123

ذهبيّة، كما لا بأس بالزِرّ من ذهب أيضاً، وبالشارات العسكريّة الذهبيّة التي تعلّق على ملابس العسكريّين فإنّ كلّ ذلك ليس لبساً للذهب.

والمقياس لِلبس الذهب: أن يكون للذهب إحاطةٌ ببدن المصلّي، أو بجزء من بدنه، فالخاتم له إحاطة بإصبع المصلّي، والسوار له إحاطة بمعصم المصلّي، وليس كذلكالساعة المحمولة أو الزِرّ الذي يُزَرَّرُ به الثوب.

(18) كما لا يسوغ لبس الخاتم الذهبي إذا كان كلّه ذهباً خالصاً كذلك إذا كان مشتملاً على غير الذهب أيضاً، إذا كانت نسبة غير الذهب ليست كبيرةً على نحو يعتبر الخاتم خاتماً من ذهب في العرف العامّ.

(19) قد يصلّي الإنسان في ما هو مأخوذ من حيوان لا يسوغ أكل لحمه، أو في ثوب حريري، أو في خاتم من ذهب ـ مثلاً ـ ناسياً أو جاهلاً بأنّ ذلك لا يسوغ له شرعاً، وفي هذه الحالة تصحّ صلاته، ولا إعادة عليه إذا التفت أو علم بالحكم بعد الفراغ من صلاته، وأمّا إذا التفت أو علم بالحكم في أثناء الصلاة فعليه الإعادة(1).

مكان المصلّي:

(20) يجب على المصلّي أن يختار موضعاً للصلاة يُتاحُ له فيه أن يؤدّي صلاته بكلّ واجباتها وهو مستقرّ، أي أن لا يكون مضطرباً كالذي يميل يمنةً تارةً ويسرةً تارةً اُخرى، فإذا لم يكن الموضع كذلك فلا يصلّي فيه، كالموضع المائج والمضطرب الذي يميل بالإنسان إلى هذا الجانب وذاك، ومثاله: الطائرة حال الطيران، والسيّارة



(1) لمعرفة تفاصيل اُخرى لشروط ملابس المصلّي واستثناءات موجودة في موارد خاصّة راجع هذا المبحث في كتاب الفتاوى الواضحة مع أخذ الهوامش بعين الاعتبار.

124

أو السفينة أو القطار حال السير إذا استدعى ذلك اضطراب المصلّي وتمايله، أو عدمالاتّجاه إلى القبلة(1).

(21) هذا بالنسبة إلى صلاة الفريضة، وأمّا صلاة النافلة فيسوغ للإنسان أن يصلّيها وهو مسافر في قطار أو سيّارة أو غيرها ولا يطالَب بالاستقرار أو الاستقبال على تفصيل مضى سابقاً.

(22) من أراد الصلاة في العتبات المقدّسة في نفس الروضة الشريفة التي فيها الضريح فعليه أن لا يتقدّم في موضع صلاته على قبر المعصوم. وإن تعذّرت الصلاة عليه إلّا متقدّماً لشدّة الزحام صلاّها في المكان التابع (الرواق مثلاً)، ولا يضرّ التقدّم هنا مع وجود حائط ونحوه يفصل بين الضريح وموضع الصلاة.

(23) وإذا صلّى الإنسان في موضع يملكه شخص آخر وكانت صلاته بإذن المالك صحّت بلا ريب، وإلّا فقد تبطل في بعض الأحيان ويأتي توضيحه في أحكام السجود.

(24) الرجل والمرأة لو صلّى أحدهما إلى جنب الآخر فالأحوط أن لا يقلّ الفاصل بينهما عن ذراع اليد والأفضل الفصل بأكثر من عشرة أذرع، ولو صلّى الرجل أمام المرأة فالأحوط أن يتقدّم عليها ـ على الأقلّ ـ بمقدار ما يكون سجودها أنزل من صدره، ولو صلّت المرأة أمام الرجل فالأحوط أن لا يقلّ الفاصل بين سجود الرجل وقدم المرأة عن عظم الذراع وإن كان الأفضل أن يكون الفاصل أكثر من عشرة أذرع.

وهذا الشرط ـ أي وجود الفاصل بين الرجل والمرأة بما ذكرناه ـ يسقط في مسجد الحرام في زحام الحجّ.

(25) تجوز الصلاة في جوف الكعبة المكرّمة.



(1) لمعرفة بعض الاستثناءات والتفاصيل راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 530 ـ 531 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (43) ـ (45) مع مراعاة الهامش.

125

النيّة:

(26) النيّة شرط لكلّ صلاة، ونريد بها: أن تتوفّر العناصر التالية:

أوّلاً: نيّة القربة؛ لأنّ الصلاة عبادة، وكلّ عبادة لا تصحّ بدون نيّة القربة.

ثانياً: الإخلاص في النيّة، ونعني بذلك: عدم الرياء، فالرياء في الصلاة محرّم ومبطل لها.

ثالثاً: أن يقصد المصلّي الاسم الخاصّ للصلاة التي يريد أن يصلّيها، المميّز لها شرعاً إذا كان لها اسم كذلك، كصلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، ونوافلها، وصلاة الليل، وصلاة الآيات، وصلاة الجمعة، وصلاة العيد، وصلاة الاستسقاء، وهكذا. وإذا كانت مجرّد صلاة ركعتين مستحبّة استحباباً عامّاً ـ إذ إنّ صلاة ركعتين مستحبّة على العموم ـ اكتفى بنيّة أن يصلّي ركعتين قربةً إلى الله تعالى.

هذه هي عناصر النيّة الثلاثة(1).

نكتفي هنا بهذا المقدار من الحديث عن الشروط العامّة في الصلاة، وقد تركنا الكثير من تفاصيلها مع بعض استثناءاتها لما أخذنا على أنفسنا من الاختصار في هذا الكتاب.

وسوف تتبيّن شروط عامّة اُخرى ممّا يرتبط بأجزاء الصلاة عند الحديث عنها.



(1) وللوقوف على تفاصيل واستثناءات وردت في هذا المكان من كتاب الفتاوى الواضحة راجع هذا الكتاب: 533 ـ 540 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهامش، وأيضاً لمعرفة تفاصيل النيّة راجع المصدر: 150 فما بعد، مع مراعاة الهامش، وقد تقدم بعضها في فصل أحكام عامّة في العبادات.

127

في>

أجزاء الصلاة

تكبيرة الإحرام:

(1) وهي قول: «الله أكبر»، وبها تُفتح الصلاة، فإنّها تبدأ بتكبيرة الإحرام. وفي الحديث: «وتحريمها (أي الصلاة) التكبير، وتحليلها التسليم»(1).

