414

ويشترط تأخيرها عن الفريضة، والأفضل في أدائها أن تؤدّى في الوقت المفضّل لفريضة المغرب (1).

فريضة صلاة العشاء ونافلتها:

(37) فريضة صلاة العشاء، وهي آخر الصلوات اليومية الواجبة، تتكوّن من أربع ركعات، وقد تقدّمت صورة الصلاة التي تتكوّن من أربع ركعات، وتؤدّى ركعتين في حالة السفر ضمن شروط يأتي توضيحها.

(38) وصورتها كصورة الظهر تماماً، إلّا أنّ المصلّي هنا ينوي أنّه يصلّي صلاة العشاء قربةً إلى الله تعالى، ويجهر في قراءته للفاتحة والسورة التي بعدها في الركعتين الاُولى والثانية، أي يرفع صوته بها، على ما يأتي في الفقرة (97) من الفصل اللاحق.

(39) ووقت صلاة العشاء يبدأ من غروب الشمس ـ بالمعنى المتقدّم في صلاة المغرب ـ إلى نصف الليل، كفريضة المغرب تماماً، إلّا انّه لا يسوغ الإتيان بها قبل فريضة المغرب، فكلّ من أتى بها قبل صلاة المغرب عامداً عالماً بأنّ هذا لا يجوز بطلت صلاته، ووجب عليه أن يصلّي المغرب ثمّ العشاء.

وإذا صلّى العشاء قبل صلاة المغرب متوهّماً أنّه قد أتى بصلاة المغرب، أو معتقداً أنّ ذلك جائز، وبعد أن أكمل صلاته انتبه إلى أنّه لم يصلّ المغرب، أو علم بأنّ صلاة العشاء لا يسوغ أن تُقدّم على صلاة المغرب، إذا وقع شيء من هذا فلا يجب عليه أن يعيد صلاة العشاء، سواء كان قد صلاّها في بداية المغرب أو في


(1) الظاهر أنّ مقصوده(رحمه الله) بالأفضل هنا هو الأوفق بالاحتياط؛ لاحتمال كون وقتها إلى زمان سقوط الشفق، بل هذا هو المنسوب إلى المشهور.
415

وسط الوقت، بل يصلّي المغرب فقط.

(40) وإذا بدأ المكلّف بصلاة العشاء معتقداً أنّه قد أدّى صلاة المغرب ثمّ انتبه في أثناء الصلاة إلى واقع الحال ـ أي إلى أنّه لم يكن قد صلّى المغرب ـ فعليه أن ينوي بها من هذه اللحظة صلاة المغرب، ويكملها على هذا الأساس، ويأتي بعدها بصلاة العشاء.

ويستثنى من ذلك: ما إذا كان انتباهه إلى واقع الحال بعد أن ركع في الركعة الرابعة التي نواها عشاءً فإنّها تبطل عندئذ، ويجب عليه أن يصلّي من جديد صلاة المغرب، ثمّ صلاة العشاء.

وأمّا إذا التفت إلى واقع الحال بعد أن نهض للركعة الرابعة وقبل أن يأتي بركوعها فينوي صلاة المغرب ويلغي هذه الركعة، إذ يعود إلى الجلوس، فيتشهّد ويسلّم؛ لكي تقع صلاته من ثلاث ركعات وفقاً لصورة صلاة المغرب.

والوقت المفضّل لصلاة العشاء هو الثلث الأول من الليل (1)، فإذا انقضى ولم يصلّ المكلّف صلاة العشاء فقد فاته الفضل، ولكنّه لا يأثم ما دام يؤدّيها قبل انتصاف الليل.

(41) وتوجد بعد صلاة العشاء صلاة نافلة تتكوّن من ركعتين، وصورتها هي الصورة العامّة لصلاة تتكوّن من ركعتين، غير أنّ هذه الصلاة يؤدّيها المكلّف وهو جالس، فينوي أنّه يصلّي نافلة العشاء قربةً إلى الله تعالى، ويكبّر تكبيرة الإحرام وهو جالس، وهكذا يواصل صلاته، ويعتبر انحناءه بعد القراءة على طريقة انحناء الجالس ركوعاً.

ونافلة العشاء هذه تعتبر بمثابة ركعة واحدة؛ لأنّها صلاة تؤدّى في حالة



(1) آخر الثلث الأوّل هو آخر وقت الفضيلة، وسقوط الشفق هو أوّل وقت الفضيلة.

