467

بالمعاملة لا تصدق هذه الإضافة وهي إتلاف القابض للمنفعة على المالك. ولعل هذا البيان أقوى من البيان الأوّل أو تعميق للبيان الأوّل وهذا ان تمّ يأتي حتى في التلف أي انّه يثبت بذلك عدم صدق التلف في المقام، إذ لا فرق في نكتة الإضافية والنسبية لو تمّت بين الإتلاف والتلف.

وأمّا السبب الأوّل وهو اليد فهي انّما توجب الضمان

لو اقترنت بالتلف وقد أشرنا إلى أنّ البيان الثاني يرجع جوهره إلى دعوى عدم صدق التلف في المقام.

وأمّا لو لم نقبل البيان الثاني أيضاً وبالتالي قلنا في باب الغصب بضمان المنافع الفائتة حتى التي لم يكن المالك يستوفيها لولا الغصب لصدق التلف أو الإتلاف فأيضاً نقول في ما نحن فيه بعدم الضمان، لما مضى منّا في ما سبق من أنّه مع فرض صدق الإتلاف يكون المالك سهيماً في هذا الإتلاف لانّه هو الذي دخل المعاملة الفاسدة باختياره وسلّم المال إلى القابض برضاه بالمعاملة، ومساهمة المالك في الإتلاف تارة تكون بمعنى التبعيض في إتلاف أي انّ المالك أتلف جزءً والشخص الآخر أتلف جزءً آخر وهذا يؤدّي إلى التبعيض في الضمان، واُخرى تكون بمعنى مساهمته في كل الإتلاف أي انّ الإتلاف يستند إليه وإلى الغير كما في ما نحن فيه وهذا يوجب عقلائياً سقوط الضمان.

 

المثل في المثلي والقيمة في القيمي:

الخامس: من أحكام المقبوض بالعقد الفاسد وجوب المثل إذا تلف في المثلي والقيمة في القيمي.

وهذا البحث أعني وجوب المثل في المثلي والقيمة في القيمي يتجلّى على

468

طبيعته الأوّلية في باب الغصب وفي باب إتلاف الأمين أو الإتلاف من دون يد، أمّا باب المقبوض بالعقد الفاسد فقد يؤثّر عليه عامل هدر كرامة المال فيفترض في المثلي الذي بيع بثمن مسمّى أرخص من ثمن المثل انّ البائع هو الذي هدر كرامة ماله بمقدار الفارق بين ثمن المسمّى وثمن المثل كما مضى ذلك فبالإمكان أن يقال: ليس على المشتري تهيئة المثل وإرجاعه إلى البائع لانّ هذا يكلّفه قيمة أكثر من ثمن المسمى وقد هدر المالك احترام ماله بقدر الزيادة على ثمن المسمّى، كما انّه في باب القرض أيضاً قد تؤثّر الشروط الضمنية الارتكازية التي هي كالمتصل في الحساب في حين انّه في باب الغصب لا يوجد هناك عقد حتى يوجد في ضمنه شرط ارتكازي.

ومن هنا نحن نجعل محور البحث في المثلي والقيمي هو المغصوب أو ما أتلفه الأمين أو ما أتلفه غير ذي اليد ثم بإمكانك بعد ذلك ان تأخذ خصوصية باب المقبوض بالعقد الفاسد أو باب القرض بعين الاعتبار في مورديهما.

وعلى أيّة حال فالكلام يقع أوّلاً في أنّ أصل تقسيم الأمتعة إلى المثلي والقيمي لكي يفرّق بينهما في حكم الضمان بضمان الأوّل بالمثل والثاني بالقيمة هل هو صحيح أو لا؟

مقتضى الارتكاز العقلائي:

ولنبحث أوّل ما نبحث حال أوّل دليل من أدلّة الضمان وهو الارتكاز العقلائي القائم على قاعدة الإتلاف أو قاعدة اليد لدى التلف لكي نرى انّ هذا الارتكاز هل يفرّق في الحكم بين شيء يسمّى مثلياً وآخر يسمّى قيمياً أو لا؟

قد يبدُو للذهن انّ هذا التفريق أمر طبيعي لانّه في القيمي لا يوجد للتالف أو المتلَف مثل كي يؤدّيه الغاصب أو المتلِف فمن الطبيعي الانتقال إلى أداء القيمة.

469

وقبل مناقشة ذلك نشير إلى أن ما يمكن ان يجعل أثراً عملياً في التفريق بين المثليات والقيميات أمران:

الأوّل ـ ان يقال: إنّ القيمي لو وجد له صدفة مثل ولم يتوقّف تحصيله على بذل مال مُجحف لم يجب رغم ذلك على الغاصب تحصيله ودفعه إلى المالك لانّه قيميّ ويكون مضموناً بالقيمة، وهذا بخلاف المثلي فانّه يجب على الغاصب أو المتلف تحصيل المثل ودفعه إلى المالك لو أراد المالك ذلك. ويمكن أن يقال أيضاً بعكس ذلك أي انّ الغاصب أو المتلف لو حصل على المثل وأراد دفعه إلى المالك لم يجز للمالك في المثلي الامتناع عن قبوله والمطالبة بالقيمة وجاز له ذلك في القيمي الذي وجد فيه المثل صدفة.

والثاني ـ ان يقال: إنّ القيمي إذا تلف أو أتلف كان على الغاصب أو المتلف أداء قيمة يوم التلف مثلاً دون يوم الأداء لانّه حينما تلفت العين استقرت القيمة في الذمّة وهي لا تصعد ولا تنزل، وهذا بخلاف ما لو أنكرنا انقسام التالف في الحكم إلى ا لمثلي أو القيمي وقلنا: إنّ الذي يستقر في الذمّة دائماً هو المثل حتى لو عجز عن أدائه فنتيجة ذلك انّه لدى الأداء تكون عليه قيمة يوم الأداء.

