166

والجواب: أنّ أصالة الجدّ أو أصالة الجهة وإن كانت ساقطة في الجملة في مورد هذه الروايات، فولاية أميرالمؤمنين (عليه السلام) مثلا ثابتة بغضّ النظر عن انتخاب الناس إيّاه، ولكن دار الأمر بين سقوط الجدّ نهائياً في المقام وبين ثبوته في أصل الكبرى بأن يكون أصل الانتخاب مصدراً للولاية، وعدم حاجة أميرالمؤمنين (عليه السلام)إلى الانتخاب إنّما هو لوجود مصدر آخر له للولاية وهو النّصب، لا لبطلان هذا المصدر، فحينما يعلّل ولايته (عليه السلام) بانتخاب الناس إيّاه فظهور هذا التعليل في توقّف ولايته على الانتخاب وإن لم يكن جدّياً لكن ظهوره في أصل كون الانتخاب مصدراً للولاية يحمل على الجدّ بأصالة الجدّ.

وبكلمة أُخرى: إنّ ظهور تعليل ولايته بانتخاب الناس في كون الانتخاب مصدراً للولاية هو في عرض ظهوره في توقّف ولايته على الانتخاب وعدم امتلاكه لمصدر آخر للولاية، وليس الثاني دلالة مطابقية والأوّل التزامية بالتبع، من قبيل ما لو فهمنا كبرى ما من نصّ على أساس تطبيق تلك الكبرى في ذاك النّص على مورد وكان التطبيق تقيّة، فهنا لا نستطيع أن نحتفظ بأصالة الجدّ بلحاظ الكبرى؛ لأنّ الكبرى لم تفهم إلاّ بالالتزام من باب كون التطبيق الصغروي مستلزماً للاعتراف بالكبرى، فإذا كان التطبيق غير جدّي لم يمكن إثبات الكبرى بأصالة الجدّ؛ لأنّ الدلالة الالتزامية تتبع المطابقية في الحجّية، أمّا في ما نحن فيه فالدلالتان عرضيتان.

ويمكن المناقشة في هذا الجواب: بأنّ الدلالتين العرضيتين حينما تكونان لجملتين مثلا أمكن إجراء أصالة الجدّ في إحداهما بعد سقوطها في الأُخرى، ولكن حينما تكونان لعبارة واحدة فهذه العبارة بعد أن أُحرز ثبوت داع غير جدّي

167

لها بلحاظ إحدى الدلالتين لا يوجد أصل عقلائي يقول: فليفرض انضمام داع الجد أيضاً إلى الداعي الأوّل بلحاظ الدلالة الأُخرى.

وهناك جواب آخر يمكن ذكره في جملة من هذه الروايات: وهو أنّ الجملة التي نجري أصالة الجدّ فيها نثبت بهذا الأصل تمحّضها في الجد ولم تصدر أصلا بهدف غير جدّي، فعليّ (عليه السلام) حينما يعلّل ولايته بالبيعة يقصد حقّاً كون بيعته سبباً لولايته، ويكون هذا كلاماً جدّياً، أما الذي كان مداراة للناس بغير جدّ فليس هو ذكره لهذا السبب من الولاية، بل هو سكوته عن ذكر السبب الآخر، وهو النصّ الدالّ على ولايته (عليه السلام) بالتنصيب.

هذا، ولنا تعليقان على كلام صاحب «الدراسات» حيث فرض أنّ المناقشة في أسانيد ما جمعها من الروايات أو الضعف في الدلالة لو كانت لا تضرّ بالاستدلال بها على المقصود؛ لأنّ الهدف هو الاستفادة من مجموع هذه الروايات الموثوق بصدور بعضها إجمالا:

التعليق الأوّل: أنّ ضعف السند إن أمكن تداركه عن طريق دعوى التواتر الإجمالي فضعف الدلالة ـ عادة ـ لا يمكن تداركه بفرض الكثرة العددية للروايات، فلو أنّ أحداً لم يقتنع بدلالة كلّ الروايات التي ذكرت في المقام لا يصحّ إقناعه بأنّنا نهدف إلى الاستفادة من مجموع هذه الروايات، فالمجموع من روايات غير دالة على المقصود لا يكون دالا على المقصود غالباً. نعم، قد يتّفق أنّ حساب الاحتمالات يخلق من مجموع الروايات غير الدالّة دلالة على المقصود، ولكنّه نادر، مثاله: ما إذا فرض أنّ عدداً كبيراً من الروايات كانت مجملة، وكان القاسم المشترك من الاحتمالات في ما بينها هو الاحتمال المطابق للمقصود،

168

فافتراض أنّ كلّ تلك الروايات تطابقت في قبولها لهذا الاحتمال لمجردّالصدفة بعيد بحسب حساب الاحتمالات، فقد يحصل الوثوق بأنّ السبب لصياغة كلّ هذه الروايات صياغة محتملة الانطباق على هذا المعنى هو حقّانية هذاالمفاد في ذاته.

أمّا إذا كانت الروايات ضعيفة الدلالة، لا بمعنى إجمال مفادها وكون المعنى المقصود أحد محتملاتها بل بمعنى أنّ مفادها تطابق على لازم أعمّ للمقصود مثلا، أو أنّ مفادها بالدقّة أجنبيّ عن المقام، فهذا البيان لا يأتي فيه غالباً، فمثلا لو ناقشنا في دلالة الرواية الثانية عشرة بدعوى أن معنى: «الذين أمر اللّه بولايتهم» هو النصب من قبل اللّه للولاية، وأنّ معنى قبولها قبولهم لهذا التمكين وتصدّيهم للمنصب المفوّض إليهم من قبل اللّه تعالى، وناقشنا في دلالة كتب أهل الكوفة: بأنّ ابتزاز أمر الأُمّة لا يعني أنّ الولاية أمر تحت اختيار الأُمّة وقد ابتزّها يزيد بل يعني أنّ الولاية أمر لمصلحة الأُمّة ولأجلها وقد ابتزّها يزيد، وناقشنا في دلالة جواب الإمام الحسين (عليه السلام) بأنّ تعليق قدومه (عليه السلام) إليهم على اجتماع رأي ملئهم وذوي الحجى والفضل منهم على ذلك كان لأجل إحراز تقبّلهم العملي للقضية المتوقّف عليه نجاحه (عليه السلام) في تصدّيه، لا لأجل كون تقبّلهم ورضاهم هو الذي يعطيه الولاية الشرعية، وكيف لا؟! ونحن نقطع في مذهبنا بأنّه حتى لو كان الانتخاب مصدراً آخر للولاية يغنيه من الناحية الشرعية عن مصدرية الانتخاب، وهو النصب من قبل اللّه، وما إلى ذلك من المناقشات، ففي الأعمّ الأغلب سوف لن تكون الحصيلة من المجموع تمامية الدلالة سنخ ما يكون حصيلة أسانيد كثيرة ضعيفة من تمامية السند بلحاظ الاستفاضة أو التواتر.

