442

وقد عمّم الحكم بوجوب الردّ على القول به لما لا يضمن بصحيحه كالهبة إلّا انّ هذا التعميم لمثل الهبة ممّا تكون الفحوى عادة شاهدة على التسليط المجاني حتى على تقدير البطلان يجب أن يكون بفرض عدم هذه الفحوى.

وعلى أية حال ففي المسألة قولان: وجوب الردّ وكفاية تخلية الوضع عن المانع الذي يحول بين المالك وأخذه للمال.

وما قد يصلح دليلاً على وجوب الردّ الذي ذهب إليه الشيخ الانصاري والشيخ النائيني والسيد اليزدي وغيرهم وجوه:

الوجه الأوّل ـ حرمة الإمساك المستفادة من حديث سماعة وزيد الشحّام عن الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يحل دم امرىء مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه(1) والتوقيع عن الإمام صاحب الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ: لا يحل لأحد ان يتصرّف في مال غيره بغير اذنه(2).

وجعل الشيخ الانصاري (رحمه الله) دلالة الرواية الاُولى على المقصود أقوى من الثانية حيث انّه لو نوقش في دلالة الثانية بمنع صدق التصرّف على الإمساك فالاُولى تدلّ بسبب نسبة الحرمة إلى المال الخارجي على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة به التي منها كونه في يده(3) ولكن الشيخ الآخوند جعل دلالة الرواية الاُولى أضعف من دلالة الرواية الثانية(4) ولعله لأجل أنّ حذف المتعلّق إذا كان


(1) الوسائل 3: 424، الباب 3 من أبواب مكان المصليّ، الحديث 1، و 19: 3، الباب 1 من القصاص في النفس، الحديث 3.

(2) الوسائل 6: 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 6.

(3) المكاسب 1: 104، بحسب طبعة الشهيدي.

(4) راجع تعليق الآخوند على المكاسب: 33.

443

هناك شيء بارز يناسب تقديره لا يفيد العموم فكما ان تحريم الامهات ينصرف إلى الوطء وتحريم الخمر ينصرف إلى الشرب مثلاً، كذلك تحريم المال ينصرف إلى الأكل بالمعنى الواسع لا بخصوص معنى الازدراد ولا يشمل مثل مجرّد الإمساك.

وذكر الشيخ النائيني (رحمه الله): انّ الإمساك يكون تصرّفاً لانّه عبارة عن استدامة الأخذ والأخذ تصرّف، واستدامة التصرّف تصرّف لا محالة(1).

أقول: إنّ التشكيك في كون الإمساك تصرّفاً إمّا أن يكون في مطلق الإمساك بدعوى انّ التصرّف مأخوذ من الصرف بمعنى القلب والتقلّب وعندئذ من الواضح انّ الأخذ تصرّف باعتباره قلباً للمال ونقلاً له من يد المالك مثلاً إلى يده ولكن الإمساك ليس استدامة للأخذ وانّما هو مجرّد استدامة لكون المال عنده وهذا ليس قلباً وتقلّباً في المال. وإمّا أن يكون في خصوص الإمساك غير السلطوي بمعنى إبقائه عنده مع التخلية بينه وبين المالك وانتظار مجيء المالك كي يسلّم المال إليه ومن الواضح ان هذا لا يعدّ تصرّفاً وليس حاله حال الأخذ.

وعلى أي حال فخير اعتراض على الاستدلال بهاتين الروايتين هو التشكيك في صدق التصرّف الوارد في احدى الروايتين على الإمساك خصوصاً غير السلطوي والتشكيك في إطلاق الرواية الاُخرى التي حذف المتعلّق فيها ودعوى انصرافها إلى حرمة الأكل أو احتمال الانصراف على أقل تقدير.

وقد اعترض الشيخ الآخوند (رحمه الله) في المقام باعتراض آخر وهو انّ حرمة الإمساك لا توجب وجوب الردّ تعييناً ولو على القول بمقدمية الضد فانّ الإمساك


(1) راجع منية الطالب 1: 131، وتقرير الشيخ الآملي 1: 325.

444

والردّ ضدّان لهما ثالث وهو التخلية بين المال وبين مالكه فلا يجب عليه على هذاالقول إلّا احدهما ثم أمر بالفهم(1).

أقول: إنّ هذا الكلام كما ترى ينحلّ إلى إشكالين:

احدهما ـ انّ الردّ والإمساك ضدان لهما ثالث وهو التخلية فتحريم الإمساك لا يقتضى وجوب الرد بالخصوص.

والجواب: انّ الإبقاء تحت اليد بالمعنى الثابت لدى التخلية وانتظار المالك ان قلنا بعدم تحريمه لعدم دخوله في إطلاق الروايتين فقد رجعنا إلى الوجه السابق، وإن قلنا بتحريمه فقد وجب الرد لا محالة لانّ التخلية لا تنافي الإمساك حينما يقصد به مطلق الإبقاء تحت اليد ولو غير السلطوي الذي يجتمع لا محالة مع التخلية فليست التخلية ضداً ثالثاً.

والثاني ـ انّ الضد ليس مقدمة لنفي ضده فحتى لو حرم الإمساك وكان الرد ضدّه الوحيد لم يثبت وجوبه.

أقول: إنّني لا أظن انّ من يقول بوجوب الرد يقصد أكثر من لابدّية الردّ ولو لكونه ملازماً لواجب مقدمي، ومن الواضح انّه لو حرم الإمساك حتى بمعناه المجتمع مع التخلية فلا بدّ له من الردّ ما دام أنّه لا ثالث لهما ولا حاجة بنا إلى التكلّم بمصطلحات مقدمية الضد وعدم مقدميته.

ولو أصررنا على التكلّم بهذه اللغة قلنا: إنّ الضد وإن لم يكن مقدمة لنفي ضده لكن علّة الضد مقدمة لنفي ضده فضدّ الإمساك إمّا هو إمساك المالك مثلاً والردّ علّة لإمساك المالك فهو مقدّمة لنفي إمساك هذا الشخص، أو انّ الردّ بنفسه ضدّ للإمساك فله علّة تكون مقدمة لنفي الإمساك فتجب وهي قصد الردّ مثلاً.


(1) تعليق الآخوند على المكاسب: 33.

445

والوجه الثاني ـ رواية على اليد ما أخذت حتى تؤدّي بعد فرض ثبوتها بالشهرة والاستفاضة مثلاً أو بالانجبار أو فرض غضّ النظر عن ضعف سندها.

