76

قبل أدائه دينه بالزكاة، أو تدفع لابن السبيل، ثُمّ يصل إليه مال وترتفع مشكلته قبل صرف الزكاة، ومن الواضح في هذه الموارد وجوب إرجاع الزكاة ; لانتفاء مصرفها.

 

أوصاف المستحقّين للزكاة

60 ـ يشترط في استحقاق الزكاة الإيمانُ، فلا تُعطَى الكافرُ ولا المخالفُ بجميع أصنافهم (1).

61 ـ نعم، يجوز للوالي إعطاء المخالف من سهم المؤلّفة قلوبهم (2)، وكذلك من سهم الرقاب (3). أمّا سهم سبيل الله فلو كان إعطاء المخالف خدمةً للمؤمنين وتقويةً لشوكتهم، جاز من باب أنّه أصبح في الحقيقة صرفاً على المؤمنين.

62 ـ ولو أعطى غيرُ المؤمن زكاتَه أهلَ نحلته، ثُمّ استبصر أعادها، بخلاف


(1) للروايات الكثيرة(1).

(2) لأنّ الغرض من سهم المؤلّفة قلوبهم هو تأليف قلوب ضعفاء الإيمان وناقصيه ليقوى إيمانهم أو يكتمل، ويشهد لذلك أيضاً قوله(عليه السلام)في صحيح زرارة: «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعاً لأنّهم يقرّون له بالطاعة، قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: يازرارة، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، وإنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفاً فاعطه دون الناس، ثُمّ قال: سهم المؤلّفة قلوبهم وسهم الرقاب عام، والباقي خاصّ»(2).

(3) لما مضى في التعليق السابق من صحيح زرارة.


(1) راجع الباب 3 و 5 و 7 و 16 من أبواب المستحقّين للزكاة من الوسائل.

(2) الوسائل، ب 1 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

77

الصلاة والصوم والحجّ لو أتى بها على وفق مذهبه (1).

63 ـ لا يجوز صرف الزكاة إلّا في مصرفها الصحيح، فلو صرفها في غير مصرفها كان ضامناً، فمثلاً: الفقير الذي اُعطي الزكاة لصرفها في مؤونة سنته، أو للعمل بها كي يستغني لو صرفها لا في هذا ولا في ذاك، بل صرفها في معصية أو سَرَف، ضمن للتخلّف عن المصرف الصحيح (2).

64 ـ لا يجوز دفع الزكاة إلى مَنْ تجب عليه نفقته في المقدار الواجب، ويجوز دفعها إليه في التوسعة غير الواجبة على من عليه الزكاة (3).

65 ـ يشترط في مستحقّ الزكاة أن لا يكون هاشميّاً فيما إذا كان صاحب الزكاة غير هاشميّ، وأمّا زكاة الهاشميّين بعضهم على بعض فهو جائز (4).

66 ـ والهاشميّ: هو الذي ينتسب إلى هاشم بالأب، ولا أثر للانتساب إليه


(1) راجع الوسائل ب 3 من المستحقّين للزكاة.

(2) ولا ينافي ذلك ما ورد من أنّ الزكاة إذا وصلت للفقير فهي بمنزلة مالِه يصنع بها ما يشاء(1)، فإنّ المقصود بذلك صرفها في المؤونة المحلّلة لا في معصية أو سَرَف.

(3) راجع موثّقة عمّار في الوسائل ب 14 من المستحقّين للزكاة ح 1، وراجع أيضاً ما علّل تحريم إعطاء الزكاة لواجب النفقة بأنّه لازمه ومجبور عليه نفقته، ونحو ذلك من التعابير ممّا لا يشمل غير النفقة الواجبة (ب 13 من تلك الأبواب).

(4) راجع روايات عدم جواز الزكاة لبني هاشم في الوسائل ب 29 من المستحقّين للزكاة، والحديث الخامس منها يدلّ على الجواز، ولكنّه خلاف اتّفاق الكلّ.

وراجع روايات جواز زكاة الهاشمي للهاشمي في ب 31 منها، والحديث الخامس والثامن منها تامّان سنداً، وواضحان دلالةً.


(1) الوسائل، ب 41 من المستحقّين للزكاة، ح 1 و3.

78

بالاُمّ (1).

67 ـ يجوز استفادة الهاشميّين من الأوقاف العامّة إذا كانت من الزكاة، مثل المساجد، والمدارس، والكتب، ونحو ذلك ممّا خرج فعلاً عن كونه زكاة، كما يجوز لهم تلبية دعوة فقير ملك مالاً بالزكاة، ثُمّ دعا هاشميّاً إلى مائدة طعام صنعت من ذاك المال.

 

بقيّة من أحكام الزكاة

 

68 ـ من حقّ حاكم الشرع أن يطالب بجمع الزكوات ; لصرفها في مصارفها، ويجب عندئذ استجابة الناس له، أمّا لو لم يرَ حاكم الشرع المصلحة في ذلك ; لعدم


(1) لإثبات هذا الحكم أحد طُرق ثلاثة:

الأوّل: التمسّك بما هو المفهوم عرفاً من أنّ العبر في النسبة إلى الطوائف والقبائل هو ملاحظة الآباء فيقال: بنو تميم وبنو كعب وبنو مضر، أو يقال: تميمي أو كعبي أو مضري أو غير ذلك على رغم أنّ سبط الرجل ولده لغةً وعرفاً وتكويناً، وربّما يرثه شرعاً.

والثاني: مرسلة حمّاد والتي فيها الإشارة إلى الآية الكريمة(1)، إلّا أنّ عيبها إرسالها.

والثالث: الآية الكريمة: ﴿... وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾(2).

إلّا أنّنا لو خُلّينا والآية المباركة فهي لا تقتضي أكثر من التأييد.


(1) الوسائل، ب 30 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) سورة الأحزاب، الآية: 4 و5.

79

كونه مبسوط اليد، أو لأيّ سبب آخر، كان على نفس المزكّي إيصال الزكاة إلى مصارفها، أمّا لو رأى نفسه قادراً على الأمر، وطلبه على وفق ما رآه من المصلحة، فهذا هو حقّه الأساسيّ الذي لا ريب فيه (1)، ولو خالف المكلّف، فلم


(1) ويدلّ على ذلك: أوّلاً: ظاهر قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾(1).