والمعنى: أنّ المصلّي متى كبَّر للصلاة فقد دخل فيها وصار من المصلّين، وحرم عليه كلّ ما يحرم على المصلّي من أشياء حتّى يخرج منها بالتسليم، ومن أجل ذلك كانت تكبيرة الإحرام أوّل أجزاء الصلاة دون النيّة؛ إذ بمجرّد النيّة لا تبدأ الصلاة، ولا يحرم ما يحرم على المصلّي.

(2) وللتكبيرة صيغة عربيّة محدّدة كما ذكرنا، ولا يجزي عنها قول: الله الأكبر، أو الخالق أكبر، أو الله العظيم أكبر. كما لا يجزي عنها أيضاً ما يعادلها في أيّ لغة اُخرى.

ومن جهل هذا التكبير فعليه أن يتعلّمه، وإن ضاق الوقت عن التعلّم تلقّنه المصلّي من غيره، فإن تعذّر التلقين أتى بها على النحو الممكن له.

وإذا لم يتيسّر للأجنبي عن اللغة العربيّة أن يأتي بها على أيّ نحو أمكنه أن يُحرِمَ بما يعادلها في لغته.

(3) ويجب أن يكون تكبير الإحرام مستقلاًّ بمعناه، لا صلة له بما قبله من كلام



(1) وسائل الشيعة 4:715، الباب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام، ذيل الحديث 10.

128

وذكر ودعاء، ولا يلحق به بعده ما يتمّمه ويكمّله، فلا يجوز أن يأتي المصلّي بتكبير الإحرام في ضمن قوله مثلاً: (قال الملائكة واُولوا العلم الله أكبر)، ولا في ضمن قوله مثلاً: (الله أكبر من كلّ شيء).

(4) وكما يجب أن يؤدّى تكبير الإحرام مستقلاًّ في معناه كذلك يجب أن يؤدّى مستقلاًّ في لفظه، بمعنى أنّ من تكلّم قبل التكبير بأيّ شيء فعليه أن يقف على الحرف الأخير الذي قبل همزة الله أكبر؛ لأنّه لو تحرّك لاُدمجت همزة كلمة الجلالة بما قبلها، أو وقعت على غير الاُصول والقواعد العربيّة.

(5) والأخرس وغيره ممّن عجز عن النطق لسبب طارئ يعقد قلبه بتكبيرة الإحرام مع الإشارة بالإصبع وتحريك اللسان إن استطاع إليه سبيلاً.

(6) يجب أن يكون تكبير الإحرام في حال القيام، بل لابدّ من القيام أوّلاً قبل التكبير، كمقدّمة وتمهيد للعلم بأنّه قد حصل بكامله في هذه الحال، وكلّما وجب القيام وجبت فيه خصائص معيّنة، كالسكون والاستقرار والانتصاب والاعتدال.

(7) من ترك تكبيرة الإحرام فلا صلاة له، سواء كان عامداً في تركه وعالماً بوجوبها، أو ناسياً ذاهلاً عنها، أو جاهلاً بوجوبها(1).

القراءة في الركعة الاُولى والثانية:

نعني بالقراءة: ما يجب قراءته في الصلاة من القرآن الكريم.

(8) والواجب من القراءة على المصلّي بعد أن يكبّر تكبيرة الإحرام أن يقرأ



(1) لمعرفة أحكام اُخرى في الخلل وكذا معرفة الآداب وأحكام الشكّ في المقام راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 545 ـ 546 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهامش.

129

الفاتحة وسورةً كاملةً بعدها على الأحوط وجوباً، وذلك في الركعة الاُولى، كما يجب أن يقرأ نفس الشيء في الركعة الثانية عند إكماله للركعة الاُولى، ونهوضه منتصباً للركعة الثانية.

(9) فاتحة الكتاب لا غنىً لصلاة عنها، وأمّا السورة التي بعدها فتجب، إلّا أن تكون الصلاة من النوافل اليوميّة، أو ما يشبهها من الصلوات المستحبّة الاُخرى، فلا تجب فيها السورة وإن كان الأفضل قراءتها ـ ولا فرق في عدم الوجوب بين النافلة التي أصبحت بنذر ونحوه واجبةً والنافلة التي ظلّت مستحبّة ـ أو أن يكون الإنسان ممّن يشقّ عليه أن يقرأ السورة ويضيق بذلك من أجل مرض مثلاً، أو لاستعجاله في شأن من شؤونه التي تهمّه، فيسوغ والحالة هذه أن يقتصر على الفاتحة. وكذلك إذا ضاق وقته عن الفاتحة والسورة معاً فيترك السورة من أجل أن يضمن وقوع الصلاة بكاملها في الوقت، أو وقوع أكبر قدر ممكن منها في وقتها.

وهناك حالة اُخرى لعدم وجوب السورة تختصّ بصلاة الجماعة(1).

وللسورة الواجبة شروط تركنا ذكرها اختصاراً(2).

(10) يشترط في القراءة ما يلي:

أوّلاً: أن تكون السورة بعد إكمال قراءة فاتحة الكتاب، فلا يسوغ تقديمها عليها.

ثانياً: أن تكون القراءة صحيحة، وذلك يحصل بمراعاة الفقرات الآتية:

أ ـ أن يعتمد في معرفة النصّ القرآني على ما هو مكتوب في المصحف الشريف، أو



(1) للوقوف عليها راجع مبحث صلاة الجماعة من كتاب الفتاوى الواضحة مع مراعاة الهامش.

(2) للوقوف عليها وعلى بعض التفاصيل راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 547 ـ 550 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهامش.

130

على قراءة مشهورة متلقّاة من صدر الإسلام وعصر الأئمّة(عليهم السلام) ويدخل في ذلكالقراءات السبع المشهورة.

ولا بأس أن يقرأ المصلّي في المصحف، أو يتلقّن القراءة ممّن يحسنها ويتقنها، فقد لا يكون الإنسان حافظاً للفاتحة ولسورة اُخرى في بداية شرح صدره للإسلام، فيقرأ ذلك في المصحف، أو يقرأ عليه شخص آخر النصّ الشريف آيةً آيةً وهو يكرّرها. وإذا لم يتيسّر له شيء من ذلك وكان يحسن قراءة الفاتحة وبعض السورة ووقت الفريضة لا يتّسع لتعلّم سورة بالكامل قرأ ما يحسن، وإذا أحسن بعض الفاتحة والحالة كذلك قرأ هذا البعض، وكان جديراً احتياطاً وجوباً بأن يعوّض عمّا فات من الفاتحة بما يحسن من آي الذكر الحكيم بقدر ما فات من الفاتحة، ويقاس ما فاته بالمقدار، لا بعدد الآيات، فلا يعوّض عن الآية الطويلة نسبيّاً بآية أقصر منها. وإن لم يحسن شيئاً من الفاتحة وغيرها من السور كان جديراً احتياطاً ووجوباً بأن يكبّر ويهلّل ويسبّح بقدر الفاتحة ريثما يتعلّمها.