وقد قرّب الاستدلال بهذه الرواية على وجوب الردّ بعدّة وجوه:

الأوّل ـ ما في منية الطالب(1) من أنّ الضمان بلا وجوب الردّ لغو فإن لم يجب ردّ العين ثم لم يجب بعد التلف ردّ العوض فما فائدة الضمان؟! فقوله: على اليد الدال بالمطابقة على الضمان يدلّ بالالتزام على وجوب الرد.

وأجاب السيد الخوئي على ذلك بانّه يكفي في نفي اللغوية وجوب التخلية بين المال والمالك(2).

والثاني ـ ما في تقرير الشيخ الآملي (رحمه الله)(3) لبحث الشيخ النائيني (قدس سره) من تقريب الدلالة الالتزامية لحديث على اليد بوجه آخر يختلف عمّا نقل عنه في منية الطالب وهو انّ جعل الأداء رافعاً للضمان يدلّ بالالتزام على مطلوبية الأداء وبضم ذلك إلى علمنا بانّ مطلوبية الأداء إن كانت فهي وجوبية نفهم الوجوب، بل يمكن استظهار نفس الوجوب ابتداء من جعل الأداء رافعاً للضمان دون مطلق المطلوبية.

أقول: لم نعرف منشأً لاستظهار المطلوبية أو الوجوب من جعل الأداء غاية للضمان، وما مضى عن منية الطالب أكثر فنيّة ممّا ورد في تقرير الشيخ الآملي.

هذا. وجاء في منية الطالب(4): انّ الاستدلال بحديث على اليد لإثبات


(1) منيّة الطالب 1: 131.

(2) راجع المحاضرات 2: 166، ومصباح الفقاهة 3: 123.

(3) تقريرات الشيخ الآملي 1: 326.

(4) منيّة الطالب 1: 131.

446

وجوب الرد يشمل حتى مثل الهبة والعارية الفاسدتين فانّ الضمان فيهما وإن لم يكن ثابتاً لأجل التسليط المجاني لكن مورد التسليط المجاني ليس خارجاً من حديث على اليد بالتخصص وانّما خرج منه بالتخصيص، والتخصيص انّما ثبت بلحاظ المدلول المطابقي وهو الضمان دون الالتزامي وهو وجوب الرد.

أقول: إنّ هذا الكلام لا يتم.

أوّلاً ـ لانّ التسليط المجاني مانع ارتكازي كالمتصل عن الضمان فيرجع الأمر إلى التخصّص.

وثانياً ـ لتبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجية.

والثالث ـ ما هو منقول عن الشيخ الايرواني (رحمه الله)(1) من ان حديث على اليد ان لم يختص بالحكم التكليفي وهو وجوب الردّ فلا أقل من أن يعمّ الوضع والتكليف ببيان ان مؤدّاه وجوب دفع العين مع قيامها ودفع البدل مع التلف.

وأورد عليه السيد الخوئي.

(أوّلاً) بانّه لو حمل الحديث على الحكم الوضعي لم يكن في ذلك تقدير ولو حمل على الحكم التكليفي فلا بد من تقدير أي على اليد ردّ ما أخذت لانّ الحكم التكليفي انّما يتعلّق بالأفعال لا بالأعيان ولا يمكن الجمع بين التقدير وعدمه.

(وثانياً) بانّ الغاية المذكورة في الحديث وهي قوله حتى تؤدّي انّما تناسب الحكم الوضعي ولا تناسب الحكم التكليفي وإلّا لكان معناه جعل العمل بالواجب غاية للوجوب من قبيل أن نقول: يجب عليك ان تصليّ حتى تصليّ وهذا يعني تفسير الحديث بمعنى: على اليد ان تؤدّي حتى تؤدّي.

 


(1) راجع مصباح الفقاهة 3: 123.

447

أقول: إنّ تصوير إطلاق حديث على اليد للحكم الوضعي والتكليفي معاًلا ينحصر بفرض الجمع بين التقدير وعدم التقدير بل يمكن تصوير ذلك من دون تقدير إذ كما انّ المال حينما يكون دركه على الشخص بمعنى انّه لو تلف دخل في ذمّته يمكن ان يعتبر انّ لهذا المال ثقلاً على الشخص وفي طول ملاحظة هذا الاعتبار يصح استعمال كلمة «على»، كذلك حينما يجب تكليفاً ردّه إلى المالك على الشخص يمكن أن يعتبر انّ لهذا المال ثقلاً على الشخص وفي طول ملاحظة هذا الاعتبار يصحّ استعمال كلمة «على» وكذلك حينما يجب تكليفاً رفع الحاجز أو التخلية بين المال ومالكه يمكن أن يعتبر انّ لهذا المال ثقلاً على الشخص وفي طول ملاحظة هذا الاعتبار يصح استعمال كلمة «على». ولعل مقصود الشيخ الايرواني (رحمه الله) من التردّد بين ان يختص الحديث بالحكم التكليفي أو يعمّ على الأقل الوضع والتكليف هو انّ افتراض المال على الشخص لا معنى له إلّا بأحد وجهين:

الأوّل التقدير كي يكون الثابت على الشخص عملاً من الأعمال لا عيناً خارجية.

والثاني اعتبار ثقل واستعلاء للمال على الشخص كي يصحّ في طول هذا الاعتبار نسبة العلوّ إلى نفس العين فانْ استظهر الوجه الأوّل اختص الحديث بالحكم التكليفي، وإن فرض الوجه الثاني فمقتضى الإطلاق شمول الحديث للحكم التكليفي والوضعي وذلك لا بمعنى انّ الحديث دلّ على الحكم التكليفي بالمطابقة كي يقول السيد الخوئي بانّ الحكم التكليفي يتعلّق بالعمل لا بالعين بل بمعنى انّ الحديث دلّ على اعتبار العلوّ للمال على الشخص بكل اعتباراته ومنها الاعتبار المناسب للحكم التكليفي لما قلنا من أنّه إذا وجب ردّ المال صحّ ان يعتبر ان للمال ثقلاً على الشخص وإذا كان هذا هو مقصود الشيخ الايرواني (رحمه الله) لم يرد عليه أيضاً الإشكال الثاني للسيد الخوئي وهو عدم مناسبة قوله حتى تؤدّي لكونه

448

غاية للحكم التكليفي، إذ يكون معنى ذلك: على اليد أن تؤدّي حتى تؤدّي فانّ المعنى عندئذ يكون أنّ الثقل الاعتبار للمال على الشخص ينتهي بكل معانيه بالأداء.