وثانياً: تصريح الآية الكريمة بالعاملين عليها في جملة مصاريف الزكاة(2)، فقد يفترض أنّه لا ملازمة عقليّة بين فرض العاملين عليها وفرض وجوب الأداء لدى المطالبة من قبل الحاكم، ولكن لا إشكال على أقلّ تقدير في الملازمة العرفيّة والفهم العرفي لذلك.

وثالثاً: ما دلّ على كون العطاء من الزكاة من مصاريف الإمام كصحيح زرارة ومحمّد بن مسلم قالا لأبي عبدالله(عليه السلام): «أرأيت قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ﴾ أكلّ هؤلاء يعطى وإن كان لا يعرف؟ فقال: إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعاً لأنّهم يقرّون له بالطاعة، قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: يازرارة، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، وإنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفاً فأعطه دون الناس، ثُمّ قال: سهم المؤلّفة قلوبهم وسهم الرقاب عامّ والباقي خاصّ...»(3).

ولو خالف المكلّف فصرف الزكاة هو بنفسه في مصرفها لم يثبت الإجزاء; لأنّه كان


(1) سورة التوبة، الآية: 103.

(2) سورة التوبة، الآية: 60.

(3) الوسائل، ب 1 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

80

يدفعه إلى حاكم الشرع، وصرفه هو في مصارف الزكاة، فالإجزاء مشكل.

69 ـ لا يجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية، ولا على كلّ أفراد صنف واحد، فحينما يكون حاكم الشرع هو المسيطر على الأمر يصرف الزكاة بالشكل الذي يرى فيه المصلحة، وحينما لا يكون الأمر بيده، بل المكلّف هو الذي يدفع الزكاة إلى المستحقّين، جاز له أن يدفع الزكاة في المورد الذي يرغب فيه (1).


مأموراً بدفعها لحاكم الشرع ولم يمتثل، ولم يثبت انفصال أمره بدفع الزكاة مستقلاًّ عن أمره بالدفع إلى الحاكم كي يقال: إنّ أمره بدفع الزكاة قد سقط بالامتثال، وأمره بالدفع إلى الحاكم قد سقط بانتفاء الموضوع، فإنّ إطلاقات الأمر بدفع الزكاة لم تكن بصدد بيان كيفيّة الدفع، وأوامر صرفه بنفسه للزكاة في مصارفها لم يثبت لها إطلاق لفرض مطالبة الحاكم بجباية الزكوات.

أمّا على تقدير عدم مطالبة الحاكم لأخذ الزكاة، فلا إشكال في أنّ للمزكّي صرفه هو للزكاة في مصرفها للروايات المتكاثرة والمتظافرة الدالّة على ذلك، ومنها صحيحة زرارة الماضية آنفاً: «أمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف»، وتستطيع أن ترى كثيراً من الروايات بمراجعة الباب 18 و37 و39 و40 و52 و53 و54 من أبواب المستحقّين للزكاة من الوسائل.

(1) وقد ادّعي على عدم وجوب البسط الإجماع من قبل الإماميّة، وتدلّ على ذلك الروايات من قبيل:

1 ـ صحيحة عبدالكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبدالله(عليه السلام) وفيها قول الصادق(عليه السلام): «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر، ولا يقسّمها بينهم بالسويّة، وإنّما يقسّمها على قدر ما يحضرها منهم وما يرى، وليس عليه في ذلك شيء موقّت موظّف، وإنّما يصنع ذلك بما يرى على قدر من

81

70 ـ لو كانت الزكاة بيد حاكم الشرع عمل بما يراه من المصلحة: من صرفها في نفس بلد الزكاة، أو نقلها إلى بلد آخر. أمّا لو كان الصارف نفس صاحب الزكاة فمن الجائز له نقلها إلى بلد آخر مع حفظ شروط الأمانة: من اختيار طريق آمن


يحضرها منهم»(1).

فهذه واضحة في أنّ الإمام يتصرّف وفق ما يرى من المصلحة، وليس وفق البسط عن الأصناف أو الأفراد.

2 ـ صحيح أحمد بن حمزة قال: «قلت لأبي الحسن(عليه السلام): رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك، وله زكاة أيجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال: نعم»(2).

وهذا صريح في مورد ما إذا كان الصارف للزكاة نفس المزكّي وليس حاكم الشرع في أنّه مختار في المصرف الذي يريده.

3 ـ صحيح زرارة قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دَين، أيؤدّي زكاته في دَين أبيه وللابن مال كثير؟ فقال: إن كان أبوه أورثه مالاً ثُمّ ظهر عليه دَين لم يعلم به يومئذ، فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث، ولم يقضِه من زكاته، وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دَين أبيه»(3)، وهذا صريح في مورد ما إذا كان الصرف بيد المزكّي لا بيد الحاكم في جواز صرف زكاته في مورد واحد، وهو أداء دَين أبيه.

ونحوها غيرها(4).


(1) الوسائل، ب 28 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) الوسائل، ب 15 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3) الوسائل، ب 18 من تلك الأبواب ح 1.

(4) راجع ـ كنموذج ـ الوسائل، ب 15 من المستحقّين للزكاة، وب 42 منها، ح 1.

82

ونحو ذلك (1)، فلو تلفت صدفةً على رغم حفظ شروط الأمانة أو سُرقت، فإن كان لها مصرف في بلده يتمكّن من الصرف فيه، فالأحوط ضمانه للمبلغ، وإلّا لم يضمن (2).


(1) يكفي في جواز ذلك صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبدالله(عليه السلام)«في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، ألَه أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال: لا بأس به»(1)، مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل هو الجواز.

(2) أكثر روايات عدم الضمان مطلقة يفهم منها عدم الضمان حتّى مع وجود المصرف في بلده، كجميع روايات الباب 39 من المستحقّين للزكاة من الوسائل، ما عدا الحديث الأوّل، وأيضاً مقتضى القاعدة هو عدم الضمان ما دام مراعياً لشروط الأمانة; وذلك لأنّ الزكاة تنعزل بالعزل وتبقى أمانة بيده، والدليل على انعزالها بالعزل موثّقة يونس بن يعقوب «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني «يكون عندي عُدّة»؟ فقال: إذا حال الحول فأخرجتها من مالك، لاتخلطها بشيء، ثُمّ أعطها كيف شئت...»(2)، وكذلك صحيح أبي بصير وصحيح عبيد بن زرارة(3).