إذا عرفت ذلك فالوجه الذي ذكرناه آنفاً للتفكيك بين المثلي والقيمي في الحكم من أنّه إذا وجد المثل فمن الطبيعي ان يطالب المالك بالمثل أو يؤدّي الضامن المثل الذي هو أقرب الأشياء إلى التالف، أمّا إذا لم يوجد المثل فمن الطبيعي التنزّل إلى ا لقيمة لعدم إمكانية أداء المثل.

أقول: إنّ هذا الوجه لو تمّ لا يثبت الثمرة الاُولى فيجب ان يقال في القيمي إذا حصل له صدفة المثل: انّه يجب أداء المثل أو انّ القيمي الذي حصل له صدفة المثل تحوّل إلى المثلي في فرض عدم وجود إجحاف في شرائه على أقل تقدير

470

وحتى في فرض الإجحاف لو تحمّل الضامن هذا الإجحاف لم يجز للمالك الامتناع عن قبوله والمطالبة بالقيمة، فلو تمّ هذا الوجه فانّما يثبت الثمرة الثانية.

إلّا انّ هذا الوجه على بساطته ومن دون تعميق لا يتمّ وذلك لوضوح انّ الحكم التكليفي يختلف عن الحكم الوضعي فعدم وجدان المثل وإن كان يؤثّر في الحكم التكليفي فلا يمكن مطالبة الضامن بأداء المثل لعجزه عن ذلك لكن هذا المقدار من البيان لا يثبت استقرار القيمة في ذمّته كي يقال مثلاً: انّ العبرة بقيمة يوم التلف ولكن يمكن تعميق ذلك بأحد الوجوه:

الوجه الأوّل ـ ان يقال: إنّ الحكم الوضعي غير المؤدّي إلى الحكم التكليفي أو غير المنتزع منه لا قيمة له فلا معنى لضمان المثل مع فرض عدم إمكان أداء المثل لعدم وجوده.

والجواب: انّ ثمرة الحكم الوضعي بضمان المثل رغم عدم وجوده تكون عقلائياً عبارة عمّا عرفت من أنّه لدى الأداء يكون عليه أداء قيمة يوم الأداء دون يوم التلف. وهذا كاف في عدم لغوية الحكم الوضعي.

الوجه الثاني ـ ان يقال: إنّ المال بشخصه ونوعه وماليته دخل في العهدة وكل ما يتلف من ذلك يسقط عن العهدة فحينما تلفت العين سقطت الشخصية عن العهدة لتعذّرها وبقيت النوعية والمالية وهما متجسّدتان في المثل وإذا انعدم المثل سقطت النوعيّة أيضاً عن العهدة لتعذّرها وبقيت المالية وهي متجسّدة في القيمة.

وهذا كما ترى إمّا يكون اجنبياً عن باب الضمان بمعناه الوضعي أو يكون خلطاً بين الذمّة والعهدة أو قل بين وعاء وجوب الأداء وبين وعاء الأموال الرمزية.

وقد أورد السيد الإمام (رحمه الله) على هذا الوجه بانّه حينما تلفت العين تلف

471

النوع والمالية المتجسّدان فيها وانّما كانت النوعية والمالية داخلتين في العهدة ضمن دخول العين بكل خصوصياتها في العهدة فقد سقط الكل بتلف العين ولم تكن النوعية أو المالية على كلّيتها واستقلالها عن العين داخلة في العهدة(1).

الوجه الثالث ـ انّه بتلف العين دخل في الذمّة النوع والمالية وبانعدام المثل تلف النوع فبقيت المالية في الذمّة وهذا هو معنى ضمان القيمة.

ويرد عليه: انّ المثل الذي هو في الذمّة لا يتلف بعدم وجوده خارجاً وتعذّر أدائه بل يبقى في الذمّة إلى حين الأداء فيؤدّي قيمة يوم الأداء، كما انّ المالية التي ثبتت في الذمّة لا تتلف ولا تسقط بتعذّر أدائها حينما يصبح الضامن مُعدَماً عاجزاً عن الأداء إلى آخر عمره.

اذن فلا وجه عقلائي للتفصيل بين الأمتعة بافتراض بعضها مثلياً يضمن بالمثل وبعضها قيمياً يضمن بالقيمة.

إلّا ان يدعى ابتداءً وبترك كل هذه التفلسفات: انّ الارتكاز العرفي يحكم بضمان المثل فيما له المثل وبضمان القيمة في ما ليس له المثل.

إلّا انّ هذه الدعوى عهدتها على مدّعيها ولعلّ شيئاً من تحليل الأمر يؤدّي إلى الانتباه إلى عدم صحّة هذه الدعوى وذلك بالشرح التالي:

إنّ لكل من المثل والقيمة امتيازاً فالمثل امتيازه انّه يشتمل على الأوصاف التي كانت في العين وقد تكون تلك الأوصاف مطلوبة للمالك ولا يرغب في تحمّل عناء الشراء مثلاً فيطالب الضامن بدفع المثل دون القيمة، والقيمة امتيازها عبارة عن مرونتها فقد يرغب المالك في أخذ القيمة كي يكون حرّاً في تهيئة ما


(1) كتاب البيع 1: 328.

472

يرغب فيه من متاع، وقد يرغب في متاع آخر غير الذي تلف لدى الضامن ولو سلّم إليه المثل لاضطرّ إلى تحمّل عناء بيعه مثلاً وقد لا يوفّق لبيعه بقيمته الحقيقية فيرغب ان يأخذ من الضامن القيمة لا المثل.