نعم أثر هذا الإشكال الثاني يكون عبارة عن إبطال استظهار التقدير وتثبيت استظهار اعتبار نوع من الثقل والعلوّ للمال على الإنسان لانّه لو بنى على التقدير وبالتالي تخصيص الحديث بالحكم التكليفي لأصبح معنى الحديث: على اليد ان تؤدّي حتى تؤدّي وهو كلام غير منسجم فيتعين القول بانّ الحديث يعمّ الحكم الوضعي والتكليفي معاً.

وعلى أيّة حال فإن كان هذا هو مقصود الشيخ الايرواني (رحمه الله) ورد عليه: ما حقّق في محله من الاُصول من أنّ الإطلاق انّما يتمّ للكلام بالنسبة للأفراد أو الأقسام الحقيقية غير المتوقفة على فرض الاعتبار من قبل المتكلّم، امّا ما تكون فرديته في طول الاعتبار فالإطلاق انّما يتم في طول ان نعرف انّ المتكلّم لاحظ واعتبر جميع تلك الاعتبارات ولا يمكن ان نثبت بالإطلاق ان المتكلّم قد لاحظها واعتبرها جميعاً بالفعل، اذن فيكون القدر المتيقن من بينها أبرزها عرفاً وأبرز ما يعتبر ثقلاً للمال على الشخص ويعتبر علوّاً له عليه هو كون دركه عليه وانشغال ذمّته به لو تلف فحديث على اليد لا يدلّ على وجوب الردّ وجوباً تكليفياً.

ثمّ انّنا لو استظهرنا من حديث على اليد التقدير وحملناه على هذا الأساس على الحكم التكليفي يدخل الحديث عندئذ ضمن نصوص الوجه الثالث الدالة التي تنصّ على وجوب الأداء فلو أورد على دلالتها إيراد سيكون ذلك مشترك الورود بينها وبين حديث على اليد.

الوجه الثالث ـ نصوص الرد والأداء من قبيل:

 

449

1 ـ قوله تعالى: ﴿إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾(1).

2 ـ ﴿فان أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي ائتمن أمانته﴾(2).

3 ـ رواية زريق وفيها: تردّ المعيشة إلى صاحبها وتخرج يدك عنها(3)والسند غير تام.

4 ـ رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر بسند تام قال سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة وهو مستوى الجناحين وهو يعرف صاحبه ايحلّ له إمساكه؟ فقال: إذا عـرف صـاحبه ردّه عليه وإن لم يكن يعرفه وملك جناحه فهو له وإن جاءك طالب لا تتهمه ردّه عليه(4).

5 ـ صدر ما مضى من حديث لا يحل دم امرىء مسلم ولا ماله وهي الرواية المروية عن زيد الشحام وعن سماعة عن الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها فانّه لا يحل دم امرىء مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه(5) وقد مضى الحديث عن ذيل الرواية في الوجه الأوّل والآن يكون النظر إلى صدرها.

6 ـ مرسلة حماد بن عيسى عن العبد الصالح (عليه السلام) وفيها: وله صوافي الملوك


(1) النساء: 58.

(2) البقرة: 283.

(3) الوسائل 12: 253، الباب 3 من عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.

(4) الوسائل 17: 366، الباب 15 من أبواب اللقطة، الحديث 1.

(5) الوسائل 3: 424، الباب 3 من أبواب مكان المصليّ، الحديث 1، و 19: 3، الباب 1 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

450

ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لانّ الغصب كله مردود(1).

وهذه النصوص التي جمعتها ما يكون منها راجعاً إلى الغصب أو يكون موردها أبعد أمانيّة من مورد المقبوض بالعقد الفاسد قد يصعب التعدّي منها إلى المقام وكذلك الآية الثانية واردة في القرض فقد يقال أيضاً بعدم التعدّي منها إلى المورد.

وعلى أيّة حال فالشيخ الاصفهاني (رحمه الله) قد أشار إلى نصوص الردّ دون نصوص الأداء وأبدى فيها احتمال المناقشة بتفسير الردّ بالتخلية بين المال والمالك دون الإرجاع الخارجي المادي.

أقول: يمكن توجيه ذلك بنحو يشمل أيضاً نصوص الأداء بان أمثال هذه الكلمات المستعملة في فقه المعاملات والأموال من قبيل الردّ والأداء والنقل والانتقال والتبادل وما شابه ذلك لا تحمل عادة على الردّ والنقل من مكان إلى مكان بل تحمل على الردّ والنقل من سلطة إلى سلطة إمّا سلطة قانونية كما في تعريف البيع بانّه تبديل عين بمال، أو سلطة واقعية كما في ردّ الغصب أو ردّ المقبوض بالبيع الفاسد وهذا لا يدلّ على أكثر من التخلية بين المال والمالك.

ثم انّ السيد الخوئي فصّل في المقام بين الردّ إلى نفس المالك في بيته مثلاً وبين الردّ إلى البلد الذي أخذ فيه هذا المتاع فذكر: انّ الأوّل غير واجب إذ لا دليل عليه ولكن الثاني واجب إذا أراده المالك لانّ المالك له المطالبة بإرجاع السلطنة على العين بكل خصوصيات السلطنة الدخيلة في الرغبة والقيمة ومن الواضح انّ


(1) الوسائل 6: 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4، و 17: 309، الباب 1 من كتاب الغصب، الحديث 3.

451

المتاع تختلف مقدار الرغبة فيه وقيمته السوقية باختلاف البلاد فلو طالب المالك بهذه الخصوصية لا بدّ من توفيرها له نعم لو انتقل المالك إلى بلد آخر قبل إرجاع العين وطالب بردّ المال إليه في بلده الجديد لم تجب على الآخذ استجابته، لانّ هذه الخصوصية وهي خصوصية كون العين في البلد الجديد لم تكن ثابتة منذ البدء كي يجب عليه توفيرها وانّما عليه إرجاع المال إلى بلد الآخذ بطلب المالك إن كان قد أخرجه من ذلك البلد، والتخلية بينه وبين الملك في ذلك البلد سواء أكان المالك هناك أو كان منتقلاً إلى مكان آخر، ومؤونة الردّ إلى البلد تكون على الآخذ لانّه هو الذي أعدم هذه الخصوصية فعليه مؤونة إرجاعها، أمّا الردّ إلى بيت المالك مثلاً لو قلنا بوجوبه عليه بدليل مّا فليست مؤونته عليه لانّ خصوصية كونه عند المالك أو في بيت المالك لم تكن دخيلة في الرغبة والقيمة السوقية كي تكون مضمونة عليه، غاية الأمر فرض قيام دليل على وجوبه عليه لكن بمؤونة المالك الذي رغب في تحقيق هذه الخصوصية، أمّا كون مؤونة ذلك على الآخذ فهو ضرر عليه منفيّ بلا ضرر.

