323

لإثبات صحّة عقد الفضولي، ولكن المفروض الآن انّ عقد الفضولي صحيح ولو بدليل آخر غير هذا الحديث وعندئذ نقول: لا يحتمل العرف الفرق في موارد كفاية الرضا المتأخّر بالكشف في بعضها والنقل في الآخر اذن فلمّا دلّ هذا الحديث على الكشف في مورده نتعدّى في ذلك إلى موارد عقد الفضولي:

والجواب: إنّ عدم التعدّي من مورد هذا الحديث إلى موارد عقد الفضولي في أصل التصحيح كان بنكتة التصاق الطلاق بالزوج في مورد الحديث من أوّل الأمر فنفوذه بعد البلوغ والإمضاء لا يستلزم نفوذ عقد الفضولي الذي لم يكن ملتصقاً منذ البدء بالمالك ونفس هذه النكتة توجب عدم التعدّي في المقام إذ يقال: لعلّ نكتة الكشف عن وقوع الطلاق من حينه بالإمضاء المتأخّر كونه منتسباً إلى الزوج من حينه بخلاف عقد الفضولي الذي لا يصبح منتسباً إلى المالك بمعنى من المعاني إلّا بعد الإمضاء.

وأمّا الاستدلال بالذيل فحاصله انّه (عليه السلام) رتّب الإرث على الإمضاء من قبل من بقى منهما وادرك في حين انّ الموت قد وقع قبل الإمضاء وهذا لا ينسجم إلّا مع الكشف.

ويرد عليه ـ بعد غضّ النظر عن أنّ فضولية عقد الأب للصغير أو الصغيرة خلاف مسلمات الفقه بل لعلّه كذلك فرض عقده خيارياً يصحّ للصغير بعد البلوغ فسخه ـ انّ الحديث اجنبيّ عن المقام لانه ليس المقصود به تصحيح عقد النكاح بالإمضاء بل المفروض فيه صحّة عقد النكاح منذ البدء غير انّ الإرث يتوقف حسب مفاد هذا الحديث على إسقاط الخيار وذلك لانّ ظاهر قوله في صدر الحديث: «أما تزويجه فهو صحيح» هو النفوذ الفعلي، وقوله: «فان أقرّ بعد ذلك وأمضاه فهي واحدة باينة» كالصريح في ذلك لانّه لولا تمامية العقد ونفوذه الفعلي

324

فالزوج إذا أدرك وكره النكاح لم يكن بحاجة إلى إمضاء الطلاق الذي صدر منه في صغره بل يمتنع عن أصل إمضاء النكاح وعندئذ يكون خاطباً من الخطّاب من دون ان تتحقّق واحدة باينة ويؤيّد ذلك أيضاً حكمه (عليه السلام) في فرض موت أحدهما قبل الإدراك والإمضاء بثبوت الإرث للآخر لو أدرك وأمضى في حين انّه على تقدير عدم نفوذ النكاح في ذاته رغم صدوره من الولي لم يكن من المترقّب توريث الباقي منهما بإمضاء لأنّ الآخر مات قبل الإمضاء فلم يتمّ النكاح كما بيّن ذلك في ما مضى من صحيحة أبي عبيدة الحذّاء.

فالمتحصّل انّ هذا الذيل اجنبي عن المقام وانّ الحديث انّما هو دالّ على أنّ نكاح الأب للصغير نافذ بالفعل وانّ الصغير حينما يبلغ يكون له الخيار في الفسخ والإمضاء، فوزان هذا الحديث وزان صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبيّ يزوّج الصبية قال: إن كان ابواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز ولكن لهما الخيار إذا أدركا فان رضيا بعد ذلك فانّ المهر على الأب قلت: فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في صغره؟ قال: لا(1)، فالمقصود بالخيار في هذا الحديث هو خيار الفسخ بقرينة ظهور قوله: (فنعم جائز) على النفوذ الفعلي خاصّة انّه فصل بين قوله (نعم جائز) وقوله: (لهما الخيار) بكلمة «ولكن» ممّا يوجب استبعاد كون قوله: (لهما الخيار) تفسيراً للجواز بان له خيار الإمضاء فترى التعبير اختلف عن التعبير الوارد في صحيحة أبي عبيدة الحذاء حيث جاء فيها: (النكاح جائز ايّهما أدرك كان له الخيار) من دون فصل بين الجملتين بمثل كلمة «ولكن».


(1) الوسائل 14: 209، الباب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 8.

325

4 ـ حديث يزيد الكناسي قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) متى يجوز للأب ان يزوّج ابنته ولا يستأمرها؟ قال: إذا جازت تسع سنين فان زوّجها قبل بلوغ التسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين قلت: فان زوّجها أبوها ولم تبلغ تسع سنين فبلغها ذلك فسكتت ولم تأب ذلك أيجوز عليها؟ قال ليس يجوز عليها رضاء ولا تأبّ ولا سخط في نفسها حتى تستكمل تسع سنين وإذا بلغت تسع سنين جاز لها القول في نفسها بالرضا والتأبيّ وجاز عليها بعد ذلك وإن لم تكن أدركت مدرك النساء قلت: أفتقام عليها الحدود وتؤخذ بها وهي في تلك الحال وانّما لها تسع سنين ولم تدرك مدرك النساء في الحيض؟ قال نعم إذا دخلت على زوجها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها واقيمت الحدود التامّة عليها ولها.

قلت: فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟ فقال: يا أبا خالد انّ الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك قلت: فان ادخلت عليه امرأته قبل ان يدرك فمكث معها ما شاء الله ثم أدرك بعد فَكَرِهَها وتأبّاها قال إذا كان أبوه الذي زوّجه ودخل بها ولذّ منها وأقام معها سنة فلا خيار له إذا أدرك ولا ينبغي له أن يردّ على ابيه ما صنع ولا يحلّ له ذلك.

قلت: فان زوّجه أبوه ودخل بها وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود وهو في تلك الحال؟ قال: أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجل فلا ولكن يجلد في الحدود كلها على قدر مبلغ سنّه يؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة ولا تبطل حدود الله في خلقه ولا تبطل حقوق المسلمين فيما بينهم قلت: جعلت فداك فان طلّقها في تلك الحال ولم يكن قد أدرك أيجوز طلاقه؟ فقال: إن كان قد مسّها

326

في الفرج فانّ طلاقها جائز عليها وعليه وإن لم يمسّها في الفرج ولم يلذّ فيها ولم تلذّ منه فانها تعزل عنه وتصير إلى أهلها فلا يراها ولا تقربه حتى يدرك فيسأل ويقال له: إنّك كنت قد طلقت امرأتك فلانة فان هو أقرّ بذلك وأجاز الطلاق كان تطليقة بائنة وكان خاطباً من الخطاب(1).