169

التعليق الثاني: أنّ جميع الروايات التي جمعها صاحب الدراسات في المقام أو غالبيّتها ضعيفة سنداً، وقد حاول علاج ذلك عن طريق دعوى التواتر الإجمالي.

ولكن الواقع أنّ العدد الكافي في حصول التواتر المفيد للعلم في الحالات الاعتياديّة على أساس استبعاد التوافق في الكذب صدفةً لا يكفي في ما إذا كانت هناك نكتة مشتركة احتملنا خلقها لداعي الكذب المشترك في نفوس أكثريّة الناقلين، فخرج فرض التوافق في الكذب عن كونه مجرّد صدفة مستبعدة، وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ طواغيت الزمان الذين كانوا يدّعون الخلافة على أساس بيعة الأُمّة لهم بإمكانهم أن يستفيدوا من هذه الروايات الدالّة على مصدريّة الأُمّة للولاية، فيتطرّق احتمال تعمّد الكذب في أكثر هذه الروايات وكونها مخلوقة لوعّاظ السلاطين.

الوجه التاسع: فحوى ما أفتوا به من الاختيار والانتخاب فيما إذا تعدّد المفتي أو القاضي أو إمام الجماعة، وجواز انتخاب قاضي التحكيم من قبل المترافعين.

ولعلّ هذا أضعف الوجوه التي ذكرها في «الدراسات» في المقام.

وقد ناقشه هو بقوله: «اللهم إلاّ أن يقال: إن الانتخاب هنا بعد تحقّق النصب العامّ وتحقّق المشروعية به»، ولعلّ مقصوده بذلك: أن الانتخاب في هذه الموارد لم يكن هو المصدر للمنصب المفروض؛ لأنّ الحجّية التخييرية ثابتة قبل الانتخاب للفتاوى المتعدّدة ولآراء القضاة المتعدّدين فللمكلّف أن يختار ما شاء منها(1)،في حين أن المدّعى في ما نحن فيه: أنّ الانتخاب هو مصدر الولاية.


(1) لا يخفى أن قاضي التحكيم على القول به ليس من هذا القبيل، فلم يفرض له منصب القضاء في الرتبة السابقة على التحكيم.

170

أقول: لا يخفى أنّ نفوذ الانتخاب في ما نحن فيه يقصد به معنى يستبطن نفوذ رأي الأكثرية على الأقليّة المخالفة، ولا يوجد شيء من هذا القبيل في الأمثلة التي أراد قياس المقام بها، فالانتخاب في ما نحن فيه مع الانتخاب في تلك الأمثلة ذو معنيين متباينين، ولا أدري كيف خطر على البال هذا القياس؟!

الوجه العاشر: آيات وأخبار البيعة، قال اللّه تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً *... لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾(1).

وقال اللّه تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوف فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾(2).

وهناك بيعات أُخرى للمعصومين أيضاً ـ قطعية الثبوت تأريخياً بالتواتر غير ما نطق به القرآن الكريم من بيعة الشجرة أو الرضوان وبيعة النساء ـ كبيعة المسلمين لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) يوم الغدير وبيعتهم له (عليه السلام) بعد مقتل عثمان وبيعتهم للحسن (عليه السلام) بعد وفاة علي (عليه السلام)والبيعة التي أخذها مسلم بن عقيل (عليه السلام) في الكوفة


(1) سورة الفتح: الآية 10 و 18 ـ 19.

(2) سورة الممتحنة: الآية 12.

171

للإمام الحسين (عليه السلام)وبيعة النّاس للإمام الرضا ـ سلام اللّه عليه ـ على ولاية العهد، وكذلك حدّثنا التأريخ أيضاً عن بيعة النساء الأُولى التي كانت مع اثني عشر رجلا في العقبة الأُولى في السنة الثانية عشرة من البعثة وبيعة العقبة الثانية مع ثلاثة وسبعين نفراً والبيعة مع الرجال بعد فتح مكة قبل بيعة النساء.

والروايات الواردة في البيعة كثيرة نقتصر منها على ما يلي:

1 ـ ما في «نهج البلاغة»:

«فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل على أولادها تقولون: البيعة البيعة، قبضت كفّي فبسطتموها ونازعتكم يدي فجاذبتموها، اللهمّ إنّهما قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي وأ لّبا النّاس عليّ»(1).

2 ـ ما في «نهج البلاغة» أيضاً:

«وبسطتم يدي فكففتها ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم عليّ تداكّ الإبل الهيم على حياضها يوم وردها حتى انقطعت النّعل وسقط الرّداء ووطئ الضّعيف، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن ابتهج بها الصغير وهدج إليها الكبير وتحامل نحوها العليل وحسرت إليها الكعاب»(2).


(1) نهج البلاغة: 411، الخطبة 135، طبعة الفيض. والعوذ: جمع عائذ بمعنى حديثة النتاج من الظباء والإبل والخيل سمّيت عائذاً؛ لأنّ ولدها يعوذ بها، والمطافيل: جمع مطفل بمعنى ذات الطفل.

(2) نهج البلاغة: 713، الخطبة 227، طبعة الفيض، والصفحة 350 ـ 351 الخطبة 229، بحسب ضبط وفهرسة الدكتور صبحي صالح. وتداككتم: أي تزاحمتم، وهام: بمعنى عطش، والهدج: مشية الشيخ.

172

3 ـ ما في «نهج البلاغة» أيضاً في كتاب له (عليه السلام) إلى طلحة والزُّبير:

«أمّا بعد فقد علمتما ـ وإن كتمتما ـ أني لم أرد الناس حتى أرادوني ولم أُبايعهم حتّى بايعوني، وإنّكما ممن أرادني وبايعني، وإنّ العامّة لم تبايعني لسلطان غالب ولا لعرض حاضر، فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا وتوبا إلى اللّه من قريب، وإن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتما لي عليكما السّبيل بإظهاركما الطاعة وإسراركما المعصية»(1).