وتخيّل عدم جريان لا ضرر هنا لانّ الردّ بطبيعته ضرري وبحاجة إلى مؤونة والحكم الضرري بطبعه لا ينفى بلا ضرر إلّا في مورد اتفقت حاجة الردّ إلى مؤونة أكثر من المتعارف فالزيادة تنفى عنه بلا ضرر غير صحيح، لانّ الردّ ليس بطبيعته ضررياً إذ ما أكثر الردّ الذي لا مؤونة فيه كردّ فصّ من خاتم مثلاً فلا ضرر انّما ينفي إطلاق الحكم لا أصله(1).

أقول: إنّ هذا الكلام يمكن أن يثار حوله عديد من التساؤلات:

 


(1) راجع المحاضرات 2: 167 ـ 168، وراجع أيضاً مصباح الفقاهة 3: 124 ـ 126، مع بعض الفوارق في هذا الكتاب.

452

منها ـ انّه لو اتفق انّه لم تكن لخصوصية كون العين في بلد الاخذ أثر في الرغبة أو القيمة السوقيتين أو كانت الرغبة والقيمة في البلد الذي نقل الآخذ العين إليه أقوى منها في بلد الآخذ فهل يجب هنا الرد إلى بلد الآخذ لو رغب المالك في ذلك لانّ خصوصية البلد عادة لها دخل في مقدار الرغبة والقيمة أو لا يجب ذلك لانّ هذه ا لخصوصية بالفعل لا دخل لها في الرغبة والقيمة؟

ومنها ـ انّه لم لا نقول أيضاً بضمان خصوصيات السلطنة التي للمالك رغبة شخصية فيها ولو لم تكن دخيلة في الرغبة والقيمة السوقيتين؟! كما هو الحال في أوصاف العين فلو انّ الغاصب غيّر لون العين المغصوبة من البياض إلى الإحمرار مثلاً ولم يكن تبدل اللون مؤثراً في الرغبة والقيمة السوقيتين لكن للمالك رغبة شخصية في الوصف المتغيّر فلا إشكال في أنّ على الغاصب إعادة اللون مع الإمكان وإن لم يكن عليه ضمان مالي لدى العجز عن إعادة اللون لانّنا فرضنا عدم دخله في القيمة السوقية أفلا يكون ما نحن فيه من هذا القبيل؟!

ومنها ـ انّه لم لا نقول: إنّ خصوصيات السلطنة غير مضمونة في المقام وإن كانت مضمونة في باب الغصب؟! لانّ المالك دخيل في إعدامها بإعدام أصل السلطنة حينما سلّم العين إلى الآخذ فهذا نظير تفويت المنافع غير المستوفاة التي قلنا بعدم ضمانها لكون المالك دخيلاً في ذلك وانّما دلّ الدليل على وجوب التخلية بين المالك والمال والمفروض قيام الآخذ بذلك ولا دليل على أكثر من ذلك، لما عرفت من المناقشة في وجوه وجوب الردّ وهذا بخلاف باب الغصب لانّ الغاصب هو الذي أزال سلطنة المالك على المال فيجب عليه إرجاعها بالنحو الذي كان قبل الإزالة ولو بردّه إلى بيت المالك.

وأمّا باب الدَين فهو يختلف عمّا نحن فيه وعن باب الغصب فالمفروض ان

453

تُرسى حدود وجوب الردّ أو التخلية فيه على أساس المرتكزات العرفية المختلفة من عرف إلى عرف باختلاف الأزمنة والأمكنة والتي تولّد شرطاً ارتكازياً ضمنياً في عقد القرض يجب الوفاء به.

 

ضمان المنافع:

الرابع: ممّا ذكره الأصحاب من أحكام المقبوض بالعقد الفاسد هو ضمان المنافع المستوفاة أو مطلقاً وقد بحثنا ذلك مفصلاً لدى تعرّضنا للفروع التي ذكروها كنقض على قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده حيث تعرّضوا هناك أيضاً لهذه المسألة باعتبار انّ منافع المبيع بالبيع الصحيح لا تضمن بصحيحه فكيف تضمن بفاسده؟! ونحن بما انّنا فصّلنا الكلام هناك فهنا نجمل الكلام إلّا من ناحية ما أوردوه من بحث الخراج بالضمان وما أورده السيد الخوئي من دعوى القاعدة المتصيدة باسم قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن.

المنافع المستوفاة:

وقد اختار السيد الخوئي في المقام ـ في فرض استيفاء المنفعة ـ الضمان، وذكر: انّ عمدة الدليل عليه السيرة العقلائية وقاعدة (من أتلف مال الغير فهو له ضامن) ولا يقصد بالقاعدة قاعدة عقلائية كي يرجع الأمر مرّة اُخرى إلى السيرة ولا يقصد بها نصاً خاصاً بهذا المضمون حتى يقال: لم نجد نصاً خاصاً بذلك بل يقصد بها قاعدة متصيدة من النصوص الواردة في الموارد المختلفة والمستظهر منها كون موردها من باب المثال لا لخصوصية فيها(1).


(1) راجع المحاضرات 2: 177 ـ 181، وراجع مصباح الفقاهة 3: 130 ـ 132، وراجع ذيل الصفحة 131، المثبّت فيها بعض الروايات التي يدعى تصيد هذه القاعدة منها.

454

وقد نقل عن الوسيلة لابن حمزة القول بعدم الضمان محتجاً بانّ الخراج بالضمان كما في النبوي(1).

ونحن هنا نتكلّم تارة في أنّه هل يمكن إثبات قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن عن طريق الروايات وبقطع النظر عن السيرة العقلائية أو لا؟ واُخرى في قاعدة الخراج بالضمان:

أمّا قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن فقد ادّعى السيد الخوئي كما مضى إمكانية استفادتها بالتصيد من الروايات المختلفة الواردة في أبواب متشتتة من قبيل روايات الرهن والعارية والمضاربة والإجارة والوديعة وغير ذلك(2).

أقول: إنّ الروايات التي يمكن أن تستفاد منها هذه القاعدة في موارد مختلفة كثيرة(3) ولو كانت كلّها مخصوصة بالعين لا بالمنافع فلعلّه كان بالإمكان أن يقال باحتمال الفرق ولكن فيها ما ورد في منافع الجارية المسروقة المشتراة(4)والكلام في أنّه هل يمكن ان تستفاد منها قاعدة عامّة لكل موارد الإتلاف أو لا؟

وهناك طريقان لاستفادة القاعدة العامّة من الروايات:

 


(1) راجع المكاسب للشيخ الأنصاري 1: 104، حسب طبعة الشهيدي.