فإذا وجد المثل ولو صدفة فيما يفترض كونه قيمياً وأراد الضامن ان يسلّم المثل إلى المالك فالمالك لا يحق له عقلائياً مطالبة الضامن بامتياز القيمة لانّه لم يتلفه عليه ولو أراد المالك المثل فالضامن لا يحق له عقلائياً إرغام المالك على التنازل عن امتياز المثل لانّه أتلفه عليه.

وإذا لم يوجد المثل فعدم وجدانه لا يكون مبرراً عقلائياً لسقوط حقّ المالك بلحاظ تلك الأوصاف ما دامت لضمانها ثمرة كما مضى.

وأمّا إشكال السيد الخوئي (رحمه الله) بانّ الضمان لو كان بالمثل لزم ان يجوز للمضمون له الامتناع من أخذ القيمة رغم تعذّر المثل(1) فمردود بانّه إن كان في ارتكاز العقلاء عدم جواز ذلك كما هو كذلك في فرض اليأس عن حصول المثل فهذا ليس دليلاً على أنّهم يرون استقرار القيمة في يوم التلف مثلاً في الذمّة، إذ لعل كون بقاء الضامن تحت الضمان ضيقاً وحرجاً نفسياً وقد يكون خارجياً أيضاً على الضامن كان حكمة في حكمهم بعدم جواز امتناع المالك من أخذ القيمة رغم أنّ الشيء الثابت في الذمّة هو المثل فيكون عليه قبول تسلّم قيمة يوم الأداء أو إبراء الضامن من ضمانه أي انّهم جعلوا للضامن حقّ إفراغ ذمّته ولكن ذمّته مشغولة بالمثل ويفرغها بأداء قيمة يوم الأداء.

هذا تمام الكلام بلحاظ مقتضى القواعد الأوّلية باعتبار الارتكاز العقلائي


(1) راجع مصباح الفقاهة 3: 173.

473

وإن لم يكن هناك ردع على ذلك أمكن إلباس ذلك ثوب الشرعية إمّا من باب انّعدم الردع دليل الإمضاء أو من باب ان هذا الارتكاز العقلائي قد حدّد الحقوق العقلائية في المقام لكلا الطرفين فمخالفة الحدّ من هذا الطرف أو ذاك الطرف تعتبر ضرراً عقلائياً منفياً بقاعدة لا ضرر.

وأمّا إذا لاحظنا الأدلّة اللفظية للضمان فذاك الارتكاز العقلائي الذي عرفته يؤثّر في صرف ظهورها إلى نفس ما قام عليه الارتكاز.

مقتضى الروايات المتفرقة:

يبقى الكلام في أنّه قد يدّعى انّ قيميّة القيميات ثبتت بالروايات المتفرقة في الأبواب المختلفة.

وقد اختار السيد الخوئي في المحاضرات(1): انّ الانتقال إلى القيمة يختص بفرض فقدان المثل فإذا وجد صدفة المثل عند الضامن مثلاً لم ينتقل إلى القيمة حتى في القيميات، لانّ الارتكاز العقلائي يقتضي ضمان المثل لدى إمكان أدائه والروايات ليس فيها إطلاق فتحمل على فرض تعذّر المثل ولكنه اختار في المصباح(2) انّ الروايات مطلقة وانّ الارتكاز العرفي على ضمان القيمة في القيميات أيضاً مطلق، اذن فالمضمون في القيميات هي القيمة ولو وجد المثل صدفة.

أقول: لو وجدت رواية تذكر ضمان القيمة ويكون مقتضى إطلاقها الأوّلي ضمان القيمة حتى في فرض وجود نادر للمثل فالارتكاز الذي ادعيناه مطلقاً وادّعاه في المحاضرات في خصوص فرض وجدان المثل يصرف ذاك الإطلاق عن هذا الفرض.


(1) راجع المحاضرات 2: 191 و 195.

(2) راجع مصباح الفقاهة 3: 174 ـ 176.

474

ومن هنا يتضح انّ مجرّد وجود رواية تحكم بوجوب دفع القيمة ليس دليلاًعلى قيمية بعض الاُمور لانّه من المحتمل أن يكون المضمون هو المثل وأن يكون الحكم بوجوب دفع القيمة من باب تعذّر المثل فتكون عليه قيمة يوم الأداء.

وعليه فلا يمكننا التمسّك لإثبات قيميّة بعض الاُمور بالروايات إلّا إذا كان مفادها الحكم بقيمة يوم التلف أو يوم الغصب مثلاً فيقال مثلاً: إنّ هذا دليل على قيميّة ذاك الشيء إذ لو كان الثابت في الذمّة هو المثل لكان المترقّب أن يكون عليه أداء قيمة يوم الأداء.

وبعد فالصحيح عدم وجود رواية تامّة السند تدلّ على قيمية بعض الأشياء كما يتضح ذلك بذكر نموذج ممّا تتوهّم دلالته على ذلك:

فمنها ـ روايات عتق أحد الشريكين أو الشركاء نصيبه من العبد الدالّة على ضمان المعتق قيمة حصص الباقين أو استسعاء العبد لتحصيل القيمة(1).

وأكثر هذه الروايات ليس فيها تصريح بغير قيمة يوم الأداء وقد قلنا: إنّ مجرّد ذكر القيمة ليس دليلاً على القيمية خصوصاً انّ في مورد هذه الروايات لعلّه لا يحتمل إمكان تحصيل المثل فمن الطبيعي الانتقال في مقام الأداء إلى القيمة. نعم بعض هذه الروايات ورد فيها التصريح بقيمة يوم العتق فقد يتمسّك بها لإثبات ضمان القيمة لانّه لو كان المثل هو المضمون كان المترقّب أن تكون عليه قيمة يوم الأداء لا قيمة يوم العتق وتلك الروايات المصرّحة بقيمة يوم العتق ما يلي:

1 ـ ما عن محمّد بن قيس بسند تام عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من كان شريكاً في عبد أو أمَة قليل أو كثير فاعتق حصّته ولم يبعه فليشتره من صاحبه فيعتقه كله


(1) راجع الوسائل 16: 21 ـ 23، الباب 18 من أبواب العتق.