ولم نجد رواية تدلّ على الضمان في فرض التمكّن من الصرف في البلد إلّا الحديث الأوّل من ذاك الباب، وهو صحيح محمّد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل بعث بزكاة مالِه لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان; لأنّها قد خرجت من يده، وكذلك الوصيّ الذي يوصى إليه


(1) الوسائل، ب 37 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) الوسائل، ب 52 من المستحقّين للزكاة، ح 2.

(3) المصدر نفسه، ب 39 من المستحقّين للزكاة، ح 3 و 4.

83


يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي اُمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان».

وتخيّل الشيخ المنتظريّ أنّ الحديث الثاني من ذاك الباب ـ وهو صحيح زرارة أيضاً ـ دالّ على الضمان في فرض التمكّن من الصرف في نفس البلد(1)، وهذا منه خطأ غريب، فهو من روايات عدم الضمان المطلقة، وليس من روايات الضمان.

وأمّا نتيجة البحث فقد يكون مقتضى مرّ الصناعة حمل المطلق على المقيّد، فلو نقل الزكاة مع إمكانيّة الصرف في البلد ثُمّ صادف التلف أو السرقة رغم الالتزام بشروط الأمانة ضمن، وإلّا لم يضمن.

إلّا أنّنا تنزّلنا من الإفتاء بالضمان إلى الاحتياط; لأنّ حمل المطلقات على فرض العجز عن الصرف في البلد يحتمل أن يكون بلحاظ زمن النصّ تخصيصاً بفرض نادر; إذ في ذاك الزمن لم يكن انفتاح للمسلمين على دول كافرة لا يوجد فيها مصرف للزكاة كما هو الحال في زماننا، بل كان انتقال المسلم إلى تلك البلاد يعدّ تعرّباً بعد الهجرة، فلعلّ التقييد بصحيح محمّد بن مسلم ليس بأولى من حمل صحيح محمّد بن مسلم على استحباب إعادة الزكاة، كما قد يشهد لذلك ما في ذيل خبر أبي بصير بعد حكمه(عليه السلام)بالإجزاء من قوله(عليه السلام): «ولو كنت أنا لأعدتها»(2). وفي سند الحديث وهيب بن حفص، فإن وثقنا بوحدة وهيب بن حفص الجريريّ مع وهيب بن حفص النحّاس (أو النخّاس) تمَّ السند; لأنّ النجاشي شهد بوثاقة وهيب بن حفص الجريدي، وإلّا لم يتمّ السند; لاحتمال كون وهيب بن حفص هذا هو الثاني، ولا دليل على وثاقته عدا وروده في كامل الزيارات، والذي لا قيمة له.


(1) راجع المجلّد الرابع من كتابه في الزكاة، ص 142.

(2) الوسائل، نفس الباب السابق، ح 6.

84

71 ـ لو نقل الزكاة إلى بلد آخر فالأحوط أن تكون مؤونة النقل عليه (1).

72 ـ لا يجوز للمكلّف تأخير دفع الزكاة إلّا في حالتين:

الحالة الاُولى: أن يعزل الزكاة عن ماله، فيجوز له عندئذ أن يؤخّر الدفع حفظاً للقدرة على استجابة من قد يأتيه في المستقبل ويطالبه بالزكاة، أو حفظاً للقدرة على معونة من يحبّ أن يعينهم بالزكاة، وهم غير متواجدين لديه حالاً، أو نحو ذلك من الأغراض العقلائيّة في طريقة إيصال الزكاة.


(1) الوجه في كون مؤونة النقل عليه: هو أنّ مؤونة النقل ليست إلّا كاُجرة الكيل والوزن في زكاة الغلاّت، أو استيجار السفينة لإنجاء الغريق من قبل من وجب عليه إنجاء الغريق، وليس صرف المال في مؤونة النقل صرفاً في مورد الزكاة، وليس هذا من موارد سبيل الله كما مضى من أنّ سبيل الله ليس بمعنى كلّ عمل خيريّ(1).

وأفضل وجه لجواز احتساب مؤونة النقل من الزكاة: هو أنّ مؤونة النقل قد صرفت في الحقيقة على شخص الفقير، فيمكن حسابها من سهم الفقراء خصوصاً إذا لم يجد الفقير في بلده، فإنّ مؤونة النقل قد صرفت عندئذ في جهة الفقير يقيناً; لتوقّف إيصال المال إلى كلّي الفقير على ذلك.

ولكن يشكل الأمر بأنّ الزكاة لم تجعل في الآية المباركة للصرف على الفقير ولا على جهة الفقير، بل جعلت لنفس الفقراء، نعم لو أنّ حاكم الشرع كان هو الصارف للزكاة ورأى من المصلحة النقل، أمكن القول بأنّ الوليّ الفقيه له حقّ أن يصرف الزكاة على الفقير بالولاية، أمّا الشخص المزكّي فليس له إلّا أن يملِّك الزكاة للفقير، لا أن يصرفها عليه.

وقد تبيّن بهذا ضعف ما أفاده اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في تعليقه على منهاج الصالحين رقم 66 من تعليقاته على كتاب الزكاة من التفصيل بين فرض وجود المستحقّ في البلد فيضمن مؤونة النقل، وعدمه فلا يضمن.


(1) راجع زكاة الشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 117 ـ 118.

85

والحالة الثانية: أن يكتب مبلغ الزكاة ويسجّله عنده ; ليضمن أنّه لو صرف أو تلف شيء من المال يحسب من غير هذا المبلغ، فيكون هذا بحكم العزل.

أمّا في غير هاتين الحالتين فلا يجوز التأخير (1). وفي مورد جواز التأخير لو أخّر مع تمكّنه من الصرف في مصرفها، ثُمّ تلفت الزكاة، فهذا حاله حال النقل إلى بلد آخر مع قدرته على الصرف في بلده، فيشمله نفس الاحتياط الذي أشرنا إليه في تلك المسألة من الضمان.

73 ـ لا يجوز للمكلّف تقديم مال الزكاة قبل تعلّق الوجوب إلّا بمعنى إقراضه للفقير ; كي يحتسب زكاة عليه لدى تعلّق الوجوب بشرط بقائه على صفة الاستحقاق (2).


(1) الدليل على عدم جواز التأخير: صحيح سعد بن سعد الأشعري(1)، والدليل على استثناء حالة العزل روايات العزل التي مضت الإشارة إليها ضمن تعليقنا الثاني على البند 70، وصحيحة عبدالله بن سنان(2)، والدليل على إلحاق ما ألحقناه بالعزل موثّق يونس بن يعقوب(3).

