264

وتقضي ما تركته من عبادة في كلّ تلك الأيام السابقة.

(77) الخامس: المبتدئة، وهي التي ترى الدم لأول مرّة.

وهذه تثبت أن الدم حيض إذا كان بصفات الحيض على ما تقدّم، فإذا حاضت وتجاوز دمها العشرة فلها حالتان كالمضطربة:

الاُولى: أن يكون الدم طيلة المدّة بصفات الحيض، فتلجأ إلى عادة أقاربها، فتجعل الحيض بعدد عادتهنّ، والباقي استحاضة، وإذا لم يتسنّ لها ذلك بأن لم يوجد لها أقارب أو كنّ مختلفات في عادتهنّ(1) أمكنها أن تجعل الحيض ستّة أو سبعة أيام(2)، والباقي استحاضة، واختيار الستّة أو السبعة يعود إليها.

الثانية: أن يكون الدم مختلفاً، فبعضه بصفة الحيض، وبعضه بدون هذه الصفة، فتجعل ما كان على شاكلة دم الحيض حيضاً، والباقي استحاضة، مع ملاحظة ما تقدّم من استثناءات في المضطربة.

وينبغي الإشارة إلى أنّ الحالة الثانية هنا كالحالة الثانية في المضطربة، تتحقّق: تارةً بأن يكون الدم في فترة أحمر وفي فترة اُخرى أصفر، وتتحقّق: اُخرى بأن يكون في فترة أسود أو مائلا إلى السواد، وفي فترة اُخرى أحمر فتجعل الحيض أشد الدمين لوناً.

تجاوز الدم للعشرة على قسمين:

(78) وتجاوز الدم للعشرة الذي تنطبق عليه الأحكام السابقة على نحوين:

 


(1) الظاهر لدى اختلاف الأقارب التخيير بين عاداتهنّ المختلفة.
(2) أو تفرض العدد في المرّة الاُولى عشرةً وفي باقي المرّات ثلاثة.
265

الأول: أن يظلّ الدم مستمرّاً بدون انقطاع حتّى تمضي عشرة أيام ويدخل اليوم الحادي عشر.

الثاني: أن يتواجد الدم فترةً وينقطع، وقبل أن يستمرّ الانقطاع عشرة أيام يعود الدم من جديد.

وأمّا إذا كانت فترة الانقطاع عشرة أيام فكلا الدمين حيض، وفقاً للقواعد السابقة. ولا ينطبق عليه حكم تجاوز الدم للعشرة.

تطبيقات وتكميلات:

(79) مساعدةً للمرأة على التعرّف على الحكم الشرعي لما تراه من الدم على ضوء القواعد السابقة نستعرض في ما يلي عشر حالات، ونطبّق عليها ما تقدّم من قواعد؛ لتكون لديها خبرة بكيفية تطبيق الحكم الشرعي:

1 ـ إذا رأت المرأة ـ أيّ امرأة ـ الدم بصفة الحيض ثلاثة أيام فصاعداً إلى عشرة، ثمّ انقطع عنها عشرة أيام، ثمّ رأته بنفس الصفة ثلاثة أيام فصاعداً إلى العشرة كان كلّ من الدمين حيضاً، والفترة الواقعة بينهما فترة طهر ونقاء.

2 ـ إذا رأت المرأة ـ أيّ امرأة ـ الدم بصفة الحيض ثلاثة أيام، ثمّ انقطع بضعة أيام، وعاد مرّةً اُخرى بصفة الحيض أيضاً، وانقطع قبل أن تتجاوز عشرة أيام من ابتداء الدم الأول معها اعتبرت هذه الأيام كلّها أيام حيض، بما فيها فترة الانقطاع القصيرة الواقعة بين الدمين.

3 ـ إذا رأت المرأة ـ أيّ امرأة ـ الدم بصفة الحيض، ثمّ انقطع قبل اكتمال ثلاثة أيام، وعاد بصفة الحيض بعد يوم أو يومين أو أكثر كان الدم الثاني حيضاً دون الأول؛ لأنّه لم يتوفّر فيه الشرط الثاني من الشروط العامة لدم الحيض الذي تقدم في الفقرة (57) من هذا الفصل.

266

4 ـ إذا رأت المرأة ـ أيّ امرأة ـ الدم بصفة الحيض ثلاثة أيام أو أكثر، ثمّ تحوّل الدم إلى أصفر يوماً أو يومين أو أكثر، وعاد بعد ذلك إلى صفة الحيض ولم يتجاوز عشرة أيام من ابتداء رؤية الدم جعلت الكلّ حيضاً.

5 ـ إذا رأت المرأة ـ أيّ امرأة باستثناء ذات العادة الوقتية ـ دماً أصفر فلا تعتبره حيضاً، بل تكون مستحاضة، وهذا الحكم ينطبق على ذات العادة العددية إذا رأت دماً أصفر، ولو استمرّ بعدد أيام عادتها فإنّها تعتبره استحاضةً لا حيضاً.

وأمّا ذات العادة الوقتية فما تراه من دم أصفر في غير موعدها المقرّر ينطبق عليها الحكم نفسه أيضاً، وما تراه في موعدها المقرّر يعتبر حيضاً، كما تقدم.

6 ـ إذا رأت المرأة في غير أيام العادة دماً أصفر اللون ثم أصبح أحمر بصفة الحيض، واستمرّ بالصفة نفسها ثلاثة أيام أو أكثر جعلت نفسها مستحاضةً في الأيام التي كان الدم فيها أصفر، واعتبرت الدم حيضاً من حين تواجده بصفة الحيض.

7 ـ ذات العادة الوقتية والعددية قد ترى الدم في أيام عادتها وينقطع قبل أن تستكمل العدد.