475

وإن لم يكن له سعة من المال نظر قيمته يوم اعتق ثم يسعى العبد في حساب ما بقى حتى يعتق(1).

إلّا انّ هذا الحديث وإن ذكر قيمة يوم العتق إلّا انّه لم يجعلها على عاتق المُتلف أو من هو بمنزلة المُتلف وهو الذي اعتق حصّته، وانّما حكم على المُعتق بشراء باقي الحصص وهذا إن لم يكن منصرفاً إلى شرائه بقيمة يوم الشراء فليس منصرفاً إلى شرائه بقيمة يوم العتق، امّا العبد الذي يستسعى فليس ضامناً أصلاً فالرواية اجنبية عمّا نحن فيه اللهم إلّا ان يدّعى مجرّد إشعارها بالمقصود بدعوى انّه لو لم يكن ضمان العبد بقيمة يوم العتق لما كان يبدو للذهن وجه في استسعائه بقيمة يوم العتق.

2 ـ ما عن محمّد بن قيس بسند تام عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في عبد كان بين رجلين فحرّر أحدهما نصفه وهو صغير وأمسك الآخر نصفه حتى كبر الذي حرّر نصفه قال يقوّم قيمة يوم حرّر الأوّل وأمر المحرَّر ان يسعى في نصفه الذي لم يحرّر حتى يقضيه(2).

وهذا أيضاً يأتي فيه نفس النقاش الذي ذكرناه في الحديث الأوّل فانّ قيمة يوم العتق لم يجعلها على عاتق المعتق بل جعلها مبلغ استسعاء العبد، والعبد ليس ضامناً كما هو واضح فلو فرضت في الحديث رائحة الدلالة على المقصود فليست بأكثر من الإشعار.

3 ـ ما عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم ورثوا عبداً جميعاً فاعتق بعضهم نصيبه منه كيف يصنع بالذي اعتق نصيبه منه؟ هل


(1) الوسائل 16: 21، الباب 18 من أبواب العتق، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 4.

476

يؤخذ بما بقي؟ فقال: نعم يؤخذ بما بقي منه بقيمته يوم اعتق(1) وهذا فرقه عن الحديثين السابقين انّه جعل قيمة يوم العتق على المعتق الذي هو بمنزلة المتلف إلّا انّ جملة «منه بقيمته يوم اعتق» انّما وردت في نسخة الكافي(2)، وسند الكافي ضعيف بـ (معلى) بن محمّد ولم ترد في نسخة التهذيب(3) الذي يكون سنده تامّاً، على أنّ نصّ الكافي أيضاً يبدو وجود الخلاف بين نسخه فإنّ صاحب الوسائل الذي نقل النص عن الكافي اقتصر على قوله: «نعم يؤخذ بما بقي منه» ثم قال في هامش المخطوط: في نسخة زيادة: «بقيمته يوم اعتق»(4).

ومنها ـ ما عن السكوني بسند فيه النوفلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) يقوّم ما فيها ثم يؤكل لانه يفسد وليس له بقاء فان جاء طالبها غرموا له الثمن فقيل: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسيّ فقال: هم في سعة حتى يعلموا(5) والحديث ظاهر في إرادة قيمة يوم الأكل.

إلّا انّ الظاهر اجنبية الحديث عمّا نحن فيه لانّ الظاهر انّ المقصود بالتقويم ثم الأكل انّهم يتملّكون الطعام بقيمته ثم يأكلون لا انهم يأكلون مال الناس فيضمنون فتكون عليهم قيمة يوم الإتلاف.

 


(1) الوسائل 16: 22، الباب 18 من أبواب العتق، الحديث 6.

(2) 6: 183، باب المملوك بين شركاء يعتق أحدهم نصيبه أو يبيع، الحديث 6.

(3) الجزء 8، الحديث 784.

(4) راجع الهامش في نسخة آل البيت.

(5) الوسائل 17: 372 ـ 373، الباب 23 من أبواب اللقطة.

477

ومنها ـ روايات نكاح الأمَة المسروقة الدالّة على أداء قيمة الولد(1).

ولكن يمكن تطبيقها على قيمة يوم الأداء إن لم نقل بانصرافها إلى ذلك كما لا يتصوّر عادة إمكانيّة أداء المثل فمن الطبيعي الانتقال إلى أداء القيمة، فهذه الروايات أيضاً أجنبيّة عن المقام.

ومنها ـ روايات وقوع التهاتر بين الدين والرهن التالف عن تقصير(2)، فلولا كون الرهن قيميّاً لكان المترقّب عدم التهاتر واسترجاع الدين وإرجاع مثل العين المرهونة.

وبطلان الاستدلال بهذه الروايات واضح جدّاً ; إذ لو فرضت دلالة هذه الروايات على القيميّة لدلّت على قيميّة كلّ شيء ; لأنّ العين المرهونة غير مشخّصة في هذه الروايات، فقد تكون ممّا يكثر مثلها كما قد تكون ممّا لا مثل لها.

والواقع أنّ مفاد هذه الروايات هو أنّه كما كانت العين المرهونة رهناً في مقابل الدين، أي: أنّه إذا لم يؤدّ الدين اُقتصّ من العين المرهونة كذلك الدين رهن في مقابل العين المرهونة، أي: أنّها لو تلفت بتقصير اقتصّ من الدين، فالتهاتر يكون في المقام على أساس التراهن المفروض شرعاً في المقام لا على أساس قيميّة العين المرهونة.

ومنها ـ صحيحة أبي ولاّد(3)، حيث جاء فيها: قلت له: أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني؟ قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته. فيقال: إنّ هذا يعني


(1) الوسائل 14: 590، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(2) الوسائل 13: 125 ـ 130، الباب 5 و 7 من أبواب الرهن.