416

الجلوس، ويمتدّ وقتها مع امتداد وقت فريضة صلاة العشاء، فكلّما كان بإمكان المكلّف أن يؤدّيها ثمّ يؤدّي فريضة العشاء بعدها قبل انتصاف الليل فهي مقبولة عند الله سبحانه وتعالى (1).

نافلة الليل:

(42) وهناك نافلة اُخرى ذات أهميّة كبيرة شرعاً تسمّى بصلاة الليل، وهي تتكوّن من ستّ صلوات، والصلوات الأربع الاُولى منها تتكوّن كلّ واحدة منها من ركعتين، والصلاة الخامسة تتكوّن من ركعتين أيضاً وتسمّى بركعتي (الشفع)، والصلاة السادسة تتكوّن من ركعة واحدة وتسمّى بركعة (الوتر). وعلى هذا الأساس تشتمل نافلة الليل على إحدى عشرة ركعة، ويسوغ للمكلف أن يقتصر على الشفع والوتر معاً، وأن يقتصر على الوتر فقط.

(43) ووقت نافلة الليل يبدأ من نصف الليل(2) بالمعنى المتقدّم في الفقرة(33)، ويمتدّ إلى الفجر الذي يبدأ به وقت فريضة الفجر.

والوقت المفضّل لنافلة الليل (السحر)، وهو ثلث الليل الأخير.

ولا إثم في ترك شيء من النوافل المتقدّمة، وإن كان في الإتيان بها شأن كبير عند الله سبحانه وتعالى.

 


(1) الظاهر وقوع غلط في العبارة، والمقصود: فكلّما كان بإمكان المكلف أن يؤدّي فريضة العشاء ثم يؤدّيها بعدها قبل انتصاف الليل فهي مقبولة عند الله سبحانه وتعالى.
(2) ولكن يجوز تقديم نافلة الليل في أوّله، إلّا أنّه لا ينبغي ذلك إلّا لضرورة، والقضاء بالنهار لدى الضرورة أفضل من التقديم.
ويحتمل بدء وقت نافلة الليل من بعد الثلث الأوّل.
417

ويستخلَص ممّا ذكرناه: أنّ الصلوات اليومية تشتمل على سبع عشرة ركعةً واجبةً، ضمن خمس صلوات، وعلى أربع وثلاثين ركعةً مستحبّةً ضمن ثمانِ عشرة صلاة.

صلاة الجمعة:

(44) وهي من أهمّ شعائر الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أيُّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا إذا نُودِيَ للصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ﴾(1).

وجاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): « ما من قدم سعت إلى الجمعة إلّا حرّم الله جسدها على النار »(2).

وتحتلّ صلاة الجمعة موضع صلاة الظهر ضمن تفصيلات تأتي. وقد ميّز الله سبحانه وتعالى صلاة الجمعة عن سائر الصلوات اليومية ـ على ما يأتي ـ بأن أوجب أداءها ضمن صلاة جماعة، وأمر بتوحيدها في كلّ منطقة، ولم يسمح بالتأخّر عن حضورها إذا اُقيمت إلّا لأعذار خاصّة. وبذلك كانت صلاة الجمعة تعبّر عن اجتماع اُسبوعيّ موسّع لعامّة المصلّين والمؤمنين، يبدأ بالموعظة والتثقيف ضمن خطبتي صلاة الجمعة، وينتهي بالعبادة والتوجّه إلى الله ضمن الصلاة نفسها.

وصورتها ركعتان، كصلاة الصبح تماماً، إلّا أنّ المصلّي ينوي بها أنّه يصلّي صلاة الجمعة قربةً إلى الله تعالى. وتتميّز عن صلاة الصبح بأنّ من المستحبّ فيها


(1) الجمعة: 9.
(2) وسائل الشيعة 5: 3، الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 7.
418

قنوتين: أحدهما قبل الركوع من الركعة الاُولى، والآخر بعد الركوع من الركعة الثانية. ولا تقع صلاة الجمعة صحيحةً إلّا إذا اُدّيَت بالشروط التالية:

شروط صلاة الجمعة:

(45) أوّلا: أن تؤدّى جماعةً. وصلاة الجماعة: هي صلاة يشترك فيها عدد من المصلّين، ويكون أحدهم إماماً والباقون مأمومين، ويتابعونه في قيامه وركوعه وسجوده، وسيأتي تفصيل أحكامها.

وعلى هذا الأساس يجب أن يتوفّر في صلاة الجمعة ـ لكي تقع صحيحةً ـ كلّ ما هو شرط لصحة صلاة الجماعة، على ما يأتي.