والحديث مشتمل على جملة من الأحكام شبه المسلّم فقهياً خلافها لولا التأويل من قبيل: ان تزويج الأب للبنت من دون استيمارها قبل بلوغها تسع سنين لا ينفذ عليها فلها الخيار بعد بلوغ هذا السن وينفذ عليها لو أوقعه بعد بلوغ تسع سنين، ومن قبيل التفصيل في كفاية بلوغها تسع سنين لبلوغها مبلغ التكليف بين ما لو دخلت على الزوج أو لا، ومن قبيل التفصيل في حقّ ردّ زواج الأب للولد بعد الإدراك بين ما لو دخل بها قبل الإدراك ولذّ منها وأقام معها سنة أو لا، ومن قبيل التفصيل في نفوذ طلاق غير المدرك بينما لو مسّها في الفرج فينفذ وما لو لم يمسّها في الفرج ولم يلذّ منها ولم تلذّ منه فتعزل عنه حتى يدرك ويمضى الطلاق أو يرفضه.

وشاهد بحثنا هو هذا المقطع الأخير فلولا الكشف لما كان وجه لفصلها عنه قبل الإدراك والإمضاء.

ومخالفة جملة من مقاطع الحديث لشبه المسلمات قد يسلب الوثوق بالحديث ويسقطه على بعض المباني في الاُصول عن الحجية في غير موارد المخالفة.

وفي سند هذا الحديث بحث اشرنا إليه في مبحث شرط البلوغ.

والسيد الإمام (رحمه الله) أعاد هنا ما ذكره في الحديث السابق من أنّه لعلّ الفصل


(1) الوسائل 14: 209 ـ 210، الباب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 9.

327

بينهما لمراعاة حالها وحرمتها باعتبار انّ الاستمتاع بها على تقدير انّه سينفّذ الطلاق بشأنها مضرّ بشأنها على أنّه قد يحمل على الاستحباب بقرينة ذاك الحديث(1).

أقول: وكذلك نحن نعيد هنا ما ذكرناه في الحديث السابق من أنّه لا يمكن قياس عقد الفضولي غير المستند من أوّل الأمر إلى المالك بالطلاق الذي هو مستند إلى الزوج منذ البدء.

5 ـ رواية مسمع أبي سيار التامّة سنداً قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): انيّ كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف لي عليه ثم جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته ايّاه فقال: هذا مالك فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك واجعلني في حلّ فأخذت المال منه وابيت ان آخذ الربح وأوقفت المال الذي كنت استودعته واتيت حتى استطلع رأيك فما ترى؟ قال فقال: خذ الربح واعطه النصف وأحله ان هذا رجل تائب والله يحب التوابين(2).

وهذا الحديث لو حمل على تعامل الغاصب بما في الذمّة وأن إعطاء الربح كان من باب إرضاء المالك فهو اجنبيّ عن المقام وعن باب الفضولي نهائياً، وإن حمل على التعامل بعين المال المغصوب وان إعطاء الربح إلى المالك كان من باب انّه ربح ماله كان الحديث راجعاً إلى عقد الفضولي وعندئذ لو حمل الربح على النماء أو ما يشمل النماء لا خصوص ربح التجارة دلّ الحديث على الكشف لانّ النماء حصل قبل الإجازة فامتلاكه بالإجازة دليل الكشف إلّا انّ هذا خلاف الظاهر فانّ الظاهر انّ المقصود هو ربح التجارة.

 


(1) راجع كتاب البيع 2: 182.

(2) الوسائل 13: 235، الباب 10 من أبواب الوديعة.

328

فان حمل على الربح التجاري كما هو الظاهر فأوّل ما يخطر بالبال هو انّ الحديث لا دلالة له على الكشف لانّه ينسجم مع النقل أيضاً فانّه وإن كان الظاهر انّ الغاصب أوقع عدّة تجارات متبادلة على مال أبي سيار وبدائله لكن اجازته أيضاً تنحل إلى عدّة اجازات بعدد البيوع فيملك في كل مرّة بدل ماله وبهذا يمتلك كل الأرباح حتى على النقل.

ولكن السيد الإمام (رحمه الله) ذكر(1) وجهاً للاستدلال بهذا الحديث على الكشف رغم فرض حمل الربح على الربح التجاري وهو انّ الإجازة لو فرضت منحلّة إلى عدّة اجازات فهذه الاجازات ليست مترتبة وطولية بل هي اجازات في عرض واحد فالإجازة الاُولى وقعت على بيع ماله فتنفذ، أمّا باقي الاجازات فهي على النقل وقعت على مال الغير لانّها وقعت على بيع عوض ماله في عرض وقوع الإجازة الاُولى على بيع ماله فلا تنفذ، فتفسير نفوذها ينحصر بافتراض الكشف فانّه عندئذ تحصل كل هذه الملكيات قبل زمان الاجازات فالاجازات كلها وقعت على ماله اذن فهذا الحديث يدلّ على الكشف.

ثم أبدى (رحمه الله) احتمال نقاش في هذا البيان بأحد وجهين:

الأوّل ـ ان يقال: إنّه ليس من شرط تأثير الإجازة وقوعها على ما هو ملكه حين الإجازة بل يكفي وقوعها على مال ثم انتقال ذاك المال إليه فعندئذ يملك ابو سيار كل الأرباح حتى على النقل، لانّه بالإجازة الاُولى ملك عوض ماله والإجازة الثانية اثّرت بعد ما ملك عوض ماله فملك عوض العوض وهكذا إلى أنّ ملك آخر الأموال.

 


(1) راجع كتاب البيع 2: 183 ـ 184.

329

الثاني ـ ان يقال إنّنا ولو سلمنا ضرورة معاصرة الإجازة للمالكية قلنا: إنّ الإجازة كما تؤثّر بوجودها الحدوثي كذلك تؤثر بوجودها البقائي فحتى على النقل يملك ابو سيار كل الأرباح لانّ الإجازة الثانية مثلاً وإن لم تقع في أوّل حدوثها على ملكه لكن بعد ان ملك العوض بالإجازة الاُولى أصبحت الإجازة الثانية بوجودها البقائي مصحّحة للبيع الثاني فانّها عندئذ إجازة معاصرة للملك.

ثم حسم (رحمه الله) الموقف ببيان انّنا ما دمنا نؤمن بانّه يكفي في تصحيح معاملة الفضولي رضا المالك بلا حاجة إلى الإجازة بوجودها الإنشائي وليس في الحديث إشارة إلى وقوع إنشاء إجازة الفضولي فالظاهر انّ تصحيح التجارات كان بمجرّد الرضا فعندئذ نقول: لئن ناقشنا في كفاية الإجازة بوجودها البقائي لانّ الإجازة أمر إنشائي وانشاؤها يكون في آن حدوثها لا مجال للنقاش في كفاية الرضا بوجوده ا لبقائي لانّه ليس أمراً إنشائياً وانّما هو مجرّد حالة باطنية مستمرّة وحال وجودها البقائي كحال وجودها الحدوثي فما عدا البيع الأوّل أيضاً يصحّ حتى على النقل ولو بالوجود البقائي للرضا فالحديث لا يدلّ على الكشف.