(3) الوسائل 13: 255 ـ 257، الباب 17 من أبواب الإجارة، الحديث 1. وبحسب طبعة آل البيت: 19: 119 ـ 120.

478

وجوب أداء قيمة يوم الغصب، وهذا يدلّ على كون البغل قيميّاً؛ إذ لو كان مثليّاً لكان المترقّب أن يكون عليه قيمة يوم الأداء لا قيمة يوم الغصب.

إلّا أنّ هناك نكتتين تثيران الانتباه في هذه الرواية:

الاُولى ـ أنّ المترقّب على تقدير قيميّة البغل أن تكون العبرة بقيمة يوم التلف ; لأنّه يوم الانتقال إلى القيمة، فياترى لماذا فرض في الحديث أنّ العبرة بقيمة يوم الغصب؟!

والثانية ـ لماذا جعلت العبرة في الحديث في قيمة التالف بقيمة يوم الغصب وفي الارش بقيمة يوم الأداء حيث قال: عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه؟! فأيّ فرق بين فرض التلف وفرض العيب؟! وجعل يوم الردّ قيداًلخصوص العيب مع فرض كون العبرة بقيمة يوم الغصب، أي: قيمة العيب الثابت في يوم الردّ بلحاظ سوق يوم الغصب، بعيد.

وبالإمكان أن يقال: إنّ اختلاف قيمة البغل خلال خمسة عشر يوماً ـ وهي المدّة المفروضة في الحديث حيث قال: (وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً) ـ على أساس التضخّم أو على أساس قوانين العرض والطلب بعيد ; لأنّ التضخّم في ذاك الزمان وبحسب الوضع الاقتصادي المبسّط وقتئذ لا يحتمل عادة في هذا الوقت القصير، كما أنّ اختلاف العرض والطلب في هذه المدّة القصيرة أيضاً بعيد ; لأنّ البغل ليس كالفاكهة مثلاً يفترض أنّه بعد خمسة عشر يوماً راج على الأشجار فكثر استيراده في الأسواق أو انتهى وقته فقلّ وجوده فيها، وإنّما الشيء المترقّب هو اختلاف قيمة البغل باختلاف أوصافه سمناً وهزالاً وصحّةً وسقماً وكسلاً ونشاطاً، فالمقصود بقيمة البغل يوم المخالفة قيمة البغل في أوصافه التي ثبتت في يوم المخالفة.

 

479

وإطلاق الحديث لفرض اختلاف القيمة السوقيّة باعتبار التضخّم أو تبدّل وضع العرض والطلب غير ثابت لا لمجرّد كون هذا فرضاً نادراً حتّى يقال: إنّ الندرة لا توجب الانصراف إلّا الانصراف البدوي، بل لما مضى منّا من دعوى ارتكازيّة ضمان المثل مطلقاً ونستفيد من الندرة مساعدتها على سهولة الانصراف، أي: أنّ هذا الارتكاز إن صعب فرضه موجباً للانصراف عن حالة شائعة فلا صعوبة في فرضه موجباً للانصراف عن حالة نادرة.

وإذا فسّرت الرواية بهذا التفسير كان الفرق العقلائي بين فرض التلف ومسألة الأرش واضحاً، فقد جعلت العبرة في ضمان التالف بلحاظ حالات البغل سمناً وهزالاً وصحّةً ومرضاً بيوم المخالفة باعتباره يوم الغصب، وجعلت العبرة في الأرش بمدى سعة وضيق الجرح أو الكسر يوم الردّ؛ لأنّه لو توسّع الجرح أو الكسر يوم الردّ كان مضموناً، ولو تضيّق فقد خرج من ضمان ذاك المقدار من الصحّة بالتسليم، وكذا أصبحت النكتة العقلائيّة لجعل الضمان مرتبطاً بما في يوم المخالفة دون يوم التلف واضحة؛ لأنّه إن تدهور وضع الحيوان من بعد يوم المخالفة كان التدهور مضموناً على الغاصب، وإن تحسّن وضعه ثمّ تراجع مرّة اُخرى، فهذا التحسّن كان تحت رعايته فمن المعقول أن لا يكون مضموناً عليه.

ولنا تقريب آخر لإبطال دلالة هذه الرواية على المقصود، وهو أنّ من المحتمل صحّة النسخة التي لم يدخل فيها اللاّم على البغل ولعلّها هي النسخة المشهورة، فيكون النصّ هكذا: «نعم قيمة بغل يوم خالفته» لا «قيمة البغل يوم خالفته»، وعلى هذا التقدير من المحتمل كون كلمة البغل غير منوّنة بأن تكون مضافة إلى يوم المخالفة، وعلى هذا التقدير من المحتمل أن تكون القيمة مضافة إلى بغل يوم المخالفة لا مضافة إلى البغل مع كون مجموع المضاف والمضاف إليه

480

مضافاً إلى يوم المخالفة، والفرق بينهما واضح كما يقال في «هذا بيض دجاج زيد»: إنّنا تارة نفترض أنّ البيض مضاف إلى الدجاج والدجاج مضاف إلى زيد، وهذا يعني أنّ زيداً له دجاج، ودجاجه قد بيّضت. واُخرى نفترض أنّ بيض الدجاج مضاف إلى زيد، وهذا لا يستلزم كون زيداً مالكاً للدجاج، بل قد يكون مالكاً لبيض الدجاج وقد اشترى البيض من السوق مثلاً فأصبح مالكاً للبيض من دون امتلاكه للدجاج، وكذلك الحال في المقام فقد نفترض أنّ قيمة البغل مضافة إلى يوم المخالفة، وهذا يشمل بالإطلاق مثلاً فرض اختلاف القيمة على أساس التضخّم أو على أساس قانون العرض والطلب، وقد نفترض أنّ القيمة مضافة إلى بغل يوم المخالفة، فالاختلاف ابتداء بين يوم المخالفة ويوم آخر إنّما هو في البغل واختلاف القيمة يكون بتبع اختلاف البغل، فلا إطلاق له لفرض اختلاف القيمة على أساس التضخّم أو قانون العرض والطلب، وإنّما النظر يكون إلى اختلاف القيمة بلحاظ اختلاف أوصاف نفس البغل ومع وجود هذا الاحتمال لا يتمّ الإطلاق.