ب ـ أن يحافظ في القراءة على حركات الإعراب، وما هو مقرّر لكلّ حرف في اللغة العربيّة من ضمٍّ أو فتح أو كسر أو سكون، ويستثنى من ذلك الحرف الأخير من الآية، أو من الجملة المستقلّة التي يصحّ الوقوف عندها في القراءة، إذا كان هذا الحرف الأخير في كلمة معربة وعليه فتحة أو ضمّة أو كسرة، فإنّه يجوز للمصلّي إذا وقف عليه أن ينطق به مضموماً أو مكسوراً مثلاً، كما يجوز له أن يسكّنه، فيقول مثلاً: «الحمد لله ربّ العالمينْ» بدلاً عن «الحمد لله ربّ العالمينَ»، وإذا لم يقف عليه وقرأه مع الآية التي بعده بنفس واحد جاز له أيضاً كِلا الأمرين.

ج ـ إخراج المصلّي الحروف من مخارجها على نحو يعتبر العرب راءه راءً وضاده ضاداً وذاله ذالاً، وهكذا.

131

د ـ قد تكون الكلمة مبدوءةً بالهمزة، ككلمة «الله»، وكلمة «إيّاك»، فإذا اُريد النطق بها بصورة ابتدائيّة وجب النطق بالهمزة، وأمّا إذا كانت قبلها كلمة تنتهي بحرف متحرّك أي: مضموم أو مكسور ـ مثلاً ـ واُريد قراءة الكلمتين درجاً ـ أي: مع إبراز ما في الحرف الأخير من حركة ـ فتحذف الهمزة في الكلمة الثانية إذا كانت همزة وصل، ويحافظ عليها إذا كانت همزة قطع.

ومثال الأوّل: أن تقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم»، فإنّ همزة «الله» تحذف هنا، وكذلك همزة «الرحمن»، وهمزة «الرحيم»، أو أن تقرأ «وإيّاك نستعين اهدنا الصراط المستقيم» فإنّ همزة «إهدنا» وهمزة «الصراط» وهمزة «المستقيم» تحذف جميعاً.

ومثال الثاني: أن تقرأ «مالك يوم الدين إيّاك نعبد وإيّاك نستعين» فإنّ همزة «إيّاك» همزة القطع فلا تحذف.

ومثال آخر: «صراط الذين أنعمت عليهم» فإنّ همزة «أنعمت عليهم» لا تحذف.

هـ ـ يدخل على الكلمة الألف واللام، فتقول: «الحمد» و«الرحمن» و«الرحيم»، وهكذا، وفي حالات معيّنة يتوجّب على القارئ أن لا يتلفّظ باللام، ويسمّى ذلك إدغاماً، لِلاّم، فكأنّ الألف ترتبط مباشرةً بالحرف الأوّل من الكلمة مع تشديده، وتلك الحالات هي في ما إذا كانت الكلمة التي دخلت عليها الألف واللام مبدوءةً بالتاء، أو الثاء، أو الدال، أو الذال، أو الراء، أو الزاي، أو السين، أو الشين، أو الصاد، أو الضاد، أو الطاء، أو الظاء، أو النون. وإذا كانت الكلمة التي دخلت عليها الألف واللام مبدوءة باللام كاسم الجلالة «الله» فالإدغام سوف يسقط اللام الاُولى عند التلفّظ، ولكنّه يشدّد اللام الثانية، وبذلك يكون النطق بلامين؛ لأنّ التشديد عوض عمّا سقط بالإدغام، وفي غير ذلك يجب النطق باللام.

132

وعلى هذا الأساس لا تنطق باللام حين تقرأ «الله»، «الرحمن»، «الرحيم»، «الصراط»، «الضالّين»، وتنطق بها حين تقرأ «الحمد»، «العالمين»، «المستقيم».

وكلّ من كان جاهلاً بالقراءة الصحيحة، أو عاجزاً عن الإعراب، أو عن النطق بالكلمة وحروفها كما يجب ـ كالذي في لسانه ثقل أو ينطق الراء غيناً أو الأجنبي عن اللغة ـ يجب عليه أن يتعلّم ويحاول ما أمكن، فإن لم يتيسّر له رغم المحاولة فهو معذور تصحّ الصلاة منه بميسوره ومقدوره، وقد يرجَّح له أن يقتدي فيها بغيره لكي يكتفي بقراءة الإمام، ولكن لا يجب عليه ذلك.

ومثله تماماً ـ حتّى في عدم وجوب الاقتداء ـ الجاهل القابل للتعلّم والتفهّم ولكن ضاق عليه الوقت بحيث لا يمكنه الآن وفي هذه الساعة أن يجمع بين التعلّم والصلاة على الوجه المطلوب فيصلّيها كما يستطيع، ويتعلّم لغيرها.

أمّا الجاهل القادر على التعلّم قبل وقت الصلاة والعالم بوجوب هذا التعلّم ومع ذلك تهاون وأهمل ـ أمّا هذا المنتبه المقصّر ـ فيجب عليه أن يقتدي بغيره في الصلاة إن أمكن، وإذا ترك الاقتداء مع الإمكان وصلّى منفرداً بطلت صلاته. وإذا تماهل وضاق وقت الصلاة ولم يتيسّر له الاقتداء وجب عليه أن يصلّي ويقرأ كما يتيسّر له، وتصحّ الصلاة منه، ولكنّه يعتبر آثماً لتهاونه.

وإذا شكّ المصلّي وهو يصلّي في حركة الإعراب لكلمة من الكلمات وأنّها رفع أو نصب مثلاً، أو شكّ في مخرج حروفها وأنّه من هنا أو من هناك: فله أن يقرأ بالوجهين على سبيل الاحتياط إذا كان كلّ من القراءتين اللتين حصل التردّد بينهما لا يخرج الكلمة عن وصفها ذكراً سائغاً، ولا شيء عليه، وإلّا قرأ بوجه واحد، وحاول أن يتأكّد بعد ذلك، فإن كان ما قرأه صحيحاً فهو المطلوب، وإلّا أعاد الصلاة.