(46) ثانياً: أن لا يقلّ عدد المشتركين في جماعة الجمعة عن خمسة أحدهم الإمام، فإن لم يتواجد إلّا أربعة أو أقلّ لم تصحّ منهم صلاة الجمعة، وصلّوا صلاة الظهر.

(47) ثالثاً: أن تسبقها خطبتان من قبل إمام صلاة الجمعة؛ وذلك بأن يقوم الإمام خطيباً، فيحمد الله ويثني عليه، ويوصي بتقوى الله، ويقرأ سورةً من الكتاب العزيز، وبعد ذلك يجلس قليلا، ثمّ يقوم خطيباً مرّةً ثانية، فيحمد الله ويثني عليه، ويصلّي على محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أئمّة المسلمين (عليهم السلام)، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات (1). وبعد ذلك يبدأ بالصلاة.

ويجب على الإمام في الخطبتين أن يرفع صوته على نحو يسمعه عدد من المأمومين.

ولا يجب أن يكون غير القرآن من عناصر الخطبة باللغة العربية وإن كان


(1) الظاهر عدم وجوب الاستغفار.
419

ذلك أحسن(1) وأحوط استحباباً. وإذا كان المأمومون لا يفهمون اللغة العربية فعلى الإمام أن يعظهم باللغة التي يفهمونها.

رابعاً: (48) أن لا تكون قد اُقيمت صلاة جمعة اُخرى في مكان آخر قريب من تلك الصلاة. ونريد بالمكان القريب هنا: ما كانت المسافة فيه بين المكانين أقلّ من فرسخ، وهو عبارة عن خمسة كيلومترات وخمسي الكيلومتر (2).

وفي حالة وجود صلاتي جمعة على هذا النحو تبطلان معاً إذا كان الابتداء بإحداهما في نفس وقت الابتداء بالا ُخرى، وإذا كان الابتداء بإحداهما بعد الإبتداء بالاُخرى بطلت الصلاة المتأخّرة فقط (3). ولكن إذا كانت إحدى الصلاتين باطلةً ـ على أيّ حال ـ حتّى ولو كانت وحدها لسبب من الأسباب فلا تضرّ بالصلاة الاُخرى حينئذ، ويعتبر وجودها وعدمها سواء.

 


(1) الظاهر أنّ مقصوده بالأحسنيّة هو الاحتياط، فهو مترادف لقوله: وأحوط.
(2) لو بنينا على ما نقله صاحب كتاب الأوزان والمقادير في (الصفحة 132 من كتابه) من أنّ الميل ـ وهو ثلث الفرسخ، وهو التعبير الوارد في روايات الباب، حيث حدّدت الفاصل بين صلاتي الجمعة بثلاثة أميال ـ يساوي أربعة آلاف ذراع، وبنينا على ما ادّعاه صاحب كتاب الأوزان والمقادير في (الصفحة 56 من كتابه) من أنّ الذراع حسب تجربته يساوي (46) سنتيمتراً ونصف فالميل يساوي (1860) متراً، والفرسخ يساوي (5580) متراً، أي أنّه يساوي خمسة كيلو مترات ونصفاً وثمانين متراً.
أقول: ومع هذا الاختلاف فتقريب الميل أو الفرسخ بتقريب الكيلو مترات لا يثبت لنا إلّا بأمر تقريبي لا بأمر دقّي.
(3) لا نفتي بصحّة صلاة الجمعة إلّا إذا خلت بركعتيها وخطبتيها عن المزاحمة في الفاصل المطلوب بجمعة اُخرى بركعتيها وخطبتيها تماماً، فلو اشتركتا ولو بجزء من ذلك لم نفتِ بصحّة هذه ولا تلك، ولو تأخّرت إحداهما عن الاُخرى تماماً أفتينا بصحّة الاُولى دون الثانية.
420

وعلى هذا الأساس صحّ القول بأنّ من شروط صلاة الجمعة: أن لا تسبقها ولا تقارنها في بدايتها صلاة جمعة اُخرى في مكان قريب بالمعنى المتقدم للمكان القريب. ولكن إذا تقارنت صلاتا جمعة في مكانين متقاربين دون أن يعلم جماعة كلٍّ من الصلاتين بالصلاة الاُخرى وانتهتا في وقت واحد فكلتا الصلاتين صحيحة. وكذلك إذا بدأت إحداهما بعد ابتداء الاُخرى بدون علم وانتهتا معاً في وقت واحد.