(2) راجع مصباح الفقاهة 3: 131.

(3) راجع الوسائل 13: 125، الباب 5 من كتاب الرهن، و 128، الباب 7 منه أيضاً، و 240، الباب 4 من العارية، و 180، الباب 1 من المضاربة، و 229، الباب 5 من الوديعة، و 254، الباب 16 و 271، الباب 29 و 276، الباب 30 و 281، الباب 32 من الإجارة وإن كان بعضها مربوطاً بباب التلف يمكن ان يتعدّى منه إلى الإتلاف بالأولوية وراجع الجزء 18، الباب 11 من أبواب الشهادات وإن كان ذاك مختصاً بشهادة الزور التي ليست إتلافاً مباشرة أمكن التعدّي إلى الإتلاف المباشر بالأولوية.

(4) راجع الوسائل 14: 591 ـ 592، الباب 88 من نكاح العبيد والإماء.

455

الأوّل ـ استفادتها من نصّ من النصوص.

والثاني ـ تصيّدها من مجموعة النصوص.

أمّا الطريق الأوّل ـ فلعلّ النص الذي قد تستظهر منه هذه القاعدة على الإطلاق منحصر بنص واحد وهو ما عن اسحاق بن عمّار بسند تام قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يرهن الرهن بمأة درهم وهو يسوى ثلاثمأة درهم فيهلك أعلى الرجل أن يردّ على صاحبه مأتي درهم؟ قال: نعم لانّه أخذ رهناً فيه فضل وضيّعه(1) فقد يقال: إنّ مقتضى عموم التعليل ثبوت الضمان في كل مورد ضيّع شخص مال شخص آخر.

وأمّا الطريق الثاني ـ فهو موقوف على أحد أمرين:

الأوّل ـ دعوى انّ الروايات المتفرقة في الأبواب المتفرقة تبعث في النفس بالوثوق والإطمئنان بالقاعدة العامّة.

والثاني ـ دعوى انّ الروايات المتفرقة يجب ان نتعامل معها معاملة العبائر المتصل بعضها ببعض مع دعوى ان هذه الروايات لو ضمّ بعضها إلى بعض لاستظهرت منها إرادة إفهام القاعدة العامّة وأن مواردها ليست عدا مجرّد أمثلة لا خصوصية لها.

إلّا انّ قاعدة التعامل مع المنفصلات في الشريعة معاملة المتصلات لو قبلت فانّما تقبل في النصوص المتعارضة كالعام والخاص أو المطلق والمقيد حيث يقال: إنّ هذا التعارض نشأ من الإنفصال أمّا مع فرض الاتصال فتتم القرينية وذو القرينية بين مثل العام والخاص أو المطلق والمقيد وبما انّ دأب الشريعة جرى


(1) الوسائل 13: 129، الباب 7 من أبواب الرهن، الحديث 2.

456

على فصل المتصلات فيجب ان نتعامل مع نصوصه المنفصلة المتعارضة التي لو اتصل بعضها ببعض لزال التعارض على أثر القرينية معاملة المتصلات وهذا لا يعني ان نتعامل مع كل النصوص معاملة المتصلات فانّنا فرضنا ان دأب الشريعة فصل المتصلات ولم نفرض ان دأبه كون كل منفصلاته التي لو وصلت لوجد لها ظهور جديد متصلات في الواقع.

وعلى أيّة حال ففي خصوص ما نحن فيه لا تفيدنا هذه القاعدة ولا دعوى ان تلك النصوص المتفرقة تبعث في النفس بالقطع أو الوثوق بالقاعدة العامّة وبيان ذلك يكون بأحد وجهين:

الأوّل ـ ان يقال: إنّه وإن كان هناك قاسم مشترك بين جميع موارد هذه الروايات المتفرقة وما نحن فيه وهو الإتلاف ولكن هناك قاسم أخص يشمل جميع موارد هذه الروايات ولا يشمل ما نحن فيه من استيفاء منافع العين المشتراة ببيع فاسد وهو ان الإتلاف في تمام موارد الروايات لم يكن بنوع من التفاهم مع المالك وفي ما نحن فيه كان بنوع من التفاهم مع المالك حيث توافقا على البيع الذي كان باطلاً ونحن نحتمل وجداناً كون هذا الفرق فارقاً في الحكم فلا يمكن التعدّي.

والثاني ـ ما يُبطل حتى الاستفادة في المقام من الطريق الأوّل وهو استظهار القاعدة من النص الواحد، بيانه: انّنا سلّمنا استفادة قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن من نصّ واحد أو من النصوص المتفرّقة ولكنّنا نقول في مورد استيفاء منفعة العين المشتراة ببيع باطل: انّ هنا سببين محتملين للضمان: أحدهما الإتلاف والثاني الاستيفاء فانّ الاستيفاء بغض النظر عمّا فيه من حيثية الإتلاف سبب مستقل للضمان ولذا نرى انّ ضمان الغاصب للمنافع المستوفاة أوضح

457

عقلائياً من ضمانه للمنافع التي فوّتها بلا استيفاء، مع أنّه من ناحية الإتلاف لافرق بين الاستيفاء والتفويت بلا استيفاء، فإذا اتضح انّ في المقام سببين محتملين للضمان قلنا: إنّ سبب الأوّل وهو الإتلاف هو المقصود بقاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن وهو المستفاد من النص أو النصوص المشار إليها وهذا السبب في ما نحن فيه ساقط، لما مضى منّا من أنّ المالك سهيم في الإتلاف لانّ إتلاف المنفعة يعني تفويتها على المالك والحيلولة بينها وبين المالك ولا يصدق هذا العنوان لدى توافقهما على المعاملة وعلى التسليم والتسلّم فلا يبقى في المقام إلّا السبب الثاني وهو الاستيفاء بما هو استيفاء لا بما هو إتلاف وهذا السبب أجنبي عن قاعدة الإتلاف ولا تدلّ عليه تلك الروايات فانّ تلك الروايات انّما كانت تنظر إلى الإتلاف فلا يبقى وجه في المقام للضمان عدا السيرة العقلائية دون قاعدة الإتلاف.

وأمّا قاعدة الخراج بالضمان فهي مروية في حديث نبويّ.