4 ـ ما في «نهج البلاغة» أيضاً في كتاب له إلى معاوية: «إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك للّه رضاً، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولاّه اللّه ما تولّى»(2).

ونقل ذلك أيضاً نصر بن مزاحم في كتاب «وقعة صفين»(3) مع شيء من التفصيل مصدّراً الكلام بقوله: «أما بعد فإنّ بيعتي لزمتك وأنت بالشام؛ لأنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان...».

5 ـ ما في «نهج البلاغة» أيضاً في كتاب له إلى معاوية: «لأنّها بيعة واحدة


(1) نهج البلاغة: 1026 ـ 1027، الرسالة 54، طبعة الفيض، والصفحة 445 ـ 446، بحسب فهرسة الدكتور صبحي صالح.

(2) نهج البلاغة: 831، الرسالة 6، طبعة الفيض، والصفحة: 366 ـ 367، فهرسة الدكتور صبحي صالح.

(3) وقعة صفين: 29، طبعة قم.

173

لا يثنّى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن والمرويفيها مداهن»(1).

6 ـ ما في «نهج البلاغة» أيضاً:

«أيّها الناس إنّ أحقّ النّاس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر اللّه فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل. ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامّة الناس فما إلى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار»(2).

7 ـ ومن كلام له (عليه السلام): «يزعم ـ يعني الزبير ـ أنّه قد بايع بيده ولم يبايع بقلبه، فقد أقرّ بالبيعة وادّعى الوليجة، فليأت عليها بأمر يعرف وإلاّ فليدخل فيما خرج منه»(3).

8 ـ «وأما حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم»(4).

9 ـ من كتاب له (عليه السلام) إلى جرير بن عبداللّه البجلي لمّا أرسله إلى معاوية: «أمّا بعد، فإذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل وخذه بالأمر الجزم، ثمّ خيّره بين حرب مجلية أو سلم مخزية، فإن اختار الحرب فانبذ إليه وإن اختار السّلم فخذ بيعته، والسلام»(5).


(1) نهج البلاغة:834، الرسالة 7، طبعة الفيض، والصفحة:367، فهرسة الدكتور صبحي صالح.

(2) نهج البلاغة: 549، الخطبة 171، طبعة الفيض، والصفحة: 247 ـ 248 الخطبة 173، فهرسة الدكتور صبحي صالح.

(3) نهج البلاغة: 51، الخطبة 8، طبعة الفيض، والصفحة: 540، فهرسة الدكتور صبحي صالح.

(4) نهج البلاغة:105، الخطبة 34، طبعة الفيض، والصفحة: 79، فهرسة الدكتور صبحي صالح.

(5) نهج البلاغة:835، الكتاب 8، طبعة الفيض، والصفحة 368، فهرسة الدكتور صبحي صالح.

174

10 ـ «وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين، بل طائعين مخيّرين»(1).

11 ـ من كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية في أوّل ما بويع له بالخلافة: «فبايع من قبلك، وأقبل إليّ في وفد من أصحابك»(2).

12 ـ ما في كتاب الحسن بن علي (عليه السلام) إلى معاوية: «وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي»(3).

13 ـ ما في غيبة النّعماني عن ابن عقدة عن أحمد بن يوسف عن إسماعيل بن مهران عن ] ابن [ البطائني ] عن أبيه ووهيب [ عن أبي بصير عن أبي عبداللّه (عليه السلام)عن الباقر (عليه السلام): «واللّه لكأ نّي أنظر إليه بين الرّكن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد»(4).

14 ـ ما في غيبة النعماني أيضاً عن ابن عقدة عن علي بن الحسن التيمليّعن محمد وأحمد ابني الحسن عن علي بن يعقوب عن هارون بن مسلم عنعبيد بن زرارة عن أبي عبداللّه (عليه السلام) أنّه قال: «ينادى باسم القائم (عليه السلام) فيؤتىوهو خلف المقام، فيقال له: قد نودي باسمك فما تنتظر؟ ثمّ يؤخذ بيده فيبايع»(5).


(1) نهج البلاغة:822، الكتاب 1، طبعة الفيض، والصفحة 363، فهرسة الدكتور صبحي صالح.

(2) نهج البلاغة: 1070، الكتاب 75، طبعة الفيض، والصفحة 464، فهرسة الدكتورصبحي صالح.

(3) مقاتل الطالبيين: 36، منشورات المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف.

(4) البحار 52: 294، باب يوم خروجه، الحديث 42، وكذلك الصفحة: 135 باب انتظار الفرج، الحديث 40، نقلا عن غيبة النعماني.

(5) البحار 52: 294، باب يوم خروجه، الحديث 43، نقلا عن غيبة النعماني.

175

15 ـ ما عن السرّاح عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر فيبايعه النّاس، ويتّبعونه»(1).

ولا تحضرني فعلا (غيبة النعماني) كي أُسجّل سند الحديث.وروايات بيعة القائم عجّل اللّه فرجه كثيرة تستطيع أن ترى بعضها في البحار(2).

16 ـ ما في الكافي عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن فضّال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام)قال: «من فارق جماعة المسلمين ونكث صفقة الإمام ( الإبهام خ ل ) جاء إلى اللّه أجذم»(3).

ورواه أيضاً بنفس السند بتعبير آخر ليس فيه عنوان نكث الصفقة، ولكن فيه عنوان مفارقة جماعة المسلمين، ونصّ التعبير ما يلي: «من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه»(4).

ورواه في الوسائل عن أحمد بن محمد البرقي في المحاسن عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) بهذا النصّ: «من خلع جماعة المسلمين قدر شبر خلع ربقة الإيمان من عنقه»(5).

ولا أدري كيف فهم صاحب الوسائل من عنوان خلع جماعة المسلمين ترك


(1) دراسات في ولاية الفقيه 1: 521 ـ 522، نقلا عن غيبة النعماني، الباب 14 ما روي في العلامات، الحديث 25.

(2) بحار الأنوار 52: 239، 294، 307، 308، 341.

(3) أُصول الكافي 1: 405 كتاب الحجّة، باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة لأئمّة المسلمين، الحديث 4 و 5، راجع ـ أيضاً ـ البحار 27: 72.

(4) راجع المصدرين المتقدمين.