حكم صلاة الجمعة:

(49) وتجب إقامة صلاة الجمعة وجوباً حتمياً في حالة وجود سلطان عادل متمثّلا في الإمام، أو فيمن يمثّله.

ويراد بالسلطان العادل: الشخص أو الأشخاص الذين يمارسون السلطة فعلا بصورة مشروعة، ويقيمون العدل بين الرعية. وهذا الحكم الأول لصلاة الجمعة يعبّر عنه بـ « الوجوب التعييني لإقامة صلاة الجمعة ».

(50) وأمّا في حالة عدم توفّر السلطان العادل فصلاة الجمعة واجبة أيضاً، ولكنّها تجب على وجه التخيير ابتداءً، وتجب على وجه الحتم انتهاءً؛ وذلك أنّ المكلّفين في هذه الحالة يجب عليهم أن يؤدّوا الفريضة في ظهر يوم الجمعة: إمّا بإقامة صلاة الجمعة جماعةً على نحو تتوفّر فيها الشروط السابقة، وإمّا بالإتيان بصلاة الظهر. وأيّهما أتى به المكلّف أجزأه وكفاه، غير أنّ إقامة صلاة الجمعة أفضل وأكثر ثواباً، وهذا هو الحكم الثاني لصلاة الجمعة، ويعبَّر عنه بـ « الوجوب التخييريّ لإقامة صلاة الجمعة ».

(51) فإن اختار خمسة من المكلفين إقامة صلاة الجمعة امتثالا للحكم الثاني، وكان فيهم شخص عادل يصلح أن يكون إمام جماعة فقدموه ليخطب بهم

421

ويصلّي صلاة الجمعة، وأقاموها على هذا النحو وجب على سبيل الحتم والتعيين(1) على المكلفين عموماً الحضور والاشتراك في صلاة الجمعة؛ لأنّ إقامتها نداء لصلاة الجمعة، وإذا نودي لصلاة الجمعة وجب السعي إلى ذكر الله، وهذا هو الحكم الثالث لصلاة الجمعة، ويعبّر عنه بـ « الوجوب التعييني لحضور صلاة الجمعة ».

(52) ويستثنى من الحكم الثالث مَن يلي:

1 ـ مَن كان الحضور لصلاة الجمعة يسبّب حرجاً ومشقّةً شديدةً عليه، أو سبباً للضرر.

2 ـ الأعمى.

3 ـ المريض.

4 ـ المرأة.

5 ـ الشيخ الكبير (2)، كالرجل الذي تجاوز السبعين.

6 ـ المسافر سفراً يسوغ له التقصير في الصلاة (التقصير: هو أداء صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين بدلا عن أربع).

7 ـ مَن كان يبعد عن مكان صلاة الجمعة بفرسخين ـ أي بعشرة كيلومترات وأربعة أخماس الكيلومتر (3) ـ فهؤلاء يعذرون في عدم الحضور، ولكنّهم إذا تكلّفوا وحضروا صحّت منهم صلاة الجمعة.

والبعيد إذا جاء إلى مكان الصلاة وجب عليه الاشتراك في صلاة الجمعة وصحّت صلاته.

 


(1) إذا كان من قبل سلطان عادل.
(2) لا يبعد أن يكون المقصود الكبير الذي يضعف عن حضور صلاة الجمعة.
(3) مضى أنّ تحديد الفرسخ بالكيلومتر يكون تقريبيّاً ويصعب تحديده الدقيق به.
422

(53) إذا نودي لصلاة الجمعة على النحو الذي ذكرناه لم يسغ لكلّ من يجب عليه الحضور أن يتشاغل عن ذلك ببيع وتجارة، ونحو ذلك ممّا هو معيق عن أداء هذه الفريضة، ولكن إذا لم يكن البيع معيقاً عن ذلك فلا بأس به، كما إذا أمكنه أن يبيع وهو في طريقه إلى الصلاة.

(54) كما لا يسوغ أيضاً لمن وجب عليه الحضور أن يسافر عند ظهر يوم الجمعة، إلّا إذا كان في سفره يمرّ على صلاة جمعة اُخرى صحيحة يمكنه الالتحاق بها والاشتراك فيها قبل أن يفوت وقت صلاة الجمعة، فإنّ له في هذه الحالة أن يسافر عند الظهر على أن يلتحق بالجمعة التي يمرّ بها في طريقه.

(55) وكما يجب حضور الصلاة وفقاً للحكم الثالث المتقدّم كذلك يجب حضور الخطبتين والإصغاء عند الحضور أيضاً، ولو تقاعس شخص عن السعي إلى صلاة الجمعة ففاتته الخطبة وأدرك الصلاة صحّت منه.