(2) هناك روايات تصرّح بجواز التقديم: كصحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)«أنّه سأله عن رجل حال عليه الحول، وحلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه وقد أتى لنصف ماله سنة، ولنصف الآخر ستّة أشهر؟ قال: يزكّي الذي مرّت عليه سنة، ويدع الآخر حتّى تمرّ عليه سنة، قلت: فإنّه اشتهى أن يزكّي ذلك، قال: ما أحسن ذلك»(4)، وصحيحة


(1) الوسائل، ب 52 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) المصدر نفسه، ب 53، ح 1.

(3) المصدر نفسه، ب 52 من المستحقّين للزكاة، ح 2.

(4) الوسائل، ب 49 من المستحقّين للزكاة، ح 4.

86

معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال: لا بأس، قال: قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم، فيعجّلها في شهر رمضان، قال: لا بأس»(1)، وصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين، وتأخيرها شهرين»(2).

ولكن توجد في المقابل روايات صريحة تدلّ على عدم جواز التعجيل، كصحيح محمّد الحلبيّ: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يفيد المال؟ قال: لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول»(3). ولو كنّا نحن وهذه الرواية لأمكن حملها في مقابل الروايات الماضية على عدم وجوب التقديم، أو على أفضليّة دفع الزكاة لحينها، ولكن هناك روايات صريحة في عدم جواز التقديم غير قابلة للتأويل، وهي صحيحتا عمر بن يزيد وزرارة(4)، فإنّهما تفرضان تقديم الزكاة كتقديم الصلاة على دخول وقتها، فيستحكم التعارض بينهما وبين الروايات الماضية.

ولو اُريدت معالجة هذا التعارض فليس أمامنا عدا أحد علاجين:

العلاج الأوّل: حمل روايات التقديم على إرادة الإقراض، ثُمّ احتساب القرض من الزكاة لدى وجوبها.

ويدّعى أنّ الشاهد على إرادة الإقراض من عنوان تعجيل الزكاة هو وضوح كون هذا هو المراد منه في صحيحة الأحول عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في رجل عجّل زكاة ماله ثُمّ أيسر


(1) المصدر نفسه، ح 9.

(2) المصدر نفسه، ح 11.

(3) الوسائل، ب 51 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(4) المصدر نفسه، ح 2 و 3.

87

المعطى قبل رأس السنة، قال: يعيد المعطي الزكاة»(1). وذلك بدعوى: أنّه لولا إرادة الإقراض من التعجيل لما كان هناك معنىً للإعادة; لأنّ الفقير حينما امتلك المال كان مستحقّاً، وغناه بعد الامتلاك لا يوجب بطلان ما دفعت إليه من الزكاة. وقد نقل السيّد الخوئيّ(قدس سره) ذلك عن جماعة منهم الشيخ(قدس سره)(2).

ولكنّك ترى أنّ صراحة الروايات في التعجيل بالزكاة لا في القرض واضحة إلى حدّ لا يعدّ هذا الجمع عرفيّاً، بل نفس الرواية التي جعلت شاهداً على ذلك يصعب تفسيرها بهذا المعنى، فإنّها قد افترضت عنوان التعجيل بالزكاة، لا القرض. وأمّا السبب في الإعادة فلا ينحصر في فرض كون المقصود بالتعجيل القرض، فلعلّ السبب فيها أنّه يشترط في من تدفع إليه الزكاة أن يكون مستحقّاً حين وجوب الدفع، فلو انكشف غناه حين الوجوب انكشف عدم وقوع الزكاة في محلّها.

العلاج الثاني: حمل الروايات المجوّزة للتقديم على التقيّة على ما يقال من أنّ المشهور لدى السنّة هو جواز التقديم، بخلاف المشهور لدى الشيعة(3).

ولو فرض أنّ هذا الوجه يكلّفنا فقد الروايات التي جوّزت التقديم والتأخير من أدلّة جواز التأخير الذي أفتينا به سابقاً في فرض العزل، كفانا في مسألة جواز التأخير باقي روايات الباب، كموثّقة يونس(4)، وصحيحتي أبي بصير وعبيد بن زرارة(5)، وصحيحة


(1) الوسائل، ب 50 من تلك الأبواب، ح 1.

(2) راجع شرح العروة، ج 24 من الزكاة، ص 260.

(3) راجع كتاب الزكاة للشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 208 ـ 211.

(4) الوسائل، ب 52 من المستحقّين للزكاة، ح 2.

(5) المصدر نفسه، ب 39 من المستحقّين للزكاة، ح 3 و4.

88

74 ـ لا إشكال في وجوب تعيين الزكاة بالنيّة ; لأنّها عنوان قصدي لا تتميّز من مثيلاتها إلّا بالقصد، فما يعطيه من المال كما يمكن أن يكون زكاة كذلك يمكن أن يكون هبة أو صدقة مستحبّة أو غير ذلك، فلا يتعيّن للزكاة إلّا بنيّة هذا العنوان (1).

75 ـ لا إشكال في وجوب قصد القربة والإخلاص لله تعالى في دفع الزكاة، فلو ترك ذلك أثم، وإن كان يحتمل سقوط ما في ذمّته من المال على رغم عصيانه بترك القربة أو الإخلاص، ولا شكّ في أنّ الأحوط عدم الاكتفاء بذلك (2)، فيعيد


عبدالله بن سنان(1).

أمّا لو لم نقبل بشيء من العلاجين، وتعارضت الطائفتان، قلنا: إنّ روايات جواز التقديم معرَض عنها لدى مشهور الشيعة، فتسقط عن الحجّيّة.

وقد يقال بعد فرض التعارض والتساقط: إنّ مقتضى القاعدة هو عدم جواز التقديم; لأنّ الامتثال يكون بعد توجّه التكليف، وإجزاء ما كان قبله يعني إجزاء غير الواجب من الواجب، وهو خلاف الأصل.

إلّا أنّ هذا الكلام مرجعه في الحقيقة إلى التمسّك بالإطلاقات بعد ابتلاء المخصّص بالمعارض، وهذا مالنا نقاش فيه بيّناه في علم الاُصول.

(1) فحال الزكاة حال العناوين القصديّة الاُخرى الشرعيّة كأقسام الصلوات ممّا لا تمييز بينها إلّا بالقصد، أو العرفيّة كعنوان التعظيم.