مثال ذلك: امرأة كان وقت عادتها أوّل الشهر وعدد أيام عادتها اُسبوعاً، فرأت الدم أوّل الشهر خمسة أيام، ثمّ انقطع خمسة أيام، وبعد ذلك رأت دماً بصفة الحيض اُسبوعاً فهل يمكن أن تعتبر الدم الثاني حيضاً بدلا عن الأول لأنّه يتطابق مع العدد ؟

والجواب: لا، بل تعتبر الدم الأول حيضاً ولو كان أصفر، وتعتبر الثاني استحاضةً ولو كان بصفة الحيض.

267

8 ـ إذا رأت ذات العادة الوقتية دماً قبل موعدها بثلاثة أيام أو أكثر واستمرّ إلى أيام العادة وإلى ما بعدها وكان المجموع لا يزيد على عشرة أيام فهو منذ يومين قبل موعد العادة حيض بدون شكٍّ، سواء كان أحمر أو أصفر، وما كان منه قبل ذلك يعتبر حيضاً إذا كان بصفة الحيض، ويعتبر استحاضةً إذا لم يكن بصفته وعلى شاكلته.

9 ـ إذا رأت ذات العادة الوقتية والعددية دماً قبل موعدها الشهريّ بأيام واستمرّ إلى ما بعد انتهاء عادتها بأيام وتجاوز عشرة أيام من حين ابتدائه جعلت الدم الذي في أيام العادة حيضاً، وغيره ممّا تقدّم أو تأخّر عنه استحاضة، بمعنى أنّها تقضي ما تركته في الفترة المتقدّمة أو المتأخّرة.

10 ـ إذا رأت ذات العادة العددية دماً بصفة الحيض ثلاثة أيام أو أكثر وانقطع، ثمّ عاد فترةً وتجاوز عشرة أيام من حين ابتداء الدم الأول فهناحالات:

الاُولى: أن يكون عدد أيام عادتها مساوياً لفترة الدم الأول، فتجعله حيضاً دون سواه.

الثانية: أن يكون أقلّ منها، فتجعل الحيض بقدر عدد أيام عادتها من فترة الدم الأول، والباقي استحاضة.

الثالثة: أن يكون عدد أيام عادتها مساوياً لفترة الدم الأول، وفترة الانقطاع وحكمها هو حكم الحالة الاُولى.

الرابعة: أن يكون عدد أيام عادتها أزيد ممّا ذكرنا في الحالة الثالثة بيوم أو يومين ـ مثلا ـ أو أكثر من ذلك، فتجعل الدم الأول حيضاً، وتعتبر نفسها حائضاً من حين رؤيته إلى مضي يوم أو يومين من الدم الثاني؛ لكي يتطابق مع أيام عادتها.

268

وكذلك الحال في ذات العادة العددية والوقتية معاً إذا رأت الدم بصفة الحيض على النحو المتقدم في غير موعدها الشهري.

الحاجة إلى غسل الحيض:

(80) دم الحيض لا صلاة معه ولا صيام، فلا تجب الصلاة اليومية ولا صلاة الآيات، ولا صيام شهر رمضان على الحائض إلى أن تنقى من دم الحيض، فيجب عليها حينئذ ما يجب على غيرها من صلاة وصيام، ولكن لا تصحّ منها الصلاة إلّا إذا اغتسلت غسل الحيض؛ لأنّ دم الحيض يسبّب حدثاً شرعياً، ويعتبر هذا الحدث مستمرّاً حتّى بعد النقاء إلى أن تغتسل المرأة.

ولا يصحّ الغسل منها، ولا يرفع هذا الحدث إلّا إذا وقع بعد النقاء من دم الحيض.

(81) وكلّ ما يعتبر غسل الجنابة شرطاً لصحّته من العبادات فغسل الحيض شرط لصحّته أيضاً(1)، باستثناء صيام شهر رمضان، فإنّ المرأة إذا نقت من الدم قبل طلوع الفجر من شهر رمضان ولم تغتسل حتّى طلع عليها الفجر فصامت واغتسلت بعد الطلوع صحّ صومها، خلافاً لما تقدم في الفقرة (39) عن الجنب في ليل شهر رمضان من: أنّه يجب عليه أن يغتسل قبل طلوع الفجر.

ما يحرم بالحيض:

(82) يحرم على الحائض كلّ ما يحرم على الجنب، ممّا تقدم في الفقرات


(1) معنى أنّ غسل الجنابة أو غسل الحيض شرط لصحة العبادة: أنّ العبادة لا تصحّ إذا لم يكن المكلّف قد اغتسل.(منه (رحمه الله)).
269

(44)، و (45)، و (46)، و (47).

وأيضاً يحرم عليها وعلى زوجها الاتّصال بالجماع، فلا يحلّ للزوج أن يجامع زوجته إلّا بعد نظافتها ونقائها من دم الحيض، فإذا نقت من الدم واغتسلت منه الغسل الشرعي، أو غسلت مخرج الدم ـ على الأقلّ ـ كان الاتّصال الجنسي بها سائغاً، وإذا عصى الزوج وغلبته شهوته فوطأ أثم، ولا كفّارة عليه ولا عليها، وله أن يستمتع بغير الجماع كيف يشاء، ويكره له أن يستمتع بأيّ شيء بين ركبتها وسرّتها (وهي التجويف الصغير المعهود في وسط البطن).

(83) وإذا قارب الزوج زوجته قبل الحيض أو في أثناء الحيض اجتمع عليها أثر الحيض وأثر الجنابة، فإذا اغتسلت من الجنابة حال الحيض صّح غسلها وارتفع أثر الجنابة، وبقي أثر الحيض.

أحكام اُخرى بشأن الحائض:

(84) على الحائض أن تقضي بعد الطهر كلّ ما فاتها من الصيام الواجب، سواء وجب وفاءً لشهر رمضان المبارك أم لنذر، كما لو نذرت صيام الجمعة من أوّل الشهر القادم فحاضت فيه فعليها أن تفطر وتقضيه، ولا يجب عليها أن تقضي الصلوات الخمس والصلاة المنذورة وصلاة الآيات.