133

ثالثاً: على المصلّي أن ينطق بكلّ كلمة من كلمات الصلاة بالمألوف والمعروف، فلا يقطع أوصالها إلى أجزاء وحروف ويقول ـ مثلاً ـ : «بس م اللـ ... هـ »، فإن فعل شيئاً من ذلك ساهياً مضطرباً بطلت الكلمة وحدها وأعادها صحيحة، وكذلك إذا بدأ بالكلمة ثمّ انقطع صوته لسعال ونحوه، وإن تعمّد قاصداً منذ بداية نطقه بتلك الكلمة أن يفعل ذلك وفعل بطلت صلاته من الأساس، أمّا إذا تعمّد قطع الكلمة في الأثناء فعليه أن يعيد النطق بالكلمة على الاُصول وتصحّ الصلاة، والجارّ والمجرور ومتعلّقه، والمضاف والمضاف إليه، والصفة والموصوف، والفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر كلّ ذلك وما إليه بمنزلة الكلمة الواحدة، والحكم هو الحكم.

وكذلك على المصلّي أن يقرأ آيات الفاتحة والسورة الاُخرى حسب تسلسلها في المصحف، فلا يقدّم الآية الثانية على الاُولى مثلاً، وبصورة متتابعة، أي: لا يسكت بين آية وآية، أو بين جملتين في داخل آية واحدة بالقدر الذي تعتبر إحداهما مفصولةً عن الاُخرى في العرف، ولا يُبطل السكوت الناشئ من سعال ونحوه، وإن كان طويلاً إذا وقع بين جملتين أو آيتين.

رابعاً: الرجل يجب عليه أن يجهر(1) بقراءة الفاتحة والسورة في صلاة الصبح، وفي الركعة الاُولى والثانية من صلاة المغرب والعشاء، ويجب عليه أن يخفت بقراءة الفاتحة والسورة في الركعة الاُولى والثانية من صلاة الظهر والعصر، ويستثنى من وجوب الإخفات هذا البسملة، فإنّه يستحبّ الجهر بها في كلّ صلاة.

وكذلك تستثنى القراءة في صلاة الظهر يوم الجمعة، فإنّه يجوز فيها الجهر والإخفات معاً، وأمّا صلاة الجمعة فيجب فيها على الإمام أن يجهر بالقراءة.



(1) لمعرفة معنى الجهر والإخفات راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 555 ـ 556 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (97) مع مراعاة الهوامش.

134

وأمّا المرأة فيجب عليها الإخفات في الحالة التي يجب فيها ذلك على الرجل، وأمّا في الحالات التي يجب فيها الجهر على الرجل فهي مخيّرة بين الجهر والإخفات.

وعلى أيّ حال فلا يجوز للمصلّي ـ وكذلك المصلّية ـ في جميع الحالات أن يفرّط بالجهر فيصيح ويصرخ في قراءته، كما لا يجوز له بحال أن يبالغ في الإخفات، فلا يسمع نفسه لشدّة خفاء الصوت وانخفاضه، فإنّ ذلك همهمة وليس من القراءة بشيء.

وأمّا غير الفاتحة والسورة من الأقوال التي يردّدها المصلّي ـ كالتكبير وأذكار الركوع والسجود والتشهّد والتسليم ـ فهو فيها بالخيار، إن شاء جهر، وإن شاء أخفت.

خامساً: كما يجب على المصلّي أن يكبّر تكبيرة الإحرام وهو قائم كذلك يجب أن يواصل قيامه حال قراءة الفاتحة والسورة إلى أن يفرغ منها، ويجب أن يكون في قيامه مستقرّاً غير مضطرب عند القراءة، فإذا أراد حال قيامه أن يتحرّك يميناً أو شمالاً مع الحفاظ على الاستقبال، أو أن يتقدّم خطوةً أو يتأخّر كذلك إذا أراد شيئاً من ذلك فليَدَعْ القراءة، ويتحرّك ثمّ يعود إلى الاستقرار، ويقرأ في هذه الحال.

والأحوط وجوباً لمن يصلّي صلاة الفريضة أن لا يقرأ بعد فاتحة الكتاب: سورتين كاملتين، بل وأن لا يقرأ بعد الفاتحة وبعد إكمال السورة الاُولى: بعض السورة أيضاً(1).

الركوع:

يجب على المصلّي بعد الفراغ من القراءة أن يركع، والركوع واجب في كلّ ركعة من الفرائض والنوافل، فلا ركعة بلا ركوع.



(1) لمعرفة أحكام في الخلل والشكّ وبعض الآداب في المقام راجع المصدر السابق: 557 ـ 559، مع مراعاة الهامش.

135

ونعني بالركوع: الانحناء المقصود خضوعاً لله تعالى، وللركوع واجبات، وهي كما يلي:

(11) أوّلاً: أن يكون الركوع في حالة القيام؛ وذلك أنّ الانحناء قد يقع من القائم الواقف، وقد يقع من الجالس، ويسمّى الأوّل بالركوع القيامي؛ لأنّه ركوع القائم، ويسمّى الثاني بالركوع الجلوسي؛ لأنّه ركوع الجالس، والواجب في الصلاة هو الركوع القيامي، فلو أنّ المصلّي فرغ من قراءته فجلس وانحنى جالساً لم تصحّ صلاته.

(12) ثانياً: أن يكون ركوع هذا الراكع عقيب قيام منتصب فيركع عن قيام، ومعنى ذلك: أنّ الإنسان تارةً يكون قائماً منتصباً فينحني ويركع، واُخرى يكون جالساً فينهض مقوّساً ظهره حتّى يصل إلى حالة الراكع فيثبّت نفسه، وفي كلٍّ من هاتين الحالتين يعتبر الركوع ركوعاً قياميّاً؛ لأنّه ركوع صادر منه وهو قائم على قدميه لا جالس، ولكنّه في الحالة الاُولى يعتبر ركوعاً عن قيام؛ لأنّه كان قائماً منتصباً ثمّ ركع. وفي الحالة الثانية يعتبر ركوعاً عن جلوس؛ لأنّه كان جالساً فنهض مقوّساً إلى أن صار بمثابة الراكع، والواجب هو أن يكون الركوع عن قيام.

وقد عرفت أنّ القيام حال القراءة واجب، فإذا فرغ من القراءة وهو قائم ركع ليكون ركوعه عن قيام، وأمّا إذا جلس بعد الفراغ من القراءة غفلةً أو لالتقاط شيء فإنّ عليه أن يعود قائماً، ثمّ يركع عن قيام، ولا يكفيه أن ينهض متقوّساً إلى مستوى الراكع.