(56) ووقت فريضة صلاة الجمعة يبدأ من أوّل الظهر. والجدير بالمقيمين لها احتياطاً وجوباً(1) وحرصاً على ما هو المطلوب شرعاً أن لا يؤخّروها عن الظهر (الزوال) مدّةً طويلة، فعليهم أن يؤدّوها قبل انتهاء الوقت المفضّل لصلاة الظهر في سائر الأيام، بل في بدايات هذا الوقت، وقبل أن يمتدّ الظلّ الشرقي للجدار الواقع بين الشمال والجنوب بقدر اثنين من سبعة من ارتفاع ذلك الجدار.

ويسوغ تقديم الخطبتين على الزوال، ولكن لا يجوز الابتداء بالصلاة نفسها إلّا بعد تحققّ الزوال.

(57) وإذا فاتت الإنسان صلاة الجمعة فلا يسمح له بإقامتها ثانيةً، حتّى ولو كان وقتها باقياً، بل يتعيّن عليه أن يأتي بصلاة الظهر.



(1) هذا الاحتياط غير واجب.

423

الصلوات اليوميّة

2

أحكام عامّة للصلوات اليوميّة

 

 

○  الآداب.

○  من ناحية الوقت.

○  من ناحية العدد.

 

 

425

أحكام عامّة للصلوات اليوميّة

1

الآداب

 

 

○  الآداب.

○  الأذان والإقامة.

○  التعقيب.

 

 

427

للصلوات اليومية الواجبة آداب مندوبة ينبغي للمصلّي مراعاتها والمحافظة عليها، ولا إثم عليه لو تركها. وهذه الآداب على قسمين:

أحدهما ينبغي أن يؤدّى قبل البدء بالصلاة.

والآخر ينبغي أن يؤدّى بعد الانتهاء منها.

والأول هو الأذان والإقامة، والثاني هو التعقيب، وسنتكلّم عنهما تباعاً.

 

الأذان والإقامة

 

(58) الأذان في اللغة: الإعلام. وفي الشريعة: أذكار معيّنة تشير إلى دخول وقت الصلاة، أو يمهَّد بها لإقامة الصلاة.

فهناك أذان للإعلام بدخول الوقت، ويسمّى بالأذان الإعلامي، وهو مستحبّ عند دخول وقت الصلاة، سواء كان المؤذّن يريد أن يصلّي فعلا، أوْ لا.

وهناك أذان لإقامة الصلاة، وهو مستحبّ ممّن يريد إقامة الصلاة فعلا، سواء كان يقيمها في أوّل الوقت، أو في وسطه، أو في آخره.

(59) وللإقامة في اللغة العديد من المعاني:

428

منها: الرواج، يقال: أقام السوق إذا جعلها رائجة.

ومنها: الظهور، يقال: أقام الدين إذا نصره وأظهره على أعدائه.

والمراد بالإقامة هنا: أذكار معيّنة تقال قبل الصلاة مباشرةً، منها: « قد قامت الصلاة »، أي أنّ المواظبين على الصلاة تهيّؤوا للشروع فيها.

صورة الأذان والإقامة:

(60) يتألف الأذان من ثمانية عشر جزءاً، وهذه صورته بكامل أجزائه:

« الله أكبر » أربع مرّات.

« أشهد أن لا إله إلّا الله » مرّتين.

« أشهد أنّ محمّداً رسول الله » مرّتين.

« حيّ على الصلاة » مرّتين.

« حيّ على الفلاح » مرّتين.

« حيّ على خير العمل » مرّتين.

« الله أكبر » مرّتين.

« لا إله إلّا الله » مرّتين.

ويسوغ الاقتصار على مرّة واحدة لكلّ جملة من هذه الجمل إذا كان المصلّي مستعجلا.

(61) وأجزاء الإقامة تقترب من أجزاء الأذان كثيراً، وصورتها كما يلي:

« الله أكبر » مرّتين.

« أشهد أن لا إله إلّا الله » مرّتين.

« أشهد أنّ محمّداً رسول الله » مرّتين.

« حيّ على الصلاة » مرّتين.

429

« حيّ على الفلاح » مرّيتن.

« حيّ على خير العمل » مرّتين.

« قد قامت الصلاة » مرّتين.

« الله أكبر » مرّتين.

« لا إله إلّا الله » مرّةً واحدة (1).