(2) عمدة الدليل على وجوب القربة والإخلاص في الزكاة أمران:

أحدهما: قوله تعالى: ﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الاَْشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لاَِحَد عِندَهُ مِن


(1) المصدر نفسه، ب 53 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

89


نِّعْمَة تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الاَْعْلَى﴾(1)، فظاهر الآية المباركة هو أنّ الأتقى الذي يجنَّب النار هو الذي يعطي زكاته ابتغاء وجه ربّه، لا في مقابل نعمة أنعمها عليه أحد من الخلق، فأراد أن يجازيه بإعطاء زكاته إيّاه. وهذه الآية إنّما دلّت على وجوب القربة والإخلاص، أمّا توقّف الزكاة وضعاً على القربة فلا تبرأ ذمّتهّ ماليّاً إلّا بالقربة، فالآية ساكتة عن ذلك سلباً وإيجاباً.

وثانيهما: مؤتلف من مقدّمتين:

الاُولى: أنّه لا إشكال في أنّ الزكاة تعتبر صدقةً كتاباً وسنّةً، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...﴾(2)، وقال عزّ من قائل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا...﴾(3)، وكذلك الحال في السنّة، ويكفي أنّ جابي الصدقات سُمّي في الروايات بالمصدّق(4).

والثانية: لا إشكال في أنّ مفهوم الصدقة متقوّم بالقربة، كما دلّت على ذلك روايات كثيرة من قبيل:

صحيحة جميل «قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): الرجل يتصدّق على بعض ولده بصدقة وهم صغار، ألَه أن يرجع فيها؟ قال: لا، الصدقة لله تعالى»(5).

وموثّقة طلحة بن يزيد، عن جعفر، عن أبيه(عليهما السلام) قال: «من تصدّق بصدقة ثُمّ ردّت


(1) سورة الليل، الآية: 14 ـ 20.

(2) سورة التوبة، الآية: 60.

(3) سورة التوبة، الآية: 103.

(4) راجع الوسائل، ب 14 من زكاة الأنعام.

(5) الوسائل، ب 4 من الوقوف والصدقات، ح 2.

90


عليه، فلا يأكلها; لأنّه لا شريك لله ـ عزّ وجلّ ـ في شيء ممّا جعل له...»(1).

وصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: لا صدقة ولا عتق إلّا ما اُريد به وجه الله عزّ وجلّ»(2).

ومثلها صحيحة الفضلاء ومنهم حمّاد(3).

وموثّقة حسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه(عليهما السلام): «أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول: من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها، ولا يجوز له إلّا إنفاقها، إنّما منزلتها بمنزلة العتق لله، فلو أنّ رجلاً أعتق عبداً لله فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله، فكذلك لا يرجع في الصدقة»(4).

وصحيحة زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام): «إنّما الصدقة محدثة، إنّما كان الناس على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ينحلون ويهبون، ولا ينبغي لمن أعطى لله شيئاً أن يرجع فيه، قال: وما لم يعطِ لله وفي الله فإنّه يرجع فيه، نحلةً كانت أو هبةً، حيزت أو لم تحز»(5).

ونتيجة مجموع هاتين المقدّمتين: أنّ الزكاة مشروطة بقصد القربة، وأنّه مع فقد القربة لا تفرغ الذمّة(6).

إلّا أنّ الشبهة التي يمكن أن تطرح في مقابل ذلك هي أنّه لا إشكال في أنّ حاكم الشرع له أن


(1) الوسائل، ب 11 من تلك الأبواب، ح 3.

(2) ب 13 من تلك الأبواب، ح 3.

(3) المصدر نفسه، ح 4.

(4) الوسائل، ب 24 من الصدقة، ح 1.

(5) الوسائل، ب 3 من الهبات، ح 1.

(6) راجع زكاة الشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 244 ـ 246.

91


يأخذ الزكاة من الممتنع بالقهر والغلبة، كما هو ظاهر توجيه الأمر إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) في قوله: ﴿خذ من أموالهم﴾، في حين أنّه لا يتمشّى من المالك في هذا الفرض قصد القربة، فلو كانت القربة شرطاً لكان ما أخذه حاكم الشرع منه باطلاً. إذن فنفهم من ذلك أنّ الزكاة كحقٍّ ماليٍّ ليست مشروطةً بالقربة. نعم، هي كزكاة صدقة، والصدقة مشروطة بالقربة، والعبد مكلّف بالزكاة، وهذا يعني أنّه في فرض عدم القربة يعاقب كعقابه على أيّ حكم تكليفي يخالفه، ولكن ذمّته الماليّة تبرأ.

إلّا أنّ مقاومة هذه الشبهة للبيان الذي ذكرناه قابلة للنقاش; لإمكان القول بأنّ حاكم الشرع هو وليّ الممتنع، فهو الذي ينوي الزكاة المتقدّمة بالقربة(1).

ولكن يمكن الردّ على هذا النقاش بدعوى: أنّ الأمر المتوجّه إلى الوليّ بعد وضوح الشركة الماليّة بين المالك والفقراء أو موارد الزكاة ينصرف إلى مجرّد إقامة العدل بأخذ حصّة الفقراء وإيصالها إليهم، كما هو الحال في جميع موارد الأمر بإقامة العدل، والذي ليس إلّا أمراً توصّليّاً بعد أن لم ترد الإشارة من قريب أو بعيد إلى شرط القربة في إقامة العدل.

ولا يقال: إنّ قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِم صَدَقَةً﴾ بنفسه يدلّ على ضرورة قصد القربة من قبل وليّ الأمر إن لم يقصدها صاحب المال; لأنّ الصدقة لا تكون صدقة إلّا بقصد القربة; لأنّه يقال: إنّ هذا التعبير لا يدلّ على أكثر من وجوب قصد القربة على المعطي، وأنّ الوليّ مأمور بجبايتها منهم، فلو تعامل الحاكم مع هذا الأمر تعامل الأوامر التوصّليّة فقد عمل بالتكليف، وهذا هو مقتضى مناسبات الحكم والموضوع; لأنّ قصد القربة بنفسه ليس إلّا تكليفاً من التكاليف، سواء فرض عقليّاً أو شرعيّاً. نعم، لو عجز العبد من ذلك كما هو الحال في تزكية الوليّ مال الطفل أو المجنون، فمقتضى ولاية الوليّ أن يقوم هو بالواجب بأن يقصد القربة نيابةً عنه، كما يعمل العمل نيابة عنه. أمّا الممتنع فمجرّد كون السلطان وليّاً له لا يدلّ على ضرورة قصده للقربة بالنيابة


(1) راجع كتاب الزكاة للسيّد الخوئيّ، المجلّد 24 من مسلسل فقهه، ص 282.