(13) ثالثاً: أن يكون الانحناء بقدر يمكن معه لأطراف أصابع المصلّي أن تصل إلى ركبتيه، وإذا كانت اليد طويلةً طولاً غير مألوف أو قصيرةً كذلك فيجب عليه أن ينحني بقدر ما ينحني غيره ممّن تكون يده مألوفةً ومتعارفة.

(14) رابعاً: أن يكون الركوع مرّةً واحدةً في كلّ ركعة، فلو ركع ركوعين في ركعة واحدة بطلت صلاته. ويستثنى من ذلك صلاة الآيات التي تشتمل كلّ ركعة منها على خمسة ركوعات.

136

(15) خامساً: الذكر، وهو أن يقول في ركوعه وهو مستقرّ غير متمايل ولا مضطرب: «سبحان ربّي العظيم وبحمده» مرّةً واحدةً أو أكثر، أو يقول: «سبحان الله»، أو «الحمد لله»، أو «لا إله إلّا الله»، أو «الله أكبر» وما أشبه ثلاث مرّات أو أكثر، ويكتفى من المريض بواحدة.

ويكفي في توفير الاستقرار الواجب حال الذكر أن يتماسك ولو بالاستعانة بعصاً ونحوها.

ويشترط في الذكر الواجب في الركوع أن يكون بلغة عربيّة، وأن تؤدّى الحروف من مخارجها، وأن لا ينطق بها بصورة متقطّعة تفكّك الكلمة أو الجملة، والأجدر بالمصلّي احتياطاً ووجوباً أن لا يخالف النهج المقرّر عربيّاً في الإعراب والبناء، ويجوز للراكع أن يجهر بالذكر، كما يجوز أن يخفت به.

(16) سادساً: أن يرفع رأسه من الركوع قائماً منتصباً ومطمئنّاً في قيامه وانتصابه(1).

السجود:

يجب على المصلّي بعد رفع الرأس من الركوع والوقوف قائماً أن يسجد سجدتين، والسجود مرّتين واجب في كلّ ركعة من الفرائض والنوافل، فلا ركعة بدون سجدتين.

ونعني بالسجود: وضع الجبهة على الأرض أو أخشابها ونباتها خضوعاً لله تعالى، على ما يأتي من التوضيح والتفصيل.



(1) لمعرفة أحكام حالات العجز والخلل والشكّ والآداب راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 562 ـ 564 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة هوامش سماحة السيّدالحائري دام ظلّه.

137

وليس كلّ وضع سجوداً، بل الوضع المشتمل على الاعتماد والتركيز وإلقاء الثقل، لا مجرّد المماسّة، وكذلك الحال في باقي أعضاء السجود.

وللسجود واجبات كما يلي:

(17) أوّلاً: أن يضع المصلّي مقداراً من الجبهة على الأرض يحقّق السجود عرفاً، كمقدار عقد أحد أصابعه أو أقلّ من ذلك قليلاً، فلا يكفي أن يضع جبهته على ما يشبه رأس الإبرة من أخشاب الأرض ونباتاتها، كما لا يجب أن يضع كامل جبهته ولا جزءاً كبيراً منها على الأرض، بل يكفي ما ذكرناه.

ولو كان مقدار عقد الإصبع متفرّقاً ووضع جبهته عليه وهو متفرّق كفاه ذلك أيضاً، كحبّات المسبحة إذا سجد المصلّي عليها، بشرط صدق عنوان السجود على الأرض، كما في المثال.

أمّا لو كان من قبيل انتشار شعر المرأة على جبهتها ـ مثلاً ـ ووصول خطوط من الجبهة على الأرض من خلال الشعرات فقد لا يصدق على ذلك هذا العنوان ولو كان المجموع بمقدار درهم أو طرف الأنملة، فعندئذ يشكل الاجتزاء بذلك.

ومن كان على جبهته علّة لا يستطيع السجود عليها ولكنّها لم تستغرق الجبهة بالكامل احتال بكلّ وسيلة ليقع الجزء السليم من جبهته على ما ينبغي أن يسجد عليه.

وإن استغرقت العلّة الجبهة بالكامل سجد على أيّ جزء شاء من وجهه.

(18) ثانياً: أن يبسط الساجد باطن كفّيه على الأرض، وإن تعذّر الباطن بسطهما على الظاهر، وإن قطعت الكفّ فالأقرب إليها من الذراع، وهو مخيّر بين أن يضع الذراع عموديّاً على الأرض، أو يبسط كلّ الذراع اُفقيّاً على الأرض، ولا يكفي وضع رؤوس أصابع الكفّين على الأرض، ولا أن يضمّ باطن الأصابع إلى باطن الكفّ بحيث تكون مقبوضةً لا مبسوطة، ويكفي مسمّى وضع الكفّين على الأرض،

138

أي وضعهما على الأرض ولو بصورة تقريبيّة، ولا يجب استيعابهما بالكامل.

(19) ثالثاً: أن يلصق ركبتيه بالأرض، ويكفي أن يلصق جزءاً من الركبة بالأرض، ولا يجب الاستيعاب، بمعنى أنّ عدم الاستيعاب الناتج من كون الركبة محدّبة قهري، أمّا عدم الاستيعاب بمعنى أن يصلّي ـ مثلاً ـ على حافّة السطح فيكون نصف ركبته على الأرض ـ مثلاً ـ والباقي على الهواء فهذا خلاف الاحتياط الواجب.

(20) رابعاً: أن يضع طَرَفَي إبهامي القدمين على الأرض، وتسمّى الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان بأعضاء السجود السبعة.

(21) خامساً: أن يذكر في سجوده وهو مطمئنّ مستقرّ فيقول: «سبحانَ ربّيَ الأعلى وبحمده» مرّةً واحدةً أو أكثر، أو يقول: «سبحان الله» ثلاث مرّات أو أكثر، أو يقول نفس العدد من غير ذلك من ألوان الذكر المتقدّمة في الركوع، ولا فرق بين الجهر والإخفات.

ويجب في حال الذكر أن تكون الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان جميعاً على النحو المقرّر آنفاً بصورة مطمئنّة مستقرّة.