ويبطل طلاق الحائض، إلّا أن تكون حاملا أو غير مدخول بها، أو كان زوجها غائباً عنها، على التفصيل الذي يأتي في القسم الثالث من الفتاوى الواضحة.

وإن طلّقها باعتقاد أنّها طاهرة من الحيض فانكشف أنّها حائض بطل طلاقها، وإن طلّقها على أنّها حائض فظهر أنّها طاهر فما هو الحكم؟

الجواب: إن كان على يقين بأنّها حائض، وبأنّ طلاق مثلها لا أثر له، وإنّما

270

قال كلمة « الطلاق » لثقته بذلك فالطلاق باطل وإن وقع في طهر حيث لا قصد هنا في حقيقة الأمر، وإن كان جاهلا بالحيض أو عالماً به وجاهلا بأنّ الطهارة من الحيض شرط أساسي في صحة الطلاق فالطلاق صحيح.

(85) وتصحّ من الحائض في حال الحيض الأغسال المندوبة، وكذلك الوضوء، ويستحبّ لها في أوقات الصلاة أن تتوضّأ تقرّباً إلى الله تعالى، وتجلس بقدر صلاتها، فتستقبل القبلة تذكر الله وتسبّح بحمده.

غسل الحيض وكيفيته:

(86) غسل الحيض طاعة ومندوب في نفسه، وواجب من أجل صلاة الفريضة، فإنّها لا تصحّ من المرأة الحائض بعد النقاء إلّا إذا اغتسلت. وكيفيته نفس الكيفية العامة للغسل المتقدّمة في الفقرة (10) و (11).

وتجب فيه نية القربة بأحد الأوجه المتقدّمة في غسل الجنابة في الفقرة (53).

كما أنّ نفس الحالات التي استعرضناها في الفقرة (54) من غسل الجنابة تجري مع أحكامها في المرأة الحائض إذا اغتسلت بعد النقاء.

271

في المستحاضة وأحكامها

دم الاستحاضة:

(87) الاستحاضة لغة من الحيض، وسبقت الإشارة إلى معناه. أمّا فقهياً فهي على عكس الحيض، وقد عرفنا سابقاً أنّ كلّ دم تراه المرأة في غير حالة الولادة ولم يكن حيضاً ولا دم جرح أو قرح أو بكارة فهو دم استحاضة.

ودم الاستحاضة يخالف دم الحيض في الصفات غالباً؛ لأنّه في الأكثر أصفر بارد رقيق يخرج بفتور بلا قوّة ولذع ولكنّه قد يكون أحياناً بصفات الحيض تماماً.

ولا يشترط في دم الاستحاضة شيء من الشروط العامّة الأربعة لدم الحيض المتقدّمة في الفقرة (55)، فهو قد يعرض للاُنثى قبل سنّ التاسعة، وبعد سنّ الخمسين، وعقيب تمام الحيض بلا فاصل، أو قبل أن يتخلّل بين الحيضتين عشرة أيام من طهر.

ولا حدّ لقليل دم الاستحاضة، فقد يمكث يوماً أو بعض يوم، ولا لأكثره، فقد يستمرّ شهوراً أو سنين.

(88) ويعتبر دم الاستحاضة حدثاً شرعاً، فإذا كانت المرأة على وضوء ـ مثلا ـ وخرج منها دم الاستحاضة ولو بواسطة القطنة بطل وضوؤها وعليها أن تتطهّر على التفصيل التالي في الفقرة (89)، وإذا لم يظهر دم الاستحاضة ويبرز إلى الخارج فلا أثر له حتّى ولو تحرّك من مكانه إلى فضاء ذاك المكان الخاصّ.

272

أقسام المستحاضة والصلاة:

(89) تنقسم المستحاضة بالنظر إلى قلّة ماتراه من الدم وكثرته إلى ثلاثة أقسام: صغرى، ووسطى، وكبرى، ويقوم هذا التقسيم على أساس ما يجب عليها من اختبار نفسها بقطنة تضعها في ذلك المكان، وتتركها بعض الوقت.

فإن تلوّثت القطنة بدم لا يسيل منها ولا يستوعبها فهي مستحاضة صغرى، وحكمها أن تبدِّل القطنة أو تطهِّرها مع المكان(1)، أي ظاهر الفرج، وأن تتوضّأ لكلّ صلاة، فرضاً كانت أم ندباً، أي واجبةً كانت أو مستحبةً، ولا يجب عليها أن تجدّد الوضوء لركعات الاحتياط والأجزاء المنسيّة من الصلاة، ولا لسجود السهو(2).

ولا يسوغ لها أن تصلّي صلاتين بوضوء واحد.

وإن غمر القطنة كلّها أو جلّها دون أن يسيل منها فهي وسطى، وحكمها أن تبدّل القطنة، أو تطهرّها مع المكان والخرقة التي تشدّها عادةً في هذه الحال وأمثالها من المناديل النسائية، وأيضاً يجب عليها غسل واحد كلّ يوم قبل صلاة الفجر، والوضوء لصلاة الفجر، والأحوط أن يكون قبل الغسل(3)، والوضوء لكلّ صلاة، ولا تصلّي صلاتين بوضوء واحد، كما تقدّم في الصغرى.

وإن نفذ الدم من القطنة وسال إلى الخرقة أو الفخذين أو أيّ طرف من بدنها


(1) تبديل القطنة أو تطهيرها غير واجب، نعم لو تلوّث الظاهر بأكثر من الدرهم وجب تطهيره.
(2) وهو سجود يجب على المصلّي بعد الفراغ من الصلاة في بعض الحالات التي يرتكب فيها خطأً في صلاته، لاحظ الفقرة (46) من فصل الأحكام العامة للصلاة.(منه (رحمه الله)).
(3) يجوز أيضاً أن يكون بعد الغسل.
273

أو ثوبها فهي كبرى، وحكمها أن تبدّل الخرقة والقطنة، أو تطهّرهما وتطهّر المكان، وأن تغتسل ثلاثة أغسال: واحد لصلاة الفجر، وآخر تجمع به بين الظهرين (الظهر والعصر)، وثالث تجمع به بين العشائين (المغرب والعشاء) وغسل الاستحاضة الكبرى يغنيها عن الوضوء.