(5) وسائل الشيعة 5: 377، الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 11.

176

صلاة الجماعة، فرواه في باب كراهة ترك حضور الجماعة؟! وفي البحار نقل عن المحاسن عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «من خلع جماعة المسلمين قدر شبر خلع ربق الإسلام من عنقه، ومن نكث صفقة الإمام جاء إلى اللّه أجذم»(1).

وأبو جميلة هو مفضل بن صالح الوارد في عبارة النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي حيث قال: «روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا، منهم عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح...»(2) ولكن روى عنه الثلاثة الذين شهد الشيخ الطوسي (قدس سره) بأنّهم لا يروون إلاّ عن ثقة.

فإن فهم من كلام النجّاشي أنّ الأصحاب ضعّفوا مفضل بن صالح فقد سقطت بذلك شهادة الشيخ الطوسي في المقام ولو بالتعارض، ولم يبق دليل على وثاقة أبي جميلة، وقد ضعّفه ابن الغضائري بقوله: «ضعيف كذاب يضع الحديث»(3) وإن كان لا عبرة بتضعيفه.

وأما ما رواه في الوسائل عن المحاسن عن محمد بن علي الحلبي فالظاهر ابتلاؤه بالإرسال؛ إذ لا يحتمل رواية أحمد بن محمد البرقي عن الإمام الصادق (عليه السلام) بواسطة راو واحد، فالظاهر أنّ السند الحقيقي هو ما عرفته في باقي النقول، وهو: أحمد بن محمد البرقي عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد بن علي الحلبي.


(1) البحار 2: 267، الباب 33 من أبواب كتاب العلم، الحديث 28.

(2) رجال النجاشي: 128، الرقم 332.

(3) انظر معجم رجال الحديث 18: 287.

177

17 ـ ما جاء في الخصال عن ماجيلويه عن عمّه عن هارون عن ابن زياد عن جعفر بن محمد (عليه السلام): «أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: ثلاث موبقات: نكث الصفقة وترك السنّة وفراق الجماعة وثلاث منجيات: تكفّ لسانك وتبكي على خطيئتك وتلزم بيتك»(1). وسند الرواية غير تامّ.

18 ـ ما جاء في البحار نقلا عن المحاسن عن عبداللّه بن علي العمري عن علي بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام)قال: «ثلاث موبقات: نكث الصفقة وترك السنّة وفرّق الجماعة»(2) وسند الرواية غير تام.

وقد ورد في روايات غير تامّة السند تفسير الجماعة بمعنى خصوص أهل الحق من قبيل:

1 ـ ما عن أمالي الصدوق عن الهمداني عن علي عن أبيه عن نصر بنعلي الجهضني عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عن آبائه (عليهم السلام) قال: قالرسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام منعنقه قيل: يا رسول اللّه وما جماعة المسلمين؟ قال: جماعة أهل الحقّوإن قلّوا»(3).

2 ـ ما عن معاني الأخبار للصدوق (قدس سره) عن أبيه عن سعد عن البرقي عنأبي يحيى الواسطي عن عبد اللّه بن يحيى الواسطي عن عبد اللّه بن يحيى بن


(1) بحار الأنوار 27: 68، الباب 3 من أبواب كتاب الإمامة، الحديث 4، نقلا عن الخصال.

(2) المصدر السابق 2: 266، الباب 33 من كتاب العلم، الحديث 25.

(3) بحار الأنوار 27: 67، الباب 3 من أبواب كتاب الإمامة، الحديث الأول، نقلا عن أمالي الصدوق.

178

عبد اللّه العلوي رفعه قال: «قيل يا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ما جماعة أُمتّك؟ قال:من كان على الحقّ وإن كانوا عشرة»(1).

3 ـ ما عن معاني الأخبار أيضاً عن أبيه عن سعد عن البرقي عن الحجال عن ابن أبي حميد رفعه قال: «جاء رجل إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) فقال: أخبرني عن السنّة والبدعة وعن الجماعة وعن الفرقة. فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام): السّنة ما سنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)والبدعة ما أُحدث من بعده، والجماعة أهل الحقّ وإن كانوا قليلا، والفرقة أهل الباطل وإن كانوا كثيراً»(2).

ومما لا إشكال فيه أن السيرة المستمرّة للمسلمين كانت على البيعة، إما للخليفة الحقّ كأميرالمؤمنين (عليه السلام) والحسن والحسين (عليهم السلام)وإما لخلفاء الجور.

 

التمسك بأدلّة البيعة لمشروعية الانتخاب:

وبهذا العرض ينفتح أمامنا الباب لعدّة بيانات لكيفية استفادة المقصود ـ أعني مشروعية الانتخاب ـ من أدلّة البيعة:

البيان الأول: أن نستفيد من نفس البيعة التي وقعت للمعصومين (عليهم السلام)، وذلك بأن يقال: إنّ المفهوم عرفاً وارتكازاً منها أنّ البيعة كانت التزاماً بالطاعة، وأنهم كانوا يرون هذا الالتزام ملزماً لهم، ودخول المعصومين (عليهم السلام) معهم في هذا العمل إمّا يكون بدعوة من المعصوم إلى ذلك كما هو الحال في بيعة الشجرة وبيعة النساء،


(1) المصدر السابق 2: 265، الباب 33 من أبواب كتاب العلم، الحديث 21، نقلا عن معاني الأخبار.

(2) بحار الأنوار 2: 266، الحديث 23، نقلا عن معاني الأخبار.

179

أو تقريراً له على ما قصدوه كما هو الحال في البيعة لعليّ (عليه السلام) بعد مقتل عثمان، وعلى كلّ تقدير يثبت بذلك كون البيعة ملزمة للطاعة، ومن الواضح أنّه لا تتفق عادة بيعة الكلّ، ولو اتفقت فرضاً فما أسرع ما يأتي جيل لم يبايعوا لكونهم معدومين أو قاصرين وقت البيعة، ولم يكن المرتكز تكرار البيعة بين حين وحين، وهذا يعني نفوذ البيعة على الأُمّة حينما يصدق عرفاً أنّ الأُمّة قد بايعت ـ مثلا ـ رغم تخلّف عدد منهم عن البيعة وهذا يعني حجية الانتخاب ونفوذه على غير المنتخبين الأقلّية وعلى الجيل الجديد حيث كان الانتخاب لزمان واسع يشمل فترة الجيل الجديد.