وإذا هوى إلى السجود وتحقّق منه ما يسمّى سجوداً، ولكن ارتفع رأسه فجأةً قبل الذكر أو بعده من غير قصد فماذا يصنع؟

الجواب: إذا حدث ذلك في السجدة الاُولى اعتبرت السجدة الاُولى قد انتهت بهذا الارتفاع المفاجئ، فإن استطاع أن يحتفظ بتوازنه ويملك رأسه من السقوط ثانيةً جلس معتدلاً ومطمئنّاً، وسجد ثانيةً واكتفى بذلك. وإن لم يملك رأسه، بل عادت الجبهة إلى الهوي والسجود ثانياً بدون قصد فعليه أن يرفع رأسه ويسجد مرّةً ثانيةً ويتمّ الصلاة.

وهكذا إذا حدث ذلك في السجدة الثانية فإنّ عليه أن يحتفظ بتوازنه، ويحول

139

دون سقوط رأسه مرّةً اُخرى إن أمكنه ذلك، وإن لم يمكن وسقط رأسه ثانيةً رفع رأسه وواصل صلاته ولا شيء عليه.

(22) سادساً: أن يرفع رأسه من السجدة الاُولى معتدلاً منتصباً في جلوسه ومطمئنّاً، ثمّ يهوي إلى السجدة الثانية عن هذا الاعتدال والانتصاب كما ركع عن قيام.

وعلى المصلّي أيضاً أن يجلس قليلاً ومطمئنّاً بعد السجدة الثانية، حتّى ولو لم يكن لديه واجب معيّن من تشهّد وتسليم، كما في الركعة الاُولى والثالثة من الصلاة الرباعيّة.

(23) سابعاً: أن يكون موضع الجبهة مساوياً لموقفه وموضع قدميه من غير علوٍّ أو هبوط، إلّا أن يكون تفاوتاً يسيراً لا يزيد على أربع أصابع فقط. أمّا التساوي بين موضع بقيّة أعضاء السجود فليس بشرط، لا بين بعضها مع بعض، ولا بين شيء منها وموضع الجبهة، فيجوز انخفاض موضع الكفّين أو الركبتين وارتفاعهما أيضاً عن موضع الجبهة بأكثر من أربع أصابع، وكذا بين الكفّين والركبتين.

(24) ثامناً: أن يكون المكان الذي يسجد عليه المصلّي ويضع عليه الأعضاء السبعة للسجود مملوكاً له، أو غير مملوك لأحد، أو مملوكاً لشخص آخر يأذن له في السجود عليه. وأمّا إذا كان المكان لشخص آخر لا يأذن بذلك فلا يسوغ للإنسان أن يغتصبه منه ويسجد عليه، وإذا صنع ذلك كانت صلاته باطلة.

ومن الناحية النظريّة: إذا افترضنا شخصاً اغتصب من آخر مساحةً من أرضه فضمّها إلى بيته، ووقف في ذلك الموضع المغتصب يصلّي، فكبّر وقرأ وركع، وحين أراد أن يسجد تقدّم بضع خطوات فدخل في حدود بيته الأصلي الذي يملكه، وسجد على أرضه وكانت أعضاء سجوده السبعة كلّها خارج نطاق الغصب صحّت صلاته؛ لأنّ بطلان الصلاة وفسادها بسبب الغصب يدور مدار مكان المصلّي في حالة سجوده، فإن كان مكانه في هذه الحال بالذات مغصوباً تبطل صلاته، وإلّا فهي صحيحة.

140

ونقصد بالمكان: ما يضع المصلّي جسمه وثقله عليه دون الفضاء، أو السقف الذي فوقه، أو حائط البيت، أو الخيمة، فهذه الأشياء إذا كانت مغصوبةً لا تبطل الصلاة بسبب ذلك مادامت أعضاء السجود السبعة تقع على مواضع غير مغصوبة.

ولا يكفي مجرّد وضع حصير مباح أو سجّادة مباحة أو فراش من أيّ نوع آخر على الأرض المغصوبة لكي تصحّ الصلاة.

ومن سُجنَ في مكان مغصوب وصلّى فيه فصلاته صحيحة.

وقد لا يكون المكان مغصوباً، ولكن تجب على الإنسان مغادرته وتحرم عليه الإقامة فيه؛ لمضرّة تصيبه في بدنه أو في دينه، كالوقوع في الحرام من حيث يريد أو لا يريد، فإذا عصى الإنسان ولم يغادره وصلّى فيه فإنّ صلاته صحيحة.

وإذا اعتقد الإنسان أنّ هذا المكان غصب، ومع ذلك صلّى وسجد فيه مختاراً بطلت صلاته؛ حتّى ولو انكشف أنّ المكان مباح وغير محظور.

وإذا كان المكان مشتركاً بين شخصين فلا يسوغ لأحدهما أن يتصرّف فيه بدون إذن شريكه، ولو صلّى وسجد عليه بدون إذن كانت صلاته باطلة.

وإذا كانت الأرض مجهولةَ المالك ولا يمكن التعرّف على مالكها توقّفَ التصرّف فيها وصحّة الصلاة والسجود عليها على الاستئذان من الحاكم الشرعي.

والمراد بإذن المالك لك بالصلاة في أرضه: أنّه لا يكره ولا يتضايق من ذلك، وإذا شككت في ذلك فلا تسوغ الصلاة حينئذ. وأمّا إذا حصل لديك الاطمئنان بأنّه لا يكره فلا بأس، سواء حصل من قول المالك وتصريحه، أو من طريقة أهل العرف وعاداتهم، أو من إحساس المصلّي وشعوره بأنّ المالك لا يكره صلاته هذه وسجوده؛ اعتماداً على ظاهر الحال أو بعض القرائن.

ولكن إذا اعتقد الإنسان بأنّ المالك يأذن بالتصرّف في أرضه، فصلّى وسجد ثمّ اتّضح له أنّ المالك لا يرضى بذلك فصلاته غير صحيحة.

141

(25) تاسعاً: أن لا يزيد على سجدتين في ركعة واحدة، ولا يأتي بسجدة في غير موضعها المقرّر لها، فلو سجد ثلاث سجدات أو سجد قبل الركوع عامداً ملتفتاً إلى أنّ ذلك لا يجوز فصلاته باطلة.

(26) عاشراً: يشترط في الموضع الذي يسجد عليه ما يلي:

أ ـ أن يكون طاهراً، وليس هذا شرطاً في سائر المواضع في المكان الذي يصلّي عليه الإنسان، فإذا صلّى على أرض متنجّسَة وكان موضع الجبهة طاهراً كفاه وصحّت صلاته إذا لم تكن الأرض أو ثياب المصلّي مرطوبةً على نحو تنتقل النجاسة إلى ملابس المصلّي أو بدنه.