(90) وفي سائر الأحوال يجب أن تعجّل وتبادر إلى الصلاة بعد قيامها وتأديتها لما وجب عليها من غسل ووضوء(1)، ومع ذلك يسوغ لها أن تأتي بالمستحبات قبل الصلاة، كالأذان والإقامة، وفي أثنائها أيضاً كالقنوت.

فإذا تماهلت وتسامحت فلم تبادر إلى الصلاة على الوجه الذي قرّرناه وجب عليها أن تعيد عملية الطهارة من جديد، وتبادر إلى الصلاة عقيبها، ولا يكفيها أن تصلّي بدون إعادة لعملية الطهارة.

(91) وإذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها أن تفعله من أجل الصلوات اليومية جاز لها أن تصلّي أيّ صلاة اُخرى على أن تتوضّأ لكلّ صلاة، ولا حاجة بها إلى إعادة الغسل حتّى ولو كانت ذات استحاضة كبرى.

أحكام عامة لدم الاستحاضة:

(92)إذا انقطع دم الاستحاضة وأصبحت المرأة نقيةً منه ونظيفة، ولكن كان ذلك قبل أن تؤدّي وتقوم بعملية الطهارة الواجبة عليها من غسل ووضوء فهل تستغني عن هذه العملية؟ وماذا تصنع؟

 


(1) يُستثنى من ذلك غسل المستحاضة المتوسطة فيجوز الفصل بينه وبين الصلاة، ولو فصلت بينهما يجب تأخير الوضوء عن الغسل؛ لأنّه لا يجوز لها الفصل بين الوضوء والصلاة.
274

الجواب: يجب عليها أن تقوم بعملية الطهارة التي كانت واجبةً عليها وتصلّي، بل لو انقطع الدم أثناء عملية الطهارة، أو أثناء الصلاة، أو بعدها وفي الوقت متّسع للطهارة والصلاة وجب عليها في كلّ هذه الحالات والفروض أن تستأنف وتعيد الطهارة والصلاة.

(93) إذا سمحت الفرصة بجزء من وقت الصلاة يتّسع لها وللطهارة ـ بمعنى أن الدم كان ينقطع عنها في ذلك الجزء من الوقت ـ فعليها أن تتأخّر وتنتظر إلى أن تحين الفرصة فتنتهزها على الفور، وإذا تقدمت في صلاتها على الوقت المتاح بطلت، حتى ولو كانت مع الغسل والوضوء، وإذا أضاعت الفرصة وأخّرت الصلاة عمداً فهي آثمة، ولا بأس عليها مع النسيان، ويجب عليها حينئذ أن تؤدّي عملية الطهارة المقرّرة لها وتصلّي.

وإذا لم تكن المرأة على علم بهذه الفرصة فصلّت وفقاً لحالتها كمستحاضة، ثمّ انقطع الدم لا على وجه النقاء والخلاص من الاستحاضة الحالية، بل انقطع لأمد معيّن يتّسع للطهارة والصلاة وجب عليها أن تقوم من جديد بعملية الطهارة التي كانت واجبةً عليها وتصلّي.

(94) المستحاضة بشتّى أقسامها إذا تركت سهواً أو عمداً عملية الاختبار بالقطنة على الوجه المتقدّم ثمّ أدّت أيّة عبادة فلا يجوز لها الاكتفاء بما فعلت؛ إلّا إذا علمت وأيقنت أنّ ماأدّته وقامت به كان وافياً بالمطلوب منها والواجب عليها شرعاً.

(95) إذا انقطع دم الاستحاضة وانتهت المرأة منه وأدّت عملية الطهارة ـ التي كانت واجبةً عليها كمستحاضة ـ فلها أن تبادر فوراً إلى الصلاة، ولها أن تؤجّلها إلى آخر الوقت، وتعود إلى حكمها الاعتياديّ في التطهير والصلاة كما

275

كانت قبل الاستحاضة.

(96) إذا تحوّلت الاستحاضة من قسم إلى قسم أشدّ منه ـ لتزايد الدم ـ وجب عليها أن تؤدّي منذ ذلك الحين عملية الطهارة وفقاً لاستحاضتهاالحالية.

ومثال ذلك: امرأة استحاضتها وسطى وقد اغتسلت قبل صلاة الصبح، ثمّ عند الغروب وجدت استحاضتها كبرى فيجب عليها أن تغتسل لصلاتي المغرب والعشاء.

(97) وإذا تحوّلت الاستحاضة من قسم إلى قسم أدنى منه وجب عليها أن تؤدّي لأول مرّة عملية الطهارة وفقاً لحالتها السابقة، ثمّ تعمل على أساس استحاضتها الحالية.

ومثال ذلك: مستحاضة باستحاضة كبرى وأثبت الاختبار أنّ استحاضتها صارت صغرى عند الظهر ـ مثلا ـ فيجب عليها أن تغتسل(1) وتصلّي الظهر والعصر، ولا حاجة بها بعد ذلك للغسل لصلاتي المغرب والعشاء، بل تكتفي بالوضوء لكلّ صلاة.

(98) يسوغ للمرأة المستحاضة بشتّى أقسامها أن تدخل المساجد وتمكث فيها، وتقرأ سور العزائم وآيات السجدة منها، سواء أدّت ما يجب عليها من عملية الطهارة لصلواتها اليومية، أم لا.