وقد تقول: إنّ الاحتمال الآخر أيضاً ثابت، وذلك بأن يكون البغل مع اللاّم أو منوّناً أو تكون قيمة البغل مضافة إلى يوم المخالفة فيتمّ الإطلاق، فيكون ردعاً عن الارتكاز، وهذا وإن لم يزد على مستوى الاحتمال ولكن احتمال الردع كاف في عدم ثبوت الإمضاء، كما أنّ احتمال الردع في ما مضى من روايات عتق الشريك لحصّته من العبد وارد خصوصاً في الرواية الثالثة التي دلّت على نسخة الكافي على ضمان المعتق لقيمة يوم العتق، وسند الكافي وإن كان ضعيفاً لكنّه يكفي لاحتمال الردع المانع عن القطع بالإمضاء.

ولكنّنا نقول: إنّ هذا المقدار لو كان كافياً للردع عن مثل هذا الارتكاز فإنّنا لسنا بحاجة في المقام لإثبات ضمان المثل دائماً أو قل ضمان قيمة يوم الأداء إلى

481

التمسّك بثبوت الإمضاء والقطع بعدم الردع، لما مضى من أنّ هذا الأمر الارتكازي يكفي في إسباغ الشرعية عليه تثبيته بقاعدة لا ضرر أو الإلتفات إلى أنّ هذا الارتكاز يخلق للأدلّة اللفظية للضمان ظهوراً في ضمان المثل أو قل: في ضمان قيمة يوم الأداء، وتلك الأدلّة اللفظية لو لم يكن لها إطلاق لكل موارد الضمان كما لو فرض عدم ثبوت إطلاقها لبعض أقسام اليد والتلف مثلاً كفانا عدم احتمال الفرق في انقسام الأمتعة إلى المثلي والقيمي وعدم انقسامها باختلاف موارد الضمان.

ومنها ـ رواية أبي الورد ـ قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل عبداً خطأً قال: عليه قيمته ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم، قلت: ومن يقوّمه وهو ميت؟ قال: إن كان لمولاه شهود أن قيمته كانت يوم قتل كذا وكذا اُخذ بها قاتله، وإن لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه يشهد بالله ما له قيمة أكثر ممّا قوّمته فإن أبى أن يحلف وردّ اليمين على المولى فإن حلف المولى أعطى ما حلف عليه ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف...»(1).

وسند الحديث ضعيف بأبي الورد.

وأما من حيث الدلالة فاحتمال الخصوصية في العبد وارد فإن المبلغ الذي يعطيه ليس من باب ضمان التالف بحتاً حتى تحمل عليه موارد ضمان التالف المشابهة بل هو مطعّم بعنوان الديّة ولذا قال: «ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف» أي لا يجاوز دية الحر كما ورد هذا المضمون في بعض روايات اُخرى(2) بل وردت


(1) الوسائل 29: 208 ـ 209، الباب 7 من أبواب ديات النفس، ط. آل البيت (عليهم السلام).

(2) راجع الوسائل 29: 207 ـ 208، الباب 6 من أبواب ديات النفس، ط. آل البيت (عليهم السلام).

482

في بعضها تسمية قيمة العبد التي تعطى لدى قتله بالدية(1)، والديّة عبارة عن مبلغ من المال تثبت في الذمّة بمجرد القتل، وديّة العبد عبارة عن قيمته فإن كانت القيمة التي تأتي في الذمّة ابتداءً في دية العبد عبارة عن ثمنه يوم قتله لم يدلّ ذلك على أن ضمان التالف القيمي يكون على العموم بالقيمة في الذمّة يوم التلف لا المثل.

هذا تمام الكلام في أصل المثلية والقيمية وقد اتضح انّ المختار دائماً هو ضمان المثل أو قل: إنّ المختار هو ضمان المثل لدى وجوده وقيمة يوم الأداء لدى عدم وجود المثل.

وبعد ذلك نشير إلى عدّة تنبيهات:

تنبيهات حول المثل والقيمة:

الأوّل ـ انّ الأوصاف غير الدخيلة في الرغبات العامّة لو كانت دخيلة في الرغبة الشخصية للمالك فظاهر إطلاق عبارة السيد الخوئي عدم ضمانها(2) ولكن الظاهر ضمانها لدى إمكان الإرجاع، فان الارتكاز العقلائي يدلّ على ذلك في غير مثل القرض الذي تعارف فيه عدم الاهتمام بتلك الأوصاف فأصبح إسقاطها كالشرط في ضمن العقد نعم مع عدم إمكان الإرجاع لا يضمن قيمة بسبب ذلك لانّها ليست دخيلة في تقييم المال.

الثاني ـ لو وجد المشابه ولم يوجد المثل فهل ينتقل في مقام الأداء إلى المشابه أو إلى القيمة؟

وهذا السؤال ينشقّ إلى سؤالين:


(1) راجع الوسائل 29: 207 ـ 208، الباب 6 من أبواب ديات النفس، ط. آل البيت (عليهم السلام).

(2) راجع المحاضرات 2: 186 ـ 187.

