدل عنها، فاذا قرّر أوّل الليل أن يصوم غداً ونام على هذا الأساس وطلع عليه الفجر وهو نائم واستيقظ نهاراً وهو على نيّته صحّ صومه، بل إذا دخل عليه شهر رمضان فنوى أن يصوم الشهر كفته تلك النية للشهر كلّه ما لم يعدل عنها، وهذا يعني أنّه لو استمرّ به ـ بعد ذلك ـ النوم لسبب طارئ مدّة يومين أو أكثر اعتبر صائماً في كلّ تلك الأيام التي قضاها نائماً.

(30) وتجب النية في الصيام ابتداءً واستمراراً، وعليه فمن قصد الإفطار في يوم من شهر رمضان أو تردّد في البقاء أو الاستمرار على الصيام بطل صومه، سواء أحَدَثَ ذلك قبل الزوال أم بعده، ويجب عليه الإمساك تشبّها بالصائمين؛ ثمّ

698

القضاء بعد شهر رمضان.

(31) وإذا صدر من الصائم شيء كما إذا وضع قطرةً في عينيه، ثمّ شكّ هل أنّ القطرة في العين تبطل الصيام أوْ لا فتردّد في صيامه على أساس هذا الشكّ، ثمّ سأل فعرف أنّ قطرة العين لا تفطّر الصائم، فهل يبطل صومه بذلك التردّد الذي أصابه بسبب الشكّ في بطلان الصوم؟

والجواب: أنّ هذا التردّد لا يبطل به الصوم ما دام لا يزال ناوياً للصيام في حالة كون القطرة غير مفطّرة.

(32) وليس من الضروريّ في نيّة الصيام أن يكون الصائم على معرفة كاملة بكلِّ المفطرات التي ينوي الاجتناب عنها، بل يكفي أن يجد في نفسه ـ عند النيّة ـ القدرة على اجتناب تلك المفطرات ولو بالتعرّف عليها بعد ذلك، أو بترك كلّ ما يحتمل كونه مفطّراً.

الطهارة من الجنابة عند الفجر:

(33) ثانياً: إذا كان المكلّف جنباً فعليه أن يغتسل قبل طلوع الفجر، فإذا ترك الغسل وهو عالم بأنّه جنب متعمّداً حتّى طلع عليه الفجر لم يقبل منه صيام ذلك اليوم، وعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، كما أنّ عليه ما على من أكل متعمّداً في نهار شهر رمضان من القضاء والكفّارة.

(34) وإذا علم الإنسان بأنّه جنب ولكنّه نسي الغسل فحاله كذلك أيضاً، غير أنّ الكفّارة لا تجب عليه.

(35) وإذا أجنب في حالة اليقظة ليلا بجماع أو غيره فلا يسمح له بالنوم قبل أن يغتسل، إلّا إذا كان معتاداً على الانتباه قبل طلوع الفجر، أو وضع منبّهاً له من أجل إيقاظه قبل الفجر لكي يغتسل.

699

(36) وإذا أجنب المكلّف في حالة اليقظة، ثمّ نام وليس في نيته أن يغتسل واستمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فهو بمثابة من ترك الغسل وهو متيقّظ متعمّداً.

وإذا أجنب المكلّف كذلك ثمّ نام ناوياً أن يغتسل إذا استيقظ قبل طلوع الفجر؛ ولكنّه لم يكن معتاداً للانتباه من نومه قبل الفجر، فامتدّ به النوم إلى أن طلع الفجر، فعليه أن ينوي الصيام بأمل أن يُقبل منه ويمسك ذلك النهار، ويحتاط وجوباً بعد ذلك بالقضاء والكفّارة.

وإذا أجنب المكلّف في حالة اليقظة، ثمّ نام ناوياً للاستيقاظ للغسل قبل طلوع الفجر وكان من عادته أن يستيقظ كذلك، أو وضع له منبّهاً لإيقاظه ولكن استمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فلا شيء عليه ويصحّ صومه.

