478

وجوب أداء قيمة يوم الغصب، وهذا يدلّ على كون البغل قيميّاً؛ إذ لو كان مثليّاً لكان المترقّب أن يكون عليه قيمة يوم الأداء لا قيمة يوم الغصب.

إلّا أنّ هناك نكتتين تثيران الانتباه في هذه الرواية:

الاُولى ـ أنّ المترقّب على تقدير قيميّة البغل أن تكون العبرة بقيمة يوم التلف ; لأنّه يوم الانتقال إلى القيمة، فياترى لماذا فرض في الحديث أنّ العبرة بقيمة يوم الغصب؟!

والثانية ـ لماذا جعلت العبرة في الحديث في قيمة التالف بقيمة يوم الغصب وفي الارش بقيمة يوم الأداء حيث قال: عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه؟! فأيّ فرق بين فرض التلف وفرض العيب؟! وجعل يوم الردّ قيداًلخصوص العيب مع فرض كون العبرة بقيمة يوم الغصب، أي: قيمة العيب الثابت في يوم الردّ بلحاظ سوق يوم الغصب، بعيد.

وبالإمكان أن يقال: إنّ اختلاف قيمة البغل خلال خمسة عشر يوماً ـ وهي المدّة المفروضة في الحديث حيث قال: (وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً) ـ على أساس التضخّم أو على أساس قوانين العرض والطلب بعيد ; لأنّ التضخّم في ذاك الزمان وبحسب الوضع الاقتصادي المبسّط وقتئذ لا يحتمل عادة في هذا الوقت القصير، كما أنّ اختلاف العرض والطلب في هذه المدّة القصيرة أيضاً بعيد ; لأنّ البغل ليس كالفاكهة مثلاً يفترض أنّه بعد خمسة عشر يوماً راج على الأشجار فكثر استيراده في الأسواق أو انتهى وقته فقلّ وجوده فيها، وإنّما الشيء المترقّب هو اختلاف قيمة البغل باختلاف أوصافه سمناً وهزالاً وصحّةً وسقماً وكسلاً ونشاطاً، فالمقصود بقيمة البغل يوم المخالفة قيمة البغل في أوصافه التي ثبتت في يوم المخالفة.

 

479

وإطلاق الحديث لفرض اختلاف القيمة السوقيّة باعتبار التضخّم أو تبدّل وضع العرض والطلب غير ثابت لا لمجرّد كون هذا فرضاً نادراً حتّى يقال: إنّ الندرة لا توجب الانصراف إلّا الانصراف البدوي، بل لما مضى منّا من دعوى ارتكازيّة ضمان المثل مطلقاً ونستفيد من الندرة مساعدتها على سهولة الانصراف، أي: أنّ هذا الارتكاز إن صعب فرضه موجباً للانصراف عن حالة شائعة فلا صعوبة في فرضه موجباً للانصراف عن حالة نادرة.

وإذا فسّرت الرواية بهذا التفسير كان الفرق العقلائي بين فرض التلف ومسألة الأرش واضحاً، فقد جعلت العبرة في ضمان التالف بلحاظ حالات البغل سمناً وهزالاً وصحّةً ومرضاً بيوم المخالفة باعتباره يوم الغصب، وجعلت العبرة في الأرش بمدى سعة وضيق الجرح أو الكسر يوم الردّ؛ لأنّه لو توسّع الجرح أو الكسر يوم الردّ كان مضموناً، ولو تضيّق فقد خرج من ضمان ذاك المقدار من الصحّة بالتسليم، وكذا أصبحت النكتة العقلائيّة لجعل الضمان مرتبطاً بما في يوم المخالفة دون يوم التلف واضحة؛ لأنّه إن تدهور وضع الحيوان من بعد يوم المخالفة كان التدهور مضموناً على الغاصب، وإن تحسّن وضعه ثمّ تراجع مرّة اُخرى، فهذا التحسّن كان تحت رعايته فمن المعقول أن لا يكون مضموناً عليه.