وما يمكن أن يورد به على هذا البيان أُمور:

الأوّل: أننا نعلم بضرورة من مذهب الشيعة أن المعصوم (عليه السلام) كان واجب الطاعة بالنص، ولم يكن يتوقّف وجوب طاعته على البيعة؛ لأنّ إمامته بالنصب كانت ثابتة من اللّه تعالى، إذن فالبيعة لم تفد إلزاماً للطاعة؛ لأنّ ذلك تحصيل للحاصل، وأكثر ما ورد في آية بيعة النساء من الأحكام التي بايعت النساء الرسول (صلى الله عليه وآله) عليها هي أحكام أوّلية واجبة عليهن من قبل اللّه تعالى، سواء فرضت ولاية للرسول (صلى الله عليه وآله) أو لا، ومع ذلك وقعت البيعة عليها، أفهل يقال: إنّ هذه البيعة أفادت إلزام النساء بتلك الأحكام؟!

والجواب: أنّه لا مانع من افتراض كون البيعة ملزمة للطاعة، فإذا اجتمعت مع ملزم آخر، وهو النصّ أو مع الوجوب الأوّلي الإلهي أوجبت التأكّد، وكان وجوب الطاعة مستنداً بقاءً إلى سببين: النصّ والبيعة، فمن عصى بعد البيعة اشتدّ ما يستحقّه من العذاب، أما إذا انفصلت البيعة عن النصّ كما في من تبايعه الأُمّة لدى

180

غيبة المعصوم بناء على عدم ثبوت الولاية له بالنصّ فالبيعة وحدها ستكفي لإثبات وجوب الطاعة؛ لأنّها في نفسها أحد السببين لذلك.

الثاني: أنّ فعل المعصوم أو تقريره دليل لبيّ لا إطلاق له، والقدر المتيقن مما نستفيده مما وقع من البيعة للمعصوم (عليه السلام) هو أنّ البيعة تفيد إلزام الطاعة، ويجب الوفاء بها حينما تكون بيعة لمن وجبت طاعته مسبقاً بالنصّ، فالمعصوم وإن كان واجب الطاعة في نفسه؛ لأنه كان منصوباً من قبل اللّه للإمامة، ولكن البيعة معه أفادت تأكّد وجوب الطاعة، أمّا أنّ البيعة لغير المنصوب مسبقاً للإمامة تفيد وجوب الطاعة ويجب الوفاء بها فهذا غير مفهوم من هذا الفعل أو التقرير؛ لعدم الإطلاق فيه كما قلنا.

والجواب: أنّ الفعل حينما لا يتركّز له ـ وفق المناسبات العقلائية ـ تفسير في الذهن يكون صدوره من المعصوم أو تقريره إياه دالا على مشروعيته بقدر ما يماثل المورد، ولا يمكن التعدّي منه إلى دائرة أوسع، ولكن حينما يفهم بالارتكاز والمناسبات من ذاك الفعل أمر معيّن فلا محالة يكون المفهوم عرفاً من ذاك الفعل أو التقرير صحّة ذاك الأمر الذي ينتزعه الناس من ذاك الفعل، وهذا الظهور ـ كظهور اللفظ ـ حجّة يؤخذ به، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ المفهوم عرفاً ممّا وقع من البيعة مع المعصوم هو أنّ البيعة كانت معاهدة يجب الوفاء بها، وتوجب الالتزام بإمرة من بايعوه، فإن لم نقبل أنّ إفادة البيعة لذلك ارتكازية ابتداءً فلا أقلّ من قبول أنه بعد أن يرى العرف والعقلاء أنّ البيعة وقعت مع المعصوم وبموافقة المعصوم (عليه السلام) لايرى لذلك تفسير عدا أنّ البيعة نوع عقد يرى المعصوم (عليه السلام)وجوب الوفاء به بذاته، فلو وقعت مع غير المعصوم وجب أيضاً الوفاء بها.

181

الثالث: أننا نقبل أنّ التفسير العرفي الوحيد للبيعة لم يكن عدا كونها معاهدة يجب الوفاء بها، لكن هذا التفسير العقلائي لذلك حاله حال أدلّة الوجوب بالعقد والعهد لا يشمل عدا المتعلّق المشروع في نفسه ولا يشمل عدا طرفي العقد، وأمّا الأقلّية الذين لم يبايعوا فهم غير مشمولين لحكم البيعة، ولم يعرف في التأريخ أنّ بيعة المعصومين (عليهم السلام) كانت بهدف كونها سبباً للولاية حتى على الذين لم يبايعوا، فيا ترى هل بيعة الاثني عشر نفراً للنبيّ (صلى الله عليه وآله) في بيعة العقبة الأُولى أو بيعة الثلاثة وسبعين نفراً معه (صلى الله عليه وآله) في بيعة العقبة الثانية كانت تعني قصد خلق الولاية على الآخرين، أو كانت تعني مجرّد تعاهد لهؤلاء مع النبي (صلى الله عليه وآله) على ما تعاهدوا عليه من مفاد بيعة النساء في الأُولى، ومن الطاعة والدفاع عن النبي (صلى الله عليه وآله) في الثانية؟! وكذلك بيعة الرضوان وقعت بعد أن خشي النبي (صلى الله عليه وآله) أن يتركه المسلمون الذين كانوا معه في الحديبية باعتبار أنهم كانوا يخشون من مواجهة مشركي مكّة، ولم يكونوا متأهّبين للحرب ومسلّحين بما يناسب الحرب؛ لأنّهم كانوا قد خرجوا بأمر النبي (صلى الله عليه وآله) قاصدين الحج لا الحرب، فتحسّباً لاحتمالات وقوع ما يخشى وقوعه بينهم وبين مشركي مكّة أخذ الرسول (صلى الله عليه وآله) منهم جميعاً البيعة على الطاعة والدفاع، ولم تكن لذلك علاقة بفكرة نشر الولاية على سائر المسلمين الذين لم يبايعوا، وكذلك بيعته (صلى الله عليه وآله) بعد فتح مكّة مع الرجال ثمّ مع النساء لا يوجد أيّ شاهد تأريخي على أنها كانت بمعنى البيعة على ولاية تشمل غير المبايعين، كما ليس هناك شاهد على ذلك فيما وقع من البيعة لعليّ (عليه السلام) بعد مقتل عثمان عدا ما ورد من احتجاج عليّ (عليه السلام) بتلك البيعة على مثل معاوية الذي لم يبايع، وهذا ما سنشير إليه إن شاء اللّه في البيان الثالث، وبيعة الغدير التي وقعت بعد فرض النبيّ (صلى الله عليه وآله)

182

الولاية بقوله: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» لا يفهم منها عرفاً أيضاً أكثر من تعهّد المتبايعين بالوفاء بما حصلت عليهم من ولايته (عليه السلام).