أقول: إنّ إبداء احتمال كفاية الإجازة السابقة على الملك أو احتمال كفاية الإجازة البقائية أو احتمال كفاية الرضا ولو من دون إجازة، والرضا عندئذ يكفي وجوده البقائي ان إبداء أي واحد من هذه الاحتمالات كاف في إبطال الاستدلال بهذا الحديث على الكشف بناء على كون هذه الاحتمالات غير منفية إلّا بالأصل العملي وهو أصالة عدم ترتّب الأثر، فانّ مجرّد نفيها بالأصل لا يعيّن مفاد هذا الحديث في احتمال رابع وهو الكشف، على أنّ الكشف أيضاً خلاف الأصل أمّا إذا نفينا تلك الاحتمالات بدليل لفظي بان قلنا: إنّ تجارة عن تراض لا تشمل هذه الفروض فيكون الحصر في الآية دالّاً على بطلان هذه الاحتمالات اذن بالإمكان

330

ضم تلك الدلالة إلى هذا الحديث لإثبات الكشف وبما انّ السيد الإمام (رحمه الله) مختاره كفاية الرضا الباطني بلا حاجة إلى الإجازة في تصحيح البيع لانّ مثل إطلاق ﴿اوفوا بالعقود﴾ يشمله وليس منصرفاً عن العقد الاجنبيّ عن الشخص بتاتاً بان لا يكون مرتبطاً به حتى بمقدار الرضا(1) فعلى مبناه لا تبقى أي دلالة لهذا الحديث على الكشف بل حتى لو لم نؤمن بانّ مقتضى القاعدة كفاية الرضا، قد يقال: إنّ نفس هذا الحديث فيه دلالة على كفاية الرضا وعدم الحاجة إلى الإجازة وذلك لما جاء في عبارة السيد الإمام (رحمه الله) من عدم إشارة في هذا الحديث إلى إنشاء الإجازة فالظاهر انّه لم يكن شيء إلّا مجرّد الرضا بأخذ المال وربحه(2).

وبالإمكان ان يقال في مقابل ذلك: إنّ ارتكازية عدم كفاية الرضا والحاجة إلى إنشاء الإجازة (ولا أقصد بذلك الإنشاء اللفظي بل تبنّى العقد والبناء عليه وهو أمر نفسيّ زائد على مجرّد الرضا بمعنى طيب النفس) توجب حمل الحديث في الفهم العرفي إلى فرض الإجازة ولو بمعنى التبنيّ الباطني.

وعلى أيّة حال فالظاهر عدم تمامية دلالة الحديث على الكشف وتوضيح ذلك هو: انّ حاصل وجه الاستدلال به على الكشف هو انّنا إذا بنينا على أنّ الإجازة يجب ان تنصبّ على مال المجيز لا على مال غيره وبنينا على أنّ الإجازات للتجارات المتبادلة في مورد حديث مسمع أبي سيار كانت متعاصرة زمنيّاً وبنينا على النقل لا الكشف لزم من مجموع هذه الاُمور ملكية المجيز لكل الأموال المتبادلة في هذه التجارات في آن واحد أي الجمع بين العوض والمعوض في الملكية في آن واحد، وهذا ليس أمراً عقلائياً فلا بد من رفع اليد عن أحد


(1) راجع كتاب البيع 2: 101.

(2) راجع كتاب البيع 2: 184.

331

الاُمور الثلاثة التي بنينا عليها ولا يصحّ رفع اليد عن الأمر الأوّل وهو ضرورة انصباب الإجازة على مال المجيز فانّ عدم تأثير صبّ الإجازة على مال الناس واضح عقلائياً ولا رفع اليد عن الأمر الثاني وهو عرضية تلك الإجازات زمنيّاً فانّ هذا هو ظاهر الحديث، اذن ينحصر الأمر في رفع اليد عن الأمر الثالث وهو النقل وبهذا يثبت الكشف.

والجواب: انّنا نمنع كون مفاد البيع والمبادلة ضيّقاً لا يتم إلّا بفرض الملكية بان يصبح فاقد المعوّض مثلاً مالكاً بالفعل للعوض بل تكفي صيرورته أولى من الناس الآخرين بالعوض ومصير هذه الأولوية هو تحقّق الملكية ما لم يمنع عن ذلك نفس هذا الشخص كما لو اشترى بماله شيئاً لابنه الصغير فهو يدخل رأساً في ملك ابنه لا في ملكه وذلك بإرادته، وليس هذا منافياً لأولويته بهذا المال بل هو عين إعمال الأولوية وقد مضى شرح ذلك لدى تعرضنا لوجوه تفسير شراء العمودين عند البحث عن الفضولي الذي يبيع لنفسه فراجع وعلى هذا نقول: إنّ هذا الشخص أجاز في مورد الحديث في آن واحد كل المبادلات ولو كانت إجازته خاصّة بالبيع الأوّل لدخل الثمن في ملكه لكن إجازته للعقد الثاني حرّف من مسير هذا الثمن وأدخله في ملك آخر ولولا إجازته للعقد الثالث لدخل عوض هذا الثمن في ملكه، ولكنّه بإجازته دخل في ملك آخر وكل هذا لا ينافي أولويته بهذه الأموال بل هذا إعمال للأولوية، وإن شئت فسمّ هذه الأولوية بالملكية التقديرية وقل: إنّ الممنوع ارتكازاً انّما هو تعاصر الملكيات الفعلية للبدائل لا الملكيات التقديرية التي تكون حصيلة مجموعها ملكية فعلية واحدة لأحد البدائل فحسب وهذه الإجازات كلها معاصرة زمناً لكن تأثير كل واحدة منها موضوع لتأثير الاُخرى ومقدّم عليه رتبة حسب ترتيب المبادلات.

 

332

6 ـ روايات المضاربة مع مخالفة العامل للشرط(1) وكذلك روايات الاتجار بمال اليتيم(2) وقد سبق منّا الإشكال في أصل دلالتها على صحّة عقد الفضولي.

وأقول هنا: لو ناقشنا في دلالتها على الفضولي بدعوى خروجها عن مورد الفضولي رأساً اذن لا يبقى مجال لدلالتها على الكشف، ولو ناقشنا فيها بدعوى احتمال خصوصية في المورد كما مضى في روايات المضاربة باعتبار كون تقسيم الربح خلاف ا لقاعدة فقلنا: اذن يحتمل الاختصاص بالمورد أو كأن يقال في روايات الاتجار بمال اليتيم باحتمال كون تصحيح المعاملة المربحة لمجرّد إرفاق خاص باليتيم، فبالإمكان القول بالتعدّي في الكشف بدعوى عدم احتمال الفرق في دائرة العقود الفضولية الصحيحة بالكشف أحياناً والنقل اُخرى.

وعلى أيّة حال فوجه الاستدلال بهذه الروايات على الكشف هو نفس وجه الاستدلال برواية مسمع أبي سيّار باعتبار تعاقب تجارات عديدة على المال ويكون الجواب نفس الجواب باعتبار انّ الربح هنا ربح تجارة لا نماء.