92

الزكاة لو كان المال قد صُرف أو تلف.

 

زكاة الفطرة

 

76 ـ تجب زكاة الفطرة(1) كما تجب زكاة المال. ولوجوبها شروط ثلاثة:


عنه; فإنّ السلطان في الحقيقة وليّ عليه لصاحب الحقّ، وليس وليّاً له لإفراغ ذمّته كالولاية على الصغير أو السفيه أو المجنون أو العاجز.

والخلاصة: أنّ حقّ إجبار الوليّ لصاحب المال على دفع الحقّ المفهوم من الأمر بالأخذ منهم يفهم منه عرفاً أنّ الحكم الوضعي في باب الزكاة منفصل عن الحكم التكليفي بوجوب القربة، وعليه فحتّى لو قام نفس المالك بدفع الزكاة لا بقصد القربة فقد سقط عنه الجانب الوضعي وإن أثم بترك قصد القربة.

وإن كان الاحتياط بالإعادة أولى حينما يفترض أنّ مال الزكاة قد صرف في مورده وانتهى، أمّا لو لم يزل المال موجوداً لدى الوليّ أو الفقير فيكفي تأتّي قصد القربة منه بقاءً ضمن مدّة وجود المال.

(1) وأمّا زكاة الفطرة فلا بأس ببحثها هنا أيضاً ـ ولو على سبيل الإجمال ـ فنقول وبالله الاستعانة، إنّه خير معين:

تجب زكاة الفطرة كما تجب زكاة المال بإجماع الشيعة الإماميّة، بل وبإجماع أهل السنّة أيضاً، ما عدا من شذّ عن الطريق من المالكيّين. والأخبار الدالّة على وجوبها مستفيضة(1)، وأخصّ بالذكر صحيحة هشام بن الحكم عن الصادق(عليه السلام) قال: «نزلت الزكاة


(1) راجع الوسائل أبواب زكاة الفطرة الواقعة بعد أبواب زكاة المال، وراجع على الخصوص الباب الأوّل من زكاة الفطرة، وهو باب وجوبها على الغنيّ المالك لمؤونة سنته.

93


وليس للناس أموال، وإنّما كانت الفطرة»(1).

وقد ذكروا لوجوبها شروطاً وهي:

1 ـ التكليف.

2 ـ عدم الإغماء.

3 ـ الحرّيّة والغنى.

أمّا التكليف فصحيحة محمّد بن القاسم بن الفضيل صريحة في شرط البلوغ، وعدم ثبوت الفطرة على الصبيّ قال: «كتبت إلى أبي الحسن الرضا(عليه السلام) أسأله عن الوصيّ أيزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ قال: فكتب(عليه السلام): لا زكاة على يتيم»(2).

ولم يحتمل الفقهاء الفرق بين الصبيّ والمجنون في ذلك.

وأمّا عدم الإغماء فلم أرَ دليلاً واضحاً على اشتراطه عدا إلحاق المغمى عليه بغير المكلّف، أو بغير البالغ، ولكن احتمال الفرق موجود، فالأقوى ثبوت الفطرة عليه.

وأمّا الحرّيّة فلا ينافي اشتراطها دلالة صحيح صفوان الجمّال على ثبوت الفطرة على العبد، قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الفطرة، فقال: على الصغير، والكبير، والحرّ، والعبد...»(3).

وذلك لوضوح أنّ المقصود به ثبوت فطرته على مولاه; لأنّه داخل في عائلته; ولذا ترى ذكر الصغير أيضاً، في حين أنّه لا يشكّ في عدم وجوب الزكاة على الصغير نفسه.

ولو لم ينفق عليه مولاه ما يعيّشه، إذن هو فقير لا زكاة عليه.


(1) الوسائل، ب 1 من أبواب زكاة الفطرة، ح 1، وب 2، ح 8.

(2) الوسائل، ج9، ب1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، ح4، ص84 بحسب طبعة آل البيت.

(3) الوسائل، ج9، ب5 من زكاة الفطرة، ح1، ص327، وب17 منها، ح1، ص364.

94


نعم، ورد بشأن المكاتب: أنّ عليه فطرته، وذلك في صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) «عن المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان، أو على من كاتبه؟ وتجوز شهادته؟ قال: الفطرة عليه، ولا تجوز شهادته»(1). وهو محمول على مكاتب لم يكن تحت عيلولة من كاتبة، ويجعل استثناءً من عدم ثبوت الزكاة على العبد، ولا يضرّه عدم العمل بقوله: «ولا تجوز شهادته» لأنّ السند ينحلّ بعدد جُمل المتن، فيبقى حجّة بلحاظ الجملة الاُولى وهي قوله: «الفطرة عليه».

إلّا أنّ اُستاذنا الشهيد(قدس سره) تنزّل من الإفتاء بثبوت الزكاة عليه إلى الاحتياط بذلك(2)، ولعلّ السبب في هذا التنزّل: إمّا هو ورود الوهن في الحديث بالتفكيك بين الجملتين المتلاصقتين بقبول إحداهما وردّ الاُخرى، وإمّا هو استغراب الحكم واستبعاده; لأنّ المكاتب إن لم يكن قد انعتق بعض منه بأداء جزء من مال المكاتبة فهو: إمّا فقير أو يكون تحت عيلولة مولاه.

وعلى أيّ حال، فالأحوط بشأنه أن يتكفّل فطرة نفسه.

وأمّا الغنى فاشتراطه شبه المسلّمات، وقد دلّت عليه النصوص كصحيح الحلبيّ، وصحيح صفوان بن يحيى عن إسحاق بن المبارك، وموثّقة إسحاق بن عمّار، وصحيح الفضيل(3).

أمّا ما دلّ على ثبوت الفطرة على الفقير كصحيح زرارة(4) فمحمول على الاستحباب


(1) الوسائل، ج9، ب 17 من زكاة الفطرة، ح 3، ص 365.

(2) راجع منهاج الصالحين للسيّد الحكيم، ج 1 المعلّق بتعليق اُستاذنا الشهيد، ص 444 بحسب طبعة دار التعارف للمطبوعات ببيروت.