البيان الثاني: أننا لا نتمسّك بخصوص ما وقع من البيعة للمعصوم كي يورد عليه مثلا احتمال كون أثر البيعة منحصراً في تأكيد ولاية مسبقة ثابتة بالنصّ، بل نتمسّك بسيرة المسلمين على البيعة حتى لخلفاء الجور الذين لم يكن يعتقد أحد من المسلمين بولايتهم المسبقة على البيعة بنصّ إلهي، فلا شكّ أنّ هذه البيعة كانت بعقلية خلق الولاية وإضفاء الشرعية على خلافتهم، بل وكذلك بيعتهم لعليّ (عليه السلام) بعد عثمان فإنّها لم تكن بروح ثبوت ولايته مسبقاً بالنصّ، وإلاّ لاعترفوا بكونه الخليفة الأوّل، في حين أنّهم لم يعترفوا إلاّ بكونه الخليفة الرابع.

وهذه السيرة كانت بمرأى ومسمع من المعصومين (عليهم السلام)، وصحيح أنه قد وصلتنا روايات كثيرة دالّة على الردع عن بيعتهم لخلفاء الجور بلسان اشتراط العصمة في الإمامة أو اشتراط النصّ(1) من قبيل ما عن سليمان بن مهران عن أبي عبداللّه (عليه السلام)قال: «عشر خصال من صفات الإمام: العصمة والنصوص، وأن يكون أعلم الناس، وأتقاهم للّه، وأعلمهم بكتاب اللّه، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة، ويكون له المعجز والدليل، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يكون له فيء، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه»(2)، وما عن سليم بن قيس قال: سمعت أميرالمؤمنين (عليه السلام)


(1) راجع بحار الأنوار 23: 66 ـ 75، باب أن الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ، و 25: 115 ـ 175، باب جامع في صفات الإمام وشرائط الإمامة، و 25: 191 ـ 211، باب عصمتهم ولزوم عصمة الإمام.

(2) بحار الأنوار 25: 140، باب جامع في صفات الإمام وشرائط الإمامة، الحديث 12.

183

يقول: «إنّما الطاعة للّه عزّ وجل ولرسوله ولولاة الأمر، وإنّما أمر بطاعة أُولي الأمر؛ لأنّهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصيته»(1)، وما عن البزنطي عن الإمام الرضا (عليه السلام): «أما علمت أن الإمام الفرض عليه والواجب من اللّه إذا خاف الفوت على نفسه أن يحتجّ في الإمام من بعده بحجّة معروفة مبيّنة...»(2)، وما عن يزيد بن الحسن الكحّال، عن أبيه، عن موسى بن جعفر (عليه السلام)عن أبيه عن جدّه عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: «الإمام منّا لا يكون إلاّ معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، فلذلك لا يكون إلاّ منصوصاً»(3).

وما عن سعد بن عبداللّه القميّ قال: «سألت القائم (عليه السلام) في حجر أبيه، فقلت: أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم. قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح. قال: هل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى. قال: فهي العلّة أيّدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك؟ قلت: نعم. قال: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللّه وأنزل عليهم الكتب وأ يّدهم بالوحي والعصمة؛ إذ هم أعلام الأُمم وأهدى أن لو ثبت ( فأهدى إلى ثبت خ ل ) الاختيار، ومنهم موسى وعيسى (عليهما السلام)هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنه مؤمن؟ قلت: لا. قال: فهذا موسى كليم اللّه مع وفور عقلهوكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات


(1) المصدر السابق 25: 200، باب عصمتهم ولزوم عصمة الإمام، الحديث 11.

(2) المصدر السابق 23: 67، باب أن الإمامة لا تكون إلاّ بالنص، الحديث الأول.

(3) بحار الأنوار 25: 194، باب عصمتهم ولزوم عصمة الإمام، الحديث 5.

184

ربّه سبعين رجلا ممن لم يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال اللّه عزّ وجل: ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا... ﴾(1)، فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لااختيار لمن لايعلم ما تخفي الصدور وما تكنّ الضمائر وتنصرف عنه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصلاح»(2)وما إلى ذلك من الروايات بهذه المضامين الرادعة عن بيعتهم لخلفاء الجور.

إلاّ أنّ هذا الردع يوجد فيه احتمالان:

الاحتمال الأوّل: أن يكون ردعاً عن تحقّق الولاية بالبيعة بمعنى حقّ الإمارة، لا بمعنى خصوص إمامة الإمام الذي هو السبب المتصل بين الأرض والسماء، فصحيح أنّ وصف العصمة أو ورود النصّ الخاصّ إنما هو من مزايا الإمام الذي هو السبب المتصّل بين الأرض والسماء، ولكن معنى هذه الروايات أنّ الولاية منحصرة بإمام من هذا القبيل، فغيره لا يستطيع أن يكسب الولاية بمجرّد بيعة الناس إيّاه ولو في خصوص فرض غياب المعصوم، وبعنوان النيابة والبدليّة عن المعصوم، لا بعنوان جعله مقابلا للمعصوم.

وهذا الاحتمال باطل بالضرورة؛ لأنّ لازمه هو أنه إذا غاب الإمام المعصوم ودار أمر إدارة الأُمور وتولّي أُمور المسلمين بين أن يكون بيد المؤمنين أو بيد المنافقين أو الفاسقين أو الكافرين وجب على المؤمنين أن يتخلّوا عن ذلك؛


(1) سورة الأعراف: الآية 155.

(2) بحار الأنوار 23: 68 ـ 69، باب أنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنص، الحديث 3.