وهناك بعض روايات اُخرى قد يستدل بها على الكشف نغض النظر عن بحثها لوضوح عدم تمامية الاستدلال بها(3).

والمتحصل من كل ما ذكرناه انّ الكشف غير ثابت بمقتضى القواعد ولكنه ثابت تعبّداً بصحيحة محمّد بن قيس وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء السابقتين.


(1) راجع الوسائل 13: 181 ـ 183، الباب 1 من كتاب المضاربة.

(2) راجع الوسائل 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، و 12 الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، و 13، الباب 10 من كتاب المضاربة، والباب 92 من كتاب الوصايا.

(3) راجع كتاب البيع للسيد الإمام (رحمه الله) 2: 184 ـ 185.

333

الكشف الحقيقي أو الحكمي؟:

وهل المستفاد منهما في المقام الكشف الحقيقي أو الحكمي؟

ذهب السيد الخوئي(1) إلى انّ المستفاد منهما هو الكشف الحقيقي وذلك بالمعنى الوسطي الذي ذكره في المقام للكشف وهو تأخّر الاعتبار وتقدّم المعتبر وانّهما لا تحملان على الكشف الحقيقي بالمعنى الأوّل وهو تقدّم الاعتبار والمعتبر ولا على الكشف الحكمي بمعنى ترتيب آثار الكشف مع تأخّر المعتبر.

والوجه في ذلك في رأيه هو انّ حملها على الكشف الحقيقي ببعض وجوهه حملٌ على أمر مستحيل وببعض وجوهه حملٌ على خلاف ظاهر الأدلّة العامّة بلا مبرّر لذلك، لانّ تلك الأدلّة الخاصّة لم تدلّ على خصوص الكشف بذاك المعنى فلو حملت على معنى آخر من الكشف لا يخالف ظهور الأدلّة العامّة يكون ذلك عملاً بالأدلّة العامّة والخاصّة معاً وجمعاً بين كل الظواهر، وحملها على الكشف الحكمي أيضاً غير صحيح لانّه ان قصد بذلك التنزيل منزلة الكشف في بعض الآثار فهذا خلاف ما يفهمه العرف من تلك الأدلّة من ترتيب جميع الآثار، وإن قصد بذلك التنزيل منزلة الكشف في تمام الآثار اذن هذا رجوع إلى الكشف الحقيقي لانّ تنزيل شيء شرعاً منزلة شيء آخر في تمام الآثار من دون ان يرجع إلى حقيقة ذاك الشيء انّما يعقل في تنزيل شيء منزلة موضوع خارجي كتنزيل الطواف منزلة الصلاة أو تنزيل الفقّاع منزلة الخمر فحتى لو ثبتت للطواف كل أحكام الصلاة لم يصبح الطواف صلاة وحتى لو ثبتت كل أحكام الخمر للفقاع لم يصبح الفقاع خمراً، أمّا تنزيل شيء منزلة حكم شرعي في تمام الآثار من دون


(1) راجع المحاضرات 2: 348، ومصباح الفقاهة 4: 152 ـ 153.

334

فرض اعتبار نفس ذاك الحكم حقيقة فهو فضول من الكلام من قبيل ان يقال مثلاً: إنّ المطلّقة الرجعية بحكم الزوجة في تمام الآثار لكنّها ليست زوجة وما نحن فيه من هذا القبيل فانّ الكشف حكم شرعي كالزوجية فلو دلّ الدليل على ترتيب كل آثاره فهذا يعني ثبوت الكشف حقيقة اذن فتلك الأدلّة الخاصّة محمولة على الكشف حقيقة لكن بمعنى انّ الشارع يعتبر من حين الإجازة ملكية حين العقد.

أقول: إنّ هذا الكلام كما ترى مبتن على تصوّره للكشف بمعنيين أحدهما تقدّم الاعتبار والمعتبر، والثاني تأخّر الاعتبار وتقدّم المعتبر أمّا على ما عرفت من أنّ الكشف ليس له بوجهه الحقيقي إلّا معنى واحد وهو تقدّم الاعتبار والمعتبر اذن فلازم القول بالكشف الحقيقي هو القول بجواز التصرّف في ما انتقل إليه فضولة قبل الإجازة على تقدير علمه بانّه ستلحقه الإجازة ويكون هذا فارقاً في الأثر بين الكشف الحقيقي والكشف الحكمي.

وبتعبير أشمل: لازم القول بالكشف الحقيقي هو القول بانّ آثار نفوذ العقد من حينه تترتّب من حين العقد، لان العقد نفذ في حينه فكل آثاره تترتّب من حينه ولازم القول بالكشف الحكمي انّ آثار نفوذ العقد من حينه انّما تترتّب من حين الإجازة، ولازم القول بالنقل عدم ترتّب أي أثر من آثار نفوذ العقد من حينه حتى حين الإجازة، وانّما ترتّب آثار نفوذ العقد لا من حينه بل من حين الإجازة، فمثلاً النماء الحاصل قبل الإجازة يكون ملكاً لمَن انتقل إليه المال قبل الإجازة بناء على الكشف الحقيقي، ويكون ملكاً له لدى الإجازة لا قبلها بناء على الكشف الحكمي ولا يكون ملكاً له أصلاً بناء على النقل.

ومن هنا يتضح انّ الأصل العملي يقتضي النقل أوّلاً ثم الكشف الحكمي، أي انّ الكشف ولو حكما خلاف الأصل وعلى تقدير ثبوت الكشف وتردّده بين

335

الحقيقي والحكمي يكون الكشف الحقيقي خلاف الأصل، وبما انّ الكشف لم يثبت لدينا إلّا بالأدلّة الخاصّة والأدلّة الخاصّة لا ظهور لما يتم منها في ترتّب الآثار من حين العقد فمثلاً ليس لها ظهور في جواز التصرّف قبل الإجازة لمَن يعلم بلحوق الإجازة اذن فبالإمكان حملها على الكشف الحكمي من دون أن يلزم من ذلك رجوع الأمر إلى الكشف الحقيقي.

نعم على مسلكه من تصوّر الكشف بمعنى تأخّر فعلية الاعتبار وتقدّم المعتبر يتم ما ذكره من أنّه لا يبقى فرق بين الكشف وترتيب آثار الكشف، لانّ الكشف الذي يقوله يشارك النقل في عدم جواز التصرّف قبل الإجازة مع العلم بالإجازة وعدم ترتّب الآثار منذ البدء ولكن بما انّنا لا نتصوّر الكشف بهذا المعنى فمهما يفترض ترتيب آثار الكشف على النقل يبقى الفارق في عدم جواز التصرّف قبل الإجازة وعدم ترتّب الآثار من حين العقد، ولا معنى لحمل الأدلّة الخاصّة للكشف على الكشف بمعنى تقدّم المعتبر وتأخّر الاعتبار فانّ هذا كما عرفت أمر غير معقول، وانّما يدور أمرها بين الحمل على الكشف الحقيقي بمعنى تقدّم الاعتبار والمعتبر معاً، والكشف الحكمي وبما انّ صحيحة محمّد بن قيس وصحيحة الحذاء لا دلالة فيهما على جواز التصرّف قبل الإجازة لمَن يعلم بلحوق الإجازة اذن يبقى هذا الجواز منفيّاً بأصالة العدم وهذا يعني تعين الكشف الحكمي في المقام.