وفي هذه الحالة إذا استيقظ في الأثناء فلا يسمح له بأن ينام إلّا إذا اطمأنّ بأنّ ذلك لن يفوِّت عليه الغسل قبل طلوع الفجر. وإذا نام مرّةً ثانيةً بعد أن استيقظ من نومه الأول معتمداً على أنّه سينتبه عادةً ويغتسل ولكن استمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فعليه أن يمسك تشبّها بالصائمين، ويقضي بعد ذلك ولا كفّارة عليه. والحكم نفسه يثبت في ما لو استيقظ مرّتين أو أكثر ونام معتمداً على أنّه معتاد على الانتباه فغلبه النوم إلى طلوع الفجر.

(37) وإذا حصلت الجنابة بالاحتلام في حالة النوم ليلا: فإن امتدّ به النوم إلى أن طلع الفجر فلا شيء عليه وصيامه صحيح، وإن أفاق من نومه الذي احتلم فيه فالأجدر به احتياطاً أن لا ينام مرّةً ثانيةً قبل الغسل ما لم يثق بأنّه لن يفوته الاغتسال قبل طلوع الفجر. وإذا نام مرّةً ثانيةً اعتماداً على أنّه معتاد على الانتباه وأنّ الوقت واسع فامتدّ به النوم إلى طلوع الفجر أمسك طيلة النهار، وعليه القضاء دون الكفارة. وأمّا إذا صنع ذلك ولم يكن معتاداً على الانتباه فعليه ـ إضافة إلى الإمساك طيلة النهار ـ القضاء والكفّارة.

700

(38) ولا يسمح للمكلف بأن يقارب زوجته ويجنب نفسه في اللحظات الأخيرة من الليل التي لا تتّسع للغسل قبل طلوع الفجر، ولو صنع المكلّف شيئاً من ذلك عصياناً أو سهواً فعليه أن يبادر إلى التيمّم بدلا عن الغسل ويصحّ بذلك صيامه. ولا يجب عليه إذا تيمّم أن يظلّ يقظاً إلى طلوع الفجر. وأمّا إذا أهمل ولم يتيمّم حتى طلع الفجر فلا يقبل منه الصيام، وعليه أن يتشبّه بالصائمين بالإمساك، وبعد ذلك يقضي ويكفِّر.

(39) وليست الحائض والنفساء كالجنب، فاذا نقت المرأة من دم الحيض والنفاس في الليل من شهر رمضان وجب عليها صيام نهار غد، ولا يجب عليها أن تبادر إلى الغسل قبل طلوع الفجر وإن كانت المبادرة أحسن وأحوط استحباباً.

وكذلك الأمر في مَن مسّ ميّتاً قبل طلوع الفجر ووجب عليه الغسل من أجل ذلك فإنّ بإمكانه تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر.

(40) وفي كلّ حالة وجب فيها على الصائم أن يغتسل قبل طلوع الفجر إذا تعذّر فيها الغسل عليه كذلك؛ لعدم الماء، أو لأنّه مريض يخاف من استعماله، أو لضيق الوقت، إلى غير ذلك من مسوّغات التيمّم فعليه أن يتيمّم ويكفيه ذلك لأداء الصيام.

(41) وإذا كانت الصائمة مستحاضةً بالاستحاضة الكبرى ـ وقد تقدم معنى الاستحاضة وأقسامها في فصل الغسل ـ فعليها من أجل أن تثق بصحة صيامها أن تؤدّي ما عليها من أغسال (أو ما ينوب عنها من تيمّم في حالة وجود أحد المسوّغات للتيمّم) لصلاة الصبح، ولصلاة الظهرين، ولصلاة المغرب والعشاء، من الليلة التي تصوم في فجرها، فصيام يوم السبت ـ مثلا ـ يصحّ منها عندما تغتسل لصلاة الفجر منه، ولصلاة الظهرين منه، ولصلاة المغرب والعشاء من ليلة السبت، وإن أخلّت بشيء من ذلك وجب عليها أن تواصل إمساكها وتقضي بعد ذلك صيام

701

ذلك اليوم(1).