185

لأنّ الولاية مشروطة بالعصمة والنصّ غير الموجودين، فلتقع الأُمور بيد الكفرة أو الفسقة أو المنافقين، وهذا ضروري البطلان فإنّنا لا نتكلّم في فرض حاجة استلام المؤمنين للسلطة إلى خوض المعركة الدامية في إسقاط النظام الجائر كي تأتي شبهات من لا يجوّز ذلك، بل لنفترض ـ لحصر الحديث في النقطة المطلوب تمحيصها ـ أننا لسنا بحاجة إلى خوض معركة من هذا القبيل، ولو من باب أن هذه المعركة خاضها من كان قبلنا، وكان يعتقد بجوازها، كما هو الحال في زماننا هذا في إيران حيث إنّ الإمام الخميني ـ تغمّده اللّه برحمته ـ خاض معركة إسقاط نظام الشاه الجائر، ونجح فيها، فسواء فرض أنّ عمله كان صحيحاً أو فرض أنه كان مخطئاً في فتواه بجواز خوض معركة من هذا القبيل هل يحتمل فقهياً أنه ـ بعد أن خاضها هذا الذي كان يرى جواز ذلك بل وجوبه وأراح البلاد من ذاك الطاغية ـ يحرم على المؤمنين التصدّي لأُمور السلطة والولاية، فليتنحّوا عن الحكم كي يأتي نظام الشاه أو نظام أتعس من نظام الشاه؟!

فنحن هنا حينما نبحث مسألة الانتخاب لا نحتاج إلى البحث عن أصل مسألة استلام الولاية؛ لأنّ هذا بحث بحثناه بلحاظ خصوص استلام الفقيه للولاية في المسألة الأُولى، فيكفينا أن نبحث هنا بعد الفراغ عن صحة استلام الولاية في الجملة لغير المعصوم ـ عن أنّ هذا هل يرتبط بالانتخاب أو لا؟ وهذه الروايات لو حملت على هذا المعنى الباطل كان مفادها إبطال أصل ولاية غير المعصوم، وقد فرغنا عن صحتها في الجملة.

الاحتمال الثاني: أن يفترض أنّ هذه الروايات تنظر إلى إمامة الإمام بالمعنى الذي يكون سبباً متّصلا بين الأرض والسماء، وتحصر ذلك بفرض العصمة

186

والنص، وتكون في نفس الوقت ردعاً عن بيعة غير المعصوم بمعنى أنه مع وجود الإمام الذي هو سبب متّصل بين الأرض والسماء لا مورد للبيعة لغيره، أو يفترض أنها تنظر مباشرة إلى شرط الولاية بمعنى الإمارة وتحصرها في الإمام المعصوم عند وجوده.

وهذا الاحتمال هو المتعيّن بعد إبطال الاحتمال الأوّل. إذن فهذه الروايات ليست ردعاً عن كبرى فكرة تحقّق الولاية بالبيعة ابتداءً، وإنما تكون ردعاً عن الصغرى المتمثّلة في البيعة لغير المعصوم في مقابل المعصوم وبالرغم من وجود المعصوم. وعليه فأصل كبرى البيعة التي كانت مركوزة في أذهان المسلمين ولو لغير المعصوم لم يردع عنها مطلقاً وإن وقع الردع عن المصداق. إذن فباستطاعتنا أن نستفيد من ذات الارتكاز غير المردوع عنه صحة البيعة والانتخاب بعد ضرورة أصل التصدّي للولاية والسلطة ولو بالحسبة.

وليس هذا تمسكاً بالارتكاز العقلائي الثابت في باب العقود الذي يرد عليه: أنه لا يثبت الولاية على الأقلية غير الراضية بحكم الأكثرية، بل تمسك بسيرة المسلمين على البيعة وارتكاز إفادتها للولاية في أذهانهم كمسلمين.

إلاّ أنه يرد على هذا الوجه أنه لم يثبت لنا أنّ بيعة المسلمين لخلفاء الجور كانت بروح خلق الولاية على غير المبايعين، فلعلهم كانوا يفترضون أنّ إمرة بعض المسلمين على المجتمع لابدّ منها ولو حسبة، وأنّ الأمير لا يستطيع أن يفعل شيئاً لولا امتلاكه لأنصار ومدافعين عنه ومطيعين له، فكان المبايعون يبايعونه على نصرته وإطاعته والدفاع عنه، سنخ ما مضى من مبايعتهم لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وكان ذلك تعهّداً لا يرتبط إلاّ بمن دخل في هذا التعّهد دون من لم يدخل فيه من أقليّة أو

187

أكثرية، أو لعلّ الخليفة الجائر كان يريد فرض زعامته بالقهر والغلبة ولم يكن ليتمّ له ذلك لو لم يحرز أنصاراً وأعواناً لنفسه، وأخذ البيعة كان عبارة عن أخذ التعهّد من المبايع على النصرة والعون.

ويشهد لذلك في خصوص بيعة الناس لعمر أنها وقعت بعد تعيينه بالنصّ من قبل الخليفة الأوّل، فمن البعيد افتراض أنها كانت بروح تعيينه الآن خليفة وإضفاء الولاية له على غير المبايعين أيضاً، وكذلك بيعة عثمان إنّما وقعت بعد فرض تعيينه بالشورى السداسية، فكأنّها كانت تعهّداً بالوفاء بالولاية لمن فرغوا عن ولايته لا تعهّداً بولاية تسحب على غير المبايعين أيضاً.

البيان الثالث: أن يتمسك بما مضى من احتجاجات أميرالمؤمنين (عليه السلام) على إمامته ـ سلام اللّه عليه ـ ببيعة الناس، فهذا الاحتجاج وإن كان جدلياً بلحاظ أنه (عليه السلام) كانت ولايته ثابتة بالنصّ وبلا حاجة إلى البيعة، لكن تلك الاحتجاجات تدلّ على أيّ حال على كبرى أنّ البيعة أيضاً سبب لخلق الولاية بغضّ النظر عن النصّ، وحملها على الاحتجاج الجدليّ البحت حتى بلحاظ هذه الكبرى بحاجة إلى دليل مفقود، فالقدر المتيقن من سقوط أصالة الجدّ في المقام إنما هو سقوطها بلحاظ ظهور سكوته (عليه السلام) في احتجاجاته عن ثبوت النصّ بشأنه في حصر ولايته بسبب البيعة، دون ظهور كلامه (عليه السلام) في كبرى أنّ البيعة بغضّ النظر عن النصّتورث الولاية.

ولو كان هناك إجمال في هذه الروايات في تشخيص ما هو المقدار اللازممن البيعة الذي يوجب النفوذ على الآخرين الذين لم يبايعوا فلا إشكال فيأنّ بيعة الأكثريّة قدر متيقّن من ذلك، ولعلّ ما في بعض النصوص من فرض

188

كون البيعة للمهاجرين والأنصار يكون بنكتة أنّهم كانوا من أهل الحلّ والعقد فكانت الأكثريّة ترضى برضاهم.