نعم عزل الإرث في صحيحة الحذاء قبل بلوغها وإجازتها يعني ترتيب الاحتياط بشأن أثر الإرث من حين العقد لإجل احتمال لحوق الإجازة إلّا انّ هذا ليس بنحو ينتزع منه العرف تقدّم المعتبر وهو الزوجية حقيقة وثبوته حين العقد.

ولعل بعض أدلّة الكشف غير التامّة لو تمّ كان بالإمكان استفادة الكشف

336

الحقيقي منه، من قبيل ما دلّ على فصل الزوجة عن الزوج الصغير الذي طلّقها لاحتمال تعقّب الإجازة بعد البلوغ فقد يقال إنّ هذا إن دلّ على نفوذ عقد الفضولي يدلّ على الكشف الحقيقي إذ لولا الكشف الحقيقي فالعلم بانّه سيجيز لم يكن سبباً للفصل قبل الإجازة فضلاً عن الاحتمال.

وإن كان قد يقال في هذا الحديث أيضاً بعدم دلالته على ثبوت كل الآثار قبل تعقّب الإجازة فقد لا يتعدّى مثلاً من وجوب الفصل إلى جواز الزواج بشخص آخر لدى العلم بانّ الزوج الأوّل سيجيز الطلاق بعد البلوغ.

ثمرات القول بالكشف والنقل:

بقي تفصيل الكلام في ثمرات الكشف والنقل فنقول وبالله التوفيق:

إنّنا نعقد في هذا البحث المقارنة في النتائج بين وجوه ثلاثة من الوجوه المتصوّرة لصحّة عقد الفضولي:

الأوّل ـ القول بالكشف الحقيقي بمعنى تقدّم الاعتبار والمعتبر أي انّ الإجازة المتأخّرة تكشف عن أنّ الشريعة اعتبرت منذ البدأ حصول الملك أو النقل والانتقال من حين العقد.

والثاني ـ القول بالكشف الحكمي بمعنى تأخّر المعتبر مع ترتيب آثار الملك السابق من حين الإجازة أي انّ الشريعة تعتبر حصول الملك والنقل والانتقال لدى الإجازة وتعتبر آثار الملك السابق بمعنى انّه تثبت من ثمرات الملكية السابقة القطعة المقارنة للإجازة فالنماء السابق على الإجازة اللاحقة للعقد مثلاً يعتبر لمَن انتقل إليه الأصل لكن من حين الإجازة لا من حين العقد، أمّا لو فرض ثبوت آثار الملكية السابقة بوجودها الممتد في الزمان الماضي إلى حين العقد فقد رجعنا إلى الكشف الحقيقي.

337

وبكلمة اُخرى انّنا لا نجعل الفارق بين الكشف الحقيقي والكشف الحكمي كون الأوّل عبارة عن تقدّم الاعتبار والمعتبر معاً (ونقصد بالمعتبر الملك) وثبوتهما حال العقد، والثاني عبارة عن تقدّم المعتبر وتأخّر الاعتبار لحين الإجازة كما هو المعنى الصحيح للكشف في نظر السيّد الخوئي وذلك لما مضى منّا من عدم معنى معقول لفرض تقدّم المعتبر وتأخّر الاعتبار ولا نجعل الفارق بينهما كون الأوّل عبارة عن تقدّم المعتبر والثاني عبارة عن تأخّر المعتبر مع ترتيب جميع آثار فرض تقدّم المعتبر وذلك لما مضى من أنّ الحكم بترتيب جميع آثار الملك مساوق للحكم بالملك فيعود مرّة اُخرى إلى تقدّم المعتبر، وانّما نجعل الفارق بينهما كون الأوّل عبارة عن تقدّم الاعتبار والمعتبر معاً، والثاني عبارة عن تأخّر المعتبر لحين الإجازة مع الحكم بالقطعة المتأخّرة من آثار الملك المتقدّمة أي انّ آثار الملك المتقدّم على الإجازة تثبت منها القطعة المقارنة للإجازة في حين انّه على الكشف الحقيقي كانت تثبت كل قطعات تلك الآثار حتى المقارنة منها للعقد وعلى النقل لم تكن تثبت شيء من تلك القطعات كما سنقول الآن.

والثالث ـ القول بالنقل أي القول بحصول الملك والنقل والانتقال من حين الإجازة وعدم ترتّب أي أثر من الآثار عدا آثار الملك أو النقل المتأخّر فلا يترتّب شيء من آثار الملك أو النقل السابق حتى بقطعتها الوجودية المقارنة للإجازة فالنماء السابق على الإجازة مثلاً ليس ملكاً لمن انتقل إليه الأصل حتى بعد حصول الإجازة.

ونحذف ـ في مقارنتنا هذه بين الكشف والنقل ـ من البحث الكشف الذي قال به السيد الخوئي بمعنى تأخّر الاعتبار وتقدّم المعتبر لما قلناه من عـدم معقولية ذلك.

338

كما نحذف أيضاً من البحث في عقد المقارنة بين الكشف والنقل ما عبّر عنهفي بعض الكلمات بالكشف الإنقلابي(1) وهو يعني: انّ الملك أو النقل لم يكن حاصلاً حين العقد إلى زمان حصول الإجازة ولكن حينما حصلت الإجازة انقلب الواقع عمّا هو عليه فتحقّق ملك حين العقد، فهذا الوجه بما انّه لا يرجع إلى محصّل معقول آثرنا أيضاً حذفه من بحث المقارنة بين الكشف والنقل كي لا يحصل مزيد من توغّل البحث في عالم الأوهام والخيالات، وكذلك نستثني بعض الوجوه الاُخرى من الكشف غير المعقول عندنا كالقول بانّ الإجازة تكشف عن وجود الرضا التقديري منذ البدء أو القول بأمارية الإجازة على تأثير العقد منذ البدء.

وبعد: فانّ حديثنا عن ثمرات الكشف الحقيقي والحكمي والنقل يتم ضمن البحث عن عدّة فروع:

الفرع الأوّل ـ انّ من انتقل ماله بعقد فضولي بلا اذنه إلى غيره ثم تصرّف هو في ذلك المال تصرّفاً قانونياً مخرجاً عن ملكه كما لو باعه من شخص آخر أو اعتقه إن كان عبداً ثم أجاز النقل الفضولي فهل تقدّم الإجازة على ذاك التصرّف القانوني ويلغو ذاك النقل، أو العتق المتوسّط بين العقد الفضولي والإجازة، أو يقدّم ذاك التصرّف القانوني على هذه الإجازة فتلغو الإجازة، أو يجمع بينهما وتفترض صحّة ذاك التصرّف القانوني من ناحية ونفوذ الإجازة من ناحية اُخرى ويضمن المجيز بدل المال لمَن انتقل إليه بالعقد الفضولي لانّه في الحقيقة قد أتلف ماله أو حال بينه وبين مالكه وذلك بالعتق أو البيع سنخ ما قد يقال في من اعتق عبداً كان قد اشتراه ببيع خياري أو نقله إلى غيره في زمان خيار البائع نقلاً لازماً ثم فسخ البائع البيع من أنّ عليه دفع بدل المبيع الذي اتلفه أو حال بينه وبين الفاسخ؟


(1) راجع تعليق الشيخ الاصفهاني على المكاسب 1: 150.