483

1 ـ لو طلب المالك القيمة فهل للضامن ان يفرض على المالك القبول بالمشابه أو لا؟ والجواب بالنفي فللمالك عقلائياً أن يقول للضامن انّك بعد ان حرمتني عن امتياز المثل وهو امتياز اشتماله على كل الأوصاف التي كنتُ امتلكها فلي حق المطالبة في المقابل بامتياز القيمة وهو مرونتها وسهولة تبديلها بأيّ شيء أرغب فيه.

2 ـ لو طلب المالك المشابه فهل للضامن أن يمتنع عن أداء المشابه ويفرض على المالك أخذ القيمة أو لا؟ يمكن أن يجاب على ذلك بالإيجاب بدعوى ان فقدان العين يؤدّي إلى تبدّل المال المملوك للمتلف عنه إلى الكلي في الذمّة في دائرة مماثل العين لا إلى الأوسع من ذلك فإذا لم يمكن أداء المثل لم يكن للمالك أن يفرض على الضامن مشابهاً وفرداً من دائرة أوسع من المماثل، ويمكن أن يجاب على ذلك بالنفي بدعوى الانحلال بمعنى ان جميع أوصاف العين مضمونة فلو تعذّر إرجاع بعض الأوصاف كان للمالك حق المطالبة بباقي الأوصاف غير المتعذّرة.

ولا يبعد التفصيل بين درجات الشبه وبين بعض الأوصاف والبعض الآخر فكلّما اشتدّ الشبه أو اقترب الفرض الذي يؤدّيه المشابه إلى الفرض الذي كانت تؤدّيه العين تقوي الاحتمال الثاني وكلّما خفّ ذلك وابتعدت آثار الشبيه عن آثار العين التالفة تقوّى الاحتمال الأوّل.

الثالث ـ لو انكسرت القيمة السوقية للعين المغصوبة مثلاً لا لتبدّل خصوصية في العين وذلك كمن غصب الثلج في شدّة الحرّ ثم أرجعه في الأيام الباردة فهل يكون ذلك موجباً للضمان أو لا؟ ذكر السيد الخوئي: انّ انكسار القيمة السوقية لا يضمن وإلّا للزم تضمين التاجر المستورد لبضاعة الكاسر بذلك قيمة البضاعة

484

الموجودة لدى تاجر آخر نعم لو سقط عن المالية نهائياً كما لو برد الجوّ إلى حدّ لم تبق أيّ قيمة للثلج كان ضامناً ولا يكفيه إرجاع الثلج لانّ الواجب عليه ردّ المال إلى أهله والثلج قد سقط عن كونه مالاً والواجب عليه انّما هو ردّ قيمة آخر ساعة من ساعات مالية الثلج لانّه إلى تلك الساعة لم يكن قد وقع شيء عدا تنزّل القيمة السوقية وقد قلنا بعدم ضمانه فالمالية التي تلفت وهي مضمونة انّما هي مالية الساعة الأخيرة(1).

وقد مضى عن استاذنا الشهيد (رحمه الله) التفصيل بين انكسار القيمة السوقية فحسب كما هو الحال في مثال استيراد البضاعة وانكسار القيمة الاستهلاكية كما في مثال الثلج فالأوّل لا يُضمن ولكن الثاني يُضمن.

وكأن الوجه في هذا التفصيل لو كان مصدر الضمان تطبيق قاعدة لا ضرر على الضرر المالي في المقام هو ما ذكره (رحمه الله) في بحث لا ضرر من أنّ ذلك نفي للضرر المطلق دون الضرر المقيد أو الضرر المضاف سنخ انصراف أحكام الماء إلى الماء المطلق دون المضاف وانكسار القيمة الاستهلاكية هو الضرر بقول مطلق، امّا انكسار القيمة السوقية فحسب فانّما يكون ضرراً من وجهة نظر التجارة ولذا لا يحس غير التاجر بالضرر مهما كثر في السوق ما يماثل البضاعة التي يمتلكها للاستهلاك.

ولو كان مصدر الضمان الارتكاز العقلائي للضمان بعد إثبات إمضائه بعدم الردع أو بتطبيق قاعدة لا ضرر على الضرر الحقيّ بمعنى انّ سلب الحق العقلائي يعتبر ضرراً منفياً بلا ضرر فكأن الوجه في التفصيل هو دعوى اشتمال نفس الارتكاز العقلائي على هذا التفصيل.

 


(1) راجع المحاضرات 2: 190 و 194 و 195.

485

(يبقى في المقام شيء) وهو انّ انكسار القيمة الشرائية للنقد هل يضمن أو لا؟ قد وردت في الدرهم الذي أسقطه السلطان روايات متعارضة(1) وذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) والشيخ الصدوق بعض الوجوه للجمع في ما بينها(2) ولكنها وجوه تبرعية.

ولعل مقتضى القاعدة الضمان لانّ القيمة الاستهلاكية للنقد المتمحّض في النقدية أو الغالب نقديته على كونه بضاعة في ذاته هي نفس قيمته السوقية فيكون انكسارها ضرراً مطلقاً ويكون الارتكاز مساعداً للضمان.

وبهذه المناسبة نذكر انّه قد يقال في الأوراق النقدية المألوفة اليوم بان أخذ الزيادة في القرض بمقدار التضخّم وانكسار القوّة الشرائية ليس ربا لأنّ رأس المال يتمثّل في القوّة الشرائية فلو أخذ ما يساوي القوّة الشرائية سابقاً فقد عمل بقوله تعالى: ﴿فلكم رؤوس أموالكم﴾(3).

نعم لو قلنا: إنّ الرصيد حيثية تعليلية لمالية هذه الأوراق وانّ المال العرفي قد أصبح عبارة عن نفس هذه الأوراق لا القوة الشرائية التي هي أمر معنوي تقوّى في الذهن إشكال الربا.