الاجتناب عن المفطرات:

ثالثاً: الاجتناب عن المفطرات، والمفطرات اُمور لابدّ للصائم من اجتنابها أثناء النهار، وهي كما يأتي:

(42) الأوّل والثاني: الأكل والشرب، سواء كان المأكول والمشروب قليلا أم كثيراً، معتاداً كان كالخبز والماء أم غير معتاد؛ كابتلاع الحصى أو شرب النفط، ويشمل ذلك حتّى الأجزاء الصغيرة من الطعام التي تتخلّف بين الأسنان فإنّ الصائم لا يجوز له ابتلاعها، بل لا يجوز حتّى ابتلاع الغبار الذي يشتمل على


(1) منشأ هذا الاحتياط عند اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) صحيح عليّ بن مهزيار في امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها من أوّل يوم من شهر رمضان، ثمّ استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز صومها وصلاتها أو لا؟ فكتب(عليه السلام): «تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؛ لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك». الوسائل، ج 10 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام)، ب 18 ممّا يمسك عنه الصائم، ح 1، ص 66، وكذلك ج 2، ب 41 من الحيض، ح 7، ص 349.
وقد أفتى السيّد الخوئيّ(رحمه الله) بمضمون هذه الرواية بحجّة أنّ اشتمالها على مقطع مقطوع البطلان ـ وهو عدم قضاء الصلوات رغم تركها للأغسال الدخيلة في صحّة الصلوات ـ لا يسقطها عن الحجّيّة، فما أكثر الروايات التي نقطّعها بإسقاط الجزء المقطوع بطلانه والأخذ بالباقي.
ولكن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) تنزّل من الفتوى إلى الاحتياط؛ لإمكان أن يقال بأنّ وضوح بطلان ذاك الجزء بالغ إلى مرحلة سلب الوثوق عن هذا الحديث.
أمّا نحن فإنّ شدّة وضوح بطلان ذاك الجزء مع تشابكه للجزء المقصود بلغ بنا إلى حدٍّ أسقطنا الحديث عن الحجّيّة.
702

أجزاء ترابيّة ظاهرة للعَيان وإن صغرت، وهو ما يسمّى بالغبار الغليظ.

والأجدر بالصائم ـ احتياطاً ووجوباً ـ أن لا يدخل الدخان إلى جوفه أيضاً، وأمّا البخار والغبار الذي تصاغرت فيه الأجزاء الترابيّة إلى درجة لا يبدو لها وجود فلا يضّر بالصيام.

وكلّ ما يخرج من الجوف والصدر ويصل إلى الحلق ـ كالبلغم ونحوه ـ يجب على الصائم قذفه وطرحه، ولا يسوغ له أن يبتلعه. أجَلْ، لا حرج عليه في البصاق الذي يتكوّن في فمه فإنّه لا يضّر الصائم أن يبتلعه عن قصد أو غير قصد مهما كثر.

ولا يضرّ الصيام ولا يفطر الصائم أن يكتحل أو يضع قطرةً في عينه أو في اُذنه وإن تسرّبت إلى جوفه، أو يصبّ دواءً في جرح مفتوح في جسمه، أو يزرق إلى بدنه شيئاً عن طريق الإبرة مهما كان نوعها، ومن ذلك ما يسمّى بالمغذّي الذي يزرق إلى جسم المريض عن هذا الطريق.

وإنّما الممنوع عنه أن يدخل الصائم طعاماً أو شراباً إلى معدته عن طريق الحلق، وإذا أدخل الصائم شيئاً من ذلك إلى حلقه عن طريق الأنف ـ كما في الاستنشاق بالأنف مثلا ـ فقد أضرّ بصومه أيضاً، وعليه مثل ما على من أدخله عن طريق الفم.