ب ـ أن يكون الموضع بدرجة من الصلابة تُتيح للمصلّي أن يمكّن جبهته عند السجود عليه، لا مثل الطين الذي لا يُتاح فيه ذلك، وإذا لم يجد المصلّي موضعاً لجبهته إلّا الموضع الرخو الذي تغوص فيه الجبهة ولا تتمكّن منه وضع جبهته عليه بدون اعتماد وضغط، والأجدر بالمصلّي احتياطاً ووجوباً مراعاة هذه النقطة في المواضع السبعة لأعضاء السجود، فموضع اليدين أيضاً يجب أن يكون على النحو المذكور.

وإذا كان الموضع رخواً بدرجة ما ولكنّه إذا سجد عليه أمكن أن يصلَ بالضغط إلى قرار ثابت تستقرّ عليه الجبهة وتتمكّن صحّ ذلك.

ومثاله: أن تضع ورقةً على فراش قطنيّ منفوش وتسجد عليها، فإنّ الورقة تهبط عندما تضع جبهتك عليها؛ لرخاوة القطن، ولكنّها تستقرّ أخيراً، فإذا سجد عليها المصلّي انتظر إلى أن تستقرّ، ثمّ ذكر وصحّ سجوده.

ج ـ أن يكون من الأرض، أو من نباتها ممّا لا يؤكل ولا يلبس في الأغلب، ولا عبرة بما يؤكل أو يلبس نادراً وعند الضرورة القاهرة. ونقصد بما يؤكل و ما يلبس: ما يصلح لذلك وإن لم يكن فعلاً ممّا يؤكل لحاجته إلى الطبخ، أو ممّا يلبس لحاجته إلى النسج.

142

ويدخل في نطاق الأرض التي يجوز السجود عليها ما تقدّم في مبحث التيمّم أنّه يسوغ التيمّم به.

ولا يسوغ بحال السجود على ما خرج عن اسم الأرض: كالذهب والفضّة والزجاج وما أشبه، وما خرج عن اسم النبات كالفحم والرماد(1).

التشهّد:

(27) إذا فرغ المصلّي من السجدة الثانية في الركعة الثانية وجب عليه أن يجلس ويتشهّد، وصورته: «أشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدهُ ورسولُه، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد»، وإذا فرغ من التشهّد: فإن كانت الصلاة مكوّنةً من ركعتين سلّم (وسيأتي معنى التسليم) وتمّت بذلك صلاته. وإن كانت الصلاة مكوّنةً من ثلاث ركعات قام بعد الفراغ من التشهّد للركعة الثالثة، حتّى إذا أكمل سجدتها الثانية رفع رأسه منها وجلس وأتى بذلك التشهّد وعقّبه بالتسليم. وإن كانت الصلاة مكوّنةً من أربع ركعات لم يكن عليه ـ بعد إكمال الركعة الثالثة والجلوس عقيب رفع الرأس من سجدته الثانية ـ شيء إلّا النهوض للرابعة، فإذا أكمل الرابعة ورفع رأسه من سجدتها الثانية جلس وأتى بذلك التشهّد، وعقّبه بالتسليم، ويتمّ بذلك صلاته.

(28) يجب في التشهّد الجلوس المستقرّ المطمئنّ، ولا يضرّ تحريك اليد مع الاحتفاظ بالثبات والاستقرار، وعلى هذا لا يسوغ الابتداء بالتشهّد عند رفع الرأس من السجود، ولا الانتهاء منه عند النهوض إلى القيام.



(1) للوقوف على باقي التفاصيل وأحكام لحالات الاضطرار الوقتي والاضطرار المستوعب لتمام الوقت، وكذا أحكام لحالات العجز والخلل والشكّ والسجود عند قراءة إحدى آيات السجدة: راجع الفتاوى الواضحة: 571 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة الهوامش.

143

ولابدّ من إيقاعه على النهج العربي، وبلا فصل قاطع للارتباط عرفاً بين ألفاظه وكلماته، وهو ما يسمّى بالموالاة، وللمتشهّد أن يجهر أو يخفت بتشهّده كما يشاء(1).

التسليم:

(29) وهو آخر واجبات الصلاة، وموضعه بعد التشهّد من الركعة الأخيرة في كلّ صلاة، وبه يخرج المصلّي من الصلاة، ويحلّ له ما كان محرّماً عليه من كلام وضحك وغير ذلك. فإذا كانت الصلاة ذات ركعتين تشهّد وسلّم في الثانية، وإن كانت ثلاثيّةً تشهّد وسلّم في الثالثة، وإن كانت رباعيّةً تشهّد وسلّم في الرابعة.

وللتسليم صيغتان: إحداهما: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين». والاُخرى: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». ويُخيّر المصلّي بين الصيغتين، فأيّتهما قرأ فقد أدّى ما وجب عليه وخرج من الصلاة.

والأفضل استحباباً الجمع بين الصيغتين معاً، على أن يقدّم الاُولى على الثانية ويقول هكذا: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وفي حالة الجمع تقع الصيغة الاُولى واجبة، والصيغة الثانية مستحبّة. وإذا قرأ أوّل ما قرأ الصيغة الثانية تكون هي الواجبة، ولا يُطلَب منه بعدها أن يأتي بالصيغة الاُولى.

ولو اكتفى المصلّي في التسليم بقول: «السلام عليكم» من الصيغة الثانية ولم يقل التتمّة ولا الصيغة الاُولى صحّت صلاته أيضاً.

والأفضل من الجمع بين الصيغتين أن يقول قبل الصيغتين: «السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته».



(1) للوقوف على باقي التفاصيل وأحكام لحالات العجز والخلل والشكّ راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 578 ـ 580 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهامش.

144

وكلّ شرط لازم في التشهّد فهو كذلك في التسليم، جلوساً واطمئناناً، وعربيّةً، وترتيباً، وموالاةً، ويجوز الجهر بالتسليم كما يجوز الإخفات به(1).

القنوت:

(30) من الأجزاء المستحبّة في الصلاة ـ كلّ صلاة ـ القنوت، فيثاب المصلّي إذا قنت، ولا يضرّه إذا تركه.

وموضعه في الصلاة الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع، ويستثنى من هذا صلاة الوتر، فإنّها ركعة واحدة، وقنوتها قبل ركوعها، كما يستثنى منه صلاة الجمعة، فإنّ فيها قنوتين، وكذلك يستثنى منه صلاة العيدين على ما سيأتي.

ولا يشترط في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه ما يتيسّر من دعاء أو ذكر أو حمد وثناء، ويغتفر فيه اللحن مادّةً وإعراباً مع صدق اسم الدعاء أو الذكر عليه عرفاً.