وهذا الحديث عاميّ مرويّ عن عائشة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)تارة من دون ذكر قصّة مّا واُخرى ضمن ذكر قصّة وهي انّ رجلاً اشترى عبداً فاستغلّه ثم وجد به عيباً فردّه فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قد استغلّ غلامي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)الخراج بالضمان(1).

وذكر السيد الخوئي(2): انّ هذه الرواية بقطع النظر عن سقوطها سنداً فيها احتمالات ليس لابن حمزة التمسّك بها إلّا على أحد تلك الاحتمالات وليس هو الاحتمال الأرجح بل هو احتمال مرجوح:


(1) راجع المحاضرات 2: 169 ـ 172، تعليق السيد المقرّم (رحمه الله) في الهامش.

(2) راجع المحاضرات 2: 181 ـ 182، ومصباح الفقاهة 3: 133 ـ 135.

458

الاحتمال الأوّل ـ أن يكون المقصود بالخراج ما يقابل المقاسمة ويكون المقصود بكونه بالضمان ان الخراج على من ضمن الأرض وتقبّلها ولو جعلها لأجل الاستفادة تحت يد شخص آخر وادّعى السيد الخوئي: انّ هذا الاحتمال هو أظهر الاحتمالات.

إلّا انّنا لا نعرف نكتة لأظهريته إن لم يكن بعيداً بل لا يمكن تطبيقه على الحديث في القسم الوارد في ضمن قصّة العبد المشترى.

الاحتمال الثاني ـ أن يكون المقصود بالخراج مطلق المنافع ويكون المقصود بالضمان مطلق الضمان وهذا ينتج ما لا يلتزم به أبو حمزة وهو قول أبي حنيفة من أنّ الغاصب أيضاً لا يضمن المنافع لانّه ضامن للعين وهذا هو القضاء الذي بشأنه ورد في صحيحة أبي ولاد عن الإمام الصادق (عليه السلام): في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركاتها(1).

الاحتمال الثالث ـ أن يكون المقصود بالخراج المنافع وبالضمان تقبّل الشخص للقيمة المسمّاة الممضى شرعاً وهذا ينتج ما لا شكّ فيه من أن من ملك شيئاً بقيمة ليست عليه قيمة اُخرى في مقابل منافعه بل كانت منافعه له بما عليه من قيمة العين وهذا اجنبيّ عن كلام أبي حمزة.

الاحتمال الرابع ـ أن يكون المقصود بالخراج المنافع ويكون المقصود بالضمان تقبّل الشخص للقيمة المسمّاة سواء اُمضي شرعاً كما في البيع الصحيح أو لم يمض كما في البيع الفاسد وهذا هو التفسير الذي يفيد ابن حمزة في المقام إلّا انّه لا شاهد على هذا التفسير بل أورد السيد الخوئي النقض على ذلك، بانّ لازم


(1) الوسائل 13: 256، الباب 17 من أبواب الاجارة، الحديث 1.

459

ذلك ان المالك لو استوفى المنافع ضمنها للمشتري الذي لم يملكه لفساد البيع وانّ شخصا ثالثاً لو استوفاها ضمنها للمشتري لا للمالك.

وقد تستفاد قاعدة الخراج بالضمان من بعض الروايات المروية في طرقنا من قبيل:

1 ـ رواية اسحاق بن عمّار قال حدّثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) وسأله رجل وأنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال: ابيعك داري هذه وتكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي ان انا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ فقال لا بأس بهذا ان جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه قلت فانّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمَن تكون الغلّة؟ فقال: الغلّة للمشتري ألا ترى انّه لو احترقت لكانت من ماله؟(1).

وسند الحديث ضعيف بعدم معرفة من حدّث اسحاق بن عمّار به.

2 ـ رواية معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد الله (عليه السلام)عن رجل باع داراً له من رجل وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر فشرط أ نّك ان اتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فاتاه بماله قال: له شرطه قال ابو الجارود فان ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين قال هو ماله وقال ابو عبد الله (عليه السلام) أرأيت لو انّ الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري(2).

وسند الحديث غير تام لانّ معاوية بن ميسرة لم يرد بشأنه توثيق نعم روى


(1) الوسائل 12: 355، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 1.

(2) الوسائل 12: 355 ـ 356، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 3.

460

عنه ابن أبي عمير في طريق النجاشي إليه إلّا انّ سند النجاشي الذي ينتهي بابن أبي عمير عن معاوية بن ميسرة فيه أحمد بن جعفر وهو أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري ولا دليل على توثيقه إلّا بناء على اتّحاده مع أحمد بن محمّد بن جعفر الصولي كما استقربه البعض، ولكن لا دليل على ذلك بل استبعده السيد الخوئي باعتبار انّ بزوفر قرب واسط غربي بغداد والصولي بصريّ(1).

3 ـ رواية اسحاق بن عمار بسند تام قال قلت لأبي ابراهيم (عليه السلام) الرجل يرهن الغلام والدار فتصيبه الآفة على مَن يكون؟ قال على مولاه ثم قال أرأيت لو قتل قتيلاً على مَن يكون؟ قلت هو في عنق العبد قال: ألا ترى؟! فلم يذهب مال هذا ثم قال: أرايت لو كان ثمنه مأة دينار فزاد وبلغ مأتي دينار لمَن كان يكون؟ قلت: لمولاه قال: كذلك يكون عليه ما يكون له(2).

وهذه الرواية مفادها قاعدة من له الغنم فعليه الغرم لكنها تثبت العكس لا محالة إذ لو لم يكن الخراج لمن عليه الضمان لكان لغيره ويلزم من ذلك انّ ذاك الغير له الغنم وليس عليه الغرم.

وأجاب السيد الخوئي عن كل هذه الروايات من حيث الدلالة على ما في المصباح بجواب واحد وهو انّها ليست مسوقة لبيان الكبرى الكلية بل الغرض منها هو التنبيه على انّ الدار ملك للمشتري والرهن ملك للراهن مملوك لهما فنماؤهما(3).


(1) راجع معجم رجال الحديث 2: 61.

(2) الوسائل 13: 126، الباب 5 من أبواب الرهن، الحديث 6.

(3) راجع مصباح الفقاهة 3: 136.

461

وهذا الكلام على تشويشه لا ينطبق على الرواية الثانية لانّ الدار في الرواية الثانية ملك للمشتري ومع ذلك جعلت المنافع للبائع. على أنّه يأتي في بادىء النظر السؤال عن أنّ مفاد هذه الأحاديث هو تعليل ثبوت المنافع له بكونه ضامناً للعين أي انّ ضمان العين هو الذي يثبت بالمباشرة كون المنافع له، أمّا افتراض وسيط بينهما كما فرضه السيد الخوئي وهو انّ ضمانه للعين يثبت مالكيته لها ومالكيته لها تثبت انّ المنافع له فهو بحاجة إلى توضيح وإثبات.