ولو اُجريت فتحة طبيّة مصطنعة في الجسم لسبب طارئ بُغيةَ إيصال الغذاء إلى المعدة عن طريقها فهذا بمثابة إدخال الغذاء عن [ طريق ] الحلق، فالمحرّم إذن إدخال الطعام والشراب إلى المعدة عن طريق الفم أو الأنف أو فتحة مصطنعة معدّة للقيام بهذه المهمّة في جسم الصائم.

(43) الثالث: الجماع فاعلا ومفعولا.

(44) الرابع: الاستمناء، وهو إنزال المني باليد أو بآلة أو بالمداعبة والملاعبة، وإذا نزل منه المني بدون ممارسة فعل ما فلا حرج عليه؛ ولا يبطل صيامه، وإذا مارس شيئاً من تلك الأفعال ولم يكن قاصداً بذلك إنزال المني، بل كان واثقاً من عدم نزوله ولكن سبقه المني فالأجدر به ـ احتياطاً ووجوباً ـ أن

703

يواصل صيامه ونيّته بأمل أن يقبله الله تعالى، (أي رجاء) ثم يقضي.

(45) الخامس: الكذب على الله تعالى، أو على خاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله)، بل وحتى على غيره من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، سواء أكان الكذب في التحليل والتحريم أم في قصص ومواعظ، أم في أيّ شيء آخر.

ومن قصد الكذب وهو يعلم بأنّ هذا مفطر فكان صدقاً فقد بطل صومه، وعليه أن يواصل إمساكه تشبّهاً بالصائمين، ثم يقضيه. ومن قصد الصدق فجاء كذباً فهو على صيامه.

(46) السادس: غمس الرأس بكامله في الماء، أو فيما أشبه من عصير وشراب، سواء أغَمَسَ الرأس وحده أم مع سائر أعضاء البدن فإنّ الأجدر بالصائم احتياطاً ووجوباً أن لا يصنع ذلك.

ولا بأس بغمس نصف الرأس دون النصف الثاني، ثمّ غمس هذا الثاني دون المغموس من قبل بحيث يتمّ الغمس بالكامل على دفعتين أو أكثر.

ومن غطس رأسه في البحر أو في غيره وعلى رأسه ما يقيه من الماء فلا يبطل صومه.

وإذا غمس الصائم لشهر رمضان جسمه بالكامل في الماء بقصد الغسل من الجنابة: فإن كان ذلك عمداً لا سهواً بطل صومه وغسله، وإن كان سهواً صحّ صومه وغسله معاً.

(47) السابع: الحقنة بالمائع في المخرج المعتاد فإنّها تفسد الصيام؛ دون الحقنة بالجامد.

(48) الثامن: التقيّؤ؛ فإنّه يفسد الصيام ويبطله؛ حتى ولو كان علاجاً وشفاءً من داء مهم، غير أنّه في هذه الحالة يسمح للصائم به إذا توقّف العلاج والشفاء من ذلك الداء عليه وإن بطل صومه. وأمّا إذا بدر القيء تلقائياً فالصائم على صيامه ولا شيء عليه.

704

وإذا خرج من جوفه شيء وعاد قبل أن يصل إلى فضاء الفم فلا شيء عليه، وإذا وصل إلى فضاء الفم فلا يسوغ له أن يبتلعه، بل عليه أن يقذفه، وإن ابتلعه عن قصد وعمد بطل صيامه؛ وعليه القضاء والكفارة.