(3) الوسائل، ج9، ب 2 من زكاة الفطرة، ح 1 و 3 و 6 و 9، ص 321 ـ 322.

(4) الوسائل، ج9، ب 3 من زكاة الفطرة، ح 2، ص 324.

95


بالجمع العرفيّ، ولو لم تقبل عرفيّة الجمع فمطروح.

وقد مضى تفسير الفقير والغني في بحثنا عن زكاة المال.

وهذه الشروط الثلاثة لو وجدت جميعاً من قبل الغروب ولو بلحظة، فلا إشكال في وجوب الفطرة عليه. ولو فقد بعضها مقارناً للغروب، فلا إشكال في عدم وجوبها عليه. ولو كان بعضها مفقوداً قبل الغروب ولكنّها اجتمعت مقارناً للغروب، فالسيّد الحكيم(رحمه الله) احتاط في منهاج الصالحين بلزوم الفطرة، ولم يعلّق عليه اُستاذنا الشهيد(قدس سره).

والظاهر: أنّ إطلاقات الوجوب تشمله، فالأقوى وجوب الفطرة عليه.

وأمّا صحيحة معاوية بن عمّار التي تقول: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا، قد خرج الشهر»(1)، فلم تدلّ على أكثر من شرط إدراك الشهر ولو آناً ما، أمّا ضرورة اجتماع الشرائط في داخل الشهر ولو آناً ما، فلا تدلّ عليها.

وحتّى لو أخذنا بالنسخة التي تقول: «في المولود يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال: ليس عليه فطرة، وليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر»(2)، فذكر اليهودي والنصراني الذي أسلم ليلة الفطر يحتمل فيه إرادة: أنّ قاعدة الجَبّ شملت هذا الكافر الذي أسلم في الليل، أمّا ضرورة اجتماع الشرائط داخل الشهر فلا تدلّ عليها، على أنّ سند النسخة لا يخلو من نقاش.

ويجب على من جمع الشرائط أن يخرجها عن نفسه، وعن كلّ من يعول به، سواء كان واجب النفقة عليه أم لا، وحتّى من انضمّ إلى عياله ولو في وقت يسير، كالضيف الذي نزل عليه قبيل أن يهلّ العيد، فهلّ عليه، وحتّى لو لم يأكل عنده في تلك الليلة شيئاً. نعم،


(1) الوسائل، ج9، ب 11 من زكاة الفطرة، ح 2، ص 352.

(2) المصدر نفسه، ح 1.

96


يشترط في صدق العيلولة نوع من التبعيّة له، كمسافر نزل عليه وأصبح منضمّاً إلى عياله، أمّا لو دعا شخصاً إلى الإفطار ليلة العيد فلا تجب عليه فطرته; لأنّه ليس من عياله، وكذا لو بذل لغيره مالاً يكفيه في نفقته، لكنّه لم يكن تحت عيلولته وتبعيّته عرفاً.

ولو كان المعيل فقيراً والعيال موسراً، وجبت الفطرة على العيال; لإطلاق أدلّة الوجوب.

ولو كان المعيل موسراً لكنّه لم يخرج فطرة العيال عصياناً أو نسياناً، فأيضاً وجبت الفطرة على العيال; لإطلاق أدلّة الوجوب، فإنّ المتيقّن من خروجه عن الإطلاق إنّما هو من دفع المعيل فطرته.

وإذا كان شخص عيالاً لاثنين، وجبت فطرته عليهما على نحو التوزيع، ومع فقر أحدهما تكون تلك الحصّة على نفس العيال لو جمع الشرائط.

والمقياس في جنس الفطرة أن يكون قوتاً متعارفاً في الجملة لأهل البلد، كالحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وغير ذلك، فإنّ هذا هو مقتضى الجمع العرفيّ بين الروايات(1).

والمقدار الواجب هو الصاع وهو ثلاث كيلوات تقريباً، وما في بعض الروايات من الاكتفاء في بعض الأغذية بنصف صاع محمول على التقيّة بقرينة الروايات التي دلّت على أنّ هذا كان من بدع عثمان أو معاوية(2).

ودفع زكاة الفطرة قبل الخروج إلى صلاة العيد أفضل; لبعض الروايات، كصحيح عبدالله بن سنان(3).


(1) راجع الوسائل، ج 9 بحسب طبعة آل البيت، ب 7 و 8 من زكاة الفطرة وغيرهما.

(2) راجع الوسائل، ج 9، ب 6 من زكاة الفطرة، ففيه روايات الصاع، وروايات نصف الصاع، وروايات بدعة عثمان ومعاوية.

(3) الوسائل، ج 9، ب 12 من زكاة الفطرة، ح 1، ص 353.

97


ويكفي في العمل بهذا الفضل العزل قبل صلاة العيد; لبعض الروايات، كموثّقة إسحاق بن عمّار: «سألته عن الفطرة، فقال: إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها، قبل الصلاة أو بعد الصلاة»(1).

وصحيح العيص: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الفطرة متى هي؟ فقال: قبل الصلاة يوم الفطر، قلت: فإن بقي منه شيء بعد الصلاة؟ قال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثُمّ يبقى فنقسّمه»(2) علماً بأنّ معنى «نعطي عيالنا منه»: أنّنا نعزل حصّة العيال فنعطيها بيده.

ولو أخّر دفع الفطرة وعزلها حتّى انتهى العيد، فالأحوط وجوباً عدم السقوط; وذلك للتمسّك بإطلاق أدلّة الوجوب.

والوجه للتنزّل من الفتوى إلى الاحتياط احتمال أنّ إضافة عنوان الزكاة إلى عنوان الفطرة توحي إلى أنّ هذه زكاة يوم الفطر، وينتهي أمدها بأمد اليوم. نعم، الأحوط وجوباً عدم التأخير لنفس النكتة...

ولو عجّل دفع الفطرة بيوم جاز; لموثّقة إسحاق بن عمّار: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن تعجيل الفطرة بيوم، فقال: لا بأس به...»(3). ولفظ «اليوم» يدلّ عرفاً على كفاية الدفع في الليلة الوسطيّة أيضاً وهي ليلة العيد.

ولو عجّله خلال شهر رمضان حتّى في اليوم الأوّل، جاز أيضاً; لصحيح الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) قالا: «... وهو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره...»(4).


(1) الوسائل، ج 9، ب 13 من زكاة الفطرة، ح 4، ص 357.