(1) وكذلك المستحاضة الوسطى لو انتقلت بعد صلاة الصبح ـ مثلاً ـ إلى الصغرى وجب عليها الغسل لليوم الآتي بلا إشكال، والأحوط تقديم الغسل على صلاة الظهر لنفس اليوم الحاضر، بل لإعادة صلاة الصبح لو كان الوقت يسمح بذلك.

276

وطلاق المستحاضة حتّى الكبرى جائز وصحيح، على العكس من الحائض. ولا يسوغ للمرأة المستحاضة بشتّى أقسامها أن تمسّ كتابة المصحف الشريف بدون أن تؤدّي عملية الطهارة المناسبة لها، وإذا أدّت عملية الطهارة المناسبة لها على وجه يسوغ لها فعلا أن تصلّي بتلك الطهارة جاز لها أن تمسّ الكتابة(1).

أحكام للوسطى والكبرى:

(99) إذا أصبحت المرأة مستحاضةً بالاستحاضة الوسطى قبل الفجر أو بعد الفجر ولم تغتسل لصلاة الصبح بأن كانت نائمةً ـ مثلا ـ وجب عليها أن تغتسل لصلاة الظهرين، وهكذا...

وإذا أصبحت المرأة مستحاضةً بالاستحاضة الوسطى بعد صلاة الصبح وجب عليها أن تغتسل عندما تريد أن تصلّي الظهر والعصر، ولا تعيد الغسل لصلاتي المغرب والعشاء. وإذا أصبحت المرأة مستحاضةً كذلك بعد صلاتي الظهر والعصر وجب عليها أن تغتسل عندما تريد أن تصلّي المغرب والعشاء.

وإذا استمرّت الاستحاضة الوسطى إلى اليوم الثاني وجب الغسل قبل صلاة الصبح من اليوم الثاني(2)، سواء كانت في اليوم الأول قد اغتسلت صباحاً أو ظهراً أو مغرباً.

 


(1) بل الأحوط وجوباً تركه.
(2) بل وحتّى لو نقت بعد انتهاء وقت صلاة العشاء وقبل الصباح بناءً على أنّ وقت صلاة العشاء ينتهي قبل ذلك، أمّا لو نقت قبل ذلك فالواجب عليها الغسل وإعادة الصلاة.
277

(100) يجب على المستحاضة حين الصلاة أن تتحفّظ بخرقة ونحوها، وتحرص كلّ الحرص على حبس الدم وعدم تجاوزه إلى الخارج إن أمكن بلا ضرر، وإذا أهملت تهاوناً وتجاوز الدم حين الصلاة فعليها أن تعيدها مع الحرص المطلوب، ولا يجب تجديد الغسل(1).

(101) إذا اغتسلت المستحاضة الكبرى لصلاة الظهرين، ولكنّها فرّقت ولم تجمع بينهما لعذر أو غير عذر فعليها أن تغتسل مرّةً ثانيةً لصلاة العصر، وكذلك الحكم في العشائين: صلاة المغرب وصلاة العشاء.

(102) إذا فعلت المستحاضة الكبرى أو الوسطى ما يجب عليها من غسل جاز لزوجها أن يقاربها، ولا يقاربها بدون ذلك(2).

وأمّا المستحاضة الصغرى فيجوز لزوجها مقاربتها على كلّ حال.

(103) يصحّ الصوم من المستحاضة الصغرى والوسطى، سواء تطهّرت بوضوء أو بغسل أم لا. وأمّا المستحاضة بالاستحاضة الكبرى فلا يصحّ الصوم منها ما لم تكن مؤدّيةً في النهار الذي تصوم فيه لغسل(3) صلاة الصبح وغسل الظهر والعصر، بل لكي تكون على يقين من صحة صومها يجب أن تكون قد اغتسلت للمغرب والعشاء من الليلة التي تريد أن تصوم في نهارها، فلا يقين بصحة صوم السبت ـ مثلا ـ إلّا إذا اغتسلت لصلاتي المغرب والعشاء من ليلة السبت،


(1) الأحوط وجوباً فيما إذا خرج الدم عن تهاون تجديد الغسل في الكثيرة وتجديد الوضوء في المتوسطة، بل لا معنى لوجوب التحفّظ إلّا هذا فإنّ الوجوب النفسي غير محتمل.
(2) على الأحوط وجوباً.
(3) صوم المستحاضة غير مشروط بالغسل.
278

واغتسلت لصلاة الصبح من نهار السبت، واغتسلت لصلاتي الظهر والعصر منه. وأمّا كيفية غسل المستحاضة الوسطى وغسل المستحاضة الكبرى فقد تقدّمت في الأحكام العامّة للغسل.

279

في النفاس وأحكامه

 

(104) النفاس بكسر النون، وهو لغةً ولادة المرأة، فمتى ولدت قيل: هي نفساء، ووليدها منفوس. ودم النفاس في عرف الفقهاء: هو الدم الذي يقذفه الرحم بسبب الولادة، فإن ولدت ولم ترَ الدم إطلاقاً، أو رأته بسبب مرض، أو بسبب غير الولادة فلا نفاس حتّى ولو خرج من الرحم بالذات.

والنفساء لها أحكام تشابه أحكام الحائض، وتترك العبادات، وعليها غسل عند نقائها يسمّى بغسل النفاس، وسيأتي التفصيل.

(105) يتحقّق النفاس بالسقط تماماً كما يتحقّق بالولادة، فإذا أسقطت المرأة حملها، ورأت الدم بسببه أجرت عليه أحكام دم النفاس.

(106) لا حدّ لأقلّ النفاس، فيتحقّق بالقطرة، وإذا قضت عشرة أيام من تاريخ الولادة ولم ترَ فيهنّ دماً فلا نفاس حتّى ولو رأت بعد العشرة دماً كثيراً وغزيراً.

أمّا أكثر النفاس فعشرة أيام ابتداءً من رؤية الدم، لا من تاريخ الولادة، وعلى هذا فإذا لم ترَ الدم ـ مثلا ـ إلّا في اليوم السابع من ولادتها كان هذا اليوم السابع هو اليوم الأول(1) من الأيام العشرة التي هي الحدّ الأقصى للنفاس، وتكون نهايتها بنهاية اليوم السابع عشر من تاريخ الولادة.