(49) هذه هي المفطرات، ولا شيء سواها، ومن شكّ في شيء هل يوجب الإفطار ويفسد الصيام؟ فليرجع إلى هذه القائمة؛ ويلاحظ ما ذكرناه من واجبات الصائم بإمعان، فإن كان ما شكّ فيه مندرجاً في ذلك عمل بموجبه، وإلّا فلن يضرّ الصيام شيئاً، ومع هذا نؤكّد ـ لمزيد التوضيح ـ على أنّه لا يضرّ بالصيام ولا يفطر الصائم الحجامة، والحقنة في الإحليل، والاستمتاع بالمرأة بدون جماع ولا إنزال للمني، ولا يفطر أيضاً شمّ الطيب، والجلوس في الماء، ولو غمر الماء الجسد كلّه ما دام رأس الصائم خارج الماء.

حكم تناول المفطرات:

ويبطل الصيام بوقوع أيّ واحد من المفطرات المتقدّمة. ويُستثنى من ذلك ما يلي:

(50) أوّلا: إذا صدر من الصائم بعض تلك المفطرات ناسياً أنّه صائم وغافلا عن صيامه فلا يبطل الصيام بذلك.

(51) ثانياً: إذا صدر من الصائم شيء وهو معتقد أنّه ليس من الثمانية ولكنّه كان في الواقع منها فلا يبطل الصيام بذلك.

ومثاله: أن يكذب على الله ورسوله ولكنّه يعتقد أنّ ما يقوله ليس كذباً، أو يحتقن بالمائع ولكنّه كان يعتقد أنّ ما في الحقنة جامد وليس بمائع.

(52) ثالثاً: إذا وقع شيء من تلك المفطرات بدون قصد من الصائم، كما إذا فتح إنسان فم الصائم عنوةً وزرق ماءً إلى جوفه، وكذلك إذا كان الصائم يسبَح في

705

النهر فغمره موج الماء فانغمس رأسه كاملا في الماء بدون قصد منه، أو عثر بأرض البركة فوقع في الماء وانغمس رأسه فيه ففي كلّ ذلك لا يبطل الصيام؛ لأنّ الشرب والارتماس لم يقعا عن قصد وإرادة.

(53) ويُستثنى من حالات عدم القصد حالتان:

الاُولى: من أدار الماء في فمه وحرّكه لسبب أو لآخر فسبق الماء ودخل في جوفه قسراً بدون قصد منه فعليه أن يقضي صيام ذلك اليوم، إلّا إذا كان قد حدث ذلك في حالة الوضوء لصلاة واجبة؛ إذ تستحبّ المضمضة في الوضوء كما تقدم في سنن الوضوء وآدابه، فإذا تمضمض المتوضّئ للفريضة والحالة هذه وسبق الماء إلى جوفه فلا شيء عليه.

الثانية: إذا تصرّف الصائم تصرّفاً بأن داعب زوجته ـ مثلا ـ وهو واثق من عدم نزول المني ولكن سبقه المني ونزل بدون قصد منه فعليه القضاء.

(54) رابعاً: إذا شكّ الإنسان في طلوع الفجر، ففحص ولاحظ بصورة مباشرة فاعتقد بعدم طلوعه فأكل أو شرب مثلا، ثمّ تبيّن له أنّ الفجر كان طالعاً وقتئذ فلا شيء عليه، وصيامه صحيح على الرغم من أنّه قد كان تناول المفطر بعد طلوع الفجر.

وخلافاً لذلك الإنسان الذي لا يفحص ولا يلاحظ الفجر مباشرةً ويأكل أو يشرب على أساس أنّه لم يعلم بعد بطلوع الفجر فإنّه ليس بآثم حين يفعل ذلك (1)، ولكنّه إذا تبيّن له بعد ذلك أنّ الفجر كان طالعاً حين أكل أو شرب فعليه أن يقضي صيامه. ومثله من يأكل أو يشرب في آخر النهار ثقةً منه بأنّ المغرب قد حلّ، فإنّه إذا تبيّن له بعد ذلك أنّ النهار كان لا يزال باقياً حين أكل أو شرب فعليه القضاء.

 


(1) إلّا إذا كان يسهل عليه النظر إلى الفجر وتعمّد إغماض العين مثلاً.