339

والجواب: أنّ هذه المسألة واضحة كل الوضوح بناءً على النقل وهو ان ذاك التصرّف القانوني يتقدّم على الإجازة بلا إشكال ويرفع موضوع الإجازة لانّ الإجازة انّما تؤثّر بلحاظ حينها والمال قد خرج من ملك المجيز من قبل، فالإجازة لو أثرت فانّما تؤثّر في نقل مال الغير أو في نقل عبد معتق ولا مبرّر لذلك كما هو واضح.

وبكلمة اُخرى انّ اختيار العقد إجازة وردّا خرج من يد المالك الأوّل لهذا المال بتبع خروج المال من ملكه إذ لم يثبت لأحد اختيار عقد متعلّق بمال غيره أو بإنسان حرّ.

وبهذا البيان يتضح الحال بناء على الكشف الحكمي أيضاً وذلك لما عرفت من أنّ الكشف الحكمي وإن كان يثبت آثار الملك السابق ولكنّه انّما يثبتها من حين الإجازة وقد حصلت الإجازة في وقت انتفى موضوعها لانّها جاءت بعد خروج المال من ملك مالكه وخروج العقد المتعلّق به من اختيار ذاك المالك بتبع خروج العين من ملكه.

وانّما الإشكال يقع بناء على الكشف الحقيقي حيث يتردّد الأمر في أوّل وهلة بين كلامين متعاكسين.

الأوّل ـ أن يقال: إنّ التصرّف القانوني الذي سبق الإجازة رفع موضوع الإجازة لانّه حينما لم تكن الإجازة متحقّقة كان من حق المالك الذي بيع ماله فضولة ان يبيع ماله من شخص آخر أو يعتق عبده وقد أعمل حقّه وباع أو اعتق فلا موجب لعدم تأثير تصرّفه القانوني فانّه صدر من أهله ووقع في محله وبهذا ارتفع موضوع الإجازة لانّها لو أثّرت لأثّرت في نقل مال الغير أو نقل الإنسان الحرّ فالكلام هنا عين الكلام في فرض النقل أو الكشف الحكمي.

 

340

والثاني ـ ان يقال: إنّ الإجازة رفعت موضوع التصرّف القانوني الذي توسّط بين العقد الفضولي والإجازة لانّ هذه الإجازة تصحّح العقد الفضولي السابق على ذاك التصرّف القانوني وبهذا ينتفي موضوع ذاك التصرّف لانّه يصبح بذلك تصرّفاً وارداً على مال الغير.

وخير ما يمكن أن يقال للخروج من مأزق هذا التعاكس: انّ الصحيح هو إلغاء الإجازة وتنفيذ التصرّف القانوني وذلك لوجهين:

الأوّل ـ ان يقال: إنّ موضوع النفوذ الفعلي للتصرّف القانوني لدى الارتكاز العقلائي ليس هو خصوص مالكية المتصرّف الفعلية لهذا المال كي يقال: إنّ الإجازة اللاحقة كشفت عن انتفاء هذه الملكية وبالتالي كشفت عن انتفاء موضوع نفوذ ذاك التصرّف القانوني، وانّما موضوع النفوذ الفعلي لذاك التصرّف هو الحقّ العيني الثابت بين الشخص وهذه العين سواء كان ذاك الحقّ عبارة عن الملك مثلاً أو عن أي درجة اُخرى من درجات الحقّ ممّا لا يوجد دليل على حجره بهذا الشخص وعدم قابليته للانتقال ولذا لو كانت تحت يده أرض أحياها وقلنا ان الإحياء يولّد حق الاختصاص لا الملك أو كانت تحت يده أرض خراجية وقلنا إنّ الأرض الخراجية لا يملكه الفرد المسلم بل تبقى على الملكية العامّة للمسلمين أو على ملكية الإمام وتوضع تحت اختيار مسلم ما فهذا المسلم حينما يبيع تلك الأرض فهذا البيع يجعل المشتري مكان البائع أي انّ نفس الحقّ الذي كان للبائع ينتقل إلى المشتري ويصبح المشتري بمنزلة البائع، وكذلك الحال في ما نحن فيه فلئن كانت ملكية هذا الشخص لماله الذي بيع فضولة مشكوكة لاحتمال حصول الإجازة الكاشفة عن عدمها فهناك شيء لا شك فيه وهو ان حقّ تقرير مصير هذا المال أو قل حق ثبوت هذه الملكية وعدمه يكون بيده فبإمكانه إبقاء الملكية

341

لنفسه ولو بان لا يجيز إلى الأبد بيع الفضولي، وبإمكانه أن يجيز فينكشف عدم ملكيته والإجازة المتأخّرة يستحيل أن تكشف عن عدم ثبوت هذا الحق بيده لانّ نفس الإجازة تكون بيده إن شاء أجاز وإن شاء لم يجز فإذا باع هذا المال من زيد فقد نقل نفس هذا الحق إلى زيد فلزيد حقّ إجازة البيع السابق وحقّ عدم إجازته، وإن اجازه كشفت الإجازة عن نفوذ البيع السابق من حين البيع الجديد إذ لا يمكن كشفها عن أكثر من ذلك لانّ المال كان قبل ذلك اجنبياً عنه، وأمّا نفس هذا البائع الذي بيع قبل ذلك ماله فضولة فقد فاتته الإجازة لانّ حق إ جازة العقد المرتبط بهذا المال الذي هو في روحه حقّ مرتبط بهذا المال قد نقله إلى المشتري وهذا معنى انّ البيع الثاني قد فوّت محلّ الإجازة، نعم للمشتري الجديد أن يجيز البيع القديم كما انّه على النقل أيضاً له ذلك فهذا لا علاقة له بالكشف فهذه الثمرة بين الكشف والنقل منتفية.