وصورة الأذان والإقامة محدّدة شرعاً ضمن ما ذكرناه، فلا يجوز أن يؤتى بشيء آخر من الكلام فيها على أساس أنّه جزء منها. وأمّا التكلّم بكلام أو جملة بدون أن يقصد المؤذّن أو المقيم جعله جزءاً من أذانه وإقامته فهو جائز. ومن ذلك قوله ـ بعد الشهادة الثانية لمحمّد بالرسالة ـ: « أشْهَدُ أنَّ عَليّاً وليُّ الله » فإنّ ذلك جائز إذا لم يقصد به كونه جزءاً من الأذان والإقامة، وإنّما أراد به الإعلان عن حقيقة من حقائق الإسلام، وهي ولاية عليّ عليه الصلاة والسلام.

شروط الأذان والإقامة:

يشترط في الأذان للصلاة والإقامة ما يلي:

(62) أوّلا: نية القربة؛ لأنّهما عبادتان.

(63) ثانياً: تقديم الأذان على الإقامة، فلو قدّم الإقامة على الأذان صحّت الإقامة ولم يصحّ الأذان (2).

(64) ثالثاً: الالتزام بتسلسل الأجزاء على النحو المحدّد في صورتي


(1) ويستحبّ مرّتين.
(2) بإمكانه أن يتدارك الترتيب بأن يقيم بعد الأذان مرّةً ثانيةً ويفترض الإقامة الاُولى كأنّها لاغية، أمّا لو لم يفعل ذلك ودخل في الصلاة فكأنّه صلّى بإقامة وحدها.
430

الأذان والإقامة، فيقدّم التكبير على الشهادة بالتوحيد، وتقدّم هذه على الشهادة بالرسالة،ويقدّم كلّ ذلك على « حيّ على الصلاة »... إلى آخره، ومن عكس ولو نسياناً أعاد، فلو كان قد بدأ بالشهادة ثمّ كبّر ـ مثلا ـ أعاد الشهادة، وهكذا.

(65) رابعاً: التتابع بين الأذان والإقامة، وبينهما وبين الصلاة، وبين أجزاء كلٍّ منهما بعضها مع البعض الآخر، فلا يفصل بين أجزاء الأذان ولا بين أجزاء الإقامة.

(66) خامساً: دخول وقت الصلاة، ولا يسوغ قبله إلّا أذان الفجر، فإنّه يسوغ أن يقدّم عليه(1) إذا لم يكن فيه تغرير للآخرين، على أن يعاد حين الفجر (2).

(67) سادساً: أن يكون الأذان والإقامة بالعربية الفصحى.

(68) سابعاً: يشترط أن يكون الإنسان حال الإقامة على طهارة، ويقيم وهو واقف. وأمّا في الأذان فيستحبّ هذا وذاك، ويكره الكلام الاعتياديّ الذي لايتعلّق بالصلاة في أثناء الأذان أو في أثناء الإقامة، وتتضاعف الكراهة حين يقول المقيم: « قد قامت الصلاة ».

الصلاة التي يؤذّن لها ويقام:

(69) يستحبّ بكلّ توكيد لمن يؤدّي الصلوات الخمس اليومية الواجبة أن


(1) هذا ليس أذان إعلام دخول الوقت، والأحوط أن لا يعدَّ أذان الصلاة، فهو أذان تنبيه النائمين لكي يتهيّؤوا للصلاة.
(2) الإعادة تكون بسبب ما قلناه من أنّ الأذان قبل الفجر ليس هو أذان الصلاة، أو أنّ الأحوط أن لا يعدّ كذلك، أمّا لو ثبت كونه أذان الصلاة لم يبقَ مورد لإعادته.
431

يؤذّن ويقيم لكلّ فريضة منها، سواء أدّاها في الوقت أم في خارجه (قضاءً)، سليماً أم مريضاً، رجلا أم امرأة، حاضراً أو مسافراً.

ويتأكّد الاستحباب أكثر فأكثر بالنسبة إلى الرجال خاصّة، وبالإضافة إلى الإقامة، فإنّ التأكيد عليها شرعاً أكثر من التأكيد على الأذان.

(70) ولا أذان ولا إقامة للنوافل، ولا لغير الصلوات اليومية، كصلاة الآيات، وصلاة العيدين، وغيرها.

متى لا يتأكّد الأذان أو لا يراد؟

ويقلّ استحباب الأذان وتضعف أهمّيته في عدّة حالات:

(71) الاُولى: إذا سمع الإنسان أذان آخر أمكنه الاكتفاء به (1)، وإن أذّن فلا ضير عليه.