ولنجعل محور الحديث أوّلاً هي الرواية الاُولى وهي مرسلة اسحاق بن عمّار فنقول: إنّ الوجوه التي يمكن ان تذكر لاستبعاد الرواية عمّا نحن فيه من مسألة منافع العين المشتراة بالعقد الفاسد بالنسبة للمشتري اُمور:

1 ـ انّ الرواية واردة في البيع الصحيح الذي انتهى إلى الفسخ فهي أجنبية عن مورد البحث من البيع الفاسد.

ويمكن الجواب على ذلك بانّ المورد لا يخصص الوارد.

2 ـ انّ المورد وإن كان لا يخصص الوارد لكن الوارد في ذاته لا إطلاق له لانّ الحديث ليس بصدد بيان كبرى كلية وانّما هو وارد مورد بيان انّ منافع العين المشتراة في زمان الخيار للمشتري وانّ الفسخ فسخ من حينه لا من أصله ولعل هذا هو مقصود السيد الخوئي من الجواب الذي مضى نقله.

ويمكن الجواب على ذلك بانّ المقصود ابتداءً بلحاظ المورد وإن كان هو كون منافع العين المشتراة للمشتري لكن تعليل ذلك بانّها لو احترقت لكانت من مال المشتري يفيد لا محالة العموم ورمى ذلك بعدم كونه في مقام البيان يكون من قبيل رمي جميع موارد التعليل بذلك.

3 ـ ارتكازية عدم صحّة نفي الضمان عن الغاصب بالنسبة للمنافع تكون

462

قرينة على أنّ المقصود من الرواية ليس هو انّ ضمان العين يوجب كون الخراج له وإلّا لصدق ذلك بشأن الغاصب أيضاً لانّه أيضاً ضامن للعين بل المقصود ما فرضه السيد الخوئي من توسيط كون الدار له فكون تلف العين منه دليل ملكه لها، وملكه لها دليل مالكيته للمنافع وبما انّ الوسيط وهو الملكية لم يكن ثابتاً في باب الغصب وكان سبب الضمان فيه شيئاً آخر غير الملكية فلهذا لم يكن الخراج له.

ويمكن الجواب على ذلك بان جعل خروج الغاصب بالارتكاز تقييداً لإطلاق الرواية وتخصيصاً له بفرض الإقدام على ضمان ولو بالعقد الفاسد أولى من جعله قرينة على تغيير أصل العنوان بان يبدّل تعليل كون المنافع له بكون التلف عليه بتعليل آخر وهو تعليله بمالكيته للعين.

4 ـ ان لسان الحديث لسان احتجاج الإمام (عليه السلام) مع الراوي حيث قال: الا ترى انّه لو احترقت لكانت من ماله؟ وهذا يعني انّ الإمام عليه يعلّل الحكم بشيء مركوز في الذهن ونحن نحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ارتكاز عقلائي لا متشرعي ولا ارتكاز عقلائي للملازمة بين الخراج والضمان إلّا بأن يكونا معلولين لشيء واحد وهو الملكية وهذا يشهد لما فرضه السيد الخوئي من أنّ المقصود بذكر كون التلف من ماله الإشارة إلى كونه ملكاً له.

5 ـ انّ التعبير بقوله: لكانت من ماله ظاهر في عدم شمول الحديث لمثل المشترى بالعقد الفاسد ولا المأخوذ بالغصب فانّ تلف المشترى بالعقد الفاسد أو المأخوذ بالغصب ليس من مال المشتري أو الغاصب بل من مال مالكه ويكون تداركه على المشتري أو الغاصب، وفرق بين أن يكون التلف ابتداءً خروجاً من جيب شخص ومن ماله وبين كون ضمانه ودركه عليه.

وهذا الكلام ان فسّرناه بمعنى أن يكون المال قبل التلف ملكاً له فهذا المعنى

463

لا ينطبق على الرواية الثانية لانّ الدار في الرواية الثانية فرض انّها ملك للمشتري ولكنها تتلف من البائع باعتبار انّ تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه فهذا فارق جوهري بين الروايتين في معنى كون المنافع في مقابل الضمان وهو انّ هذا الوجه الخامس يمكن استظهاره من الرواية الاُولى دون الثانية وكذلك الوجه الثاني وهو دعوى ارتكازية الملازمة بين الضمان والخراج بسبب العلّة المشتركة وهي الملك لا يأتي في الرواية الثانية.

إلّا انّه بالإمكان ان يفسّر كون التلف من ماله بتفسير أوسع من كون التالف قبل التلف ملكاً له وهو انّ التلف تلف من جيبه سواء كان بسبب انّ المال داخل في ملكه من قبل التلف أو بسبب ان نفس التلف يوجب الانفساخ باعتبار ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه، فإذا أخذنا بهذا التفسير أمكن حمل كلتاالروايتين عليه ويثبت ان الخراج بالضمان بمعنى ان من كان تلف المال من ملكه سواء كان المال قبل التلف ملكاً له أو لا فالخراج له أي انّ المقياس هو ان يعدّ التلف تلفاً منه مباشرة لا بمعنى خصوص ثبوت الملكية له قبل التلف ولا بمعنى كون التدارك عليه الثابت في الغاصب وفي المقبوض بالبيع الفاسد، فانّ التلف في فرض الغصب والقبض بالبيع الفاسد يكون مباشرة تلفاً من المالك وإن كان تداركه ثابتاً على الغاصب أو القابض.

وهذا المعنى يحتمل أيضاً أن يكون هو المقصود بالرواية الثالثة كما يحتمل أيضاً أن يكون هو المقصود من النبوي المعروف (الخراج بالضمان) وهذا احتمال آخر غير الاحتمالات التي مضت في النبوي عن السيد الخوئي.

وإذا فسّرنا قاعدة الخراج بالضمان بهذا التفسير لم يفد ما ذهب إليه ابن حمزة ولا ما ذهب إليه أبو حنيفة.

464

وإذا فسّرت القاعدة بهذا التفسير فلا يبعد أن يكون هذا أيضاً مطابقاً للارتكاز العقلائي بأن لا يكون الارتكاز العقلائي في الملازمة بين الضمان والخراج أو الغنم والغرم مخصوصاً بخصوص ثبوت الملكية المسبقة على التلف بل يكون ثابتاً على الإطلاق، فمتى ما كان التلف من جيب شخص مباشرة لا بمعنى وجوب التدارك كان الخراج له ولو لم يكن التالف ملكاً له قبل التلف.