الثاني ـ ان يقال: إنّنا لو كنّا نقول بان أدلّة نفوذ الإجازة تقتضي الكشف بمقتضى القواعد فلنفترض صحّة القول بانّ الإجازة كشفت عن انتفاء موضوع التصرّف القانوني لانّها كشفت عن انتقال المال قبل ذلك إلى شخص آخر ولكنّنا وضّحنا في ما سبق: انّ أدلّة نفوذ الإجازة بشكل عام لا تقتضي أكثر من النقل والنقل لا يشمل المقام لورود تصرّف قانوني على المال قبل هذا النقل فأدلّة نفوذ الإجازة بشكل عام لا تدلّ على نفوذها في المقام فلا يبقى في المقام إلّا صحيحتا محمّد بن قيس وأبي عبيدة الحذّاء وهما كما ترى ليستا واردتين بصياغة تشتمل على إطلاق لفظي نتمسّك به في فرض تقدّم تصرّف قانوني على الإجازة ولا قطع للعرف بعدم الفرق بين هذا الفرض وفرض عدمه كي يتعدّى من مورد النص فأصالة عدم تأثير الإجازة محكّمة في المقام.

342

وعلى أي حال فقد اتضح بما ذكرنا عدم إمكان قياس ما نحن فيه بباب الفسخ بالخيار بعد انتقال العين بناقل جديد حيث يقال فيه بالرجوع إلى البدل جمعاً بين دليل نفوذ الفسخ ودليل نفوذ النقل الجديد أو بإبطال النقل الجديد بناء على أن يستفاد من دليل الخيار عدم جواز التصرّف الناقل في أثناء الخيار، فانّ منشأ ذلك كلّه هو فرض إطلاق دليل الخيار لفرض خروج العين عن الملك ولو بالتلف مثلاً، أمّا دليل نفوذ الإجازة فلا يشمل ما بعد النقل في المقام وذلك لأحد البيانين الماضيين.

وقد تحصل من كل ما ذكرناه في هذا الفرع انّه لا توجد هنا ثمرة بين الكشف والنقل.

ولكن السيد الخوئي فصّل في المقام بين مسألة التزويج ومثل مسألة البيع أو العتق(1) وحاصل مرامه في المقام هو: انّها لو عقد عليها أحد فضولة لشخص فزوّجت نفسها من شخص آخر ثم أجازت العقد الأوّل فالعقد الذي صدر منها صحيح لانّه صدر من أهله ووقع في محلّه وبه ينتفي موضوع الإجازة لانّ الإجازة تهدف تصحيح العقد الأوّل ولا يمكن الجمع بين العقدين في الصحّة، إذ لا يمكن أن تكون زوجاً لرجلين فإذا تمّ ذاك العقد لم يبق مجال للإجازة المصحّحة للعقد الأوّل لانّ نتيجة هذه الإجازة تزويج المتزوّجة.

أمّا لو بيع عبده فضولة ثم هو باعه من شخص آخر أو اعتقه فهنا أيضاً نقول بصحّة بيعه أو عتقه لانّه صدر من أهله ووقع في محله ولكن هذا لا يوجب بطلان الإجازة وفقدان موضوعها، لانّ الإجازة وإن كانت تهدف تصحيح البيع الأوّل


(1) راجع المحاضرات 2: 353 ـ 354، ومصباح الفقاهة 4: 158 ـ 164.

343

لكن صحّة البيع الثاني أو العتق لا تنافي صحّة البيع الأوّل أيضاً وليس حال العقدين هنا حال التزويجين فانّه لم يكن بالإمكان الجمع بين التزويجين، ولكن هنا يمكن الجمع بين البيعين أو بين البيع والعتق فيصحّ كلا العقدين غاية ما هناك انّه إن كان العقد الثاني بيعاً وصحّ كلا البيعين فالبيع الثاني وقع على مال الغير ويكون فضولياً ويتوقّف نفوذه على إجازة المشتري الأوّل، وإن كان عتقاً فصحّة العتق تعني تلف مال المشتري فيكون المعتق ضامناً لبدله للمشتري اذن فالنتيجة هنا التفصيل بين باب التزويج ومثل باب البيع والعتق والعقد ببطلان الإجازة في الأوّل وصحّتها في الثاني.

أمّا ما ذكره المحقّق النائيني (رحمه الله)(1) من بطلان الإجازة لانّها تعلّقت بمال الغير أو بالإنسان الحرّ حيث قد فرضنا صحّة العقد الثاني ونفوذ الإجازة مشروط بمملوكية العين للمجيز فجواب السيد الخوئي على ذلك هو انّ الإجازة تتعلّق بالعقد لا بالعين فلا يشترط في نفوذها امتلاك المجيز للعين (بل لو بنينا على الكشف بمعنى تقدّم الاعتبار والمعتبر كانت الإجازة كاشفة عن عدم امتلاك المجيز للعين) وانّما يشترط في نفوذها امتلاك المجيز للعقد ويكفي في امتلاكه للعقد كون العقد واقعاً في حينه على ملكه وهذا ثابت في المقام هذا حاصل مرام السيد الخوئي في هذه المسألة.

نعم انّما يقبل بهذا التفصيل ـ عملاً ـ بين باب التزويج وباب البيع والعتق بناء على فرض الكشف مطابقاً لمقتضى القواعد كما هو مختاره في الكشف الذي آمن به بمعنى تقدّم المعتبر وتأخّر الاعتبار، أمّا لو فرض الكشف على خلاف القواعد


(1) راجع منية الطالب 1: 242، وكتاب المكاسب والبيع للشيخ الآملي: 92 ـ 93.

344

كما هو الحال في رأيه في الكشف بمعنى تقدّم الاعتبار والمعتبر فبحسب النتيجة العملية لا يبقى فرق بين باب التزويج وباب البيع والعتق، وذلك لانّه وان اختلف باب البيع والعتق عن باب التزويج في أنّ الجمع بين العقدين في باب التزويج غير ممكن وفي باب البيع أو العتق ممكن لكن هذا الفرق يبقى نظريّاً بحتاً ولا ينتهي إلى نتيجة عملية لانّ الكشف على خلاف القاعدة فلا بد من الاقتصار فيه على القدر المتيقن وهو فرض الإجازة التي لم يسبقها عقد مخرج عن الملك لانّ الدليل التعبّدي لنفوذ الإجازة كشفا لا إطلاق له لهذا الفرض.

أقول: إنّ هذا الكلام يعني انّ السيد الخوئي فرغ عن صحّة العقد أو الإيقاع الذي صدر منه قبل إجازة العقد الأوّل وألقى بثقل الحديث على مدى نفوذ الإجازة في حين انّه قد يخطر بالبال انّه لماذا لا نفترض انّ الإجازة بناء على الكشف تكشف عن صحّة العقد الأوّل وانّ صحّة العقد الأوّل لا تدع مجالاً لنفوذ العقد الثاني أو الإيقاع لانّ المال خرج عن ملكه وهذا يجب أن يكون جوابه أحد أمرين:

الأوّل ـ انّه إن كان الكشف عبارة عن تأخّر الاعتبار وتقدّم المعتبر ـ كما هو مختار السيد الخوئي ـ اذن فحين العقد الثاني أو الإيقاع كان مالكاً بالفعل للمال لفرض تأخّر الاعتبار فما صدر منه من عقد أو إيقاع صدر من أهله ووقع في محله، وإن كان الكشف عبارة عن تقدّم الاعتبار والمعتبر معاً فهذا على رأي السيد الخوئي خلاف القاعدة فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهي الإجازة التي لم يسبقها ما يكون مخرجاً عن الملك.