(72) الثانية: إذا كان على الإنسان صلوات عديدة فاتته وأراد أن يقضيها ويؤدّيها بصورة متتابعة في وقت واحد كان له أن يكتفي بأذان واحد لها جميعاً، ويقيم لكلّ صلاة إقامةً خاصّة، ولا ضير عليه لو كرّر الأذان لكلّ صلاة (2).

(73) الثالثة: إذا جمع الإنسان بين صلاتين ولا يزال وقتهما معاً موجوداً ـ كالذي يجمع بين الظهر والعصر بعد الزوال، أو بين المغرب والعشاء بعد الغروب ـ كان له أن يكتفي بأذان واحد للصلاتين معاً، ولو أذّن للثانية أيضاً


(1) وكذلك الحال في الإقامة.
(2) لا يبعد كون سقوط الأذان في الصلوات التالية بعد أن أذّن للاُولى عزيمة، فالأحوط أن لا يكرّر الأذان إلّا رجاءً لا بقصد الاستحباب.
432

فلا ضير عليه (1)، إلّا فيمن جمع بين الظهر والعصر في عرفات يوم عرفة، أو بين المغرب والعشاء في المشعر (المزدلفة) ليلة عيد الأضحى، فإنّ عليه في هذين المكانين إذا جمع بين الصلاتين أن لايؤذّن للصلاة الثانية اكتفاءً بأذان الصلاة الاُولى.

ومن الجدير بالمكلّف وجوباً إذا جمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر أن يحتاط ويتجنّب الأذان لصلاة العصر، مكتفياً بأذان صلاة الجمعة، كما في عرفات والمشعر.

متى لا يراد الأذان والإقامة معاً؟

(74) وإذا اُقيمت صلاة جماعة كفاها أذان واحد وإقامة واحدة من الإمام أو من أحد المأمومين، ولا يطلب من الآخرين حينئذ أن يؤذّنوا أو يقيموا.

(75) ولا يتأكّد الأذان والإقامة إذا دخل الإنسان مكاناً تقام فيه صلاة جماعة مشروعة قد اُذّن لها واُقيم وأراد أن يصلّي بدون التحاق بهم، سواء كان دخوله في أثناء صلاة تلك الجماعة، أو بعد انتهائها وقبل تفرّق المصلّين فإنّ له أن يكتفي بأذان صلاة الجماعة وإقامتها ما دامت هيئة الجماعة وآثارها لم تزل قائمة، سواء أصلّى إماماً، أم مأموماً، أم منفرداً.

ولو أراد أن يؤذّن ويقيم فلا ضير عليه ما لم يخالف بذلك الآداب تجاه صلاة الجماعة، وإن كان الأجدر به احتياطاً استحباباً أن لا يؤذّن في هذه الحالة على الإطلاق.

 


(1) لا يبعد كون السقوط عزيمة، فالأحوط أن لا يكرّر الأذان إلّا بنيّة الرجاء، لا بنيّة الاستحباب.
433

إذا صلّى بدون أذان وإقامة:

(76) إذا صلّى المكلّف بدون أذان وإقامة صحّت صلاته ولا شيء عليه. وإذا بدأ بصلاته ناسياً الأذان والإقامة وتذكّرهما أثناء الصلاة فليس عليه أن يقطع صلاته من أجل ذلك.

ولكن من المؤكّد أنّه يسوغ له ذلك إذا كان قد تذكّر قبل الركوع من الركعة الاُولى، وكذلك الحال إذا كان ناسياً للإقامة فقط.

بل يمكن تعميم هذا الحكم لما بعد الركوع أيضاً، فإذا نسي الأذان والإقامة أو الإقامة فقط وتذكّر بعد الركوع أمكنه حفاظاً على هذين الأدبين الشرعيّين أن يقطع الصلاة ويؤذّن ويقيم، أو يقيم فقط ثمّ يصلّي.

 

التعقيب

 

(77) يستحبّ التعقيب بعد الصلاة، وهو ذكر ودعاء وثناء على الله بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، ومنه تسبيح سيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهو: الله أكبر (34) مرّة، والحمد لله (33) مرّة، وسبحان الله (33) مرّة.

وقد جاء في الحديث عن الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: « ما من مؤمن يؤدّي فريضةً من فرائض الله إلّا كان له عند أدائها دعوة مستجابة »(1).

ويستحبّ أيضاً في التعقيب قراءة فاتحة الكتاب، وآية الكرسي.