ولنا تقريب آخر لإبطال دلالة هذه الرواية على المقصود، وهو أنّ من المحتمل صحّة النسخة التي لم يدخل فيها اللاّم على البغل ولعلّها هي النسخة المشهورة، فيكون النصّ هكذا: «نعم قيمة بغل يوم خالفته» لا «قيمة البغل يوم خالفته»، وعلى هذا التقدير من المحتمل كون كلمة البغل غير منوّنة بأن تكون مضافة إلى يوم المخالفة، وعلى هذا التقدير من المحتمل أن تكون القيمة مضافة إلى بغل يوم المخالفة لا مضافة إلى البغل مع كون مجموع المضاف والمضاف إليه

480

مضافاً إلى يوم المخالفة، والفرق بينهما واضح كما يقال في «هذا بيض دجاج زيد»: إنّنا تارة نفترض أنّ البيض مضاف إلى الدجاج والدجاج مضاف إلى زيد، وهذا يعني أنّ زيداً له دجاج، ودجاجه قد بيّضت. واُخرى نفترض أنّ بيض الدجاج مضاف إلى زيد، وهذا لا يستلزم كون زيداً مالكاً للدجاج، بل قد يكون مالكاً لبيض الدجاج وقد اشترى البيض من السوق مثلاً فأصبح مالكاً للبيض من دون امتلاكه للدجاج، وكذلك الحال في المقام فقد نفترض أنّ قيمة البغل مضافة إلى يوم المخالفة، وهذا يشمل بالإطلاق مثلاً فرض اختلاف القيمة على أساس التضخّم أو على أساس قانون العرض والطلب، وقد نفترض أنّ القيمة مضافة إلى بغل يوم المخالفة، فالاختلاف ابتداء بين يوم المخالفة ويوم آخر إنّما هو في البغل واختلاف القيمة يكون بتبع اختلاف البغل، فلا إطلاق له لفرض اختلاف القيمة على أساس التضخّم أو قانون العرض والطلب، وإنّما النظر يكون إلى اختلاف القيمة بلحاظ اختلاف أوصاف نفس البغل ومع وجود هذا الاحتمال لا يتمّ الإطلاق.

وقد تقول: إنّ الاحتمال الآخر أيضاً ثابت، وذلك بأن يكون البغل مع اللاّم أو منوّناً أو تكون قيمة البغل مضافة إلى يوم المخالفة فيتمّ الإطلاق، فيكون ردعاً عن الارتكاز، وهذا وإن لم يزد على مستوى الاحتمال ولكن احتمال الردع كاف في عدم ثبوت الإمضاء، كما أنّ احتمال الردع في ما مضى من روايات عتق الشريك لحصّته من العبد وارد خصوصاً في الرواية الثالثة التي دلّت على نسخة الكافي على ضمان المعتق لقيمة يوم العتق، وسند الكافي وإن كان ضعيفاً لكنّه يكفي لاحتمال الردع المانع عن القطع بالإمضاء.

ولكنّنا نقول: إنّ هذا المقدار لو كان كافياً للردع عن مثل هذا الارتكاز فإنّنا لسنا بحاجة في المقام لإثبات ضمان المثل دائماً أو قل ضمان قيمة يوم الأداء إلى

481

التمسّك بثبوت الإمضاء والقطع بعدم الردع، لما مضى من أنّ هذا الأمر الارتكازي يكفي في إسباغ الشرعية عليه تثبيته بقاعدة لا ضرر أو الإلتفات إلى أنّ هذا الارتكاز يخلق للأدلّة اللفظية للضمان ظهوراً في ضمان المثل أو قل: في ضمان قيمة يوم الأداء، وتلك الأدلّة اللفظية لو لم يكن لها إطلاق لكل موارد الضمان كما لو فرض عدم ثبوت إطلاقها لبعض أقسام اليد والتلف مثلاً كفانا عدم احتمال الفرق في انقسام الأمتعة إلى المثلي والقيمي وعدم انقسامها باختلاف موارد الضمان.

ومنها ـ رواية أبي الورد ـ قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل عبداً خطأً قال: عليه قيمته ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم، قلت: ومن يقوّمه وهو ميت؟ قال: إن كان لمولاه شهود أن قيمته كانت يوم قتل كذا وكذا اُخذ بها قاتله، وإن لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه يشهد بالله ما له قيمة أكثر ممّا قوّمته فإن أبى أن يحلف وردّ اليمين على المولى فإن حلف المولى أعطى ما حلف عليه ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف...»(1).

وسند الحديث ضعيف بأبي الورد.

وأما من حيث الدلالة فاحتمال الخصوصية في العبد وارد فإن المبلغ الذي يعطيه ليس من باب ضمان التالف بحتاً حتى تحمل عليه موارد ضمان التالف المشابهة بل هو مطعّم بعنوان الديّة ولذا قال: «ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف» أي لا يجاوز دية الحر كما ورد هذا المضمون في بعض روايات اُخرى(2) بل وردت


(1) الوسائل 29: 208 ـ 209، الباب 7 من أبواب ديات النفس، ط. آل البيت (عليهم السلام).

(2) راجع الوسائل 29: 207 ـ 208، الباب 6 من أبواب ديات النفس، ط. آل البيت (عليهم السلام).