(107) إذا رأت الدم بعد الولادة بلا فاصل، ثمّ انقطع يوماً أو أكثر، وقبل


(1) مع فرض الاحتفاظ باستناده إلى الولادة.
280

انتهاء اليوم العاشر رأت دماً كان الدمان وما بينهما نفاساً واحداً(1).

(108) إذا ولدت توأمين، وبين الولادتين فاصل قصير أو طويل، وكانت قد رأت الدم عند ولادة الأول، ثمّ انقطع، ورأته بعد ذلك عند ولادة الثاني فهل الزمن المتخلّل بين الدمين يعدّ طهراً، أم نفاساً ؟

الجواب: يعدّ هذا الزمن طهراً لا نفاساً حتّى ولو كان بمقدار لحظة، ويكون للمرأة عندئذ نفاسان، لكلّ ولد نفاس مستقلّ عن الآخر.

(109) الدم الذي تراه المرأة حين الطلق وقبل الولادة ليس بنفاس سواء اتّصل بدم الولادة أم انفصل عنه، وأيضاً ما هو بحيض، إلّا مع العلم بأنّه حيض، وإنمّا هو استحاضة. وأمّا ما تراه الحامل من دم قبل الطلق فيطبق عليه حكم دم الحامل المتقدّم في أحكام الحيض في الفقرة (69) من هذا الفصل.

(110) وتجدر الإشارة إلى أنّه لا يشترط أن يفصل بين دم الحيض الذي تراه المرأة قبل الولادة ودم النفاس عشرة أيام؛ لأنّ هذه العشرة شرط للطهر بين حيضتين؛ لا بين حيض ونفاس.

(111) متى انقطع الدم عن النفساء ونقت اغتسلت وانتهى بذلك نفاسها؛ حتّى ولو كان انقطاعه بعد فترة قصيرة من وقت الولادة، كيوم أو أقلّ من ذلك؛ لما تقدّم في الفقرة (106) من أنّه لا حدّ لأقلّ النفاس.

(112) النفساء إذا كانت ذات عادة عددية أقلّ من عشرة أيام واستمرّ بها دم النفاس وتجاوز عن عدد أيام عادتها: فإن كانت على يقين بأنّه سيستمرّ حتى



(1) كأنّ المقصود: أنّ الدم الثاني مهما كان محكوماً بالنفاس فالدمان وما بينهما نفاس واحد، وليس المقصود كون الدم الثاني محكوماً بالنفاس حتماً، فمثلاً قد يكون الدم الثاني من بعد تجاوز مقدار عادتها فلا يكون محكوماً بالنفاس.

281

يتجاوز عشرة أيام من ابتداء رؤية الدم أنهت نفاسها واغتسلت؛ وجعلت نفسها مستحاضة، وإذا كانت تأمل انقطاع الدم قبل تجاوز العشرة أضافت إلى نفاسها يومين أو أكثر ـ حسب اختيارها ـ على أن لا يزيد المجموع على عشرة، واعتبرت نفسها بعد ذلك مستحاضة.

(113) النفساء إذا لم تكن ذات عادة عددية واستمرّ بها الدم واصلت نفاسها، واستمرّت في ترك العبادة ما لم يتجاوز عشرة أيام، فإذا انقطع دون أن يتجاوز العشرة كان ذلك نفاسها، ومثلها أيضاً ذات العادة العددية إذا كان عدد عادتها عشرة أيام.

(114) إذا استمرّ الدم بالنفساء وتجاوز عشرة أيام: فإن كانت ذات عادة عددية جعلت أيام عادتها نفاساً والباقي استحاضة، وهذا يعني أن تقضي ما تركته بعد أيام عادتها من عبادة. وإذا لم تكن ذات عادة عددية جعلت الأيام العشرة كلّها نفاساً وما بعدها استحاضة.

(115) إذا كانت النفساء ذات عادة عددية ولكنّها نستها ولم تتذكّرها فماذا تصنع قبل أن يتجاوز دمها عشرة أيام ؟ وماذا تصنع إذا تجاوز ؟

والجواب: أنّها تفترض أكبر الاحتمالات في عادتها، فإذا كانت لا تدري هل أنّها خمسة أو ستّة ؟ اعتبرتها ستّة، وطبّقت على نفسها حكم ذات العادة العددية التي كانت عادتها ستة أيام، على النحو المتقدّم في الفقرة (112) و (114).

(116) النفساء كالحائض يجب عليها كلّما احتملت انقطاع دم النفاس أن تختبر حالها وتفحص بقطنة، كما تقدم في أحكام الحيض.

(117) إذا استمرّ الدم بالنفساء وتجاوز العشرة وبقي مستمرّاً مدّةً طويلة وأخذت تعمل عمل المستحاضة فكيف تستطيع أنّ تعرف أن عادتها الشهرية قد

282

جاءتها بعد نفاسها؟ ومتى تجعل الدم حيضاً؟

والجواب: أنّ هذه المرأة إذا كانت ذات عادة وقتية تظلّ على الاستحاضة إلّا في حالتين:

الاُولى: أن ترى الدم في أيام عادتها، فتعتبره حيضاً ولو لم يكن بصفة الحيض.

الثانية: أن تراه بصفة الحيض في غير أيام العادة متميّزاً بلونه وشدّته عمّا سبقه من دم، فتجمع بين تروك الحائض وواجبات المستحاضة(1).

وإذا لم تكن ذات عادة وقتية: فإن تميّز بعض الدم بصفة الحيض وكان واجداً لشروطه العامة(2) اعتبرته حيضاً، وإن كان كلّه فاقداً لصفة الحيض ظلّت على استحاضتها. وإن كان كلّه واجداً لصفة الحيض أصبح حكمها حكم المضطربة، وقد تقدم في أحكام الحيض، وهو: أن تجعل حيضها في كلّ شهر ستّة أو سبعة أيام حسب اختيارها، وتعتبر نفسها في غير تلك المدة من أيام الشهر مستحاضة.