الرابع ـ في بدل الحيلولة. لا إشكال في أنّ ما كان تالفاً أو يعتبر بحكم التلف كالواقع في مكان ييأس رجوعه عنه إلى المالك من قبيل ما وقع في البحر يكون مضموناً بالمثل أو القيمة، امّا ما لا يكون كذلك لكن تعذّر وصوله إلى المالك في برهة من الزمن على الأقل فهل يضمن بدل الحيلولة أو لا؟

 


(1) راجع الوسائل 12: 488، الباب 20 من أبواب الصرف.

(2) راجع الفقيه 3: 118، ذيل الحديث 504، والاستبصار 3: 100، ذيل الحديث 345.

(3) البقرة: 279.

486

أفضل دليل ذكره السيد الخوئي على ضمان بدل الحيلولة وناقشه هو قاعدة نفي الضرر وأورد عليه بوجوه(1):

1 ـ انّ القاعدة تنفي حكم الموضوع الضرري كالوضوء الضرري لا الحكم الضرري كما في المقام وهذا الإشكال ذكره في المحاضرات(2) وانكره في المصباح(3).

2 ـ انّ القاعدة تنفي الحكم في موارد الضرر ولا تثبت الحكم لنفي ضرر كان يثبت لولاه.

وهذان الإشكالان مبنائيان وقد أثبتنا في بحث لا ضرر خلافهما.

3 ـ النسبة بين الضرر وموارد بدل الحيلولة عموم من وجه فقد يكون زمان الحيلولة قصيراً فلا يلتزم فيه بضمان البدل مع أنّ الضرر متحقّق ولو في زمان قصير وقد يكون زمان الحيلولة طويلاً ويلتزم فيه ببدل الحيلولة ولو فرض المالك ثريّاً بحيث لا يهتمّ أبداً بماله المحجوز.

أقول: بالنسبة للشقّ الأوّل نلتزم في مورده بالضمان متى ما صدق الضرر وبالنسبة للشقّ الثاني لو قلنا: إنّ عدم اهتمامه بالمال المحجوز لا يمنع عن صدق الضرر فلا إشكال في المقام ولو قلنا: إنّه يمنع عن صدق الضرر أصبح الدليل أخص من المدّعى ولكن لا يبطل الدليل من أساسه.

4 ـ لم نجد أحداً استدلّ بالقاعدة على بدل الحيلولة فيما إذا حال أحد بين


(1) راجع المحاضرات 2: 207 ـ 210، ومصباح الفقاهة 3: 204 ـ 209.

(2) المحاضرات 2: 207.

(3) مصباح الفقاهة 3: 204.

487

المالك وماله بمنعه من التصرّف بالحبس مثلاً، مع أنّه لا فرق في ذلك بين حبس المالك عن المال أو حبس المال عن المالك.

أقول: إنّ الحكم في كلا الموردين سواء، فعلى الحابس بالدرجة الاُولى فكّ ما حبسه فإن كان قد حبس المال عن مالكه وجب فكّ الحبس عن المال وإرجاع المال إلى مالكه، وإن كان قد حبس المالك عن ماله وجب فكّ المالك وإيصاله إلى ماله لو كان قد أبعده عنه وإذا عجز عن رفع الحاجز بين المال والمالك في كلا الموردين وكان يريد المالك الاستفادة من بدل المال كانت عليه تهيئة البدل، ولا أظنّ انّ المسألة بهذا الشكل مبحوثة في كلمات الأصحاب حتى يستظهر الاتفاق على عدم ضمان بدل الحيلولة في فرض حبس المالك وعجزه عن إرجاعه إلى ماله.

ولا نقصد بضمان بدل الحيلولة الضمان بالمعنى المصطلح الذي هو من الأحكام الوضعية بل نقصد به ما يعمّ مجرّد الوجوب التكليفي لدفع البدل إذا أراد المالك وقاعدة لا ضرر هنا لا تثبت أكثر من ذلك.

5 ـ ان إثبات ضمان بدل الحيلولة بلا ضرر يوجب الضرر على الضامن فيقع التعارض بين الضررين والتساقط.

أقول: إنّ هذا الكلام لا يأتي بشأن الغاصب لانّ لا ضرر منصرف عن الغاصب وعن أي شخص يكون إجراؤه بشأنه تشجيعاً له في ارتكاب الحرام.

وعلى أيّة حال فهنا وجه آخر لإثبات ضمان الحيلولة غير الوجوه التي ذكرها السيد الخوئي وناقشها وهو الارتكاز العقلائي الممضى بعدم الردع.

والظاهر في الارتكاز انّ دافع البدل يملك الأصل أي انّ دفع البدل يكون بملاك المبادلة فقد يقال: لا يجب عليه إرجاع العين إذا رجعت بعد ذلك إلى

488

حوزته ولكن قد يقال: يجب عليه ذلك إذا كان البدل غير واجد لأوصاف العين كما لو كان عبارة عن القيمة لا المثل وذلك لانّ تنازل المالك عن تلك الأوصاف انّما كان عن اضطرار أوجده له الضامن فيكون له بعد زوال العذر حق خيار فسخ المبادلة التي وقعت في زمن العذر.

الخامس ـ لو لم يوجد المثل إلّا بأكثر من قيمة المثل (لا لارتفاع القيمة السوقية للندرة وإلّا لكانت هي قيمة المثل) لم يجب شراؤه لعدم حكم الارتكاز بذلك ولا ضرر يمنع عن ذلك ولا يعارض بلا ضرر بشأن المالك لانّه ليس ضرراً مالياً بل هو ضرر حقيّ متوقّف على اعتراف العقلاء بهذا الحق ولا يعترفون به.

إلى هنا ننتهي من كتاب فقه العقود، وأسأل الله تعالى ان يتقبّله خالصاً مخلصاً لوجهه ويجعله ذخراً لي ليوم فاقتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.