482

في بعضها تسمية قيمة العبد التي تعطى لدى قتله بالدية(1)، والديّة عبارة عن مبلغ من المال تثبت في الذمّة بمجرد القتل، وديّة العبد عبارة عن قيمته فإن كانت القيمة التي تأتي في الذمّة ابتداءً في دية العبد عبارة عن ثمنه يوم قتله لم يدلّ ذلك على أن ضمان التالف القيمي يكون على العموم بالقيمة في الذمّة يوم التلف لا المثل.

هذا تمام الكلام في أصل المثلية والقيمية وقد اتضح انّ المختار دائماً هو ضمان المثل أو قل: إنّ المختار هو ضمان المثل لدى وجوده وقيمة يوم الأداء لدى عدم وجود المثل.

وبعد ذلك نشير إلى عدّة تنبيهات:

تنبيهات حول المثل والقيمة:

الأوّل ـ انّ الأوصاف غير الدخيلة في الرغبات العامّة لو كانت دخيلة في الرغبة الشخصية للمالك فظاهر إطلاق عبارة السيد الخوئي عدم ضمانها(2) ولكن الظاهر ضمانها لدى إمكان الإرجاع، فان الارتكاز العقلائي يدلّ على ذلك في غير مثل القرض الذي تعارف فيه عدم الاهتمام بتلك الأوصاف فأصبح إسقاطها كالشرط في ضمن العقد نعم مع عدم إمكان الإرجاع لا يضمن قيمة بسبب ذلك لانّها ليست دخيلة في تقييم المال.

الثاني ـ لو وجد المشابه ولم يوجد المثل فهل ينتقل في مقام الأداء إلى المشابه أو إلى القيمة؟

وهذا السؤال ينشقّ إلى سؤالين:


(1) راجع الوسائل 29: 207 ـ 208، الباب 6 من أبواب ديات النفس، ط. آل البيت (عليهم السلام).

(2) راجع المحاضرات 2: 186 ـ 187.

483

1 ـ لو طلب المالك القيمة فهل للضامن ان يفرض على المالك القبول بالمشابه أو لا؟ والجواب بالنفي فللمالك عقلائياً أن يقول للضامن انّك بعد ان حرمتني عن امتياز المثل وهو امتياز اشتماله على كل الأوصاف التي كنتُ امتلكها فلي حق المطالبة في المقابل بامتياز القيمة وهو مرونتها وسهولة تبديلها بأيّ شيء أرغب فيه.

2 ـ لو طلب المالك المشابه فهل للضامن أن يمتنع عن أداء المشابه ويفرض على المالك أخذ القيمة أو لا؟ يمكن أن يجاب على ذلك بالإيجاب بدعوى ان فقدان العين يؤدّي إلى تبدّل المال المملوك للمتلف عنه إلى الكلي في الذمّة في دائرة مماثل العين لا إلى الأوسع من ذلك فإذا لم يمكن أداء المثل لم يكن للمالك أن يفرض على الضامن مشابهاً وفرداً من دائرة أوسع من المماثل، ويمكن أن يجاب على ذلك بالنفي بدعوى الانحلال بمعنى ان جميع أوصاف العين مضمونة فلو تعذّر إرجاع بعض الأوصاف كان للمالك حق المطالبة بباقي الأوصاف غير المتعذّرة.

ولا يبعد التفصيل بين درجات الشبه وبين بعض الأوصاف والبعض الآخر فكلّما اشتدّ الشبه أو اقترب الفرض الذي يؤدّيه المشابه إلى الفرض الذي كانت تؤدّيه العين تقوي الاحتمال الثاني وكلّما خفّ ذلك وابتعدت آثار الشبيه عن آثار العين التالفة تقوّى الاحتمال الأوّل.

الثالث ـ لو انكسرت القيمة السوقية للعين المغصوبة مثلاً لا لتبدّل خصوصية في العين وذلك كمن غصب الثلج في شدّة الحرّ ثم أرجعه في الأيام الباردة فهل يكون ذلك موجباً للضمان أو لا؟ ذكر السيد الخوئي: انّ انكسار القيمة السوقية لا يضمن وإلّا للزم تضمين التاجر المستورد لبضاعة الكاسر بذلك قيمة البضاعة

484

الموجودة لدى تاجر آخر نعم لو سقط عن المالية نهائياً كما لو برد الجوّ إلى حدّ لم تبق أيّ قيمة للثلج كان ضامناً ولا يكفيه إرجاع الثلج لانّ الواجب عليه ردّ المال إلى أهله والثلج قد سقط عن كونه مالاً والواجب عليه انّما هو ردّ قيمة آخر ساعة من ساعات مالية الثلج لانّه إلى تلك الساعة لم يكن قد وقع شيء عدا تنزّل القيمة السوقية وقد قلنا بعدم ضمانه فالمالية التي تلفت وهي مضمونة انّما هي مالية الساعة الأخيرة(1).