(118) حكم النفساء والحائض واحد (3): من تحريم مسّ كتابة المصحف،


(1) هذا الاحتياط ينبغي أن يكون خاصّاً بما قبل ثبوت طروء الحيض عليها، أمّا بعد ذلك فحالها حال الحائض الاعتياديّة التي استمرّ بها الدم بعد انتهاء أيّام العادة والتي يكون حكمها هو الرجوع إلى وقت العادة لا التمييز، هذا. ونحن لا نؤمن بهذا الاحتياط في مورده الذي شرحناه، بل نفتي بكون هذا الدم دم الحيض.
(2) نقصد: الشروط العامة التي تقدمت في الفقرة (56) وما بعدها من هذا الفصل.(منه (رحمه الله)).
(3) حكمهما واحد في بعض المحرّمات بالفتوى، وفي بعضها بالاحتياط الوجوبي، ومن المحرّمات وضع شيء في المسجد.
283

وقراءة آية السجدة من العزائم، والمكوث في المسجد، والوطء، وعدم صحة الطلاق. وكما لا تكلّف الحائض بالصلاة والصيام ولا يصحّان منها كذلك النفساء تماماً تترك الصلاة والصيام ما دامت في نفاسها، وتقضي بعد ذلك الصيام دون الصلاة، ويباح للنفساء مايباح للحائض.

وصورة الغسل من النفاس تماماً كصورة الغسل من الحيض والاستحاضة والجنابة. وقد تقدّمت كيفية الغسل على العموم في الأحكام العامة للغسل.

284

في أحكام الأموات

 

إذا مات المسلم توجّهت على الأحياء واجبات على سبيل الكفاية(1)، متى قام بها البعض سقطت عن الكلّ، وإذا تركوا جميعاً كانوا مسؤولين ومحاسبين، والتفصيل فيما يلي:

الاحتضار:

(119) الاحتضار يكون عند حضور الأجل وزهق الأرواح (أعاننا الله عليه)، ويجب أن يُلقى المحتضر على ظهره(2) حين النزع(3)، وباطن قدميه إلى القبلة؛ بحيث لو جلس لاستقبل القبلة بوجهه والجانب الأمامي منه.

ويستحبّ التعجيل بتجهيزه حين يموت(4)، أي: إجراء مايلزم لكي يدفن، وإذا شكّ في موته فيجب الانتظار حتّى يعلم موته.

وذكر العلماء رضوان الله عليهم: أنّه يستحبّ نقله إلى المكان الذي كان


(1) ومعنى الواجب على سبيل الكفاية: أنّه يكفي في إنجازه قيام البعض به، فدفن الميّت ـ مثلا ـ واجب على سبيل الكفاية، بمعنى أنّه إذا قام به بعض المكلّفين كفى، ولا يلزم أن يشتركوا جميعاً في الدفن.(منه (رحمه الله)).
(2) هذا حكم احتياطي.
(3) النزع هو شدّة المرض على نحو يشرف المريض على الموت.(منه (رحمه الله)).
(4) حينما يعتبر التعجيل في ذلك إكراماً له يدخل في كبرى استحباب إكرام المؤمن، وأمّا إذا كان الإكرام في تأخيره لتجهيز تشييع ضخم ـ مثلاً ـ فقد يكون الاستحباب في التأخير، ومع فرض التساوي ينبغي الإسراع برجاء المطلوبيّة.
285

يعتاد الصلاة فيه إن اشتدّ عليه النزع، ويستحبّ تلقينه الشهادتين، والإقرار بالنبي والأئمة (عليهم السلام). وإذا مات فيستحبّ أن تُغمضَ عيناه، ويُطبق فمه، وتُمدّ ساقاه، وتُمدّ يداه إلى جانبيه، ويغطّى بثوب، ويُقرأ عنده القرآن، كما يستحبّ إعلام المؤمنين بموته ليحضروا جنازته.

وجوب الغسل:

(120) يجب تغسيل الميت قبل أن يدفن، وإذا دفن بلا غسل لأيّ سبب كان ـ عمداً أو خطأ ـ ولا مضرّة على بدنه من نبش قبره ولا هتك لستره وكرامته ولا شقاق وقتال بين أهله وجب نبشه وإخراجه من القبر وتغسيله إن أمكن، وإلّا يُمِّمَ على التفصيل الآتي.

(121) ومن مات ـ أو ماتت ـ وعليه الغسل من الجنابة، أو الحيض ـ لو كانت امرأة ـ غُسّل غسل الأموات وكفى، ولا يجب أن يغسّل غسلا آخر.

من يجب تغسيله؟

يجب تغسيل الميّت إذا توافرت فيه الاُمور التالية:

الأول: (122) أن يكون مسلماً، وأطفال المسلمين ومجانينهم بحكمهم، حتّى السقط إذا تمّت له ستّة أشهر يجب تغسيله كالكبير، بل لا يترك الاهتمام والاحتياط بتغسيله قبل ذلك أيضاً إذا تمّت له أربعة أشهر(1). ولا فرق في الميت المسلم بين الشيعي والسني، فالشرط هو إسلام الميّت مهما كان نوع مذهبه، وأمّا الكافر فلا يجب تغسيله.

 


(1) المقياس هو صدق عنوان استواء الخلقة.
286

وإذا علمنا أنّ أحد هذين الميّتين مسلم والآخر غير مسلم وتعذر التمييز والتعيين وجب غسل كلٍّ منهما وتكفينه ودفنه.

(123) الثاني: أن لا يكون الميّت شهيداً، فالشهيد لا يجب تغسيله، بل يدفن بعد الصلاة عليه في دمائه وثيابه بلا تغسيل ولا تحنيط ولا تكفين.