ومن نسيه قبل الركوع أتى به بعده، وإذا هوى إلى الركوع ناسياً للقنوت وتفطّنقبل أن يصل إلى مستوى الراكع عاد قائماً فقنت، ويستحبّ التكبير قبل القنوت، ويحتمل تقوّم القنوت الشرعي في الصلاة برفع اليدين.

ما يقرأ في الركعتين الأخيرتين:

(31) إذا كانت الصلاة مكوّنةً من ثلاث ركعات أو أربع ركعات وجب على المصلّي ـ بعد أن يتشهّد في آخر الركعة الثانية ـ القيام للركعة الثالثة في الصلاة الثلاثيّة، وللركعة الثالثة ثمّ الرابعة في الصلاة الرباعيّة.



(1) ويجري على الجاهل والعاجز هنا ما يجري عليه في التشهّد، ولمعرفة أحكام لحالات الخلل والشكّ راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 581 ـ 582 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم.

145

ونتحدّث الآن عمّا يجب على المصلّي أن يقوله إذا قام وانتصب واطمأنّ للركعة الثالثة والرابعة.

المصلّي مخيّر، فله أن يقرأ فيها الفاتحة ويقتصر عليها، وله بدلاً عنها أن يقرأ مكرّراً ثلاث مرّات ـ على الأحوط ـ هذا التسبيح: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر»، ويكفي هذا التسبيح مرّةً واحدة.

ويستثنى من هذا التخيير المأموم؛ فإنّ الأجدر به وجوباً واحتياطاً أن يسبّح ولا يكتفي بالفاتحة.

(32) ويجب الإخفات في الركعة الثالثة والرابعة، سواء اختار المصلّي التسبيح أم قراءة الفاتحة، أجل، له أن يجهر ببسملة الفاتحة، كما يجب الحفاظ على النصّ العربي وإعرابه وبنائه، وكذلك يجب أن يكون المصلّي خلال القراءة أو التسبيح قائماً مستقرّاً مطمئنّاً، كما تقدّم في القراءة في الركعتين الاُولَيَين(1).

الصلاة قائماً أو جالساً:

(33) على ضوء ما تقدّم في أجزاء الصلاة يتّضح أنّ خمسة أنحاء من القيام واجبة في الصلاة:

الأوّل: القيام حال تكبيرة الإحرام.

الثاني: القيام حال القراءة أو التسبيح.

الثالث: القيام الذي يركع عنه المصلّي.



(1) لمعرفة باقي التفاصيل وأحكام لحالات الخلل والشكّ في ما يقرأ في الركعتين الأخيرتين وكذا الآداب راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 583 ـ 585 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (145) ـ (148) مع مراعاة الهامش.

146

الرابع: القيام حالة الركوع، بمعنى أن يكون ركوعه ركوع القائم، لا ركوع الجالس.

الخامس: القيام بعد رفع الرأس من الركوع.

وترك أيّ واحد من هذه الأنحاء يبطل الصلاة إذا كان عن عمد والتفات إلى الحكم الشرعي.

وأمّا إذا كان سهواً ونسياناً، أو بدون التفات إلى الحكم الشرعي فالصلاة تبطل إذا كان المتروك هو الأوّل، بأن كبّر تكبيرة الإحرام وهو جالس. أو الثالث، بأن ركع ناهضاً من جلوسه لا هاوياً من قيامه. أو الرابع، بأن ركع ركوع الجالس.

ولا تبطل الصلاة إذا كان المتروك الثاني، بأن قرأ أو سبّح جالساً، أو الخامس بأن هوى بعد الركوع بدون قيام وسجد.

والصلاة تنقسم: إلى صلاة من قيام، وصلاة من جلوس، فالصلاة من قيام بصورتها الكاملة ما كان المصلّي فيها محافظاً على الأنحاء الخمسة من القيام جميعاً.

والصلاة من جلوس بصورتها الشاملة ما كان المصلّي فيها جالساً منذ تكبيرة الإحرام إلى النهاية.

ولا يسوغ الانتقال من الصلاة من قيام إلى الصلاة من جلوس في صلوات الفريضة، إلّا في حالات الضرورة(1).

(34) ويشترط في القيام الصلاتيّ بأنحائه مع القدرة والإمكان شروط:

الأوّل: الاعتدال في القيام والانتصاب، فلا يسوغ الانحناء ولا التمايل يمنةً أو يسرة، ولا التباعد بين الرجلين وتفريج الفخذين الذي يخرج القيام عن الانتصاب والاعتدال.

ويستثنى من ذلك: القيام الرابع، وهو القيام حالة الركوع، فإنّ قيام الراكع لا



(1) راجع لذلك حالات العجز عن القيام المذكورة في الفتاوى الواضحة، مع مراعاة الهوامش.

147

معنى فيه للاعتدال والانتصاب، وإنّما نريد بقيام الراكع أن يكون ركوعه وهو واقف، لا جالس.

الثاني: الوقوف، فلا يسوغ له أن يكبّر أو يقرأ ـ مثلاً ـ وهو يمشي.

الثالث: الطمأنينة، بمعنى أن لا يكون في قيامه مضطرباً يتحرّك ويتمايل يمنةً ويسرة، ويستثنى القيام الثالث، وهو القيام الذي يركع عنه المصلّي فإنّه لا تجب فيه الطمأنينة.

ولا يشترط في القيام الوقوف على القدمين معاً، فلو كان واقفاً على إحداهما معمراعاة الشروط المتقدّمة كفى.

ولا يشترط أيضاً أن يكون مستقلاًّ ومعتمداً على نفسه في القيام، فلو اعتمد على حائط ونحوه كفاه أيضاً(1).

الترتيب بين الأجزاء:

(35) يجب أن تؤدّى الأجزاء السابقة بترتيبها الشرعي المتقدّم؛ لأنّ لكلّ منها موضعه ومكانه الخاصّ، فلا يجوز تقديم المؤخّر أو تأخير المقدّم، ومن عاكس وخالف عن قصد وإرادة بطلت صلاته، من قبيل من سجد قبل أن يركع، أو تشهّد قبل أن يسجد، عامداً ملتفتاً إلى أنّ ذلك لا يسوغ(2).



(1) لمعرفة أحكام حالات العجز والضرورة راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 588 ـ 590 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة هوامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

(2) لمعرفة أحكام السهو والنسيان أو عدم الالتفات إلى الحكم الشرعي بعدم الجواز راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 590 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، وأيضاً لمعرفة أحكام للزيادة في الصلاة ومزيد من حالات الخلل راجع: 591 ـ 592، و: 619 ـ 630 من المصدر نفسه، مع مراعاة هوامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.