وقد مضى عن استاذنا الشهيد (رحمه الله) التفصيل بين انكسار القيمة السوقية فحسب كما هو الحال في مثال استيراد البضاعة وانكسار القيمة الاستهلاكية كما في مثال الثلج فالأوّل لا يُضمن ولكن الثاني يُضمن.

وكأن الوجه في هذا التفصيل لو كان مصدر الضمان تطبيق قاعدة لا ضرر على الضرر المالي في المقام هو ما ذكره (رحمه الله) في بحث لا ضرر من أنّ ذلك نفي للضرر المطلق دون الضرر المقيد أو الضرر المضاف سنخ انصراف أحكام الماء إلى الماء المطلق دون المضاف وانكسار القيمة الاستهلاكية هو الضرر بقول مطلق، امّا انكسار القيمة السوقية فحسب فانّما يكون ضرراً من وجهة نظر التجارة ولذا لا يحس غير التاجر بالضرر مهما كثر في السوق ما يماثل البضاعة التي يمتلكها للاستهلاك.

ولو كان مصدر الضمان الارتكاز العقلائي للضمان بعد إثبات إمضائه بعدم الردع أو بتطبيق قاعدة لا ضرر على الضرر الحقيّ بمعنى انّ سلب الحق العقلائي يعتبر ضرراً منفياً بلا ضرر فكأن الوجه في التفصيل هو دعوى اشتمال نفس الارتكاز العقلائي على هذا التفصيل.

 


(1) راجع المحاضرات 2: 190 و 194 و 195.

485

(يبقى في المقام شيء) وهو انّ انكسار القيمة الشرائية للنقد هل يضمن أو لا؟ قد وردت في الدرهم الذي أسقطه السلطان روايات متعارضة(1) وذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) والشيخ الصدوق بعض الوجوه للجمع في ما بينها(2) ولكنها وجوه تبرعية.

ولعل مقتضى القاعدة الضمان لانّ القيمة الاستهلاكية للنقد المتمحّض في النقدية أو الغالب نقديته على كونه بضاعة في ذاته هي نفس قيمته السوقية فيكون انكسارها ضرراً مطلقاً ويكون الارتكاز مساعداً للضمان.

وبهذه المناسبة نذكر انّه قد يقال في الأوراق النقدية المألوفة اليوم بان أخذ الزيادة في القرض بمقدار التضخّم وانكسار القوّة الشرائية ليس ربا لأنّ رأس المال يتمثّل في القوّة الشرائية فلو أخذ ما يساوي القوّة الشرائية سابقاً فقد عمل بقوله تعالى: ﴿فلكم رؤوس أموالكم﴾(3).

نعم لو قلنا: إنّ الرصيد حيثية تعليلية لمالية هذه الأوراق وانّ المال العرفي قد أصبح عبارة عن نفس هذه الأوراق لا القوة الشرائية التي هي أمر معنوي تقوّى في الذهن إشكال الربا.

الرابع ـ في بدل الحيلولة. لا إشكال في أنّ ما كان تالفاً أو يعتبر بحكم التلف كالواقع في مكان ييأس رجوعه عنه إلى المالك من قبيل ما وقع في البحر يكون مضموناً بالمثل أو القيمة، امّا ما لا يكون كذلك لكن تعذّر وصوله إلى المالك في برهة من الزمن على الأقل فهل يضمن بدل الحيلولة أو لا؟

 


(1) راجع الوسائل 12: 488، الباب 20 من أبواب الصرف.

(2) راجع الفقيه 3: 118، ذيل الحديث 504، والاستبصار 3: 100، ذيل الحديث 345.

(3) البقرة: 279.

486

أفضل دليل ذكره السيد الخوئي على ضمان بدل الحيلولة وناقشه هو قاعدة نفي الضرر وأورد عليه بوجوه(1):

1 ـ انّ القاعدة تنفي حكم الموضوع الضرري كالوضوء الضرري لا الحكم الضرري كما في المقام وهذا الإشكال ذكره في المحاضرات(2) وانكره في المصباح(3).

2 ـ انّ القاعدة تنفي الحكم في موارد الضرر ولا تثبت الحكم لنفي ضرر كان يثبت لولاه.