وجاء بسند صحيح عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: « أقلّ ما يجزيك من الدعاء بعد الفريضة أن تقول: اللهمّ إنّي أسألك من كلّ خير أحاط به علمُك، وأعوذ بك من كلّ شر أحاط به علمك، اللهمّ إنّي أسألك عافيتك في اُموري كلّها، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة »(2).

 


(1) وسائل الشيعة 4: 1016، الباب 1 من أبواب التعقيب، الحديث 12.
(2) وسائل الشيعة 4: 1043، الباب 24 من أبواب التعقيب، الحديث 1.
435

أحكام عامّة للصلوات اليوميّة

2

من ناحية الوقت

 

 

 

437

(78) لا يسوغ المباشرة في الصلاة قبل دخول وقتها المؤقّت لها، ولا يكفي احتمال دخول الوقت أو الظنّ بذلك، فلو صلّى وهو غير متأكّد من دخول الوقت فلا يمكنه الاكتفاء بهذه الصلاة ما دام لا يعلم بأنّها قد وقعت بعد دخول الوقت، بل ينتظر إلى أن يتأكّد من دخول الوقت فيصلّي.

(79) ويحصل التأكّد شرعاً من دخول الوقت بالاُمور التالية:

أوّلا: المعرفة المباشرة.

ثانياً: شهادة البيّنة العادلة.

ثالثاً: أذان المؤذّن الثقة العارف.

رابعاً: شهادة الثقة العارف.

(80) وإذا صلّى متأكّداً من دخول الوقت وحلوله لأحد الاُمور السابقة ثمّ تبيّن له وانكشف أنّ الوقت لم يكن قد دخل فماذا يصنع ؟

الجواب: إن كانت الصلاة قد وقعت بتمامها خارج الوقت وقبل دخوله فهي لغو تماماً كأنّه لم يصلّ، وإن دخل الوقت قبل تمام الصلاة ولو قبل التسليم أو في أثنائه وقبل الإنتهاء منه فصلاته صحيحة.

(81) من صلّى دون أن يتأكّد من دخول الوقت، وباشر الصلاة وهو ذاهل

438

غافل عن الوقت ومراعاته، ثمّ تبيّن له أنّ الوقت كان قد دخل قبل أن يقيم الصلاة فصلاته صحيحة، وإن انكشف له أنّ الوقت كان قد دخل وهو في أثناء الصلاة أو بعد إكمالها فصلاته باطلة.

(82) وإذا صلّى وبعد الفراغ من الصلاة شكّ في أنّها هل وقعت بعد دخول الوقت أو قبل ذلك ؟ فلا يجوز الاكتفاء بها (1)، وبخاصّة إذا كان لا يزال دخول الوقت غير معلوم حتّى تلك اللحظة.

(83) وإذا لم يبقَ من وقت الصلاة إلّا فترة قصيرة تساوي ما يتطلّبه الإتيان بالصلاة من زمن فلا يسوغ للمكلّف التماهل، بل لابدّ من المبادرة؛ لكي تقع الصلاة بكاملها في الوقت.

ولكن إذا تماهل أو غفل عن الصلاة حتّى لم يبقَ من الوقت إلّا ما يفي بركعة واحدة فقط ـ كدقيقة مثلا على افتراض أنّ كلّ ركعة تستغرق دقيقةً من الزمن ـ ففي هذه الحالة يجب على المكلّف أيضاً المبادرة إلى الصلاة.

وأمّا إذا لم يبقَ من الوقت إلّا نصف دقيقة وكان لا يكفي للإتيان بركعة ولو مخفّفة بدون سورة عقيب الفاتحة فقد فاتت الصلاة، وتحوّلت من الأداء إلى القضاء، بمعنى أنّه يجب عليه بعد ذلك أن يقضيها في أيّ وقت شاء.

(84) وقد يعجز الإنسان في بداية الوقت عن الإتيان بالصلاة على الوجه الكامل الواجب شرعاً، كمن عجز عن القيام في الصلاة، أو عن طهارة بدنه ـ ويسمّى أمثال هذا بأهل الأعذار ـ فهل يسوغ لهؤلاء أن يبادروا إلى الصلاة في أوّل وقتها بالصورة الناقصة؛ وذلك بالصلاة في حالة الجلوس أو مع النجاسة، أو يجب عليهم أن يصبروا وينتظروا إلى آخر الوقت، فإن ارتفع العذر وتجدّدت



(1) مقصوده (رحمه الله) فرض الشك في زمان دخول الوقت، لا فرض الشك في زمان إيقاع الصلاة.