والمراد بالشهيد: من توافر فيه أمران:

أحدهما: أن يستشهد لاشتراكه في معركة سائغة مشروعة من أجل الإسلام.

والآخر: أن لا يدركه المسلمون وبه رمق من الحياة، فإذا أدركوه وبه رمق من الحياة ثمّ مات وجب الغسل، وكلّ من توافر فيه هذان الأمران فهو شهيد، سواء أدركه المسلمون على أرض المعركة أو خارجها.

ولقد أطلق الشارع الأقدس كلمة « شهيد » على النفساء، ومن انهدم عليه الجدار ـ مثلا ـ فمات، والغريق، وعلى من مات دفاعاً عن ماله وأهله، وغير هؤلاء، والمراد: مساواتهم أو مشابهتهم للشهداء في الأجر والثواب، لا في عدم الغسل والتكفين.

(124) الثالث: أن لا يكون قد مات قتيلا بقصاص أو رجم، فلا يغسّل من قتل بحقٍّ قصاصاً؛ لأنّه ارتكب جناية القتل عمداً، ولا من رجم بحقٍّ أيضاً بالحجارة حتّى الموت؛ لأنّه اقترف فاحشة الزنا، لا يغسّل هذا المرجوم ولا ذاك المقتول، بل يؤمر كلّ منهما بأن يَغتسِل تماماً كغسل الأموات بالكامل، ثمّ يحنّط ويكفّن كأنّه ميّت، وبعد ذلك كلّه يقدّم للقتل أو للرجم، ويصلّى عليه بعد موته، ويدفن في مقابر المسلمين. وهكذا نعرف أنّ كلّ ميت يجب تغسيله، إلّا الشهيد، أو من قتل قصاصاً أو رجماً.

287

على من يجب التغسيل؟

(125) يجب تغسيل الميّت على كلّ بالغ عاقل قادر على أداء هذا الواجب. والوجوب هنا كفائي، بمعنى أنّ الواجب يودّى ويحصل بقيام بعض الأفراد به، ويسقط عندئذ عن الآخرين، وإذا لم يؤدّ الواجب من قبل أحد كانوا جميعاً آثمين.

كيفية الغسل والتيمّم البديل:

(126) يغسَّل الميّت ثلاث مرّات:

الاُولى: بالماء مع قليل من السدر. (والسدر: شجر النبق).

والثانية: بالماء مع قليل من الكافور. (والكافور مادة عطرية تُستخرج من شجرة الكافور).

والثالثة: بالماء الخالص دون أن يضاف إليه شيء.

ومن مات وهو محرِم ولم يكن قد حلّ له الطيب فلا يسوغ أن يوضع شيء من الكافور بماء غسله ولا يحنّط به. (يأتي الكلام عن التحنيط بعد قليل). وأيضاً يحرم تطييبه أو تطييب كفنه بكلّ ذي رائحة عطرة.

(127) وكما يجب الترتيب بين هذه الأغسال الثلاثة كذلك يجب بين الأعضاء الثلاثة، فيبدأ الغاسل بالرأس مع الرقبة، ثمّ بالجانب الأيمن، ثمّ بالجانب الأيسر. ولابدّ من نية القربة في كلّ غسل من الأغسال الثلاثة. ولو تعاون اثنان أو أكثر على الغسل وتهيئة وسائله فالمعتبر نية من باشر الغسل بالذات، واستند إليه العمل بحيث يعدّ عرفاً هو الغاسل، واحداً كان أو أكثر. وأخذ الشخص الذي يغسّل

288

الميت للمال لا يتعارض مع نية القربة إذا كان ثمناً لماء الغسل(1)، تماماً كما يسوغ ثمن الكفن والسدر والكافور، وكلّ ما لا يجب بذله مجّاناً.

ويجب أن لا يكثر السدر والكافور في الماء خشية أن يصير الماء مضافاً، وأن لا يقلّل خشية أن لا يصدق الوضع والخلط.

(128) ويسوغ غسل الميّت بمجرّد خروج الروح من جسده وقبل برده، ويجوز تغسيله من وراء الثوب، ولا يجوز للمغسّل أن ينظر إلى عورة الميّت، أو يلامسها بيده حين التغسيل، ويجوز ذلك للزوج بالنسبة إلى زوجته.

(129) وإذا تعذّر السدر والكافور وجب ـ بدلا عن الغسل الأول ـ الغسلبالماء الخالص، ينوي به أنّه بدل عن الغسل بالماء مع السدر، والتيمم أيضاً ينوي به كذلك أنّه بدل عن الغسل بالماء والسدر، ووجب ـ بدلا عن الغسل الثاني ـ الغسل بالماء الخالص والتيمّم، ينوي بكلٍّ منهما أنّه بدل عن الغسل بالماء والكافور، وبعد ذلك يجب الغسل بالماء الخالص.

(130) إذا تعذّر غسل الميّت لسبب من الأسباب وجب تيمّمه ثلاث مرّات، ناوياً بالأول أنّه بدل عن المرّة الاُولى من الغسل، وبالثاني أنّه بدل عن المرّة الثانية من الغسل، ثمّ يأتي بالثالث بدون حاجة إلى نية أنّه بدل عن المرّة الثالثة، وحين يُيَمَّم الميّت يُيَمِّمه الحي بيده، أي بيد الحي نفسه، ويُيَمِّمه أيضاً بيد الميت،



(1) صيرورة الشخص أجيراً لا تنافي القربة بل قد تؤكّده؛ لأنّ عقد الإيجار يخلق وجوباً جديداً عليه وهو وجوب الوفاء بالعقد، فبإمكانه أن يقصد امتثال هذا الوجوب قربةً إلى الله وبعد ذلك يأخذ الاُجرة باعتبار استحقاقه إيّاها بعقد الإيجار وبالوفاء به، وهذا كما ترى لا ينافي القربة.