والثاني ـ ما اخترناه نحن في ما مضى من أنّ موضوع نفوذ التصرّف القانوني ليست هي الملكية الفعلية للمال بل لكل ما يجعل حقّ تقرير مصير المال

345

بيده بمستوى من المستويات ويستحيل كشف الإجازة عن عدم ذلك لانّ نفس الإجازة أمرها بيده.

وبعدَ هذا كلِّه تبقى نقطتا ضعف في كلمات السيد الخوئي:

الاُولى ـ تفصيله بين البيع والعتق فبعد فرضه لنفوذ الإجازة على القاعدة وفرض عدم مانعية ذلك عن صحّة التصرّف القانوني الثاني فصّل بين ما إذا كان التصرّف القانوني الثاني بيعاً فيصحّ ولكنّه يبقى فضولياً يتوقّف على إجازة المشتري الأوّل أو عتقاً فيصح ويكون المعتق ضامناً لبدل التالف للمشتري الأوّل، ولعلّ السرّ في هذا التفصيل اعتقاده انّ العتق لا يقبل التوقّف على الإجازة فهو إمّا ينفذ أو لا ينفذ فمقتضى الجمع بينه وبين البيع الذي سبقه في التصحيح هو ضمان بدل العبد للمشتري، في حين انّ البيع يقبل الوقوف على الإجازة فلا داعي للانتقال إلى البدل بل يجمع بين البيعين في التصحيح ويكون مقتضى صحّتهما انّ العين أصبحت ملكاً للمشتري الأوّل وانّ البيع الثاني موقوف على إجازة المشتري الأوّل.

وهذا الكلام كما ترى ليس في محله فانّ معنى التفصيل بين البيع والعتق بتوقّف البيع على الإجازة ونفوذ العتق والانتقال إلى البدل هو انّ البيع الأوّل افنى موضوع نفوذ البيع ولم يفن موضوع نفوذ العتق، فانّ معنى فناء موضوع نفوذ أي منهما هو انّ العين حيث خرجت بحكم الكشف عن ملك المالك الأوّل لم يبق مجال لتأثير التصرّف القانوني الثاني لانّه تصرّف في مال الناس، أمّا انّ البيع يمكن نفوذه بإجازة مالك المال الجديد فهذا مطلب آخر لا كلام فيه ولا مبرّر لافتراض انّ الكشف عن صحّة البيع الأوّل دلّ على انتفاء موضوع البيع ولم يدلّ على انتفاء موضوع العتق فانّ ما ينكشف بهذا الكشف امّا ان يسقط العين عن

346

إمكانية التصرّف القانوني فيه فيبطل العتق والبيع معاً ويبقى البيع قابلاً للتصحيح بإجازة المالك الجديد في حين انّ العتق لا يمكن تصحيحه بناء على عدم قبوله لحكم الفضولي أو لا يسقطها عن إمكانية التصرّف القانوني فيه فيصحّ العتق والبيع معاً وفي كليهما يصبح المالك الأوّل ضامناً للمالك الثاني.

الثانية ـ انّ ما أورده على المحقّق النائيني (رحمه الله) من أنّ الإجازة تعلّقت بالعقد لا بالعين فلا يشترط في نفوذها مالكية العين ولذا نرى انّ نفوذها بنحو الكشف بمعنى تقدّم الاعتبار والمعتبر يكشف عن عدم مالكيته للعين ولا يمنع ذلك لدى القائلين بهذا المعنى من الكشف عن القول بصحّة الإجازة وانّما يشترط في نفوذها مالكيته للعقد وهو مالك له لانّه عقد وقع على ملكه.

أقول: إنّ هذا الكلام يردّ عليه انّ مالكية الإنسان للعقد الواقع على ملكه انّما هي بنكتة مالكيته لتقرير مصير المال امّا إذا خرج المال عن ملكه واختياره وانتفت نكتة ثبوت حق التصرّف له في المال فمجرّد انّه لدى وقوع العقد كانت العين ملكاً للعاقد لا دليل على كفايته في ثبوت حق الإجازة له.

وأمّا نقضه بمسألة الإجازة على الكشف بمعنى تقدّم الاعتبار والمعتبر حيث انّه لا معنى لافتراض مالكية المجيز للعين حين الإجازة لانّ ذلك خلف الكشف بهذا المعنى ورغم عدم مالكيته للعين تنفذ الإجازة فهذا ما قد ورد في المحاضرات(1) ولم يرد في المصباح وكأنّه تفطّن لبطلان هذا النقض في ما بعد ولذا حينما أعاد شرح المطلب مرة اُخرى ترك هذا النقض وذكر عبارة توحي(2)


(1) المحاضرات 2: 352.

(2) المحاضرات: 354.

347

إلى نكتة بطلانه حيث جاءت في تعبيره كلمة «فيما إذا لم يكن المجيز مالكاً للعين لولا الإجازة» وتلك النكتة هي انّنا لو قلنا بشرط الملك مع قولنا بكاشفية الإجازة فالمقصود بذلك هو الملكية اللولائية أي لولا الإجازة لا الملكية الفعلية.

الفرع الثاني ـ لو تصرّف من انتقل عنه المال فضولة في ما انتقل عنه تصرّفاً انتفاعياً ثم أجاز فإمّا أن يكون هذا التصرّف عبارة عن مجرّد الانتفاع من دون إتلاف العين كالاستخدام والوطىء، وإمّا أن يكون عبارة عن الإتلاف كأكل الخبز مثلاً.

أمّا التصرّف الانتفاعي غير المتلف للعين فعلى النقل يكون تصرّفاً في ملكه ولا إشكال فيه وكذا على الكشف الحكمي لانّ آثار العقد السابق انّما تجري بقطعتها الوجودية المعاصرة للإجازة لا القطعة السابقة على الإجازة، وعلى الكشف الحقيقي يكون هذا تصرّفاً في مال الناس حراماً واقعاً ولو علم بانّه سيجيز تنجزت عليه الحرمة.

وبما ذكرناه ظهر حكم النكاح والاستيلاد فلو وطىء الأمَة عالماً بأنّه سيجيز كان على الكشف الحقيقي زنا ولم تصبح اُم ولد بخلاف النقل والكشف الحكمي ومع الجهل يكون معذوراً ولم تصبح اُم ولد بخلاف النقل والكشف الحكمي.

وأمّا التصرّف المتلف للمال فبناء على النقل يكون رافعاً لموضوع الإجازة كما هو واضح، وكذلك بناء على الكشف الحكمي لانّ الكشف الحكمي يثبت الآثار السابقة من حين الإجازة والمفروض انّ المال انعدم قبل ذلك، وأمّا بناء على الكشف الحقيقي فقد يقال: إنّ الإجازة مؤثِّرة وأنّ التلف أوجب ضمان المال وهذا الكلام صحيح إلّا إذا فرض انّ العرف يحتمل كون تلف العين أو إتلافها فارقاً