وهذان الإشكالان مبنائيان وقد أثبتنا في بحث لا ضرر خلافهما.

3 ـ النسبة بين الضرر وموارد بدل الحيلولة عموم من وجه فقد يكون زمان الحيلولة قصيراً فلا يلتزم فيه بضمان البدل مع أنّ الضرر متحقّق ولو في زمان قصير وقد يكون زمان الحيلولة طويلاً ويلتزم فيه ببدل الحيلولة ولو فرض المالك ثريّاً بحيث لا يهتمّ أبداً بماله المحجوز.

أقول: بالنسبة للشقّ الأوّل نلتزم في مورده بالضمان متى ما صدق الضرر وبالنسبة للشقّ الثاني لو قلنا: إنّ عدم اهتمامه بالمال المحجوز لا يمنع عن صدق الضرر فلا إشكال في المقام ولو قلنا: إنّه يمنع عن صدق الضرر أصبح الدليل أخص من المدّعى ولكن لا يبطل الدليل من أساسه.

4 ـ لم نجد أحداً استدلّ بالقاعدة على بدل الحيلولة فيما إذا حال أحد بين


(1) راجع المحاضرات 2: 207 ـ 210، ومصباح الفقاهة 3: 204 ـ 209.

(2) المحاضرات 2: 207.

(3) مصباح الفقاهة 3: 204.

487

المالك وماله بمنعه من التصرّف بالحبس مثلاً، مع أنّه لا فرق في ذلك بين حبس المالك عن المال أو حبس المال عن المالك.

أقول: إنّ الحكم في كلا الموردين سواء، فعلى الحابس بالدرجة الاُولى فكّ ما حبسه فإن كان قد حبس المال عن مالكه وجب فكّ الحبس عن المال وإرجاع المال إلى مالكه، وإن كان قد حبس المالك عن ماله وجب فكّ المالك وإيصاله إلى ماله لو كان قد أبعده عنه وإذا عجز عن رفع الحاجز بين المال والمالك في كلا الموردين وكان يريد المالك الاستفادة من بدل المال كانت عليه تهيئة البدل، ولا أظنّ انّ المسألة بهذا الشكل مبحوثة في كلمات الأصحاب حتى يستظهر الاتفاق على عدم ضمان بدل الحيلولة في فرض حبس المالك وعجزه عن إرجاعه إلى ماله.

ولا نقصد بضمان بدل الحيلولة الضمان بالمعنى المصطلح الذي هو من الأحكام الوضعية بل نقصد به ما يعمّ مجرّد الوجوب التكليفي لدفع البدل إذا أراد المالك وقاعدة لا ضرر هنا لا تثبت أكثر من ذلك.

5 ـ ان إثبات ضمان بدل الحيلولة بلا ضرر يوجب الضرر على الضامن فيقع التعارض بين الضررين والتساقط.

أقول: إنّ هذا الكلام لا يأتي بشأن الغاصب لانّ لا ضرر منصرف عن الغاصب وعن أي شخص يكون إجراؤه بشأنه تشجيعاً له في ارتكاب الحرام.

وعلى أيّة حال فهنا وجه آخر لإثبات ضمان الحيلولة غير الوجوه التي ذكرها السيد الخوئي وناقشها وهو الارتكاز العقلائي الممضى بعدم الردع.

والظاهر في الارتكاز انّ دافع البدل يملك الأصل أي انّ دفع البدل يكون بملاك المبادلة فقد يقال: لا يجب عليه إرجاع العين إذا رجعت بعد ذلك إلى

488

حوزته ولكن قد يقال: يجب عليه ذلك إذا كان البدل غير واجد لأوصاف العين كما لو كان عبارة عن القيمة لا المثل وذلك لانّ تنازل المالك عن تلك الأوصاف انّما كان عن اضطرار أوجده له الضامن فيكون له بعد زوال العذر حق خيار فسخ المبادلة التي وقعت في زمن العذر.

الخامس ـ لو لم يوجد المثل إلّا بأكثر من قيمة المثل (لا لارتفاع القيمة السوقية للندرة وإلّا لكانت هي قيمة المثل) لم يجب شراؤه لعدم حكم الارتكاز بذلك ولا ضرر يمنع عن ذلك ولا يعارض بلا ضرر بشأن المالك لانّه ليس ضرراً مالياً بل هو ضرر حقيّ متوقّف على اعتراف العقلاء بهذا الحق ولا يعترفون به.

إلى هنا ننتهي من كتاب فقه العقود، وأسأل الله تعالى ان يتقبّله خالصاً مخلصاً لوجهه ويجعله ذخراً لي ليوم فاقتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.