نعم ان ارتكازية هذه القاعدة بهذا المعنى تختص بما إذا وقع التلف بالفعل أو وقع الانفساخ بالفعل بفسخ خياري، أمّا لو فرض انّ المبيع كان له قبل القبض نماء ثم حصل القبض فافتراض كون ذاك النماء للبائع لانّه لو كان تلف لكان يتلف منه خلاف الارتكاز ولعلّه خلاف ما عليه الفقهاء جميعاً.

ومن هنا يتضح انّ الرواية الثانية لا يمكن تصحيح مفادها بنحو يطابق الفتاوى حتى بهذا التفسير الأخير لانّها حكمت بانّ منافع الدار قبل القبض للبائع وان حصل التقابض بعد ذلك وهذا الحكم وإن لم يكن في مورد الرواية غريباً، لانّ المفهوم عرفاً من مثل مورد الرواية الذي فرض فيه انّه باع البيت وقال للمشتري ان جئت بالمال بينك وبين ثلاث سنين فالبيت بيتك هو وجود شرط ضمني ارتكازي وهو انّ البائع سينتفع بالبيت خلال الفترة ما قبل ان يأتي المشتري بالمال ومن الطبيعي عندئذ انّ منفعة البيت خلال هذه المدّة له ولكن تعليل ذلك بانّ الدار لو احترقت لكانت من ماله يعطي الملازمة بين ثبوت المنفعة للشخص وكون التلف منه حتى في ما إذا لم يحصل التلف بالفعل ولا الفسخ فحتى لو لم يكن بينهما شرط ضمنيّ من هذا القبيل تكون منافع المبيع قبل قبضه للبائع من دون فرض تلف أو فسخ، ولا أظنّ أحداً يفتي بذلك إلّا على فرض كون التقابض دخيلاً في حصول النقل والانتقال. وقد نقل عن مبسوط الشيخ الطوسي(رحمه الله) انّه قال: وإن

465

حصل للمبيع نماء قبل القبض كان ذلك للبائع إذا أراد الردّ بالعيب لانّ ضمانه على البائع(1) فتراه (رحمه الله)قد قيّد الحكم بما إذا حصل الردّ.

وعلى أيّة حال فقد عرفت انّ الرواية الثانية ضعيفة سنداً.

وعلى كل حال فاستدلال ابن حمزة بقاعدة الخراج بالضمان ليس في محله. هذا تمام الكلام في فرض استيفاء المنفعة.

المنافع غير المستوفاة:

وأمّا في فرض عدم استيفاء المنفعة فالظاهر كما أسلفنا في ذيل البحث عن قاعدة ما لا يضمن هو عدم الضمان.

وتوضيح ذلك: ان أسباب الضمان العقلائية ثلاثة: اليد والإتلاف والاستيفاء ونقصد باليد اليد المقترنة بالتلف وليس الاستيفاء موجباً للضمان لكونه شعبة من شعب الإتلاف فقط بل هو موجب عقلائياً للضمان بقطع النظر عن مسألة الإتلاف فالمحبوس بحقّ مثلاً الذي كان حبسه كافياً في تلف عمله عليه لو استعمل في الحبس كان ذلك موجباً لضمان عمله، وفي ما نحن فيه قد قلنا بالضمان في فرض استيفاء المنفعة حتى على ما سنبيّن الآن من عدم الضمان لولا الاستيفاء فإذا عرفت أن أسباب الضمان العقلائية ثلاثة قلنا: إنّ السبب الثالث وهو الاستيفاء غير موجود في المقام كما هو المفروض، وأمّا السبب الثاني وهو الإتلاف فقد ذكر السيد الخوئي: انّه غير صادق في المقام نعم يصدق الإتلاف في باب الغصب إن كان المالك يستوفي المنفعة التي فاتت بالغصب لولا الغصب وإلّا فلا، ومن هنا فصّل السيد الخوئي في باب الغصب بين ما لو كان المالك يستوفي المنفعة لولا الغصب


(1) لا يحضرني المبسوط ولكني نقلته عن تعليق الشيخ الاصفهاني على المكاسب 1: 87.

466

وما لم يكن كذلك بضمان الغاصب للمنفعة في الأوّل دون الثاني، وأمّا في المقام فاختار عدم الضمان إطلاقاً أي سواء كان المالك يستوفي المنفعة لولا العقد الفاسد أو لا لعدم صدق الإتلاف مطلقاً(1).

أقول: الوجه في دعوى عدم صدق الإتلاف في باب الغصب فيما لو لم يكن المالك يستوفي المنفعة لولا الغصب وفي المقام يمكن أن يكون بأحد بيانين:

الأوّل ـ دعوى انّ فوات المنفعة ليس مستنداً إلى الغاصب أو القابض للمال ما دام انّ المالك لم يكن يستوفي المنفعة لولا الغصب أو ما دام انّ المالك هو دخل في المعاملة الفاسدة باختياره مثلاً. فلا يصدق انّ الغاصب أو القابض هو الذي أتلف المنفعة، وهذا المقدار من البيان لا ينفي صدق عنوان التلف وانّما يثبت انّ التلف ليس مستنداً إلى هذا الغاصب أو القابض فليس هذا إتلافاً من قبله.

والثاني ـ دعوى انّ الإتلاف الموجب للضمان في باب المنافع يختلف عنه في باب الأعيان فالإتلاف الموجب للضمان في باب المنافع يعتبر أمراً إضافياً ونسبياً بمعنى إتلاف المنفعة على المالك وهذا بخلاف باب الأعيان فان الإتلاف فيها ينسب إلى العين فقط دون المالك أي انّ الإتلاف إتلاف للعين وليس إتلافاً للعين على المالك فإذا أخذنا مفهوم الإضافة والنسبة إلى المالك في الإتلاف الموجب للضمان في باب المنافع بان قلنا: إنّ إتلاف المنفعة على المالك يوجب الضمان قلنا: إنّه في باب الغصب لو لم يكن المالك يستوفي المنفعة لولا الغصب لم يصدق هذا الأمر الإضافي أي إتلافها على المالك، وكذلك في المقام ما دام المالك هو الذي دخل باختياره المعاملة الفاسدة وسلّم العين إلى القابض برضاه


(1) راجع المحاضرات 2: 183، ومصباح الفقاهة 3: 139 و 143.