فإن لم نشكّك في أسانيد تلك الاحتجاجات وافترضنا قطعيّة صدق بعضها فدلالتها على المقصود تامّة، ولكن أ نّى لنا بقطعيّة السند؟!

البيان الرابع: الاستفادة من روايات حرمة نكث الصفقة وفراق الجماعة، والظاهر أنّ المقصود بنكث الصفقة ليس مثل نكث صفقة البيع مثلا، وإنما المقصود هو نكث بيعة الإمام، وذلك بقرينة جعله في سياق فراق الجماعة، ويؤيّد ذلك ما ورد في بعض النقول من التعبير بنكث صفقة الإمام. إذن فهذه الروايات تدلّ على حرمة نكث البيعة على الولاية، وهذا ظاهره عرفاً أنّ البيعة تخلق الولاية مستقلةً عن النصّ وغير مقيّده بولاية مسبقة، فلو فرض أنّه يرد على الاستدلال بالسيرة على بيعة المعصوم وبآيات البيعة: أنّه لا إطلاق له للبيعة لمن لم تثبت له الولاية مسبقاً، لا يرد هذا الإشكال على هذا الوجه. نعم حرمة نكث البيعة لا تشمل الأقليّة الذين لم يبايعوا، إذ لا معنى لنكث البيعة بالنسبة لهم، ولكن يشملهم عنوان فراق الجماعة، فتثبت لذلك حرمة مخالفتهم لمن بايعته الأُمّة، وهذا أيضاً لا يرد عليه إشكال احتمال الاختصاص بالبيعة لمن ثبتت له الولاية مسبقاً؛ لأنّ ظاهر هذا النصّ أيضاً أنّ اجتماع الأُمة على من بويع بذاته يورث الولاية بقطع النظر عن ولاية مسبقة.

وهذه الروايات وإن كانت ضعيفة السند ولكن قد يدعى أنّ النهي عن فراق الجماعة كان مشتهراً إلى حدّ أنك عرفت ورود روايات في السؤال عن معنى الجماعة، وجواب الرسول (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام)بأنهم جماعة أهل الحقّ وإن قلّوا مما

189

يشهد لكون حديث النهي عن فراق الجماعة نصّاً معهوداً في الأذهان، فورد السؤال عن معنى الجماعة من دون ذكر لنفس النصّ.

واحتمال الافتراء في هذا النصّ وتشهيره من قبل وعّاظ السلاطين لصالح الطاغوت موجود، بأن يكون ذلك منسوجاً ضدّ الشيعة الذين كانوا في الأقليّة، فكانوا يعدّون مفارقين لجماعة المسلمين أو خالعين لجماعة المسلمين، ولكن هذا الاحتمال لا يرد في الروايات التي فسّرت الجماعة بمعنى جماعة أهل الحقّ وإن قلّوا، وهي وإن كانت أخبار آحاد وغير تامّة السند لكنها على أية حال تصلح لتأييد المقصود.

وتقريب الاستشهاد بهذه الروايات هو أنّ المحتملات في المقصود من كلمة جماعة المسلمين ثلاثة:

الأوّل: أن يكون المقصود غالبية المسلمين والذين كانوا وقتئذ همجاً رعاعاً تبعوا خليفة الجور، وعلى هذا الاحتمال تكون هذه الروايات مجعولة من قبل وعّاظ السلاطين، ولكن هذا الاحتمال كما قلنا لا يتطرّق في الروايات التي فسّرت جماعة المسلمين بجماعة أهل الحقّ وإن قلّوا أو وإن كانوا عشرة.

والثاني: أن يكون المقصود بالجماعة جماعة أهل الحقّ كما فسّرت بذلك في بعض تلك الروايات على ما عرفت، وتكون النكتة في تحريم مفارقة الجماعة هي أنّهم افترضوا مسبقاً أهل الحقّ، فمخالفتهم تعني مخالفة الحقّ، وليست النكتة في ذلك كامنة في عنوان الجماعة بما هي جماعة، وبناء على هذا التفسير تكون هذه الروايات أجنبية عن ما نحن فيه، إلاّ أنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر؛ لأنّ الظاهر من تحريم مفارقة الجماعة كون نكتة التحريم كامنة في عنوان الجماعة بما هي جماعة.

190

والثالث: أن يكون المقصود من الجماعة جماعة أهل الحقّ كما هو الحال في الاحتمال الثاني، ولكن نكتة التحريم تكمن في عنوان الجماعة بما هي جماعة، ولا يكون المقصود من أهل الحقّ خصوص الذين بايعوا من ثبتت له الولاية مسبقاً وقبل البيعة، بل المقصود بذلك الذين بايعوا من يكون أهلا للبيعة وواجداً لشرائط إلباسه ثوب الولاية؛ إذ لا إشكال في أنه لا يتمّ منح الولاية بالبيعة لكل أحد ولو كان فاسقاً فاجراً. إذن فمعنى الرواية: أن بيعة أكثرية من لا يبايع إلاّ المتواجد لشروط أهلية الولاية تنفذ على الآخرين وإن كانوا بالقياس إلى الذين يبايعون الطاغوت قلّة، فإذا بطل الاحتمال الأوّل والثاني تعيّن هذا الاحتمال وبه تثبت شرعية الانتخاب.

إلاّ أنّ ضعف هذا الوجه كما أشرنا إليه عبارة عن ضعف الأسانيد.

وقد اتّضح بهذا العرض أنّ جميع هذه الوجوه العشرة للانتخاب غير تامّ.

 

الترجيح بالانتخاب بعد فرض صلاحيّة الولاية:

 

وهناك وجه آخر غير هذه الوجوه العشرة ذكره في «الدراسات» لا لإثبات شرعية الانتخاب في تحقيق الولاية ابتداءً، بل لإثبات أنه بعد فرض الفراغ عن صلاحية فئة من الناس واجدة لمواصفات معيّنة لاستلام الولاية ـ وليفترض أنهم هم الفقهاء الواجدون للشرائط ـ لابدّ عقلا من تدخّل الانتخاب في تعيين الوليّ، وأنا أصوغ الوجه العقلي الذي ذكره(1) بهذه الصياغة:


(1) راجع دراسات في ولاية الفقيه 1: 409 ـ 415.