(2) الوسائل، ج 9، ب 12 من الفطرة، ح 5، ص 355.

(3) المصدر نفسه، ح 3، ص 354.

(4) المصدر نفسه، ح 4.

98


ويجوز دفع زكاة الفطرة أو عزلها بما يساويها قيمةً بالنقود(1).

والزكاة إذا عزلت تعيّنت، فلا يجوز تبديلها، فإنّ نفوذ العزل معناه ذلك.

ولا يجوز نقل الفطرة من أرض إلى أرض وإن جاز دفعها لمن حضر البلد من بلاد اُخرى.

والوجه في هذا المنع روايتان:

الاُولى: خبر عليّ بن الحسن بن فضّال بسند تامّ عن الفضيل، عن أبي عبدالله(عليه السلام)... «ولا تنقل من أرض إلى أرض، وقال: الإمام يضعها حيث يشاء، ويصنع فيها ما يرى»(2).

والثانية: صحيح محمّد بن عيسى عن عليّ بن بلال (وهو ثقة) وأراني قد سمعته من عليّ بن بلال قال: «كتبت إليه: هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة ورجل آخر من إخوانه في بلدة اُخرى يحتاج أن يوجّه له فطرة، أم لا؟ فكتب: تقسّم الفطرة على من حضر، ولا يوجّه ذلك إلى بلدة اُخرى وإن لم يجد موافقاً»(3).

والرواية الاُولى وإن كانت تامّة من عليّ بن الحسن بن فضّال إلى الفضيل، ولكن عيب سندها هو سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال; إذ وقع فيه عليّ بن محمّد بن زبير، ولا دليل على وثاقته عدا كونه من مشايخ الإجازة، وهذا ليس كافياً لإثبات الوثاقة.

فالمهمّ هي الرواية الثانية، فإنّها تامّة سنداً. فصحيح: أنّ الراوي عن محمّد بن عيسى وهو محمّد بن الحسن الصفّار لم يجزم بسماعه للحديث مباشرة من عليّ بن بلال; إذ قال: «وأراني قد سمعته من عليّ بن بلال» ولكن يكفينا نقل محمّد بن عيسى للحديث إلى


(1) راجع الوسائل، ج 9، ب 9 من الفطرة، ص 345 ـ 349.

(2) الوسائل، ج 9، ب 15، من الفطرة، ح 3، ص 360.

(3) المصدر نفسه، ح 4، ص 361.

99


الصفّار عن عليّ بن بلال(1).

نعم، لا إشكال في جواز نقل الفطرة من بلد إلى بلد إذا كان النقل إلى الإمام أو نائبه، أو كان النقل بواسطة الإمام أو نائبه; وذلك لصحيحة أبي عليّ بن راشد قال: «سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال: للإمام، قال: قلت له فاُخبر أصحابي؟ قال: نعم، من أردت أن تطهّره منهم»(2).

بقي الكلام في مصرف زكاة الفطرة، وهنا نريد التعرّض لعدّة مسائل:

المسألة الاُولى: في أنّ مصرف زكاة الفطرة هل هو الفقير والمسكين فحسب، أو مطلق الأصناف الثمانية لزكاة الأموال؟

الأحوط وجوباً التخصيص للفقراء والمساكين; لصحيح الحلبيّ(3). والوجه في التنزّل من الفتوى إلى الاحتياط الوجوبي وجود شبهة الإجماع على الخلاف.

المسألة الثانية: في شرط الإيمان. ويدلّ على ذلك صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا(عليه السلام) قال: «سألته عن الزكاة: هل توضع في من لا يعرف؟ قال: لا، ولا زكاة الفطرة»(4)، وصحيح عليّ بن بلال: «كتبت إليه أسأله: هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب: لا تعطِ الصدقة والزكاة إلّا لأصحابك»(5)، وقد حمل ما خالف ذلك على التقيّة.


(1) الوسائل، ج 9، ب 15، من زكاة الفطرة، ح 4، ص 361.

(2) الوسائل، ج 9، ب 9، من زكاة الفطرة، ح 2، ص 346.

(3) الوسائل، ب 14 من زكاة الفطرة، ح 1.

(4) الوسائل، ج 9، ب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، ح 1، ص 221.

(5) المصدر نفسه، ح 4، ص 222.

100


نعم، لو لم يقدر على المؤمن في البلد، جاز إعطاؤها إلى غير المؤمن; لصحيح عليّ بن بلال قال: «كتبت إليه: هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة ورجل آخر من إخوانه في بلدة اُخرى يحتاج أن يوجّه له فطرة أم لا؟ فكتب: تقسّم الفطرة على من حضر، ولا يوجّه ذلك إلى بلدة اُخرى وإن لم يجد موافقاً»(1). ولا نشكّ: أنّ المقصود بذلك هو المستضعف دون الناصب، كما يؤيّد ذلك خبر الفضيل بسند فيه سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أبي عبدالله في الفطرة: «هي لأهلها، إلّا أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا يَنصِب»(2).

المسألة الثالثة: هل يجوز دفعها إلى الهاشميّ؟ لا شكّ في عدم جواز دفع فطرة غير الهاشميّ إلى الهاشميّ; لأنّها صدقة واجبة، وهي محرّمة على الهاشميّين(3).

ولكن يجوز دفع فطرة الهاشميّ إلى الهاشميّ; لوضوح دلالة صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشميّ، وصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر على ذلك(4).

المسألة الرابعة: هل يجوز أن يدفع إلى المستحقّ أقلّ من صاع، بأن يقسّم الصاع الواحد مثلاً على شخصين، أو لا؟

الظاهر هو الجواز تمسّكاً بإطلاق صحيح صفوان عن إسحاق بن المبارك ـ وتكفي في توثيق إسحاق رواية صفوان عنه ـ: «... قلت (يعني لأبي إبراهيم) فيجعل قيمتها فضّة، فيعطيها رجلاً واحداً أو اثنين؟ فقال: يفرّقها أحبّ إليّ، ولا بأس بأن يجعلها فضّة، والتمر


(1) الوسائل، ج 9، ب 15 من زكاة الفطرة، ح 4، ص 361.

(2) المصدر نفسه، ح 3، ص 360.

(3) راجع الوسائل، ج 9، ب 29 ـ 34 من المستحقّين للزكاة، ص 268 ـ 279.

(4) الوسائل، ج 9، ب 32 من المستحقّين للزكاة، ح 5 و8، ص 275 و276.